صلاح منظومة التفتيش رهين بالاستقلالية الوظيفية للهيئة
دخلت نقابة مفتشي التعليم معركة الكرامة والإنصاف مرغمة ، بعد فترة من الاحتجاجات النوعية – وقفات وشارات …- كان يتوخى منها إشعار المسؤولين بضرورة معالجة ملف التفتيش معالجة منصفة إن على مستوى الوظائف والمهام والأدوار ،أو على المستوى المادي ، لكن وللأسف لم يصل الحوار مع الوزارة سقف الإنصاف في جل مفردات الملف المطلبي ، ومرد هذا في اعتقادي يكمن في عدم قدرة الوزارة على تجديد منهجية تعاطيها مع ملف التفتيش التربوي، هذه المنهجية التي ما فتئت تطرح من خلالها تصورات مثالية لا تتجاوز في معظم الأحوال فضاءات الاجتماعات والأيام الدراسية ، من قبيل مكانة الهيئة في المنظومة ، ودورها الطلائعي ، وما إلى ذلك من الأوصاف البعيدة عن واقع حال الهيئة التي لم تعد تطالب إلا بإنصافها . هذا الإنصاف الذي تبلورت معالمه منذ تأسيسها في بعدين جوهريين ، وتم طرحهما لمرات عديدة ، أخرها بشكل جلي ومتوافق عليه في اتفاق 20 نونبر 2010 وهما :
– البعد المعنوي المرتبط برد الاعتبار للهيئة وتمكينها من أداء مهامها عبر استقلالية وظيفية – البعد المادي المتعلق بشروط العمل …،
وإذا كانت الوزارة قد تقدمت بمقترحات لا ترقى الى مستوى الإنصاف لمعالجة البعد المادي ، فإن عدم مقاربتها للبعد الثاني ، يؤكد بالملموس استمرار رسوخ توجهها في التدبيرالقائم على مقولة التربية في خدمة الإدارة ، هذا التوجه الذي ظل محل خلاف جوهري بين الوزارة ونقابة مفتشي التعليم ،رغم كونه منطلقا من المنطلقات التي تأسس عليها الحوار خلال هذه المرحلة ، ولم يفت نقابة مفتشي التعليم أن نبهت لهذا الخلاف في بيانها الصادر بتاريخ 1مايو 2010 كالآتي : » وجود اختلاف في جوهر ومبادئ التصور المؤطر للحوار ، حيث بدا التباين بين الطرفين في المرجعية المرتبطة بوحدة المؤسسة التعليمية ووحدة المنطقة التربوية ، وهذا من شأنه تقويض المبادئ المتفق حولها سلفا من مثيل القيادة التربوية لهيئة التفتيش ، والإدارة في خدمة التربية ، والتراتبية الإدارية …..، » .
فإذا كانت نقابة مفتشي التعليم تومن بأن معالجة البعد الأول هو المدخل السليم لإصلاح منظومة التفتيش ، وهو مدخل تتحقق به كل المطالب المادية والمعنوية للهيئة ، فإن الوزارة الوصية تهاب هذا الجانب وتحترس من معالجته ، مع العلم أن اللجنة الخاصة بالتربية استجابت لمطلب الاستقلالية بوعي في المادة 135 من الميثاق الوطني على : » الاستقلالية الوظيفية لهيئة التفتيش حتى تتمكن من التقويم السريع و الفعال لمنظومة التربية و التكوين « .لكن المكونات السياسية المتعاقبة لم تسع إلى أجرأة هذه التوصية ، ودفع بها هاجس التوجس إلى تكريس الوصاية على هيئة التفتيش جهويا وإقليميا في مضمون الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش،
لهذا فإن الخلاف حول هذا المحور من الملف المطلبي ليس وليد اليوم كما يعتقد البعض ، بل هو خلاف بقي دائما على هامش الحوار ، وراهنت الوزارة دائما على معالجته عن طريق أيام دراسية ، وندوات ، وهو الدافع الذي نجم عنه التآم فعاليات نقابية ، وجمعوية ، ومتدخلون تربويون في يوم دراسي حول مجال التفتيش ، خلصت أعماله بوثيقة تاريخية وضعت اللبنات الأساسية لتنظيم التفتيش ، والتي تم تقديمها للوزارة في شهر مارس 2004 . وكان حريا بالوزارة استغلال هذا المجهود والعمل على تطويره عوض انتهاج أسلوب انتقائي في التعامل مع مضامين الوثيقة عند أجرأتها عبر المذكرات 113- 118 ، والقفز على المبادئ والتوجهات المؤطرة لها ، وكان من نتائج هذا تعثر تنظيم التفتيش الذي انطلق منذ 2006 ، هذا التنظيم الذي شكل حرجا للوزارة فلا هي أقدمت على إرسائه بشكل نهائي ،ولا هي أقدمت على إعادة النظر فيه إذا كانت تهابه أو لا زالت لم تقتنع به .
