Home»Correspondants»تحت الدف ( 18 ) الرجل الذي نطقت رجله حكمة .

تحت الدف ( 18 ) الرجل الذي نطقت رجله حكمة .

0
Shares
PinterestGoogle+

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن مواطنا من هواة قراءة الكف عرف بعلمه وتجاربه وفضوله ، وكان يقيم ليله في قراءة مستقبل كل من صادفهم أو جلس معهم طيلة النهار ، كان متخصصا في تأويل حركات الناس وطريقة لبسهم وأكلهم وشربهم وكل ما يقومون به وما لم يقوموا به . فكان كلما رأى ظهر شيء إلا وقرأ كفه يحدوه في ذلك المثل القائل  » ألمزوق من برة آش خبارك من الداخل ؟  » . وحدث يوما أن قرر قراءة كف المدينة ومعرفة ما تزخر به من خطوط متشابكة ومربعات متداخلة ومنحنيات متناسلة كما واعد نفسه بالقطع المطلق ألا يفضح سرا ولا يكشف أمرا امتثالا للقول الشائع :   » اللي شاف شي حاجة يقول الله يستر  » .

اعتلى أطول عمارة وسرح كف المدينة الأيمن بالقدر المستطاع وبدأ يتأمل خطوطها المتشابكة ودوائرها المتداخلة وتاه بين منحنياتها المتعرجة ثم بدت له المدينة مكشوفة عارية يتزاحم فيها كل شيء بنايات متداخلة بممراتها المحتشمة وكلاب حيوانية وآدمية ضالة وكائنات بشرية محشوة بركاكة في حافلات محالة على معاش السير ، وزوايا عمارات مزركشة ببقايا الخضر وروث الدواب ولفافات الحلويات ، وأشجار هرمة لا تثمر إلا قططا جرباء وأكياسا بلاستيكية وطيورا عرجاء تتساقط من بطونها أصباغ دابغة على رؤوس وأكتاف الراجلين ، وسيارات متبرجة ومقاتلة ومهادنة ومعلولة وما عافت الطرقات وما تركت بلدان ما وراء البحر، وكائنات صغيرة ثبتت على رؤوسها قطعا من الشعر المنفوش وبعضها نقشت على رؤوسها ضيعات و »فيرمات » واخترقت شحوم آذانها وأطراف أنوفها وسرر بطونها قطع معدنية وأسلاك براقة ومسامير لولبية . وكائنات تحمل خناجر ومناشير تفتح بها بطون وأطراف كائنات مخدرة تحت أضواء العيادات ، وكائنات وديعة تخرج كالنمل الأحمر تحمل حقائب وسللا مملوءة بكتب المقررات على طهورها الذابلة ومعلومات مشلولة في عقولها غير النافذة . وكائنات منتفخة تقطرها أبواب السيارات  » المنكَفة  » بالجيمات والميمات ، وبذل ورابطات أعناق متدلية تخترق نتوءات البطون الهجينة . ولافتات معلقة على المقاهي تجلب روادها للسعادة والأمل والبريستيج والملوكية . ولما ركز صاحبنا على الدوائر المتداخلة بدت له كائنات تحمل أصنافا متنوعة من الفطائر و »الحرشة » وهي تتسابق على طاولات مبثوثة على قارعات الطرق والشوارع لتفك أرقاما وكلمات متقاطعة تقاطع أصوات الباعة المتجولين مع أصوات العسس الذين ركنوا إلى الجنب بعد أن ركنت في جيوبهم أوراق حال لونها بفعل تراب البطاطس وصباغة توت الأرض وقشور السمك .

قرب صاحبنا كف المدينة من عينيه أكثر حتى يتمكن من قراءة تفصيلات الخطوط وبدا له جمع من الناس حشد في قاعات مستطيلة ومربعة ودائرية كتب على أبوابها  » قاعة الانتظار » ، تصفح جيدا ثنايا كف المدينة وبدت له كائنات متناثرة كحبات الرمان أمام واجهات وكالات الكهرباء والماء والتيرسي والفينييت وهي تدفع بيمينها أوراقا كثيرة متشابهة في ألوانها ومحتوياتها وتتسلم بيسارها وريقات جد صغيرة كتبت عليها رموز مبهمة لا تستطيع تلك الكائنات فكها بل تقتصر فقط بطيها بإحكام ووضعها في الجيوب بكل عناية تحسبا لكل مكروه . مسح صاحبنا عينيه جيدا ثم تتبع خطوط كف المدينة عله يجد ما يستطيع به قراءة مستقبلها طرح كل المقاربات والتكهنات وكان كلما اهتدى إلى قراءة يفاجئه خط ملتوي هنا أو هناك . طوى كف المدينة بعناية وانتقل إلى عمارة أخرى حيث وجد فضوليا منبطحا على بطنه وهو يقرأ كف المدينة الأيسر كان الكف خاليا من الخطوط إلا خطا صغيرا جدا وسط الكف تماما وعبره كانت المدينة تبدو خالية من كل شيء إلا من دكان كان يبيع أخبارا جاهزة وملابس داخلية حينها أدرك صاحبنا أن المدينة قد زفتت عن آخرها ، زفتت بيوتها وشوارعها وعقولها وبطونها وأصبحت الآن جاهزة لاستقبال هواة التزحلق والتزلف ، جمد صاحبنا والتصقت عيناه بكف المدينة ونصحه الفضولي بأن يرتدى واقيا ضد رائحة الزفت ، ويأخذ لنفسه مكانا مريحا بين المزفتين والمرفثين . تحرك في داخله شيء غريب أراد أن يتقيأه في الحال على كف المدينة لكنه عدل عن ذلك حينما تذكر المثل الرائج  » اللي شاف شي حاجة يقول الله يستر  » . ترك المدينة كلها للفضولي واتجه نحو الدكان الذي ظل يستقبل زبناءه . وهناك ألقى بكف المدينة أرضا ودكه برجله ثم لفظ آخر كلامه ومات ، وفي رواية أخرى ، سلم على صاحب الدكان واشترى ملابس داخلية وجربها في الشارع المزفت ودك كف المدينة كما يدك الزفت الأسود ، ومات .

يتبع مع فضول آخر 

 
 
 
 
 
 
 
 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *