مقترحات معلم من قسمه للسيد وزير التربية الوطنية
مقترحات معلم من قسمه
للسيد وزير التربية الوطنية
بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أستسمح السيد الوزير ، و من خلفه الحكومة ، بهذه الورقة التي أضع فيها بين يديه مقترحات معلم ممارس في قسمه لما يرى أنها حلول عملية إجرائية قد تساهم جزئيا في تحسين مستوى التعليم ببلادنا (*) ، و هي في معظمها حلول لا تحتاج إلى رصد ميزانيات ، بل إلى مجرد قرارات قوية عوّدنا على مثلها السيد الوزير منذ توليه لمهامه .
و فيما يلي بعض تلك الاقتراحات :
(1) ــ تركيز جهود الدولة على توسيع العرض المدرسي من حيث عدد الحجرات الدراسية و الأساتذة ؛ لأننا في واقع الأمر نقف عند عتبة « تعميم الولوج إلى التعليم » و ليس « تعميم التعليم » (على اعتبار أننا حاليا نمكن التلاميذ من ولوج مؤسسات التعليم ، و لكن دون ضمان تحقيق « فعل التعلم ») ، كما يمكننا مرافقة توسيع العرض المدرسي بالجودة إذا ركزنا في جهود الجودة تركيزا رشيدا يراعي أولوياتنا على الصعيد الوطني ، و ليس بالخضوع لأولويات فئات معينة لربما أنها لا تمثل سوى نفسها . و فيما يلي مقترحات أخرى تسير في اتجاه تركيز جهود تحقيق الجودة في إطار فقه الأولويات .
(2) ــ نصَّ الميثاق الوطني للتربية و التكوين على بدء التمدرس من سن السادسة ، و نرى أن هذا السن لا يستجيب للمعايير التربوية التي أوّلُها مستوى معين من النضج يكفي لولوج عالم المدرسة بما تتطلبه من التزامات. فنقترح على السيد الوزير العودة إلى سن السابعة للأسباب التالية : لأنه السّن الأنسب لمستوى نضج عموم الأطفال حتى يستطيعوا مواكبة متطلبات العمل المدرسي ، مع العلم أنه السن المعمول به في عدد من الدول المتقدمة ..، و لأنه سيمنح المؤسسات التعليمية المكتظة حاليا فسحة ديمغرافية تخلق سنة دراسية مريحة من حيث عدد التلاميذ ، فتريحنا بالتالي و لو لبعض الوقت من هموم الاكتظاظ و إكرهات الخريطة المدرسية مع ما تتسبب فيه من هدر للأعمار و الطاقات .
(3) ــ يبقى التعليم الأولي على ما هو عليه ، غير أننا نقترح أن يكون ولوج الطفل للتعليم الابتدائي كأنه أول ولوج له إلى التعليم ، بحيث يُتعامل معه و كأنه لم يجتز التعليم الأولي بالمرة : و أظن أن في هذا إنصافا لفئات عريضة من الأطفال لا تسمح لها ظروفها المادية و ظروف التهميش الجغرافي من الاستفادة من التعليم الأولي ؛ كما أنه إجراء على سبيل الاحتياط حتى ينطلق جميع التلاميذ في مسارهم الدراسي انطلاقة واحدة في إطار المساواة و تكافؤ الفرص .
(4) ــ الرجوع عن القرارات الوزارية السابقة التي قلصت من ساعات تدريس اللغات و الرياضيات ، و في نفس السياق إعادة التوازن لاستعمال الزمن بما يجعله متناسقا محكما متراصا لا تتخلله أيّة فجوة كما هو الواقع حاليا . و نلفت انتباه الوزارة هنا إلى أن استعمالات زمن التلاميذ في المستويات التي وقع فيها تقليص ساعات بعض المواد تنتج فراغات بين الحصص ، يكون التلاميذ حينها عرضة للمجهول حيث إنه يتم القذف بهم خارج أسوار المؤسسات لساعة أو أكثر في انتظار الحصة الموالية ، و في ذلك كما نرى على أرض الواقع فرصة للراغبين في استغلال القاصرين بعيدا عن أعين الأولياء .
