حرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية تعني الإساءة إلى مشاعر المسلمين الدينية
حرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية تعني الإساءة إلى مشاعر المسلمين الدينية
محمد شركي
دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم نفسها وصية على كل دول العالم خصوصا على دول ما يسمى العالم الثالث ، ومنها الدول العربية والإسلامية . وفحوى الوصاية الأمريكية على الدول الضعيفة تأتي من اعتبار الولايات المتحدة نفسها أم الديمقراطية والتحضر في العالم إلى درجة أنها فكرت من قبل فيما يسمى عولمة نموذجها الحضاري ، وحاولت فرضه على غيرها من الدول ، وهو نموذج حاول ابتلاع الثقافات المختلفة بما فيها الثقافات التي تفوق الثقافة الأمريكية تحضرا في مجال القيم والأخلاق من أجل ثقافة واحدة مهيمنة. والولايات المتحدة الأمريكية تزعم أنها بلد حرية التعبير ، وهي تصر على فرض هذه الحرية على باقي دول العالم بحيث تتظاهر بتبني كل من يحرم منها في كل شبر من هذا العالم ، وترسل جمعياتها ومنظماتها قهرا إلى دول العالم الثالث من أجل إحراجها بسبب ما تعتبره تضييقا على حرية التعبيرفيها . ومن المفروض أن الدولة التي تنصب نفسها وصية على العالم في مجال حرية التعبير ألا تكون نموذجا سيئا كما هوحال الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت المشاعر الدينية لمليار ونصف من المسلمين ثمنا لحرية التعبير فيها . فأية حرية تعبير يمكن أن يكون ثمنها باهظا بهذا الشكل ؟ إنها قسمة ضيزى بالتعبير القرآني . وترجيح كفة حرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية على مشاعر مسلمي العالم دليل على النظر إليهم باستخفاف وازدراء واحتقار ، وهو أمر يناقض ما يدعيه قادتها من أنهم لا يعادون الإسلام . ولا يمكن أن يقبل منطق الولايات المتحدة الذي يحاول الجمع بين استهجان عملية المساس بمشاعر المسلمين الدينية من خلال الفيلم المسيء لشخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وبين ما تسميه حرية التعبير . فهذا منطق واضح التناقض إذ كيف يكون الأمر مستهجنا ومفرقا ومقززا ، وفي نفس الوقت يكون مسموحا به بذريعة حرية التعبير؟ فتبرير الإساءة إلى مشاعر المسلمين بذريعة حرية التعبير هو عبارة عن إساءة مبطنة ولكنها مكشوفة في نفس الوقت من الولايات المتحدة الأمريكية . فمقابل حرص الولايات المتحدة الأمريكية على ما تسميه حرية التعبير والتي قد تكون على حساب المشاعر الدينية لأمة برمتها عليها أن تقبل بثمن ذلك من خلال ردود الأفعال على حرية التعبير المستفزة لمشاعر الغير الدينية . إن من يتحمل مسؤولية مهاجمة سفارات الولايات المتحدة في بلاد الإسلام هي نفسها ،لأنها قررت أن تجعل حرية التعبير فيها فوق المشاعر الدينية للغير . وإن الذي قتل السفير الأمريكي هو بلاده التي غامرت بحياته مقابل أن يستفيد سفيه وعديم أخلاق من حرية التعبير فيها . وغريب من وزيرة الخارجية الأمريكية أن تعير شعوب الربيع العربي بأنها قد استبدلت الأنظمة المستبدة باستبداد الغوغاء ، وهي تمن على الشعب الليبي ما قدمته بلادها له للتخلص من ديكتاتور كانت بلادها وبلاد الغرب تستقبله بالبسط الحمراء مقابل الرشى الفاحشة التي كانت تتلقاها ،وهي من ثروة الشعب الليبي الضحية . وتناست وزيرة الخارجية الأمريكية أن بلادها كانت سمنا على عسل مع الأنظمة المستبدة التي أسقطها من سمتهم الغوغاء. ولما أحست الولايات المتحدة بأن الربيع العربي قد سحب البساط من تحت رجلها ، وأسقط الأنظمة الفاسدة التي كانت توفر لها الحماية لتبقي الشعوب العربية في العذاب المقيم تحت سلطة هذه الأنظمة الخبيثة ، بادرت إلى محاولة الالتفاف على الثورات العربية من أجل قطف ثمارها ، وكأنها هي التي أهدتها إلى الشعوب العربية . ولما تبين لها أن الشعوب العربية توجهت نحو عقيدتها ، وراهنت على أنظمة تحترم هذا التوجه ،عمدت إلى أساليبها الخبيثة ، وهي خلق الذرائع من أجل عرقلة التغيير في بلاد الربيع العربي وفق إرادة شعوبه . ولن نشك في أن الفيلم المسيء إلى مشاعر المسلمين إنما هو صناعة مخابراتية أمريكية صهيونية من أجل ابتزاز الحكومات الإسلامية الناشئة في بلاد الربيع العربي ، ومساومتها لتلعب نفس الدور الذي كانت تلعبه الأنظمة المستبدة الفاسدة المنهارة ، وهو صيانة ما يسمى المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ،وعلى رأسها ما تعتبره خطا أحمر، وهو رعاية الكيان الصهيوني العنصري المستنبت في قلب الوطن العربي على إثر احتلال بريطاني غاشم . وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تدرك جيدا بأن الربيع العربي هو مرحلة جديدة لوعي جماهيري جديد مفاده أنها هي سبب شقاء الأمة العربية والإسلامية لأنها فرضت عليها حكاما فاسدين أذاقوها الويلات ، ولا زال منهم بقية لا بد أن ترحل من أجل أن تتحرر هذه الأمة من طغيان الولايات المتحدة التي تناقض شعاراتها مواقفها وأفعالها. فعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تحتفظ بحرية التعبير بما فيها المسيئة لمشاعر المسلمين كما تشاء ، ولكن ليس من حقها أن تشتكي بعد ذلك من الثمن الباهظ مقابل خيارها ، ولا من حقها أن تصف من غضبوا لكرامتهم الدينية بالغوغاء مع توفير الحماية للمعتدين على هذه الكرامة دون سبب ، وهم أولى وأجدر بأشنع النعوت ، كما أن شناعة النعوت التي تليق بهم تنطبق أيضا على البلد الذي يوفر لهم الحماية تحت ذريعة حرية التعبير .
Aucun commentaire