إن وضعية هيئة التفتيش حاليا وضعية غامضة ومبهمة ، فإذا كانت الوزارة تراهن على دور المفتش الطلائعي في مصاحبة الإصلاح ، فإن ممارستها تعكس غير ذلك ، وهذا ما أفرزه النطام الأساسي 2003 ، الذ جاء ليقزم دور المفتش ويركنه في حجرات الدراسة لتتبع أعمال الأساتذة ، وقد حاولت الوزارة الوصول الى هذا الهدف قبل صياغة النظام الأساسي بتغيير اسم المفتش الى مؤطر ، وتصدت الجمعيات ذات الصلة بالتفتيش آنذاك لهذا الطرح ، وعندها لم يبق للوزارة من مخرج إلا تجريد المفتش من وظيفته الجوهرية المتمثلة في التقييم الشامل الذي يطال الأهداف المسطرة والوسائل والآليات ، ولجر البساط من تحت هيئة التفتيش تم إغلاق المركز و تم التحكم في ولوج مركز التوجيه والتخطيط ، إضافة الى جملة من الإجراءات تصب كلها في هذا التوجه كالمغادرة الطوعية والتكليفات بالمهام التدبيرية ، وكان من نتائج هذا كثرة المهام الفرعية ، وارتفاع نسب التأطير وبذلك تعطلت عمليات أساسية كالتتبع والافتحاص والتشخيص وهي عمليات توفر التغدية الراجعة للمسؤولين القائمين على تدبير الشأن التربوي من أجل التدخل في الوقت والمكان المناسبين ،
لا زالت المحاولات مستمرة في سحب وظيفة التقييم الشامل من هيئة التفتيش ، وآخر طبخة تروج في كواليس الوزارة هي ما تسميه ازدواجية الدور المتمثل في التأطير والمراقبة ، وهي طبخة تروم تفييئ الهيئة الى فئتين ، فئة تختص بالتأطير وأخرى يوكل أليها المراقبة والافتحاص ، وهي – الطبخة – في جوهرها لا تختلف عن المحاولة الأولى لكونهما يهدفان عزل المفتش عن المنظومة وحشره في الحجرات الدراسية ، ومن ثم القضاء نهائيا على وظيفة التفتيش الشامل .
هذه هي وضعية منظومة التفتيش ، بين تصورين متباعدين حاولت الوثيقة الإطار بسلبياتها التوفيق بينهما ، لكنها عجزت على أرض الواقع ، هذا الواقع الذي أصبح يفرز خطابين رسميين متسمين أيضا بعدم الانسجام والتناغم في تصور الوزارة لمصير هيئة التفتيش ، فإذا كان السيد الوزير قد أعلن 18 مايو 2011 في قبة البرلمان جوابا عن سؤال شفهي على بعض أدوار هيئة التفتيش في الارتقاء بالأداء التربوي في سياق تفعيل مشاريع البرنامج الاستعجالي تتجلى كما جاء في قوله في:
»– المساهمة في تشخيص واقع المنظومة التربوية؛
– المساهمة في بلورة وأجرأة مشاريع المخطط الاستعجالي، والمساهمة في تأطير أجرأتها على أرض الواقع و ربطها بالممارسة التربوية في المؤسسة التعليمية؛
– تأطير ودعم الأساتذة وتقويم مردودهم وعائدهم المهني، ومواكبة الأساتذة الخريجين الجدد
– الارتقاء بالأداء المهني للأستاذات والأساتذة عبر تفعيل المستجدات التربوية التي جاء بها البرنامج الاستعجالي من خلال الدورات التكوينية والندوات التربوية والزيارات الصفية؛
– العمل على دراسة وتقويم الأثر التربوي لمختلف التدابير والاجراءات الواردة في المخطط الاستعجالي؛
– ترسيخ ثقافة الافتحاص التربوي بما يضمن حكامة جيدة للمنظومة. »
فإذا كان هذا التوجه المعبر عنه من طرف السيد الوزير – يحافظ في جوهره على التفتيش الشامل للمنظومة ، وينحو بالهيئة نحو الاستقلالية الوظيفية كشرط أساسي لتشخيص وافتحاص وتتبع سيرورة إصلاح المنظومة التربوية من جميع جوانبها – ، فإنه وبالمقابل نلمس توجها مسكوتا عنه من داخل الوزارة ذاتها ، يبدي تخوفه من الاستقلالية الوظيفية للهيئة ، ساعيا إلى تفييئها بين مفتش مؤطر ومفتش مفتحص ، وكأن دروس وعبر ونتائج سياسات التفييئ لم تستوعب بعد على الرغم من حجم الاحتجاجات اليومية لمختلف الفئات أمام مقر الوزارة .
وفي انتظار وضوح تصور الوزارة حول ملف التفتيش بما يساير منطلقات الإصلاح وتوجهاته ،يبقى الغموض يلف وضعية هيئة التفتيش بمختلف مكوناتها ، ويبقى المتواجد من هياكلها المركزية والجهوية و الإقليمية حبرا على ورق ,فإلى متى تعرف منظومة التفتيش طريقها الى إصلاح منسجم بين خطاب المسؤولين وواقع حال الهيئة ؟.
1 Comment
هذا تحليل رزين و رؤية دقيقة أما الكلام و الهدر فلا ينفعكم ايها المفتشون
عليكم بان توحدوا صفوفكم و أن تبرهنوا عن مستوى رفيع من الفكر
و هذا المقال مؤشر على ذلك