(5) ــ تدريس اللغات بالتركيز على مهارات الكتابة و القراءة و التواصل ، و تأخير تدريس قواعد اللغة إلى مستويات أعلى ، مع ضرورة التركيز في عدد اللغات المراد تعليمها. و في هذا الصدد نقترح التركيز على العربية و الفرنسية و الإنجليزية : و ذلك بالبدء في تدريس اللغة العربية من الأولى ابتدائي ، و تأخير تدريس اللغة الفرنسية إلى الخامس ابتدائي ، و الإنجليزية إلى الثالثة إعدادي . مع أفضلية تأخير تدريس قواعد اللغة حتى المستوى الذي نضمن فيه تمكن التلميذ من الكتابة و القراءة و التواصل بطلاقة ، مع ضرورة العمل في هذه المرحة بوتيرة بطيئة على اعتبار أنها أساس باقي المراحل الأخرى …، بعدها يأتي دور القواعد في مستويات أعلى لتهذيب ذلك كله رويدا رويدا … مع الحرص على تجنب توظيف الدارجة في عملية التدريس بشكل مطلق ؛ و على تعزيز الرصيد اللغوي للتلاميذ من خلال غرس و تعزيز عادة المطالعة .
(6) ــ أما عن تدريس الأمازيغية فنرجوا تعليقها حتى تتضح الرؤية في شأنها بما يقطع نهائيا مع تدريسها العبثي الذي هي فيه حاليا (ماذا نريد منها بالضبط و بكل وضوح و بالتفصيل الملل ؟) .
(7) ــ إلغاء تدريس بعض المواد (و لو إلى حين) ، فنحن في هذه الظرفية نحتاج إلى ترتيب الأولويات ، و أولاها هي نشر التعليم بما يليق من الجودة . و لعلنا لو ركزنا في هذه المرحلة ــ على الأقل ــ على بعض المكونات الأساسية فسيكون مثمرا و بنتائج ممتازة تتجاوز بنا حالة التدني . كما أنه ليس من الحِكمة أن تسعى الدولة لكي تُعَلم كل شيء ، فهناك من الأمور ما يمكن أن تتفضل به الجمعيات الأهلية و غيرها من المنظمات التطوعية التضامنية ؛ أو تتكفل به مدارس خاصة لمن أراد ذلك . نأخذ على سبيل المثال : التربية الأسرية ، و التربية التشكيلية ، و التربية الموسيقية ، و الإعلاميات و حتى التربية البدنية ..؛ هي مكونات لا ننكر أهميتها ، غير أننا نظن أنه يمكن أن تتكفل بها الجمعيات أو القطاع الخاص بحسب الطلب الذي سيبديه المواطنون محليا . إن المتأمل في جهود الوزارة يُخيّل إليه و كأنها تريد تخريج متخصصين في كل شيء ــ في كل شيء ــ و هذا مما يستحيل . نحن نرى بأن المدرسة العمومية ملزمة بتمكين المواطن من المفاتيح الأساسية للمعرفة ، و لعل أبرز تلك المفاتيح : معرفة القراءة و الكتابة ؛ و الرقي إلى مستوى معقول من الفهم و الوعي ؛ و اكتساب عادة القراءة ؛ و الاستعداد للتعلم الذاتي مدى الحياة ، و عبر ذلك كله بناءُ شخصية متوازنة … أما غير ذلك مما تتكلف به الوزارة حاليا فنرى أنه مجرد هدر للجهود ، و تضييع للفرص التاريخية .
