صرخة غزوية في وجه مكر السياسة وخدعة التاريخ
صرخة غزّويّة في وجه مكر السياسة وخدعة التاريخ
ضاقت علي وسائل الإعلام الغربي بما رحبت ، وسئمت من مكرها وخداعها وأحابيلها ، ومعانيها المتكلِّسة التي استقرّت في سراديب دواخلي ، مللتها لأنها أضحت تُعبّر عن مكر ضمني موقوت تاريخيّا ، وتفرز تصوُّرات مزيّفة تجسّدت ملامحها جلية في خطابات المثقفين المزيفين الذين يفترون الكذب وهم يعلمون . وها قد أصبح العالم يعيش الآن على وقْع ما أسماه أفلاطون « الأكاذيب النبيلة« ، فصرنا نرى الفضيلة في التفاهة ، والسلام في الحرب ، والذكاء في النصب والاحتيال ، والحرية في السفاهة والطيش والعبث …. وبالتالي صار العالم مسكوناً بالتناقضات والشكوك ، فأصبحنا لا نرى الحقائق كما هى ، إنما نراها بعد إعادة تشكيلها وقولبتها ، والقيام بتهذيبها وتعديلها وتنقيحها كي تتوافق مع جنون الطُّغاة المردة ، الذين لا يتورعون عن استخدام أبشع الوسائل ليسُوقِّوا مسوغاتها وفرضها بشكل أو بآخر ، ومن ثمة أصبحت الحقيقة مدارة هشة ، وواجهة قابلة للتهديد والتلاشي ، محجوزة في قمقم الإعلام الغربي بفعل التحويل والاستدراج ، بحيث لا تستوي مدلولاتها وآثارها إلا مع مواجد الزيف والتقلبات ، التي تفرضها إسرلئيل الغاشمة وتوجبها على غزة الأبية ، التي تُوأد فيها مآلات الإنسانية ، وتقبر في أعماق ودفائن القلوب ، وما تنطوي عليه من آلام ومواجع ، وفواجع ولوعات تتصادى لها النفوس ، وتهتزّ لها العقول والوجدانات ويخْتَضُّ لها الضمير الإنساني الحي .
إن صرخة غزة نداء داخلي إنساني منبثق من الأعماق ، وهي تعني في أدل وأدق معانيها إطلاق كل ما تختزنه وتنطوي عليه النفس الآدمية من آلام مدقع في لحظة عزلة موحشة باردة ورهيبة ، وَوَجَعاً عاتياً ممزِّقا . وما يحُزُّ في نفس كل حرٍّ أبيّ هو أن صرخة غزة تلاشت في خواء الوطن العربي ، حيث الصمت الهائل والمهول وحده يَرِنُّ ويَطِنُّ ، فلا غوثَ ولا مُغيثَ ولا طوقَ نجاة ، وحدها وحشية العدو وهمجيته تشير إلى الخراب والدمار والموت البطيء ، الذي يكسر أعتى الأفئدة وأصلب الظهور . تلك هي الكراهية الرهيبة المتغلغلة في دواخل وبواطن الإسرائيلي الصهيوني ، إنها كراهية بلا ضفاف تسعى عن عمد وسبق إصرار إلى إبادة الإنسان الفلسطيني المعزول والمخذول ، والمُنبِّه بمقاومته المشروعة إلى الجريمة النكراء ، التي طالته واستطالته أكثر من سبعين سنة ، حيث لا استجابة ولا صدى لصرخته ، سوى أفواه محشوة بالتراب والغبار والدم لإسكات صوته الموجوع الصامد ، لقد أنكروا عليه إنسانيته بحيث أصبح لا يملك من الحياة إلا الوجود العضوي ، قتله مباح ويجيزه الحق المطلق للإسرائيلين أزلام الأمبريالية البشعة ، التي تسعى إلى طمس الوعي التاريخي للشعوب . فالغائية لم تبدأ مع بداية » طوفان الأقصى« كما يروّج الإعلام الغربي المتصهين ، ويوهم السدّاج بأن قتل أهل غزة هو دفاع عن النفس ، وهذه حجة تجسِّد السقوط والانحدار إلى مستنقع الفكر غير التاريخيّ ، وهذا بعض ما في أطروحة إسرائيل من مكر وخداع لشرعنة همجيتها ووحشيتها وإلباسها لباس المُعتدَى عليه . فهي لا تعرف للرقي الأخلاقي