بعد التجريب : توظيف الحس الجماعي …
بعد التجريب
« توظيف الحس الجماعي لصالح العمل لتربوي »
بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق أن عرضنا موضوعا تربويا بعنوان : << توظيف الحس الجماعي لصالح العملية التعليمية التعلمية >> ، و هو عبارة عن اقتراح لتوظيف حس الانتماء إلى جماعة الفصل في العملية التربوية ، بحيث إن جماعة الفصل ذاتها تصبح شريكا تربويا تسند جهود الأستاذ ( أو المؤسسة التعليمية ) في تحقيق المرامي التربوية .
الاقتراح في حد ذاته كان نظريا إلى حد ما ، حيث إنه حينها لم يخضع للتجريب بعد ، بل كان مجرد اجتهاد في التأمل و التخيل بناء على المعايشة اليومية للنشاط التربوي في الفصل . و الآن ، و بعد أن تم تجريبه فعلا بشكل نسبي (*) في الفصل الدراسي على مدى عام دراسي كامل نعرض على الإخوة رجال و نساء التربية و التعليم الملاحظات التالية آملين أن تكون محل نقاش و استفادة و تطوير :
(1) ــ فيما يتعلق بالأهداف :
وضعنا في المقترح عددا من الأهداف لهذه العملية ، و قد تبين من خلال التجربة أنها فعلا تتعزز ( نسبيا دائما ) :
ــ تنمية و تعزيز الحس الجماعي و حس المسؤولية الذاتية و الجماعية ، و تنمية و تعزيز قيمتي التعاون و المنافسة ؛ و إخراج بعض التلاميذ من عزلتهم عن الآخرين و جعلهم في قلب اهتمام المجموعة ( خاصة المتميزين في التفوق أو التعثر ) : و هذا بالفعل ما أمكن لمسه إلى حد ما : فقد أصبح الجميع يعيش في قلب جماعة الفصل و ليس على هامشها ، و تشكل إحساس لدى التلاميذ بأن سلوكاتهم الإيجابية أو السلبية يمتد تأثيرها إلى الآخرين ؛ و لاحظنا عددا منهم عندما يرتكب مخالفة كيف يخجل من النظر في عيون رفاقه في الصف و يحاول أن يسترضيهم بما عنده من مبررات ، و لاحظنا رئيس الصف يتوعد المخالف بالعزل من الفصل إن هو تمادى في مخالفاته و المخالف بالمقابل يحصي مخالفاته و يحذر من أن تتكرر ؛ و لاحظنا سؤال التلاميذ عن بعضهم البعض بسبب غياب أو تأخر مثلا في نسجِ للوشائج الأخوية ، و لاحظنا رفاق الصف يسرعون لتجنيب بعضهم البعض ارتكاب المخالفات … و رأينا كيف تعم أفراد الصف الفرحة العارمة عندما تنتهي مسيرتهم بدون تسجيل مخالفات فتزيد في أرصدتهم نقاط الفوز …
ــ و الرقي بمستوى الانضباط و احترام القوانين : فقد ترسخ في أذهان التلاميذ و كذلك في سلوكاتهم أن هناك حدود لا يجوز تجاوزها ، و أن هناك قانون يجب أن يحترم ، و أن القانون يعاقب و يكافئ ؛ و هكذا لاحظنا كيف يحاول التلاميذ احترام الوقت و تجنب التأخر أو الغياب ، و يشددون على ذلك مع بعضهم البعض تجنبا لتسجيل مخالفات في هذا الشأن ..؛ كما لاحظنا عموما حث التلاميذ لبعضهم البعض على احترام القانون ( ميثاق القسم ) لما فيه مصلحة الجماعة .
ــ و الرقي بالتحصيل الدراسي للتلاميذ :حيث تبين من خلال توظيف الحس الجماعي للتلاميذ إقبالهم أكثر على الاستعداد للمراجعة اليومية ( على أساس أنهم مطالبون بها في أول كل حصة ) ، و إنجاز الواجبات المنزلية … و لقد بلغ حرصهم على ذلك أنهم يذكرون بعضهم البعض بالواجبات الدراسية بشكل دائم . و من الصور الجميلة التي يسرنا ذكرها في هذا الباب ، و التي تبين بقوة دور الحس الجماعي في شحذ دافعية التلاميذ ــ و لو نسبيا ــ ما نلاحظه عند كل مراجعة يومية : فقد حرصنا على تعويد التلاميذ أنهم مطالبون في أول كل حصة بتقويمٍ لما درسوه في الحصة الماضية ــ بحسب المواد ــ فيُختبر حينها مثلا أربعة تلاميذ ، تلميذ عن كل مجموعة ، و تعطاهم بحسب إجاباتهم ملاحظات معينة تعادلها نقط في سجل التنقيط ، و هذا التنقيط بدوره يمنح للمجموعة بأسرها نقطا إضافية كلما كان عدد النقط السلبية المسجلة في حق أفرادها أقل ..؛ و هكذا : فكلما تقدم تلميذ لاجتياز هذا التقويم نرى بأن جميع أعضاء صفه يكونون في حالة ترقب لما سينجزه رفيقهم ، و يصل صدى الترقب هذا إلى التلميذ نفسه حيث يحس بثقل المسؤولية الملقاة عليه ؛ فما سيحققه لم يعد يهمه هو وحده فقط ( في إطار الفردانية التي اكتسحتنا) ، بل أصبح يهم المجموعة كلها ( في إطار حس الانتماء الجماعي و المسؤولية الجماعية التي نريد تعزيزها ) تفرح لفرحه و تحزن لحزنه … و لعل في هذا كما قلنا مزيد شحذ لدافعية التعلم .