(8) ــ مراجعة مضامين كل المواد الدراسية الأخرى بضمان التركيز على الأولويات الحقيقية للوطن ، و على الحاجيات الحقيقية للتلاميذ حاضرا و مستقبلا بعيدا عن الشحن المعرفي الجاف و غير المبرر ..؛ و ننوه هنا من جديد إلى أن التلاميذ ليسو في حاجة إلى أن يكونوا متخصصين في كل شيء ، بل هم في حاجة إلى تربية و تعليم يرون تأثيرهما الفعلي على حياتهم حالا و مستقبلا ….
(9) ــ العودة إلى أسلوب الكتاب المدرسي الواحد و لكن من خلال إجراءات تنافسية ؛ فبدل إقرار كتب مدرسية متعددة لنفس المستوى ، نقترح إقرار كتاب واحد فقط يُختار من مجموعة مراجع مرشحة في إطار التنافس بين المؤلفين حتى نصل إلى مستوى جودة أعلى في الكتاب المدرسي المغربي … فإن لم يكن هذا على الصعيد الوطني ، فليكن على الأقل على الصعيد الجهوي .
(10) ــ التربية بالتعويد ، حيث إنه لا بد لمدرستنا أن تلتفت بكليتها لهذا الأسلوب التربوي و تنتبه إلى خطورته الحاسمة . نحن حاليا نمارسه فعلا و لكن بشكل غير واعي ، و هو في معظمه تعويد على ممارسة السلوكات السلبية . أما الآن فنحن مطالبون بممارسته بشكل واعي واضعين نصب أعيننا حُزمة من السلوكات الإيجابية التي نريد غرسها في التلاميذ من خلال تعويدهم على ممارستها داخل فضاء المدرسة بكليته ، بحيث تصبح المدرسة بحق مشتلا للتنشئة الاجتماعية الواعية الهادفة لتكوين جيل المستقبل تكوينا متكاملا متوازنا مفيدا للفرد و للمجتمع … نحن حاليا نعمل على إعلام التلاميذ بالكثير من القيم النبيلة ، هذا من باب الإعلام فقط ..؛ و لكننا عمليا لا نربيهم على ذلك ، و هنا مكمن الخلل العظيم .
(11) ــ توظيف الحس الجماعي ، و إدراج سلوك التلاميذ في التقويم من خلال تتبعه و تثمينه طيلة السنة بعيدا عن الانطباع الشخصي للمربين ، و على الخصوص في التعليمين الإعدادي و الثانوي ؛ بحيث إننا هنا نصل إلى هدفين نعاني فيهما فقرا عظيما : تنمية حس الانتماء إلى الجماعة ، و تنمية السلوك المدني . و قد قمنا بتجربة في هذا الصدد نرجو الاطلاع عليها (*) .
(12) ــ تطوير القوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية لكي تكون بحق تربية للتلاميذ على احترام القواعد القانونية ؛ و نركز في هذا الباب على النقط التالية :
ــ أن تعكس تلك القوانين القيم التي يتعلمها و يتربى عليها التلاميذ داخل حرم المؤسسة التعليمية ؛
ــ أن تتعزز إلزامية تلك القوانين بإضافة فصل جزائي يعطي قيمة أكبر للقانون من خلال فرض عقوبات على كل من يخالفه ، على أن تتطور تلك العقوبات إلى عقوبات مادية نقدية (غرامات) تجعل المتعلمين و أولياءهم يحسون إحساسا ماديا بما يُرتكب من مخالفات (كأن نفرض مثلا على المتغيبين غرامة مالية تؤدى عن كل ساعة غياب ) ..؛ كما يجب تخصيص مكافآت لصالح المحترمين لذلك القانون …. و لعل في هذا آلية لتعزيز حضور الأولياء إلى جانب أطر المدرسة في العمل التربوي .
