القطاعات والمؤسسات والمقاولات، المرافق والأموال العمومية، مقاربة جدلية للشأن العام الوطني
الجيلالي شبيه، دكتور ومؤهل للتأطير والبحث والتدريس بجامعة باريس، ودكتور الدولة بجامعة القاضي عياض، في العلوم القانونية والمالية والإدارية ومنهجية العلوم
إذا أخذنا بعين الاعتبار التصنيف الاقتصادي والمالي السائد عالميا والجاري به العمل دوليا، بعد أن أدخلنا عليه بعض اللمسات الشخصية، نلاحظ أن عدد الفاعلين الاقتصاديين والماليين يضم خمس فئات مرتبطة بعضها البعض أشد الارتباط: الإدارات والمقاولات والأسر والمنظمات غير الحكومية والخارج؛ والمغرب لا يشكل استثناء من هذا التصور، ولا يخرج عن هذا التصنيف·
فالإدارة تشمل الدولة المركزية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشبه العمومية· والمقاولة بالمفهوم الاقتصادي (مقاول، رؤوس أموال، أجراء، إنتاج، توزيع، سوق···)، أو الشركة بالمفهوم القانوني (شريك أو شركاء، عقد، أشخاص، شخصية معنوية أو ذاتية، رأسمال···)، وحدة اقتصادية وقانونية نظمت بهدف الربح والتوسع أو الهيمنة الدولية، تضم كل الأحجام (الصغرى، المتوسطة، الكبرى والدولية أو متعددة الجنسية)، وكل الأنواع (صناعية، تجارية، فلاحية، حرفية، خدماتية، مالية···)، وكل القطاعات (عمومية، خاصة ومختلطة)· والأسرة، نووية أو ممتدة، وحدة اجتماعية واقتصادية-استهلاكية بالدرجة الأولى، تتكون من مجموعة، مصغرة أو مكبرة، من الأفراد يعيشون في نفس المحل وتحت سقف واحد·
والمنظمة غير الحكومية، وهي وحدة اجتماعية طوعية، غير ربحية أساسا، تشكل، عددا وتنوعا، ما يعرف بالمجتمع المدني، وتسعى إلى تحقيق مجموعة واسعة من الأنشطة الخيرية: اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية وتربوية· أما الخارج، وهو الفئة الخامسة في التصنيف الاقتصادي، ويقصد به كل العلاقات الاقتصادية والمالية والبيئية الرابطة بين الدول والبلدان والشعوب، كالتجارة والهجرة وتحركات رؤوس الأموال ونقل وابتكار التكنولوجيا والمعاهدات والاتفاقيات ذات الأبعاد المالية والنقدية والاستثمارية (الإعانات والقروض والاقتراضات والاحتياطات والصرف والعملة الأجنبية)، والأسواق المالية والنقدية وأسواق المواد الأولية، والواردات والصادرات، وتهريب وتبييض الأموال والتهرب الضريبي الدولي بما فيه الملذات أو الجنات الضريبية·
كل هذه التصنيفات والمنظمات مرتبطة بعضها البعض أشد الارتباط، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة؛ وتتجلى هذه الارتباطات في عمليات الإنتاج والمبادلات والاستهلاك والتحركات المالية، والاقتطاعات الضريبية والإعانات وأهلية الدولة للإرث، والهبات والوصايا الصادرة عن المؤسسات والمنشآت والأفراد، وطنيا أو دوليا، والاستغلالات الاقتصادية· وتمارس كذلك هذه العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية أو الخارجية والدولية من خلال مراقبة صرف وإنفاق الإمدادات المالية الممنوحة للقطاع العام أو القطاع الخاص أو المختلط، والاستثمارات القطاعية بجميع أنواعها واستعمال المرافق العمومية·
كل هذه القطاعات والمؤسسات والهيئات والمقاولات، التي تدخل ضمن مفهوم الإدارة، أو ضمن مفاهيم مرتبة بها، وعددها كثير، تعرف دينامية سلبية متواصلة مرتبطة بعمليات الإحداث والتحويل والتفويت والحل أو التصفية، مما يؤثر بقوة على الاقتصاد الوطني، وتستفيد، زيادة على هذه الاختلالات، بحسب اختلافها ودرجات أهميتها بقدر وافر من الأموال العمومية أكثر بكثير مما تنتج من المرافق العمومية، كما تستفيد كذلك من الاقتراضات المدعومة بضمانات أجهزة الدولة والاقتطاعات الضريبية التي تدفعها الأسر، والتي قلما تستفيد من المرافق العمومية، وقلما تستنفع من مرافق عمومية ذات الجودة·
يمكن تصنيف وتعداد هذه الوحدات إلى 10 مؤسسات وهيئات حقوقية، و31 قطاعات وزارية ومؤسسات، و1503 جماعة حضرية وقروية، و75 عمالة وإقليم، و12 جهة، و21 شركة مساهمة تملكها الجماعات الترابية، و171 مرافقا من مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، و69 صنفا من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة، و271 مجموع المؤسسات والمقاولات العمومية· تمتلك بعض هذه المؤسسات والمقاولات 525 شركة تابعة أو مساهمة في قطاع معين· ونلاحظ أن خمس مؤسسات فقط من مجموع 271 مؤسسة تساهم في تمويل الميزانية العامة والاقتصاد الوطني· و266 منها، أضف إليها القطاعات الوزارية والمؤسسات المندرجة في خطها، تستنزف مجموع الموارد الضريبية في نفقات تسييرها، وتثقل كاهل المالية العمومية، عجزا وسوء تدبير، وتثقل كاهل الملزم بالضريبة، والملزم بتأدية مبالغ وفوائد الاقتراضات· ونفس الملزم يعاني من سوء التدبير والتبذير واختلاس وتبديد المال العام؛ ويعاني كذلك من شح ورداءة المرافق العمومية وغلاء المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية؛ رغم ارتفاع التحصيل الضريبي الذي يعادل أو يفوق أحيانا 90 بالمئة من مجموع المداخيل العادية للدولة، أي باستثناء الاقتراضات· ولو أن في الواقع المالي للدولة، ودول أخرى عديدة، لم تعد الاقتراضات موردا استثنائيا بل أصبحت وأضحت موردا عاديا لا نزاع في ذلك، تلجأ إليه المالية العمومية سنويا·
