انتفاضة الجزائريين ضد حكم العسكر!
اسماعيل الحلوتي
بعد طول انتظار وبلوغ المواطنات والمواطنين الجزائريين إلى مستوى متقدم من السخط والإحباط، جراء التدبير السيء للشأن العام من قبل الحكومات المتعاقبة، غلاء الأسعار المتواصل وندرة المواد الأساسية والغذائية، كما يتضح من خلال انتشار الطوابير في الأسواق وأمام المحلات التجارية، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن القهر والتهميش والتجويع، تكميم الأفواه ومصادرة الحريات.
وما إن تمكنت المعارضة السورية التي ظلت صامدة على مدى أزيد من 13 سنة من الإطاحة بالطاغية بشار الأسد الحليف الكبير للنظام العسكري الجزائري إلى جانب كل من روسيا وإيران، حتى بدأت حالة من القلق والتوجس تسود في صفوف كبار العساكر في قصر المرادية، خوفا من أن يصل حبل المشنقة إلى رقابهم، خاصة بعد أن سارع عدد من النشطاء الجزائريين الأحرار إلى شن حملة رقمية تحت عنوان « مرانيش راضي »، للتعبير عن سخطهم على الوضع السياسي والاجتماعي القائم ببلادهم، التي حولها « الكابرانات » إلى مرتع للعبث السياسي والدبلوماسي والفساد بمختلف أشكاله، مطالبين بالتغيير الإيجابي الذي طالما انتظروا حدوثه، وهو عودة العسكر إلى ثكناتهم والتعجيل بإرساء أسس دولة مدنية ديمقراطية.
إذ لم يعد بمقدور الجزائريين تحمل المزيد من الوعود الكاذبة والقبول بالحياة البئيسة والتعرض إلى مختلف أشكال الإهانة في سبيل الحصول على ما تيسر من مواد غذائية: زيت، حليب، بطاطس وغيرها، فيما بلادهم تعد من بين أغنى البلدان العربية والإفريقية، لما تزخر به من موارد طبيعية هائلة وخاصة النفط والغاز، حيث أبى الكثيرون منهم سواء في الشارع العام أو على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن يجهروا بصوت جهوري للتعبير عن رفضهم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم، دون أن يبادر المسؤولون إلى الوفاء بما ظلوا يتعهدون به من حيث تقليص معدلات الفقر والبطالة تحسين ظروف عيش المواطنين واجتراح الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة للتخفيف من أوجاعهم وأحزانهم، وإعادة البسمة المفقودة إلى شفاههم الذابلة.
فالنظام العسكري الجزائري مصر على التمادي في غطرسته ومعاداة المغرب، وعدم التراجع عن محاولة تعطيل مساره التنموي الناجح، إذ أنه يكرس كل جهوده وأوقاته في اتجاه استفزازه ومعاكسته في وحدته الترابية، مستعينا بالحملات الإعلامية الهوجاء التي لا تتوقف عن اختلاق الأكاذيب ونشر المغالطات، فضلا عن انشغاله الدائم بالترويج والدفاع عن مشروعه الانفصالي الفاشل، مفضلا صرف ملايير الدولارات من أموال الشعب في دعم ميليشيات البوليساريو، حيث أصبح ذلك عقيدة راسخة يستمد منها قوته للبقاء على رأس السلطة والتحكم في مصير البلاد والعباد، غير مكترث بتفاقم الأزمات الداخلية وبما يعانيه المواطنون من ندرة عديد المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك والمياه الصالحة للشرب..
ترى كيف والحالة هذه ألا يشعر المواطن الجزائري بالغبن والقهر والحرمان وهو يرى عائدات النفط والغاز تتوزع يمينا وشمالا على غير مستحقيها من المرتزقة والانتهازيين هنا وهناك، بينما يعيش حياة البؤس والشقاء أو يضطر إلى الارتماء في عرض البحر للعبور نحو الضفة الأخرى، يمني النفس بضمان تلك اللقمة من العيش التي يحرمه الكابرانات منها؟ لذا ارتأى عدد من رواد الفضاء الأزرق أن يتداولوا فيما بينهم وعلى نطاق واسع مقاطع فيديو يستعرضون بواسطتها حالة الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيش عليها آلاف العائلات الجزائرية المغلوبة على أمرها، بهدف تعميق الوعي وبث الروح في ذلك الحراك الشعبي، الذي أستغل شنقريحة وأعضاء عصابته الحاكمة انتشار وباء « كورونا » اللعين لإجهاضه.
وبما أن منسوب الاحتقان الاجتماعي بلغ مداه في عهد الرئيس عبد المجيد تبون الواجهة المدنية للنظام العسكري، لم يجد الشرفاء من وسيلة للكشف عن حجم معاناة الجزائريين وما يتجرعونه من مرارة وتهميش وإقصاء وقمع وترهيب، عدا إطلاق هذه الصرخة القوية التي اختاروا لها عنوان « مرانيش راضي » كما سلف الذكر، للتأكيد بأنه لم يعد في الصدر مقدار حبة خردل من الصبر على القهر، والتعبير عن امتعاضهم مما آلت إليه أوضاعهم من تدهور خطير على عدة مستويات في ظل حكم العسكر، ويطالبون بالإنهاء الفوري لهذا النظام الدكتاتوري الذي عمر طويلا.
وهي الصرخة التي زرعت الرعب في قلوب حكام الجزائر، الذين يخشون كثيرا أن يكون الهدف القادم بعد الإطاحة بالدكتاتور بشار في سوريا سيكون لا محالة نظامهم العسكري الفاسد والبائد، الذي لجأ إلى تجنيد أبواقه الإعلامية قصد احتواء الحملة الهادرة والسعي الحثيث نحو خنقها قبل أن تتطور، معتمدا في ذلك على إطلاق حملة مضادة، يخون عبرها أحرار وحرائر الجزائر الذين ينددون بالأوضاع المزرية، مستخدما تلك الشماعة المعهودة والمتلاشية، التي يجعل بواسطتها « المخزن » المغربي ذلك العدو الخارجي الذي يستهدف الجزائر ويهدد أمنها واستقرارها.
إننا على يقين شبه تام بأن ساعة الحقيقة باتت وشيكة، وأن نهاية الطغاة والمتجبرين في الجزائر من قبيل شنقريحة وأفراد عصابته من العسكريين والمدنيين، لن تختلف كثيرا عن نهاية من سبقوهم في سوريا وغيرها في البلدان العربية تحديدا، وما على الشعب الجزائري إلا أن يستمر في التعبير عن رفض حياة الخنوع والركوع، ويواصل حراكه الشعبي بثبات للوصول إلى الهدف المنشود مهما كلفه الأمر من تضحيات جسام، لأن حرية الإنسان وكرامته ليس لهما أي ثمن.
Aucun commentaire