المقاومون الفلسطينيون من منظور شرع الله عز وجل ومن منظور أعدائهم الظالمين ومن منظور من خذلوهم محمد شركي
.jpg)
المقاومون الفلسطينيون من منظور شرع الله عز وجل ومن منظور أعدائهم الظالمين ومن منظور من خذلوهم
محمد شركي
إن كل طرح لموضوع المقاومين الفلسطينيين مهما كانت جهته ، لا بد أن يسبقه طرح موضوع القضية الفلسطينية، وهي قضية أرض احتلها المحتل البريطاني البغيض من ضمن ما احتله من ربوع بلاد العروبة والإسلام في منطقة الشرق الأوسط ، ولما أراد الرحيل عنها رحّل إليها اليهود من القارة الأوروبية، ومن باقي بقاع العالم تحت ذريعة تعويضهم عما تعرضوا له على أيدي النازيين الألمان ، فكونوا عصابات إجرامية تم تسليحها لتقتيل أصحاب الأرض وتهجيرهم عنها ، ولم يرحل المحتل البريطاني حتى مكنهم من زمام الأمور فيها ، ورجح كفتهم على كفة من كانوا يقاومونهم من فلسطينيين وغيرهم من عرب ومسلمين .
هكذا يجب أن تطرح القضية الفلسطينية كما وثقها التاريخ الذي لا يمكن تجاوزه أو طمس حقائقه . وعندما تطرح القضية بهذا الشكل الوحيد يمكن حينئذ طرح قضية المقاومة الفلسطينية طرحا وحيدا أيضا، وهي كونها ثورة مشروعة بل واجبة من منظور الشرع الإسلامي ضد يهود استقدموا من خارج أرض فلسطين ووطَّنهم المحتل البريطاني فيها بالقوة ، عملا بقول الله تعالى في محكم التنزيل : (( أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير )) . فإن قال قائل إن سبب نزول هذه الآية التاسعة والثلاثين من سورة الحج هو ظلم كفار قريش للمسلمين في عهد النبوة ، قيل له إن العبرة في كتاب الله عز وجل بعموم لفظه ، لا بخصوص أسباب نزوله ، لأنه الرسالة الخاتمة الموجهة إلى العالمين حتى يوم الدين ، ولهذا فإن ما جاء فيها يعنيهم ، وليس مجرد أخبار تتعلق بمن مضوا من قبلهم تروى لهم لتسليتهم ،خصوصا وأن الظلم واقع على المسلمين لا محالة من طرف أعداء دينهم في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة ، وأن ما شرعه الله تعالى للمسلمين من مقاتلة من ظلمهم في عهد النبوة ،ينسحب أيضا على كل ما يعقبهم من أجيال المسلمين المظلومين ما تبقى من عمر البشرية . ولا يمكن بحال من الأحوال لأي أحد مهما كان الطعن في إذن الله تعالى، لأنه شرعه المنزه عن الطعن .
وبناء على هذا، فكل الأوصاف والنعوت التي تلصق بالمقاومين الفلسطينيين على اختلاف فصائلهم سواء من طرف أعدائهم الصهاينة الظالمين المعتدين ، أو من طرف من يولونهم من الصليبيين المتصهينين الحاقدين على المسلمين ، ويدعمونهم في ظلمهم وعدوانهم أو من الخاذلين لهم من عرب ومسلمين إنما هي أولا استهداف مكشوف لشرع الله تعالى ، وثانيا محاولة لتشويه الجهاد المقدس في سبيله ، ومن أجل استرجاع ما ضاع من أرض فلسطين خصوصا مقدساتها وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإن الصهاينة المحتلين الظالمين المعتدين ليصفون وينعتون الذين يتصدون لعدوانهم وظلمهم من فصائل المجاهدين الفلسطينيين بالإرهابيين والمخربين ، ويجاريهم في توصيفهم الجائر أعوانهم من الصليبيين المتصهينين إلى درجة أن لفظة إرهاب صارت دلالتها المبتذلة محصورة عندهم في كل من يتصدون للاحتلال الصهيوني في فلسطين، وفيما جاورها من بلاد العرب ، ولكل احتلال صليبي غربي للأرض العربية أو الإسلامية.
