موسم الهجرة الى الجنوب
» اذا كان ذلك من الممكن فانه تحصيل حاصل , وإذا كان مستحيلا فانه سيحصل … . »
شارل الكسندر دو كالون الى الملكة ماري انطونيت . » « »
عكس رواية الاديب السوداني الراحل الطيب صالح » موسم الهجرة الى الشمال » , بدأت هجرة من الشمال الى الجنوب ترخي بظلالها على مضيق جبل طارق وسط الامواج المتلاطمة للبحر الابيض المتوسط , والعواصف الهوجاء التي ضربت الاقتصاد الاروبي , وعصفت بأحلام العيش الرغيد والحياة الناعمة التي سادت في دول بنت اقتصادها على اكتاف المهاجرين وعرق جبينهم ومن خيرات بلدانهم خلال فترات الاستعمار الذي اختلفت الوانه وأشكاله عبر حقب تاريخية ساد فيها منطق القوة والنار ,واستعباد الشعوب باسم الحماية والانتداب وغيرها من المسميات التي تغطي الاساليب الهمجية التي اعتمدت لإركاع الشعوب المستعمرة وإذلالها ونهب ثرواتها , وتجنيد اهاليها في حروبها دفاعا عن وطن ليس وطنهم وعن قضية ليست قضيتهم , او في غزواتها الامبريالية الخاسرة في الهند الصينية وغيرها من المواقع .
وبعد تنمية اقتصادها وتحصينه بفضل سواعد الطبقة الكادحة من الاجيال المتلاحقة للمهاجرين والمهجرين قسرا الذين عانوا من شظف العيش وسوء المعاملة والعنصرية التي كانت تلاحقهم في حلهم وترحالهم , وتزداد معاناتهم مع الغربة والوحدانية والمرض .
وقوبلت تضحياتهم و مجهوداتهم في سبيل ازدهار ورقي اقتصاد بلدان الاستضافة بالجحود والنكران وكان جزاؤهم جزاء سينمار , وبدأت بعض الاصوات النشاز تنادي بترحيل هؤلاء المعذبين في الارض الى بلدانهم الاصلية , ومع مرور الزمن اصبحت هذه الاصوات طاغية ولا صوت يعلو فوقها , واستعملت كورقة انتخابية وفي المعارك السياسية بين اليمين واليسار والمحافظين والراديكاليين وغيرها من الاطياف التي رضعت الحقد والكراهية والميز من اثداء امهات لسن ككل الامهات , وها نحن نرى اليوم كيف تمكن التيار العنصري من التغلغل في الاوساط الاروبية وسيطرته على مصادر القرار وتأثيره في المؤسسات التشريعية ومختلف المحافل التي تتغنى بمبادئ الحرية والمساواة وحقوق الانسان , والديمقراطية المفترى عليها .
ان الازمة الاقتصادية التي تضرب حاليا بنسب متفاوتة الدول الاوربية ومنطقة الاورو , بدأت انعكاساتها تظهر بشكل جلي على مواطني هذه الدول , كما ان سياسة التقشف وتقليص الاجور التي لجأت اليها حكوماتهم حكمت عليهم بالتخلي عن عاداتهم الاستهلاكية وأسفارهم السياحية الترفيهية والاحتفاظ بالحد الادنى من وسائل العيش الضرورية والاستغناء عن كل ما هو تكميلي او بعض مظاهر الترف التي لا تتلاءم مع الظرفية الراهنة .
وأمام انسداد الافاق وتسريح اليد العاملة , وارتفاع نسبة البطالة , فضل بعض الفرنسيين والأسبان على وجه الخصوص بحكم القرب الجغرافي الهجرة نحو المغرب بحثا عن فرص عمل او استثمار, لتوفير لقمة عيش لم تعد متاحة في بلادهم , التي كانت جنة عدن بالنسبة للمهاجرين الافارقة يحلمون بالوصول اليها عن طريق الهجرة الشرعية او غير الشرعية بركوب قوارب الموت. فلا غرو ان نرى صحافيا اسبانيا يتحول الى مسير لمطعم بالرباط , ومواطنين اسبان اخرين اختاروا تربية المواشي او العمل كمياومين , ولن نفاجئ ان رأيناهم غدا في موسم الحصاد – والمحصول يبشر بالخير هذه السنة – يحملون مناجلهم قاصدين الحقول الفلاحية بالمناطق الجبلية التي لا زالت تعتمد على الحصاد اليدوي بسبب وعورة التضاريس .
فها نحن نعيش هجرة عكسية املتها ظروف اقتصادية لم تكن في الحسبان , ومن حسن حظ المهاجرين الاروبيين الجدد ان المغرب سيعاملهم معاملة حسنة وسيساعدهم لتخطي الازمة التي ارخت بثقلها على صدورهم مراعاة لحسن الجوار و مبادئ الاسلام الحنيف .
فمعاناة المهاجرين الافارقة مع الحرس المدني الاسباني لازالت ماثلة للعيان ولعل حادثة « لانزروتي » ليست اخرها , فتعمد اغراق قارب على متنه ركاب منكوبين لا يمت للإنسانية بصلة , وينم عن حقد دفين لدى هؤلاء المستعمرين الذين لازالوا يحتلون بعض الثغور التي لا غبار على مغربيتها بحقائق تاريخية وجغرافية لا يتجاهلها إلا جاهل في القرن الواحد والعشرين .
لهؤلاء نقول لن نعاملكم بالمثل و مرحبا بكم , فليس صدفة ان يصنف المغرب من بين الدول الاكثر ترحيبا باستقبال الاجانب .
Aucun commentaire