النقد المجاني مؤشر دال على العجز مع الجهل المركب به
النقد المجاني مؤشر دال على العجز مع الجهل المركب به
محمد شركي
من المعلوم أن أهل الاختصاص يجمعون على أن النقد هو عبارة عن فحص يتوخى معرفة الحقيقة من الزيف . وكلمة نقد مقتبسة من مجال المال حيث يعتبر فحص القطع المعدنية المالية نقدا لمعرفة صحيحها من زائفها . وانتقلت الكلمة من الاستعمال الحقيقي إلى الاستعمال المجازي حيث صار فحص كل شيء لمعرفة صحيحه من زائفه يسمى نقدا . واشتهر من النقد ما ينسب للأدب من شعر ونثر باسم النقد الأدبي . وقد ينسب النقد أيضا إلى مجالات متعددة . والنقد ملازم للإنسان في حياته لأنه يقوم بفحص كل ما يحيط به من أجل معرفة الصحيح من الزائف حيث تتوقف حياته على ذلك . وإذا كانت بعض مجالات الحياة تشترط ضوابط لممارسة النقد كما هو الشأن في المجال الأدبي على سبيل المثال لا الحصر ،فإن مجالات أخرى قد يمارس فيها النقد دون ضوابط . والنقد غير المحكوم بالضوابط عبارة عن نقد ذاتي انطباعي لا يلزم إلا صاحبه ،و تغلب عليه الذاتية التي لا تتجاوز الاستحسان أو الاستهجان غير المبررين . وهذا النوع من النقد هو الغالب والشائع عند عموم الناس حيث يوزعون استحسانهم أو استهجانهم بشكل اعتباطي على كل ما تقع عليه أبصارهم أو تلتقطه آذانه أو يدركونه بمختلف حواسهم دون تبريرات موضوعية مقنعة لغيرهم . فالناس مثلا عندما يتجولون في الأسواق يفحصون بعيونهم أو بجوارحهم الأخرى السلع ويمارسون النقد الذاتي الانطباعي ، يستحسنون بضاعة ويستهجنون غيرها دون تبرير نقدهم بما يقنع من الأدلة ، وربما قدموا ما يخيل إليهم أدلة وهو ما لا يعدو أدلة انطباعية أيضا لا تقنع ولا تشفي غليلا كما يقال . ويهون الأمر عندما يتعلق الأمر باستخدام النقد الذاتي الانطباعي بالنسبة للبضاعة في الأسواق لاختلاف الأذواق وهو أمر يهون إلا أنه يطرح إشكالا كبير عندما يستخدم في مجالات لا يصلح فيها هذا النوع من النقد . وكثير من الناس لا يجيدون سوى هذا النوع من النقد مهما تنوعت المجالات واختلفت ، وهذا مؤشر على العجز مع الجهل المركب به . ومعلوم أن الجهل المركب هو أن يجهل الإنسان جهله .
ففي مجال الكتابة على المواقع العنكبوتية على سبيل المثال نصادف الممارسة النقدية في شكل تعليقات معروفة أو مجهولة الهوية. وتختلف هذه التعليقات أو هذه الممارسة النقدية بين نقد بالمعنى الصحيح الذي يعتمد ضوابط معينة ، وبين مجرد نقد ذاتي انطباعي يفتقر إلى ما يبرره . ومعلوم أن النقد الذاتي الانطباعي الذي تعكسه بعض التعليقات على المقالات المنشورة على المواقع العنكبوتية قد تسرب من الممارسة النقدية اليومية والسوقية الغالبة على كثير من الناس حيث يخلطون بين نقد البضاعة في السوق ونقد المقال دون تمييز بين الأمرين . فكما يستهجن هؤلاء على سبيل المثال بطريقة عفوية واعتباطية لونا من الألوان في قماش ما ، يستهجنون بنفس الطريقة المقالات دون احتفال بمضامينها وأشكالها . وأمام اكتساح النقد الذاتي الانطباعي مجال الكتابة نجد النقد الصحيح والموضوعي والذي يعتمد الضوابط ،ويقدم بين يديه الأدلة الدامغة والمقنعة شحيحا ونادرا .
بعد هذا التمهيد الذي اقتضته الضرورة انتصارا للنقد الموضوعي الذي يعتمد الضوابط أسوق حديثا دار بيني وبين أحد الأصدقاء الذي اطلع على ما نشره موقع وجدة سيتي حول شخص فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة بعد اختياره شخصية السنة ، ولم يعجبه شيء مما نشر معتبرا كل ما نشر دون المستوى ، علما بأنني كنت قد طلبت منه أن يدلي بشهادته في الرجل فأبى مع ادعائه أنه يعرف عنه ما لا يعرفه عنه أحد . ولقد عبر صديقي هذا عن استهجانه لما كتب عن شخص فضيلة العلامة بغير قليل من التعالي راكبا غروره ، وهو لا يدري أنه في الحقيقة لا يعدو عن ممارسة النقد الذاتي الانطباعي الذي يلازمه تماما كما يفعل وهو في السوق يفحص البضاعة حسب ذوقه الخاص الذي لا يلزم غيره . وأما إصراره على بخس من كتبوا عن فضيلة العلامة تحديته مرة أخرى أن يقدم بديلا ، فيكتب عنه ما لم يكتبه غيره إلا أنه أبى لأنه لا يجيد سوى النقد الذاتي الانطباعي والسوقي في نفس الوقت . ولما حاصرته بالتحدي تساءل ألا توجد لفضيلته سلبيات ؟ فذكرته بأن اختيار موقع وجدة سيتي شخصية السنة لا يعني التعريض بها من خلال ذكر السلبيات ، وأن الشخصية التي تم اختيارها كاريزمية بامتياز ، وليس من السهل أن تسجل عليها سلبيات لأن إيجاباتها كثيرة ومتنوعة ، وكل من حاول ذكر السلبيات معها ـ إن وجدت بالفعل ـ فسيعرض نفسه للسخرية ، وقديما قال الشاعر لمن ذكر إساءته مقابل إحسان كثير :
أيذهب يوم واحد إن أسأته //// بصالح أيامي وحسن بلائيا ؟
ويبدو أن صديقي من الصنف الذي يعاني من داء محاولة إثبات الذات من خلال الاختلاف مع الغير، وهو ما يعبر عنه بالقول المشهور : » خالف تعرف » فكثير من الناس إنما يخالفون من أجل أن يعرفوا ، وهذا محاولة واضحة لإثبات الذوات ، وكأنهم يشعرون بتنكر غيرهم لهم إن لم يختلفوا أويخالفوا . ومنطق هؤلاء أن كل ما يقوله غيرهم هراء وغير صحيح ولا يستقيم بينما ما يقولونه هم هو عين الصواب وهو الصحيح الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه . فما كتبه كتاب موقع وجدة سيتي بالنسبة لهذا الصديق باطل ، وتبقى الحقيقة عنده وحده مع أنه يرفض أن يدلي بها . والحقيقة أنه إنما يمارس النقد الذاتي الانطباعي السوقي . ولو قدر له أن يدلي بدلوه ، ومارس عليه غيره نفس النقد الذاتي الانطباعي السوقي لأزبد وأرغى وهدد بالويل والثبور وعواقب الأمور . وتعجبني عبارة يستعملها المغاربة مع أمثال هذا الصديق » الله يفيقنا بعيوبنا » بمعنى » اللهم نبهنا إلى عيوبنا » والعبارة العامية أبلغ وأفصح لأن أصحاب العيوب يكونون في حكم النوم ، لهذا يجدر بهم أن يفيقوا من نومهم. وأخيرا أقول لئن كان ما نشر على موقع وجدة سيتي تقصيرا في حق فضيلة العلامة فعذر أصحابه أنهم بذلوا ما في وسعهم وشهدوا بما علموا وما كانوا للغيب حافظين ، إلا أنه لا عذر لمن يدعي أنه يعرف عنه ما لا يعرفون ، ولكنه لا يدلي به ، ولأمر ما يقول المثل العربي : » فاقد الشيء لا يعطيه » ، ويقول المثل الشعبي : » الفيش ما يزيد في الرجلة » . ورحم الله من عرف قدره وجلس دونه .
2 Comments
والله العظيم اسي الشركي أيلا كتفاجي علينا الغمة.جزاك الله خيرا.
بعد قراءة المقال اود تصحيح مايلي:
النقد لم يظهر الا مع فلسفة الانوار القرن 17م ولم يكن موجودا من قبل.
معالجتك هذه من الصنف الادبي العاطفي الداتي يبتعد عن الموضوعية وتحضر فيه ايحاءات كثيرة.
يجب الاستشهاد باقوال المفكرين والفلاسفة لانهم هم اهل الفكر واصحاب الصرامة الفكرية والمنطق وليس الشعراء اهل العاطفة والتعبير الرومانسي
هناك النقد الذاتي الانطباعي والنقد الموضوعي والنقد التاثيري
مع احتراني وتقديري .