طنجة المدينة التي لا تنام
لعل النظام الدولي الذي عاشت في ظله عروس الشمال ردحا من الزمان ميزها بخاصيات لا نلاحظها في مدن مغربية أخرى , لعل أبرزها السهر الليلي والحركة الدءوبة بشوارعها وقرب شواطئها التي تعج بالزوار والمصطافين والرواد وكأننا بكائنات ليلية لا يغمض لها جفن خاصة إذا تزامن فصل الصيف مع شهر رمضان الفضيل بطابعه الروحي وأجوائه المفعمة بالكرامات .
مدينة طنجة ومحيطها في تألق مستمر بفضل العناية الملكية السامية التي جعلت منها ورشا كبيرا وقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية , فالميناء المتوسطي معلمة بارزة مغربيا وإفريقيا تساهم في بلورة مفهوم متطور للتبادل التجاري وتنقل الأشخاص وخلق فرص الشغل واستقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية سواء بالمناطق الصناعية او المناطق الحرة التي هي إحدى منجزات العهد الجديد الذي يتطلع للآفاق المستقبلية للجهة الشمالية للمملكة وخلق بدائل للاقتصاد غير المهيكل الذي يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني و يخل بالتوازن شمال جنوب , و يطبع المنطقة بظاهرة التهريب والاتجار في الممنوعات كما أراد لها الاستعمار أن تكون , و يساهم بعض المستفيدين من تلك الوضعية في ترسيخ الفكرة والترويج لها , حتى غدت عنوانا للإثراء السريع غير المشروع وبقرة حلوب لمن يحظى بالعمل بها من الموظفين والذين لن تحد من جشعهم الا الحملات التطهيرية التي بوشرت في السنين الأخيرة بأمر ملكي .
أربعة عشر كلم تقريبا هي المسافة الفاصلة بين طنجة واسبانيا غبر بوغاز جبل طارق تقطعها البواخر ذهابا وإيابا بشكل يومي في أفق الربط القاري ببناء نفق بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط , ذلك الحلم الذي يطمح الجانبان إلى تحقيقه وقد دخلت مؤخرا الأمم المتحدة على الخط لتسريع وتيرة الانجاز وتوفير الاعتمادات اللازمة , وتبقى الإرادة السياسية بمثابة الدينامو المحرك لمشروع القرن هذا .
وفي انتظار ذلك تبقى طنجة محطة عبور ليس فقط للمسافرين الشرعيين من مغاربة العالم والسياح بل كذلك لفئة كبيرة من الحالمين بالوصول إلى الالدورادو الاروبي رغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي فرضت هجرة عكسية نحو الجنوب خاصة من طرف الأسبان , فالزائر لميناء طنجة تشد انتباهه أفواجا من الشباب والأطفال والنساء من أصول افريقية خاصة منطقة الساحل والصحراء في تربص انتظارا للفرصة المناسبة للعبور نحو الضفة الأخرى غير مكترثين بالعواقب الوخيمة التي ستواجههم ولا بخطر الموت الذي يلوح في الأفق , فاسماك القرش لا عاطفة لها وحرس الحدود لا تنام عيونهم , فأين المفر ؟ إنها حالة مأساوية سببها الفقر والجوع في بلدانهم الأصلية , فلا احد يلقي بنفسه إلى التهلكة إن لم يكن مجبرا أو مضطرا .
وهكذا تتحول شوارع طنجة وأزقتها وأحياؤها إلى ملجأ امن لهؤلاء المهاجرين البؤساء الذين يتوسلون لقمة العيش طامعين في أريحية وجود الساكنة المحلية التي ترق قلوبها وتتألم لحالات اجتماعية كهاته من باب التكافل والتضامن وغيرها من القيم الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف التي يعمل بها المحسنون , جزاهم الله خيرا .
وفي انتظار كودو يعيش الحالمين بالهجرة معركة كر وفر أو لعبة القط والفار مع السلطات الأمنية , فمنهم من اتخذ من الغابات المجاورة مأوى إلى حين , ومنهم من لجا للأحياء الشعبية للتعايش مع سكانها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .
طنجة التي تحولت إلى قطب صناعي واقتصادي ذو أهمية وطنية خاصة بفضل المنشئات التي شيدت بها والتي تستقطب اليد العاملة الضرورية لتحريك عجلتها , وهذا ما جعلها وجهة مفضلة للباحثين عن الشغل من مختلف ربوع البلاد , بالإضافة إلى المؤسسات الجامعية والمعاهد العليا ومدارس التكوين المهني التي يحج إليها طلبة العلم والمعرفة , كل هاته الروافد التي تصب في تغذية شرايين الحياة بهذه المدينة الهادئة الدائمة الحركة , فالساكنة في ازدياد سريع والسلطات المحلية تواكب ذلك بمزيد من التجهيزات والمرافق المختلفة التخصصات والبرامج التاهيلية والتنموية في سباق مع الزمن .
وباعتبار العنصر البشري محور التنمية وعمودها الفقري فان الاهتمام ببعض الشرائح الاجتماعية يعد من الأولويات في مجال السكن والصحة والتعليم وتحسين ظروف العيش التي تعكس مستوى الهشاشة والاحتياجات الخاصة لدى فئات كبيرة من المواطنين , فالوضع لم يعد يسمح بمزيد من التهميش واللامبالاة , فظاهرة انتشار الباعة المتجولين تسيء لجمالية المدينة وتعرقل حركة السير التي تعاني بدورها من الفوضى خصوصا على مستوى المدارات الرئيسية , كما أن ظاهرة التسول التي تتداخل فيها عدة عوامل منها ما سبق التطرق إليه في باب الهجرةغير الشرعية ومنطقة العبور, اضحت مصدر قلق للجميع .
من ملاباطا إلى مرشان و رأس سبرتل ثم شاطئ اشقار تمتد المنطقة السياحية بفنادقها الكبرى ومرافقها الترفيهية وحدائقها الغناء وشوارعها النظيفة المتلألئة أنوارها ومينائها الترفيهي الذي هو جزء من مشروع كبير سيحتضنه ميناء طنجة المدينة بعد نقل نشاط البواخر المخصصة لنقل الأشخاص والبضائع إلى الميناء المتوسطي بالقصر الصغير.
هاته المنجزات تجعل من طنجة وجهة سياحية بامتياز تعج بالزوار مغاربة وأجانب على مدار السنة وتجعل منها مدينة لا تنام .
Aucun commentaire