Home»Femme»« الزواج الفاسد بين أحكام النيات وتحقيقات الفقهيات »

« الزواج الفاسد بين أحكام النيات وتحقيقات الفقهيات »

0
Shares
PinterestGoogle+

الدكتور محمد بنيعيش
أستاذ الفكر والعقيدة


1) في هذه المسألة سنحاول التطرق بموضوعية وحذر علمي لحكم الزواج الفاسد وعلاقته بأقصى مدة الحمل ،وهو الذي يكون على قسمين قد لخصهما ابن أبي زيد القيرواني: »فما فسد من النكاح لصداقه فسخ قبل البناء ،فإن دخل بها مضى وكان فيه صداق المثل ،وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ثلاثا ولا يحصن به الزوجان ».
يقول ابن جزي: »النكاح الفاسد مفسوخ ،فما كان فساده لعقده فسخ قبل البناء وبعده ،وما كان فاسدا لصداقه فسخ قبل البناء وثبت بعده على المشهور ،وقيل يفسخ فيهما ،وقيل لا يفسخ فيهما ».
أما ابن عبد البر في الكافي فيذهب إلى الثابت المحصل في المذهب كما يقول: »وفساد الصداق يفسد النكاح قبل الدخول ويصح بعد الدخول مع مهر المثل ،وإنما فساده في الصداق الفاسد من الغرر وشبهه استحباب ،لأنه إذا دخل بها ثبت نكاحها وكان لها صداق مثلها ،فإن نكح رجل امرأة على جرار خل وكانت خمرا كان عليه مثل الخل كيلا ،ولو نكح على خمر أو خنزير فسخ النكاح قبل الدخول ولم يكن لها شيء ،فإن دخل بها فقد اختلف قول مالك بينهما ،فقال مرة:يفسخ نكاحه ويكون للمرأة بمسيسها صداق مثلها ،وقال مرة أخرى يثبت نكاحه بصداق المثل وهو تحصيل المذهب « .
ثم إن الفسخ كما يقول ابن جزي : »يكون بطلاق ويكون بغير طلاق ،فكل نكاح أجمع على تحريمه فسخ بغير طلاق وما اختلف فيه فسخ بطلاق،قيل نكاح يجوز للولي أو لأحد الزوجين إمضاؤه أو فسخه فسخ بطلاق ،وكل ما يغلبون على فسخه ويفسخ قبل البناء وبعده فسخ بغير طلاق،وفائدة الفرق: أن الفسخ بطلاق يوقعه الزوج ويحسب في عدد التطليقات ،والفسخ بغير طلاق يوقعه الحاكم ولا يحسب في عدد التطليقات وتعتد من الفسخ كما تعتد من الطلاق ومن هنا تتفرع ثلاثة مسائل وهي:
فرع أول : النكاح الفاسد الذي يفسخ بغير طلاق لا يكون فيه بين الزوجين توارث ،والفاسد الذي يفسخ بطلاق يتوارثان فيه إن مات أحدهما قبل الفسخ.
فرع ثان :كل نكاح يدرأ فيه الحد فالولد لاحق بالوطء ،وحيث وجب الحد لا يلحق النسب .
فرع ثالث:كل نكاح فسخ بعد الدخول إضرارا فلا يجو للزوج أن يتزوجها في عدتها منه،وكل نكاح فسخ اختيارا من أحد الزوجين حيث لهما الخيار،جاز أن يتزوجها في عدتها منه « .
هذا التفريع مأخوذ من المدونة كما قال سحنون « وهو قول أكثر الرواة:أن كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه مثل نكاح الشغار ونكاح المحرم ونكاح المريض وما كان صداقه فاسدا فأدرك قبل الدخول ،والذي عقد بغير صداق فكانا مغلوبين على فسخه فالفسخ فيه في جميع ما وصفنا بغير طلاق …وما كان فسخه بغير طلاق فلا ميراث فيه، وأما ما عقدته المرأة على نفسها أو على غيرها وما عقده العبد على غيره فإن هذا يفسخ دخل بها أو لم يدخل بغير طلاق ولا ميراث فيه ».
في باب ما »جاء في عدة المرأة تنكح نكاحا فاسدا « : »قلت:أرأيت المرأة يموت عنها زوجها ثم يعلم أن نكاحه كان فاسدا ؟قال:قال مالك :لا حداد عليها ولا عدة وفاة وعليها ثلاث حيض استبراء لرحمها ولا ميراث لها و يلحق ولدها بأبيه ولها الصداق كاملا الذي سمى لها الزوج ما قدم إليها وما كان منه مؤخرا فجمعه لها ».
إذن فالنكاح الفاسد مع الجهل بفساده يلغي الزواج والتواصل بين الرجل والمرأة كاختلاء واشتهاء ولا يلغي نسب الطفل الناتج عن هذا الإجراء الخطأ ،إلا أن بعض الفقهاء من الحنفية كمحمد بن الحسن يرى تقييدا لهذا الإثبات بمبدأ الدخول في الزواج الفاسد وليس ما عليه القاعدة الحنفية في اعتبار الحمل الشرعي لأقل مدته بمجرد العقد كما ذهب إليه أبو حنيفة مع القول بمنع اللعان ،في حين يرى المالكية والشافعية وكذا الحنابلة جوازه ولكن دون التفرقة بين حكم الحمل بالزواج الصحيح أو الزواج الفاسد ،إذ تبقى القاعدة ثابتة لديهم وخاصة عند المالكية هي القول بإمكان الاتصال في كلا الحالتين .
