مواقف ، او مذكرات رجل تعليم ـ 2 ـ
ودعني محب الحلوى ، بعد أن قضى على مدخرات كنت أحسبها كافية لمؤونة أسبوع ،محذرا إياي من زواحف خطيرة ، ومما لايخطر على بال ، محيطة بالمكان تتخفى في واضحة النهار تنتظر غسق الليل لتتجول حرة منيعة ، تفعل ما تشاء بمن تشاء .
ضحكت في نفسي من كلامه وقلت : سبحان الله ،يأتي على زادي ويسعى إلى إخافتي، يخلق الله مايشاء .
نظرت إلى الشمعة وهي متشبثة بالعطاء . لاتريد أن تتركني لأحزاني ولا أن تزيد الظلام لظلمة المكان . دخلت فراشي ووضعت خدي الأيمن على كفي وأطلقت العنان لفكري . ولست أدري ما ذكرني تلك الليلة صاحبا لي في الدراسية الإعدادية ، كنت أحبه وأجد فيه الرفيق الأنيس المخلص .
كان شديد الحياء ، يبادلني المشاعر نفسها ، ولا يجد في نفسه حرجا مني إلا إذا تحدثت في شأن زميلة لنا في الدراسة ، جمع الله فيها ماتفرق في غيرها ؛ تفوق في التحصيل، و حسن في الوجه وفي القوام ،وحشمة في اللباس وفي الكلام .
كنت كلما نظرت إليه وجدته ينظر إليها . وكان إذا ذكر اسمها احمر وجهه وعرق جبينه ، وإذا مرت بنا تسارع خفقان قلبه ، ونشف ريقه ، واضطربت أطرافه ؛ أما إذا ما تحدثت إلينا فلا ينبس بكلمة وإذا مانطق لايكاد يبين .
ما بادرها بالكلام يوما ولا منها تقرب . وكان كلما اقتربت عطلة الصيف ذهب منه الشحم واللحم ، وكثر منه السهو والنسيان ، تحسبا لفراق طويل .
غادر صديقي الوطن رفقة والديه . ولست أعلم من أمره شيئا منذ ذلك الحين . لكني أذكره كلما قرأت تغزلا عذريا بامرأة في قصيدة شعر أو قصة حب ، وتحضرني صورته كلما سمعت حكاية عما جبلت عليه الأنفس من ميل بين النساء والرجال .
يتبع
Aucun commentaire