والمؤسف أن يجاري المتخاذلون من المحسوبين على العروبة والإسلام وقد خذلوا القضية الفلسطينية ومقاومتها التي تتصدى للصهاينة المعتدين وأعوانهم من الصليبيين في وصفهم ونعتهم المقاومين الفلسطينيين بالإرهابيين والمخربين، وهم مصرون على ذلك إصرارا دون أن تندى لهم جباه خجلا مما يفترون عليهم وعلى شعب بكامله لا ذنب له سوى إصراره على استرجاع وطنه السليب وقد سلب منه بالقوة، وحرم من العودة إليه بعدما هجر منه قسرا ليعيش في شتات بعيدا عنه ، وذلك بعدما قدم ما لا يتصور من التضحيات ، وقد بلغ عدد ضحاياه رقما قياسيا فاق كل أرقام ضحايا كل الشعوب التي ناضلت من أجل استقلال بلدانها التي احتلها الغرب الصليبي الظالم .
والأشد أسفا أن كل الذين خذلوا القضية الفلسطينية ذاقوا ظلم هذا الاحتلال الذي طال أوطانهم ، ولكنهم سرعان من تناسوا ذلك ، فارتموا بين أحضانه ، وصاروا يقلدونه في نعت جهاد ومقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب والتخريب .
والأنكى من ذلك أن ينتسب إلى فلسطين دون وخز من ضمير بعض من خذلوا وخانوا قضية شعبهم ، ورضوا أن يكونوا أدلاء للصهاينة يدلونهم على رموز وقيادات المقاومة لتصفيتهم ، ويقفون في صفهم بسلاح كان من المفروض أن يوجه إلى صدور أعدائهم عوض أن يوجه إلى المجاهدين في سبيل الله عز وجل، وفي سبيل حرية وطنهم ، وفي سبيل تطهير مقدساته من الدرن الصهيوني الخبيث .
والمؤسف أنه قد تبيّن بكل جلاء لهؤلاء الغادرين بقضية شعبهم ووطنهم أن العدو الصهيوني ماض في تكريس سياسة الاحتلال والاستيطان ، وتوسيع ما يدعيه من وطنه التلمودي المزعوم إلى أقصى وأبعد الحدود في بلاد العروبة والإسلام ، وهم يتغافلون عن ذلك ، ويطمعون أن يمكنهم عدوهم من مخيمات أو كانتونات يعيشون فيها عيش الأرقاء المستعبدين .
والمحزن المبكي أن الأمة الإسلامية وعددها اليوم قد جاوز المليار والنصف منشغلة عن ضياع أقدس ما قدسه الله تعالى، وما باركه من مقدسات في فلسطين، وقد أوجب عليها كلها دون استثناء في محكم التنزيل أن تقاتل دونها الظالمين ،ووعدها بالنصر والتمكين، لكنها أبت إلا أن تكون غثاء كغثاء السيل قد نُزعت مهابتها من قلوب أعدائها الذين صاروا يتندرون بها ، ويسخرون من غثائتها .
وأخيرا يبقى الأمل في الله عز وجل وفي بوعده الناجز ، وفي المقاومة المباركة بأرض فلسطين . ولئن كفر المتخاذلون اليوم بالقضية الفلسطينية، فإن الله تعالى قادر على أن يأتي بمن ليسوا بها بكافرين ، وعسى أن يكون ذلك قريبا إن شاء الله تعالى ، وقد بدرت بوادره في المقاومة المباركة بعد طوفان الأقصى ، وهي مقاومة أشرف وأقدس من أن يقدح فيها الصهاينة والصليبيون الظالمون ، وكل المتخاذلين الذين عجزوا عن إيصال رغيف خبز لأطفال جياع يتضورون جوعا في غزة ، أو جرعة ما تطفىء ظمأهم أو جرعة دواء تنقذ حياتهم ، وإن هؤلاء لأشد عجزا وهم أجبن من أن يضعوا أصابعهم على الزناد لتخليص أقدس المقدسات من دنس الصهاينة الظالمين المعتدين . ولله الأمر من قبل ومن بعد .
Aucun commentaire