طريقا ، ولا تتورع عن قلب الحقائق وتأويلالأحداث ، وهذا منتهى البهتان والضلال والتضليل ، تفضحه الوقائع والحيثيات ومجريات التاريخ . فإيديولوجيتها مجرد فخ منصوب للسذاج والمغفلين من أجل نيل تأييدهم لسحق ومحق الفلسطيني المغتصَب في أرضه ، المحروم من تقرير مصيره والمغلوب على أمره ، حتى إذا فاض به الكيل استصرخ أهل الحل والعقد لنجدته أصدروا قرارات غير ملزمة للعدو ، وأوصوه بضبط النفس والصبر والجَلد على جحيم الحرب ، ووحشية الإبادة الجماعية . إن قضية فلسطين هي نقطة ارتكاز في ميدان الصراع بين الحق والباطل ، بعيدا عن خدمة أجندة الأغراض السياسية المقيتة ، التي تشوّه الحقائق وتقف في صف الباطل ، وتُواسي الظالم وتُجرِّم المظلوم ، وتساوي بين الضحية والجلاد . فالعقل الجمعي للبشرية يصعب إخضاعه لقبول احتلال أرضه واغتصاب حقه المشروع ، وقد يحاول المحتل تطبيع الاحتلال ، وضبط العقل الجمعي على قبوله كأمر طبيعي ، ويبدل أقصى جهده لتسفيه مفهوم المقاومة بكل أشكالها ، وانتزاعها من الصراع بشكل عام لإحكام سيطرته وإعطائها غطاء مشروع . لذلك فعلى دعاة لوم المقاومة وتبخيس جهادها في إطار انعدام تكافؤ القوى ، وقولهم بأن أي عملية جهادية ستقابل بفرض الحصار
والتجويع والتدمير والإبادة الجماعية ، فليعلم هؤلاء أنه في حالة إقصاء وتصفية المقاومة ستقبر القضية الفلسطنية ، ويتسيّد المغتصِب ويُذل المغتصَب ، وتنتهك حرماته وتطمس هويته ، وسل في ذلك كل تجارب التاريخ التي تخبرنا أن الحق يؤخذ ولا يُعطى ، وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة ، فلا يمكن تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي إلا بالمقاومة ولا شيء غيرها . فالمقاومة ليست إرهاباً وإنما هي حق مشروع تكفله المواثيق الدولية والقرارات الأممية ، والكل قادر على المقاومة بما يملك لكسر شوكة المعتدي ، وما مقاومة المغاربة الأحرار للاحتلال الفرنسي ببعيدة عن ذاكرة التاريخ . فإسرائيل في واقع الحال لا تحارب المقاومة ولا تستهدفها وحدها ، وإنما تستهدف استئصال الشعب الفلسطينى كله ، سواءً بالقتل والتدمير أو بدفعه للنزوح والتهجير من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات . فالمشروع التوسعي الصهيوني أطماعه لا حدّ لها ولا تنتهي أبداً ، فهو يتسرب في جسد الوطن العربي كخلايا سرطانية ، و هو ليس مجرد رغبة توسعية قائمة على أسس سياسية وجغرافية بل يستند على نصوص دينية كما ورد في التوراة في سفر التكوين « 15:18-21 »، والذي جاء فيه: » في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع أبرام قائلاً : سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات أرض القينيين والقنزيين، والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين« . فانتبهوا أيها العرب إن لم تستفقوا وترصوُّوا الصفوف فلن تقوم لكم قائمة بعد ذلك . قال تعالى: « قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين » ـ التوبة 14 ـ
اللهم ثبت أهل غزة وأفرغ عليهم صبراً وانصرهم على القوم الظالمين .
التهامي الشامي
1 Comment
لا نامت أعين الجبناء.
مقال رائع