2) غير أن مدونة الأحوال الشخصية المغربية فيما كانت تسمى سابقا نراها تتبنى مذهب محمد بن الحسن في المسألة وذلك في الفصل 86 الفقرة الأولى: »ولد الزوجة من زواج فاسد بعد الدخول إذا ولد لستة أشهر فأكثر من تاريخ الدخول يثبت نسبه إلى الزوج حسب الفصل 37″ويقول الفصل 37الفقرة الثانية : كل زواج مجمع على فساده كالمحرمة بالصهر منفسخ بدون طلاق قبل الدخول وبعده ويترتب عليه تعين الاستبراء وثبوت النسب إن كان حسن القصد ،أما إذا كان مختلفا في فساده فيفسخ قبل الدخول وبعده بطلاق ويترتب عليه وجوب العدة وثبوت النسب ويتوارثان قبل وقوع الفسخ ».
أما في مدونة الأسرة فقد جاء الحكم جد مقتضب وغير موفي الموضوع حقه من البيان وكأنه في حالة استعجال قصوى!وذلك حينما تعرضت للفسخ في المادة 77: »يحكم بفسخ عقد الزواج قبل البناء أو بعده في الحالات وطبقا للشروط المنصوص عليها في هذه المدونة »بحيث لم يدر ما هي الشرو ط المنصوص عليها وبماذا تختص هل بالزواج الصحيح أو الزواج الفاسد أو الوطء بشبهة؟وهذا فيه غموض وغضاضة وضعف عما كان عليه مستوى البيان والصيغة الفقهية التي تمت بها مدونة الأحوال الشخصية السابقة !
فالنقطة الأساسية في الفقرة الثانية منها كما رأينا تتمركز عند كلمة « كان حسن القصد »،وهذا يطرح علينا مسألة الحكم الظاهري والباطني في قضايا النسب والأسرة،إذ قد يوجد ظاهر جائز وظاهر غير جائز رغم أن الظاهرين متشابهين عند الإجراء لكنهما مختلفين عند القصد ،إلا أن القضاء الباطني لا تحدده المحاكم التي يتولى أمرها الإنسان وإنما يقرره المشرع للفقه والقضاء ،الذي يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
من ثم كان لابد من ترسيخ الوعي بتحديد القصد عند العمل ورهنه بالنية المحركة له كما ورد في الحديث النبوي الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم : »إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى،فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ».
إذ الملاحظ على الحديث تخصيص النية بالزواج نموذجا وذلك لما له من مكانة عظيمة في باب تحديد النسب والحفاظ على هوية الأمة وأصالتها ،وبالتالي طهارة أعراقها وأخلاقها على مستوى الحاكم والمحكوم على حد سواء ،قد يعضد هذا المعنى حديث آخر مناسب لما نحن بصدد دراسته عن أبي هريرة : »من تزوج امرأة على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان ومن أدان دينا وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق ».
إذ النية ما يعرفها الغزالي: »الإرادة الباعثة للقدرة المنبعثة عن المعرفة « وهي »عبارة عن الصفة المتوسطة :وهي الإرادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة والميل إلى ما هو موافق للغرض إما في الحال وإما في المآل …فالمحرك الأول هو الغرض المطلوب وهو الباعث،والغرض الباعث هو المقصد المنوي والانبعاث هو القصد والنية ،وانتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء هو العمل ».
فالنية حاضرة بقوة في الزواج أو الطلاق و العتاق، إلا أن لهذه المواضيع خصوصيات ظاهرية عند الحكم كما ينسب إلى سعيد بن المسيب قوله الذي قد يأخذه من بعض الصحابة وفقه التشريع الإسلامي : »ثلاث جدهن جد وهزلهن جد:الزواج والطلاق والعتاق « .
إذ التصريح بهذه الأحكام يكون ملزما قضائيا للشخص وإن لم ينو ذلك ،خاصة إذا ثبتت البينة وأشهد عليه اللهم إلا في حالات يلغى فيها الإقرار بحسب مستويات موانعه ومواضعه،كالصبا والجنون والإكراه حيث يؤثر عن الإمام مالك فتواه المشهورة: »طلاق المكره لا يجوز »والتي وردت في سياق جدل سياسي حول الإكراه على البيعة كما يؤرخ لذلك.