ويبلغ إجمالا عدد هذه القطاعات والمقاولات والمؤسسات والهيئات 2688 وحدة اقتصادية؛ هذا إذا اكتفينا بالإحصائيات الرسمية أو الظاهرة التي قد تحجب وحدات اقتصادية ومؤسساتية أخرى عديدة· ومع ذلك فكل هذه البنيات المؤسساتية-الاقتصادية لا نرى لها أثرا ماليا هاما يذكر على مستوى المالية العمومية· فإذا تفحصنا مثلا أهم مالية وطنية في المغرب، أي مالية الدولة، نجدها تضم، حسب قانون المالية لسنة 2025، الموارد التالية بالدرهم: المداخيل الضريبية 329.8 مليار، حصيلة تفويت مساهمات الدولة 6 ملايير، حصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة 22.5 مليار، عائدات أملاك الدولة 0.35 مليار، موارد مختلفة (غرامات نقدية، ذعائر وعقوبات مالية، مخالفات ومحاضر مالية، مصادرات···) 8.7 مليار، موارد الهبات والوصايا 1.5 مليار، والمجموع 368.85 مليار· تمثل في الواقع الاقتطاعات الضريبية والغرامات والذعائر والزيادات الضريبية لوحدها من مجموع الموارد سالفة الذكر أكثر من 92 بالمئة· إذن أين هي أرباح رقم معاملات 346 مليار درهم المرتقبة لهذه الوحدات الاقتصادية كما تشير لذلك توقعات اختتام السنة المالية 2024 حسب التقرير السنوي المتعلق بالمؤسسات والمقاولات العمومية المرفق لمشروع قانون المالية للسنة المالية 2025·
إذن إلى جانب مخاطر سوء التدبير والتبذير المرتبطة بالقطاعات والمؤسسات والمقاولات، أو ما يسمى بالمحفظة العمومية، هناك مخاطر الاقتراضات التي تمثل أكثر من 70 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي لسنة 2024، تنفق في استثمارات فاشلة، وتسدد، خصوصا الخارجية منها، بالعملات الأجنبية، صرفا ورؤوس أمول وفائدة، ومخاطر التوقعات الميزانياتية، التقريبية أو المغلوطة، الداخلية منها أو الخارجية، والتي تهم أساسا تحمل الدولة مسؤولية سداد القروض المدعومة بالضمانات الممنوحة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية الفاشلة، ومخاطر الأوضاع الاقتصادية الظرفية الداخلية (مناخ، كوارث) والدولية (تقلب أسعار ميزان الأداء التجاري: المواد الأولية والطاقية) التي يمكن للكفاءات والمهارات الحقيقية دراستها وتشخيصها ورصدها وترقبها وتفادي بعضها على الأقل· ومخاطر أخرى عديدة، يمكن بكل سهولة تجنبها، إذا كانت التوقعات ناتجة عن استراتيجية ماكرو اقتصادية مبنية على دراسات وتشخيصات دقيقة لأهل الخبرة والكفاءة والاختصاص في العلوم الاقتصادية والمالية والضريبية، وتنزيلها من طرف أصاب القرار، كالتدبير والمراقبة والمتابعة والاستثمار وعقلنة نفقات التسيير، وتحريك وتعبئة موارد التمويل العمومي البشرية والطبيعية والمنجمية والفلاحية والصناعية والسياحية والخدماتية والضريبية (قارن مع توقعات وزارة الاقتصاد والمالية، البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات 2024-2025)·
On peut ramener les différentes catégories de financement de l’économie publique et des besoins sociaux à quatre sources irréductibles, avec des proportions de contribution de financement approximativement égales : la taxation, la tarification, la gestion et la donation, v. J. Chabih, Les sources de financement public, 2020, disponible sur le Web.
يمكن تصنيف موارد التمويل العمومي إلى أربعة أصناف: الاقتطاعات الضريبية العادلة، وبيع الخيرات الطبيعية والصناعية وشراء الاقتراضات وإنفاقها في الاستثمارات المثمرة، وجودة التدبير وعقلنته، والهبات والوصايا والإعانات والإمدادات المجانية من الثروات الداخلية والخارجية· وكل صنف من هذه الأصناف الأربعة بإمكانه، إذا وجدت فعالية التعبئة ونجاعتها، أن يساهم في تمويل الاقتصاد الوطني والاحتياجات الاجتماعية المشروعة، بنسب تتراوح ما بين 20 و 25 بالمئة· أنظر مقالنا، مصادر التمويل العمومي، 2020، على الأنترنيت· الجيلالي شبيه، دكتور ومؤهل للتأطير والبحث والتدريس بجامعة باريس، ودكتور الدولة بجامعة القاضي عياض، في العلوم القانونية والمالية والإدارية ومنهجية العلوم·
Aucun commentaire