ــ و التخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يكابده المعلم يوميا داخل قسمه ، و من الأعباء اليومية لأجل التفرغ أكثر لأنشطة صفية أخرى :و هذا ما لمسناه إلى حد ما ؛ فبذل أن يبقى الأستاذ وجها لوجه مع التلميذ المخالف ، فإنه يكفيه أن يسجل ضده المخالفة التي ارتكبها حتى يقوم فريقه باللازم من التنبيه و التوبيخ و التقريع ، فيكون حينها التلميذ المخالف في مواجهة فريقه و ليس الأستاذ .
غير أنه و من خلال التجربة تبين لنا أن الفكرة أوسع من حصرها في هذه الأهداف فقط ، حيث تنضاف نتيجة أخرى هي من الأهمية الكبرى :
ــ فقد جست العملية نبض « القدرة على القيادة » في التلاميذ ، و بلورتها إلى حد ما من خلال التعامل اليومي لهم مع التجربة ؛ فعاش التلاميذ تجربة حية تعرفوا ضمنيا من خلالها على بعض مواصفات و شروط القيادة ، كما أحسوا بالفرق ما بين القائد الناجح و القائد الفاشل ، و عايشوا النتائج التي يحققها كل واحد منهما لصالح فريقه … و رأينا رأي العين تلاميذ ( رؤساء الصفوف ) كيف كانوا يحاولون أن يمارسوا مسؤوليات قيادتهم لفرقهم بما تتطلبه من صبر و حزم و مواجهة ..، و غيرها من المواقف التي ما كان لهم أن يستفيدوا منها في بناء شخصياتهم لولا هذه التجربة … و بالنسبة لباقي التلاميذ كان عليهم أن يتخلوا عن أنانياتهم و فردانياتهم ــ و لو مؤقتا ــ لما فيه مصلحة جماعة الصف .
خلاصة القول أن القسم بفضل توظيف الحس الجماعي يكون في حالة أشبه بـ »التعبئة العامة » أو « النفير العام » ، الكل حريص على أداء الواجبات التي عليه بكل ما يتطلبه الأمر من انضباط و حيوية ، إن لم يكن من أجل إرضاء نفسه ، فلأجل إرضاء الجماعة التي ينتمي إليها ..، و لا شك أن إرضاء الجماعة سيولد رضا نفسي كذلك و لو بعد حين .
(2) ــ فيما يتعلق بمنهجية العمل و أدواتها :
المقترح في صيغته الخام تطرق إلى تلك المنهجية ، غير أنه في تطبيقها ارتأينا تعديلها حتى تتلاءم مع الظروف و الإمكانيات المتاحة : ففي أول السنة عرضنا على التلاميذ قانونا تنظيميا لهذا الغرض سميناه « ميثاق القسم » ، تطرقنا فيه لمختلف جوانب العملية ، فتح بعدها نقاش مع التلاميذ تبين من خلاله أنهم ما بين مستحسن و متخوف ، و كان أول ما سألوا عنه هو : هل هو قانون في المؤسسة كلها يسري على جميع التلاميذ و في جميع المواد ، أم أنه مجرد اجتهاد يقتصر تطبيقه على صاحب المقترح ؟
يقسم التلاميذ إلى فرق متوازنة عدديا بحسب ما يختارونه بكل حرية ، كل فريق في صف ( بما مجموعه في العادة أربعة صفوف ) ، و كل صف يختار له رئيسا و نائبا ، و هؤلاء جميعا لهم مهام معينة بحسب الميثاق . و في آخر كل شهر يُبَلغ كل فريق عن طريق رئيسه بالنقط التي حققها ؛ و في آخر كل دورة تقدم مكافأة للتلميذ الذي لم تسجل ضده أية مخالفة ، كما يتم التنويه بالصفوف التي حافظت على بياض صفحتها من سواد المخالفات من خلال التنويه بدور رئيسها و حسن قيادته و تعاون جميع الأعضاء معه .
و عموما فإن التفاصيل مسجلة في : ميثاق القسم .
و تتمثل أدوات العمل فيما يلي :
ــ ميثاق القسم ؛
ــ و دفتر خاص لتسجيل المخالفات و نقط الميثاق .
(3) ــ توصية لا بد منها :
لقد تبين لنا من خلال التجربة أنها تستحق الممارسة و التعميم : و نخص بالذكر هنا أن تمارس على مستوى المؤسسة في جميع المواد الدراسية ( و خاصة بالتعليمين الإعدادي و الثانوي ) ، و أن تمارس من طرف الإدارة نفسها في تقييم موضوعي لسلوك التلاميذ ( كل قسم مجموعة واحدة مثلا ) ، و جعل ذلك التقييم من العناصر الأساسية لتقويمهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ــ جربنا المقترح بشكل جزئي ، و بقيت عناصر أخرى فيه تنتظر التطبيق ، و هذا ما لم يتأتى لنا لأسباب مختلفة : منها ما يتعلق بانتظار اتضاح الرؤية حول طريقة تنزيلها ، و منها ما يتعلق بضرورة توفر ظروف معينة مفقودة في حينها تتعلق بصاحب التجربة .
Aucun commentaire