من هنا نجده يركز بصورة كبيرة على مسألة النية في مواضيع المناكحات وخاصة في موضوع الطلاق وما قرب منه ،وذلك حينما يقوم الزوج ببعض التصرفات اللفظية تخص الزوجة قد تلزمه فقهيا ولا تلزمه قضائيا ،كما قد تصبح المرأة نفسها مسئولة عن حكم علاقتها مع زوجها بحسب نيتها وبحسب التزامها الأخلاقي في التعامل معه،وذلك حينما يوكل مستقبل هذه العلاقة إلى موقفها الشخصي والذي قد تكون نيتها فيه على عكس تصريحها ،مما قد يؤدي إلى تهديم بيت الزوجية على سبيل المزاح والمراوغة ،كما نجده في المدونة مثلا: » قال مالك: وسأله رجل عن امرأة وقع بينها وبين زوجها كلام فقالت فارقني ،فقال الزوج إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق ثلاثا،فقالت المرأة فإني أحب فراقك،ثم قالت بعد ذلك ما كنت إلا لاعبة وما أحب فراقك.قال:قال مالك أرى أن يفارقها ويعتزلها ولا يقيم عليها،قلت ليس هذه مسألتي إنما مسألتي أنه قال :إن كنت تبغضيني فأنت طالق،فقالت لا أبغضك وأنا أحبك ،قال ابن القاسم :إنه لا يجبر على فراقها ويؤمر فيما بينه وبين الله أن يفارقها لأنه لا يدري كيف هي تحته أحلال أم حرام وهو قول مالك ».
فهذه الفتوى تؤسس للأخلاق الباطنية في العلاقات الزوجية وخاصة من طرف الزوجة التي ينبغي أن تكوون صادقة وحذرة في معاملتها لزوجها حينما يصبح لفظ الطلاق وسيلة تهديدية أو تحديدية لمستقبل الحياة الزوجية إن على الاستمرارية أو التوقف.
كما أن الصيغ المؤدية إلى الطلاق منها ما يتوقف على اللفظ المجرد ومنها يحتاج إلى نية مع اللفظ ومنها ما يحتاج إلى اللفظ والنية وسيق الكلام، وكل له أحكامه وضوابطه.
3) فمن نماذج الألفاظ المجردة الموقعة للطلاق تطرح في المدونة هذه الأرأيتيات في رواية سحنون : »قلت :أرأيت إذا قال لامرأته قد حرمتك علي أو قد حرمت نفسي عليك أهو سواء في قول مالك ؟قال:نعم ،لأن مالكا قال:إذا قال:قد طلقتك أو أنا طالق منك أن هذا سواء وهي طالق ».
أما الألفاظ مع النية فمن نماذجها : »قلت:أرأيت إن قال لها أنت طالق اعتدي ،قال :لم أسمع من مالك في هذا شيئا ،وأرى إن لم تكن له نية فهي ثنتان ،وإن كانت له نية في قوله اعتدي أراد أن يعلمها أن عليها العدة أمرها بالعدة فالقول قوله لا يقع عليه الطلاق « .
ويقول أيضا : »قلت :أرأيت إن قال لها كلي أو اشربي ينوي به الطلاق ثلاثا أو اثنتين أو واحدة أيقع ذلك في قول مالك ؟قال : نعم ،لأن مالكا قال:كل كلام نوى بلفظه الطلاق فهو كما نوى،قال ابن القاسم:وذلك إذا أراد أن يقول لها أنت طالق ألبتة فقال:أخزاك الله أو لعنك الله لم يكن عليه شيء لأن الطلاق قد زال من لسانه وعفا عنه بما خرج إليه حتى تكون نيته أنت بما أقول لك من أخزاك الله أو شبهه مما أقول لك فأنت به طالق فهذا الذي سمعته أنها تطلق به فأما من أراد أن يقول لامرأته أنت طالق فزل لسانه إلى غير الطلاق ولم يرد أنت بما أقول طالق فلا شيء عليه ».
وأما ما يحتاج إلى اللفظ والنية والسياق فنجد في المدونة هذه النماذج: » قلت:أرأيت إن قال لها اختاري فقالت:قد اخترت نفسي فقال لها :إني لم أرد الطلاق،وإنما أردت أن تختاري أي ثوب أشتري لك من السوق ،قال:هل كان كلام قبل ذلك يدل على قول الزوج؟قال:لا،قال:فهي طالق ثلاثا ،لأن مالكا قال في رجل يقول لامرأته أنت مني بريئة ولا يكون قبل ذلك كلام كان هذا القول من الزوج جوابا لذلك الكلام: أنها طالق ثلاثا ولا يدين الزوج في ذلك،فكذلك مسألتك ».
« …قلت أرأيت إن قال لها اختاري نفسك، فقالت :قد فعلت.أتسألها عن نيتها في قول مالك ما أرادت بقولها قد فعلت والزوج قد قال لها :اختاري نفسك ،قال :نعم في قول مالك أنها تسأل عن نيتها وسواء إن قال لها هاهنا اختاري أو اختاري نفسك ،فقالت :قد فعلت ،إنها تسأل عما أرادت بقولها قد فعلت … ». »وسئل مالك عن رجل قال لامرأته قد أكثرت مما تذهبين إلى الحمام فاختاري الحمام أو اختاريني، فقالت:قد اخترت الحمام، قال مالك:أرى أن يسأل الزوج عن نيته،فإن أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم يرد الطلاق فلا شيء عليه ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *