مرور سنة كاملة على مجازر النظام السوري دليل على أن العالم يعيش بدون عدالة
مرور سنة كاملة على مجازر النظام السوري دليل على أن العالم يعيش بدون عدالة
محمد شركي
لا يمكن لساسة العالم في الدول الباطشة اليوم أن يقنعوا شعوبه بوجود شيء اسمه العدالة. فلقد عاد العالم إلى عهود قانون الغاب الغابرة حيث كان القوي يبتلع الضعيف ويرى الأمر منطقيا وطبيعيا . ومعلوم أن العدالة تعني وضع الأمور في وضعها الصحيح . والأمور في سوريا ليست في وضعها الصحيح منذ مرورسنة كاملة على ثورة الشعب السوري ، حيث رد النظام المستبد الفاسد على انتفاضة الشعب السوري السلمية بالحديد والنار ، وهو الذي حكم البلاد بنفس الأسلوب لعشرات السنين ، بعدما ورث الدكتاتور السفاح الأسد الأب ـ مع كامل احترامنا واعتذارنا للحيوان صاحب الاسم ـ ابنه الذي ورث منه الإجرام. لم يكن الوضع صحيحا منذ أن عرفت سوريا الانقلاب الذي جاء بالطائفة العلوية النصيرية من عباد الفرج . وكان لا بد أن يصحح هذا الوضع الفاسد منذ زمن طويل ، إلا أن هذا النظام ،وعلى غرار باقي الأنظمة العربية الفاسدة ظل يرتزق بقضية الصراع مع الكيان الصهيوني ، مع أنه يوفر لهذا الكيان سلاما مجانيا على حساب ضياع هضبة الجولان لعقود من السنين . ومع أن هذا النظام السوري الجبان لا يستطيع أن يطلق رصاصة واحدة على جبهة الجولان ، فإنه يرتزق بقضية الجولان من أجل قمع الشعب السوري ، وإبقائه تحت سلطة الاستبداد والظلم والطغيان. والنظام السوري نظام عشائري لا يختلف عن النمط العشائري كما كان في جاهلية العرب
. ومعلوم أن الأنظمة العشائرية تقوم على أساس تسليح عشائرها من أجل فرض سيطرتها على الشعب بكامله ، وهي تغدق على هذه العشائر الأموال الطائلة من أجل ضمان وجودها واستمراره. ولقد كان الشعب السوري دائما تواقا للتخلص من النظام العشائري ، والدليل على ذلك حجم التضحيات التي قدمها في فترات تاريخية سواء خلال حكم الدكتاتور الأب أو الدكتاتور الابن . ولم يكن الشعب السوري شعبا خانعا راضيا بالهوان والذل ، ولكن احتماء النظام العشائري في سوريا بالدول الشمولية وعلى رأسها دولة روسيا أو ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي سابقا حال دون انتفاضة هذا الشعب الأبي قبل فترة الربيع العربي ، لأن هذه الدولة الشمولية التي لا زالت الشمولية سمة من سماتها بدليل تحايل رئيسها السابق على العملية الديمقراطية من أجل العودة من جديد إلى سدة الحكم ، تربط بين مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ، وبين توفير الحماية للنظام العشائري في سوريا . فليس من مصلحة الروس أن يتحرر الشعب السوري من الطغيان ،لأن ذلك يعني فقدان الروس لمصالحهم في المنطقة ، وهي مصالح لا تختلف عن مصالح الأمركان الذين ينهجون نهج تناوب ديمقراطي شكلي وصوري على السلطة ، والحقيقة أنهم يقلبون وجهي ورقة عملة واحدة ، على وجه شعار الديمقراطيين ، وعلى الوجه الآخر شعار الجمهوريين ، والحقيقة أن وراء الوجهين اللوبي الصهيوني الحاكم الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية ، وللولايات المتحدة الأوروبية .
