في الإمتحان يعز المرء أو يهان ؟
شكل الإمتحان في البيداغوجيا
التقليدية محطة مصيرية في المسار
التعلمي للتلميذ ، يجد فيها هذا
الاخير نفسه في قفص اتهام حقيقي ،وهو
مجبر تحت الضغوط الشديدة الممارسة
عليه إثبات براءته من الكسل ، وأن
جمجمته قد استوعبت ولملمت شتات
المعلومات المختلفة التي أمطره بها
الأستاذ طيلة شهور ، على التلميذ أن
يحافظ على البضاعة وأن يلتزم ما امكن
بردها في قالبها الحقيقي لفظا
ومضمونا حتى ينجو من الورطة و يكسب
المحبة والإعتراف ويصبح نموذجا يضرب
به المثل بين أقرانه …
أما إذا فشل في كسب الرهان ،فقد
فتح على نفسه أبواب جهنم ، فيوصف
بأقذر النعوت ،ويصبح عرضة لكل أشكال
الإهانة والتعنيف والإحتقار ، وتنتقل
هذه الصورة التي صنعها الإمتحان من
المدرسة إلى الاسرة والشارع ، فيصبح
التلميذ المسكين المغلوب على أمره
مجرما مدانا عليه ان يدفع الثمن
…الإمتحان بهذا المنطق إذن كان بمثابة
محكمة إما يخرج منها التلميذ بريئا
وإما مدانا لذلك قالوا زمان : في
الإمتحان يعز المرء أو يهان …
بين الأمس واليوم تغيرت أشياء كثيرة
، وبقيت اشياء كثيرة أخرى تعانق
الجمود والماضي…لم تعد المدرسة هي
المدرسة ولا التلميذ هو التلميذ ولا
الإمتحان هو الإمتحان …بحكم التطور
الهائل في مصادر المعرفة و عدم قدرة
المدرسة على تجديد خطابها لمسايرة
هذا التطور ، وبسبب الإتهامات الموجهة
لها ، باعتبارها مسؤولة عن تفريخ
البطالة ، فقدت المدرسة تلك المكانة
لدى التلميذ والأسرة على حد سواء
وانخفض سقف الامال التي كانت تعلق
عليها …
لقد تغيرت الفلسفة المؤطرة للفعل
التربوي فأثرت في بعض الجوانب بينما
ظلت جوانب أخرى كثيرة على حالها .
أعطى الإمتحان الفرصة للتلميذ كي
يتحرر من كثير من القيود الرهيبة التي
كانت تحول دون تمكينه من اجتياز
الإمتحان في ظروف أكثر إنسانية …بل
وقف هذا الإمتحان إلى جانب التلميذ
بالتعاطف معه وتسهيل مأموريته بتعبيد
الطريق أمامه ما أمكن لجعل فرص نجاحه
تتضاعف ،وأدى الإفراط في هذا
التعاطف (مساعدته على إيجاد الأجوبة
والتسامح مع ظاهرة » التحراز ») إضافة
إلى الحسابات التقشفية الأخرى للإدارة
(عصا الخارطة المدرسية)إلى جعل أفواج
كثيرة من التلاميذ تجتاز عقبة
الإمتحان وتنتقل إلى المستويات
العليا دون التوفر على أبسط شروط
النجاح ،فتحول بذلك الإمتحان من
محكمة إلى مهزلة ، وتحولت نظرات
المجتمع إلى المدرسة من الإحترام
والتقدير ، إلى نظرات إستصغار
وتحقير…
الإمتحان ليس حربا يظفر بها
المجتهدون ويخسرها من نصفهم بالكسلاء
كما كان في الماضي ، ولا يجب أن يظل
على وضعه الحالي لا يستثير في
التلميذ أية دوافع لبذل الجهد في
التعلم والبحث والتعامل مع هذه
المناسبة التربوية بالجدية والمثابرة
اللازمة …
الإمتحان يجب أن يكون
إنسانيا إلى أبعد الحدود ، كي يساعد
التلميذ للتحرر من كل الضغوط التي لن
تفيده في شيء بل تساهم عكسيا بشكل
سلبي في ادائه ،وبالتالي تمس
بمصداقية الإمتحان نفسه …لكنه يجب أن
يكون مناسبة لغرس القيم والمبادئ
وليس لهدمها والإستخفاف بها …خصوصا
قيمة العدالة والإنصاف …فهل ننصف
التلميذ بجعله يرتقي إلى المستويات
العليا وهو في امس الحاجة إلى الدعم
والمساندة ؟والنتيجة أن التلميذ قد
تلفظه المدرسة الإبتدائية وهو لا
يعرف حتى كتابة اسمه الشخصي(أربعة
نماذج في القسم الذي أدرسه هذه السنة
مستوى السادس إبتدائي)…
الطفل إنسان والإنسان يبحث دائما عن
اعتراف الاخرين به وبقدراته وتثمينها
، كما يؤكد ذلك فوكوياما في كتابه
نهاية التاريخ …لذلك علينا ان نزرع في
التلميذ اتجاهات وميولا إيجابية نحو
الإمتحان ، أن يقتنع أنه ليس حربا كما
أنه ليس لعبة …
Aucun commentaire