(13) ــ مراجعة كل الإجراءات و الوثائق الإدارية المدرسية (واجبات التسجيل ، و ملفات التلاميذ بكل وثائقها …) من أجل تحيينها وفقا للمستجدات و التطورات التي يشهدها الميدان (حذف ما هو متجاوز و تطوير ما تدعو الحاجة إلى إبقائه) ، مع تشجيع كل الأفكار و أساليب العمل الجديدة التي من شأنها تحسين أداء الإدارة التربوية … و نشير هنا إلى أن هناك الكثير من الأفكار الإبداعية الخلاقة التي من شأنها تطوير و تحسين العمل الإداري مع تخفيف الأعباء الإدارية سواء على الطاقم الإداري حتى يتسنى له التركيز على دوره التربوي (بدل الغرق في مجرد العمل المكتبي) ، و كذلك على الأولياء (نفقات التسجيل مثلا) ….
(14) ــ اعتماد أسلوب التناوب في تدريس المستويات التعليمية ليس فقط في السلك الواحد ، و لكن حتى بين الأسلاك بحسب الاختيار ..؛ و نرى أن هذا الأسلوب سيضمن تعزيز وقود شعلة الحماس و العطاء في نفوس السادة الأساتذة ، و بالتالي تجنب حالات الركود و الملل و الخمول التي قد تنتاب و تتخلل الجسم التربوي . ففي السلك الواحد نقترح إجبارية التناوب على المستويات بين الأساتذة من عام دراسي إلى آخر ، و من المستحسن أن يكون مع نفس التلاميذ حتى يحس المعلم بحلاوة تقدمه في عمله سنة بعد أخرى ، و أنه لا يدور في حلقة سنوية مفرغة مملة كما هو وضعه حاليا . كما نقترح كذلك السماح للأساتذة بالتنقل من سلك إلى آخر صعودا أو نزولا حسب الاختيار ، مع العلم أن من الأساتذة من يرى في نفسه قادرا على العطاء في سلك أكثر من سلك آخر ، كما أن منهم من سيكون أداؤه أكثر بهذا التجديد المتواصل في حياته العملية … هذا كله طبعا إذا اعتبرنا أن أساتذة جميع الأسلاك هم في مقام واحد و بنفس المؤهلات العلمية و التربوية ….
(15) ــ تركيز جهود الوزارة على تطوير مستوى التعليم الابتدائي قبل غيره في أي مشروع تضعه حاضرا و مستقبلا ، على اعتبار أن التعليم الابتدائي هو قاعدة باقي أسلاك التعليم ، و إيمانا منا بأن تطوير التعليم الابتدائي ضمانة رئيسة لتطوير باقي الأسلاك الأخرى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ــ للتوسع في تفاصيل هذه الاقتراحات يرجى زيارة مقالات مدونة عبد المجيد التجدادي على الرابط التالي :http://www.tajdadi.blogspot.com/
4 Comments
هذا مقال تربوي جيد فيه مقترحات تربوية نابعة من الواقع. تحية لكاتبه الذي اعطى المثل اللائق لأسرة التعليم و ليس كمن يسمي نفسه مفتشا والذي لا يعرف الا السب و الشتم و في يوم ما سيب نفسه
أتفق مع كثير من النقاط التي تفضلت بها و أختلف مع يعضها مثل عدم تدريس مواد التفتح أفضل تقليص الغلاف الزمني مخصص لها كما لا أتفق مع تأخير تدريس اللغات حتى لا تتسع الهوة بين التعليم العمومي و الخصوصي وكنت تمنيت لو أنك اقترحت أيضا مبدأ التخصص حتى في التعليم الابتدائي و خصوصا أنه سهل التحقق
مقال يستحق التنويه
تمنيت لو ادرجت الخريطة المدرسية في مقالك الرائع حتى يكون السيد الوزير على بينة مما فعلته الخريطة بابنائنا حيث القت بجلهم في الشارع و ساهمت الى حد كبير في تدهور التعليم و افقدت الاستاد المعلم هيبته و مكانته في المجتمع.تمنيت لو ان عتبة النجاح عادت بيد مجالس الاقسام حقه لينال كل دي حق .ياليت السيد الوزير يعلم كم لها من سلبيات
Moi aussi je suis d accord avec « معلمة », car tout se joue avant 6 ans, selon docteur F. Doston.