مواقف أو مذكرات رجل تعليم 5
مواقف (5)
بل خير لابد منه ، كان رد صديقي موثق عقود الزواج ، بعد أن قلت له : إنني مقبل على شر لابد منه .
وهكذا ، أصبحت رجلا مسؤولا عن رعيتي ، مسؤولا عن مأكلها ومشربها وملبسها وتوفير الظروف الضرورية لراحتها ، مسؤولا عن ادخال البهجة والسرور إلى نفسها والرفع من قيمتها ووضعها الاعتباري أمام عائلتي وعائلتها .
أصبحت مسؤولا عن أدائها للصلاة وتقريب وتبسيط مبادىء الدين ومفاهيمه إلى عقلها
وقلبها . كنت أقسو عليها ، من حين لآخر ، ليس طبعا أو حبا في الشدة ، ولكن تجنيبا لها ولهبات من الله لنا ، من سوء نتائج عادات تحكمت في الناس ، واعتبر بعضها من صلب الدين ، والأمر ليس كذلك ؛ لايستطيع الانفكاك منها وعنها إلا القليل ، خوفا أو حياء من الأهل والأحباب والمعارف والأصدقاء .
لم أدرس عقليتها ولااطلعت على مزاجها ، قبل الزواج ، كما يشترط أغلب الشبان ؛ بل زرتها وعائلتي يوم أحد ، وما مر أسبوع ، بكل أيامه ، حتى وجدتني خاطبا ، بعد أن اتفقت العائلتان على كل شيء . سلمت الأمر لله وقلت الخير فيما اختار .
تعرفت طبعي ومزاجي ، ودارتني وتظاهرت ، أول الأمر ، في أشياء كثيرة ، إلا العلم والمعرفة وشؤون السياسة ؛ فلم تعرها ، وماتزال ، أدنى اهتمام أو اعتبار . تستمع إلي أشرح وأناقش أفكار العلماء ، أتحدث في قضايا الدين وأمور الدنيا ،وحبيب إلى قلبي أن ألج عقول المفكرين والعلماء ،أقطف من أزهار بساتينهم ما أشاء ومتى أشاء.
تهز رأسها مبدية شدة الاهتمام وحسن الانصات ، ولكني لم أر يوما سرور الفهم على وجهها ، تعتبر ذلك مضعية للوقت وانشغالا عن وصفة أكلة لذيذة أو مشاهدة مسلسل جدير بالمتابعة والاهتمام . تسوس ، وهذا ما يحيرني ، أبناءها وربما بعلها بحكمة وذكاء كبير . لم ترتح حتى وضعت حول عنقي سلسلة من خمس حلقات ، أربع إناث يتوسطهم ، كما يروق لها أن تردد، رجل البيت الصغير .
اتفقنا ، أنا وأخي الذي يصغرني بثلاث سنوات ، أن يكون عرسنا عرسا مباركا ، لاخمرة فيه ولااختلاط بين الرجال والنساء . كل فريق له حفل خاص به ، يرقص ، يغني ، يفعل ما يطيب له وما يشاء .
يبدأ حفل الزفاف ، ومدته في الغالب ثلاثة أيام ، بتقديم كبشين وبعض اللوازم إلى أهل العروس ،والموفقون هم من يحسنون اختيار الأقرنين الأملحين ،ملئا للأعين وإخراسا
للألسن . وقد تشترط العروس ، أو جدها ، كما حصل لأخ صديق عزيز ، عجلا سمينا ، وتصر على إنزاله ، من عربة النقل ، مئات من الأمتار عن منزلها . لم يجد صديقي وإخوته وأبوه الكبير في السن بدا من استئجار شاب قوي مفتول العضلات ، يقود العجل خوفا من هيجان أو انفلات يتبعه النطح والرفس لأصحاب المزامير و عباد الله من المدعوين ، من النساء والرجال ، الشيب والشباب . لم يصل العجل والتابعون له ، في ذلك اليوم المشمس الحار ، حتى بلغت قلوب الحناجر ، وتبينت لكل ذي علة علته . كان آخر من وصل الشيوخ والعجائز وأصحاب السكر والملح وضعف القلب .
ذهب كل منا إلى بيت عروسه في مساء اليوم الثاني ، لشرب الحليب وأكل التمر و التقاط الصور، واصطحاب ذات الجاه في آخر الليل إلى بيتها الجديد . و من عادة آخرين انتظار الليلة الثالثة لاستقدام زوجاتهم .
مر حفل النساء ، في ثالث الأيام ، في جو مرح ، فيه الرقص وفيه الغناء ، وفيه بركة من الله ، لايلحظها إلا قلة من ذوي الألباب . وجدت النسوة ، أغلبهن ، الوضع مريحا ، لاحرج ولا استحياء من إظهار ألوان من الفرح والانبساط .
كان حفل الليل خاصا بالرجال ، أحيته ، بعد العشاء والعشاء ، فرقة موسيقية إسلامية ، معظم فقرات برنامجها ، دون الأناشيد ، تهكم وضحك على أئمة المساجد والمفتين وسلوكات بعض المتدينين .
كنت أنظر لبعض الحاضرين مبتسما ، أرى رؤوسهم تهتز والأكتاف كلما بدأ الطبل والغناء ؛ وما لبثوا ، بعد أن رقص أخ لي ، أن توسطوا الحاضرين يبدون مهارات عالية في رقصات تتميز بها المنطقة الشرقية .
انتهى الحفل ، وذهب كل واحد إلى حال سبيله شبعانا يملأ الدجاج واللحم بطنه ، والرضى نفسه وقلبه ، حتى أولئك الذين قالوا لما علموا بضوابط الاحتفال : ألعرس تتم دعوتنا
أم لمأتم ؟ لم يضرب أحد ولا عنف . ولقد حضرت أعراسا ، على قلة عددها ، تحولت بفعل الخمرة والحشيش ، بعد أن كان العناق والقبلات والترحيب بالأهل والأحباب ، إلى مبارزات بالعصي والهراوات والسيوف والخناجر والسلاسل والحجر، يسب فيها الرجل والمرأة ، على السواء، الملة والعشيرة والبنات والأبناء .
يتبع
Aucun commentaire