وهكذا لا يوجد في هذا العالم إلا حاكم مستبد هو اللوبي الصهيوني الذي يجعل مصلحته فوق العالم بأسره . والروس الذين يوفرون اليوم الغطاء السياسي والدبلوماسي للنظام العشائري في سوريا هم أول من يحذر اللوبي الصهيوني ، ويحرص على سلامه في منطقة الشرق الأوسط مقابل مصالحه المادية ،لأن اللوبي الصهيوني يضغط بقوة على النظام الروسي كما يضغط على باقي الأنظمة في العالم ، وهو الذي استطاع تفكيك أوصال النظام الروسي، فحوله من إمبراطورية مترامية الأطراف إلى دول طوائف . وأتحدى الروس أن يشقوا عصا الطاعة على اللوبي الصهيوني ، وأتحدى معهم النظام العشائري أن يطلق رصاصة واحدة في جبهة الجولان . فالنظام العشائري الذي لا يستطيع أن يرفع صوته أمام أسياده الروس ، وهم بدورهم لا يستطيعون رفع أصواتهم أما سيدهم اللوبي الصهيوني، يمارس أبشع أنواع الإبادة ضد شعبه الأعزل. والروس الذين استخدموا الفيتو ـ وهو مهزلة العصر الحديث ـ لحماية إجرام النظام العشائري في سوريا لا يستخدمون هذا الفيتو عندما يتعلق الأمر باللوبي الصهيوني. وإذا كانت حجة الروس في استخدام الفيتو هي منع السيناريو الليبي كما يقال ، مع أن هذا السيناريو كان أفضل من سيناريو توفير الغطاء للعقيد الهالك الذي بدأ حملة قمع شعبه بالطيران من أول وهلة . فالعقيد الهالك هو الذي صنع السيناريو الليبي ، وهو الذي فسح المجال للوبي الصهيوني للتدخل في عملية انتحارية راهن عليها باستخدام العنف عوض الحوار. والنظام العشائري في سوريا ينهج نفس نهج النظام الليبي النافق ، فهو لم يختر أسلوب الحوار الجاد مع إرادة شعبه ، بل اختار أسلوب القمع . والذي يريد تكرار السيناريو الليبي في سوريا هو النظام العشائري ، والنظام الروسي الذي يدعمه ، ويوفر له الغطاء العسكري والدبلوماسي . ولا يمكن أن يقبل الشعب السوري المزيد من الخضوع للنظام العشائري .
فهذا وضع غير سليم ، ولا بد أن يصحح . وعلى النظام الروسي الذي يتذرع بالمخاوف من تكرار السيناريو الليبي في سوريا أن يجد حلا يصحح الوضع في سوريا . ولا يمكن اعتبار بقاء الدكتاتور في الحكم في سوريا وضعا صحيحا . صحيح أن الحرب الأهلية ليست وضعا صحيحا أو مقبولا ، تماما كما أن بقاء النظام العشائري ليس وضعا صحيحا أو مقبولا أيضا . والوضع الحالي يؤكد غياب العدالة في هذا العالم الذي صار لعبة بين اللوبي الصهيوني ومن يشاركه المصالح على حساب العالم العربي بشكل خاص .والشعب السوري لا يمكن أن يتراجع بعدما تأكد من انهيار الأنظمة الفاسدة في الوطن العربي ، مع أنه وضع العالم العربي لا زال لم يكتمل ما دام اللوبي الصهيوني يحشر أنفه في الربيع العربي بأسلوب أو بآخر ، ويحاول تسخيره لفائدة مصالحه وعلى رأسها تكريس وجود ورمه الخبيث في قلب الوطن العربي لضخ الدم الملوث في باقي جسد هذا الوطن ، و من أجل أن يبث اليأس في نفوس الشعوب العربية لتفقد أملها في ربيعها ، وتعافه عوض أن تعانقه ما دام لم يخلصها من هيمنة اللوبي الصهيوني الجاثم فوق صدرها . لقد مات عام كامل ، ومات معه الشعب السوري ، ولا زالت العدالة المنصفة غائبة ، لأن المنطق الذي يحكم هذا العالم هو منطق الغاب ، ومصلحة القوي فوق كل اعتبار. ولا بد أن ينتهي قانون الغاب في يوم من الأيام لأن أمر هذا العالم بيد الله عز وجل ، وهو رب المستضعفين وناصرهم ، وهو ولي من لا ولي له ، وهو رب العدالة التي لا يقيمها في الأرض سواه .
Aucun commentaire