Home»Islam»حديث الجمعة : (( ونريد أن نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ))

حديث الجمعة : (( ونريد أن نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( ونريد أن نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ))

محمد شركي

من المعلوم أن الله عز وجل شمل عباده المؤمنين بسابغ نعمه ظاهرة  وباطنة ، كما جاء في الذكر الحكيم . ولقد تنوعت  وتعددت تلك النعم مادية ومعنوية، ومن تلك التي خصهم بها أنه سبحانه وتعالى تعهد  برفع الضيم عنهم إذا ما ضِمُوا . وتتعدد آيات الذكر الحكيم التي ورد فيها رفع الضيم عن كثير من عباده المؤمنين الذين كانوا يؤمنون برسله وهم قلة مستضعفة في أقوامهم ، وكانوا يلاقون بسبب ذلك إذلالا كبيرا ، ومنها قوله تعالى في سياق الحديث عن المؤمنين من أتباع نبي الله موسى عليه السلام ،وقد كان فرعون يسموهم سوء العذاب بتذبيح أبنائهم واستحياء نسائهم:

(( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )) ، ففي هاتين الآيتين الخامسة والسادسة من سورة القصص، تحدث الله تعالى عن  وعده الناجز الذي  وعد به عباده المؤمنين  من أتباع نبيه موسى عليه السلام ، وهو وعد لم  يتأخر لمّا حان أوانه .

ومعلوم أنه من تجبر وطغيان ،واستعلاء فرعون في الأرض ، فضلا عن ادعائه الربوبية أنه مارس الإبادة الجماعية في حق المواليد من بني إسرائيل ، وذلك خشية أن يولد فيهم من تكون على يده  نهايته، وزوال ملكه، وهذا منتهى الظلم والطغيان إذ لم يكن الضحايا  مذنبين، بل كانوا مجرد مواليد في أول عهد لهم بالحياة . ومما يزيد هذا الظلم قسوة أنه بسبب مولود واحد  كان يخشاه فرعون ضحى بالعديد من المواليد الأبرياء .

ولما بلغ استضعاف قوم نبي الله موسى عليه السلام هذا الحد أنجز الله تعالى وعده الناجز ، وجرت سنته فيهم ، فأنعم عليه بنعمة الخلاص ممن ظلموهم وزيادة حيث جعلهم أئمة بعدما كانوا مستعبدين ، وأورثهم ملك فرعون ، وجعل لهم التمكين في الأرض ، وعاقب بالغرق  فرعون، ووزيره  أو مستشاره هامان، وجنودهما الذين كانوا يُستخدمون  جلادين لارتكاب  فظائع التذبيح في مواليد بني إسرائيل  ، وبهذا تحقق ما كانوا يخشونه ، وهو هلاكهم ، و زوال ملكهم العظيم الذي قال عنه الله تعالى : (( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك أورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )) . وما أشد حسرة وندم هؤلاء الطغاة  وهم يواجهون الهلاك غرقا على ما تركوه وراءهم لغيرهم ممن كانوا  يستضعفونهم ، ويسومونهم سوء العذاب ، ويا لاندهاشهم وحيرتهم وغيظهم  مما مَنَّ به الله تعالى عليهم  بعد استضعافهم .

ولما كان كلام الله عز وجل ، وهو رسالته الخاتمة إلى العالمين حتى تقوم الساعة ، وكلهم معنيون بما فيها ، وهو ليس مجرد قصص  تخص أو تعني فقط  من كان قبلهم  من الأمم  ،بل هي عِبَرٌ لهم يَلزمهم الاعتبار بها  مصداقا لقوله تعالى في سياق حديثه عن الأمم الهالكة بسبب طغيانها  : (( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذي اتقوا أفلا تعقلون حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذّبوا جاءهم نصرنا فننجي من تشاء ولا يرد باسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )) ، فالعبرة ليس بخصوص أسباب نزول كتاب الله عز وجل ، بل العبرة بعموم ألفاظه .

 وبناء على هذا ،فإن العبرة أن تُستحضر سنة الله تعالى التي تعهد بها  لكل المؤمنين المستضعفين بأنه لا يُنظِر من يستضعفونهم إذا حان أوان أخذهم أخذه  الشديد، ويكون في هذا الأخذ نصر لهم ، ومكافأة  لهم على صبرهم وتحملهم  ما لحق بهم من خسف وإذلال وأذى على أيدي المستكبرين .

ولقد وقف بعض المفسرين عند قوله تعالى : (( ونريد أن نمن… )) ، فقالوا لقد جاء الفعلان بصيغة المضارعة الدالة على  الحال والاستقبال معا ،واعتبروا ذلك إشارة إلى سنة الله تعالى الماضية في خلقه  والمتجددة ، والمتكررة ، وهي مَنّته على المستضعفين من عباده المؤمنين  ، ووعده لهم بنصر من عنده على من يستضعفونهم من المستكبرين  إلى أن يرث عز وجل الأرض ومن عليها .

 وبناء على هذا فإن المؤشر على قرب مِنَنِ الله تعالى التي خص بها المستضعفين من عباده المؤمنين هو شدة  استعلاء المستكبرين  وطغيانه بما أوتوا من سلطان وجاه وأموال ، وهو ما يغريهم بالتمادي  في الطغيان، والظلم ،والعدوان كما كان شأن فرعون وهامان وجنودهما مصداقا لقوله تعالى : (( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين )) ، وحسب الطغاة المفسدين ظلما، وفسادا  في الأرض علوهم فيها، وتمييزهم بين أهلها وجعلهم شيعا، تكون فيها طوائف مستضعفة وأخرى لها حظوة .

 ومعلوم أنه كلما تكرر في الزمان والمكان إلى قيام الساعة  وجود مثل هؤلاء المستكبرين الذين يكون لهم علو في الأرض سببه السلطان والمال، ويجعلون  الناس شيعا ، يستضعفون طوائف منهم ، فإنه يحين موعد هلاكهم ، وزوال ملكهم ، وحلول المستضعفين مكانهم ، ويرثون مقامهم .

ولقد شهد تاريخ البشرية الطويل قديمه وحديثه العديد من  أحداث زوال ملك الطغاة المتجبرين  الذين استضعفوا غيرهم ، وساموهم سوء العذاب، تماما كما أخبر بذلك كتاب الله عز جل، ولله المثل الأعلى .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين باستحضار وعد الله عز وجل الناجز في كل زمان ومكان حتى تقوم الساعة لعباده المؤمنين المستضعفين في الأرض من قبل الطغاة المستكبرين بمننه عليهم والمتمثلة في اندحار وهلاك من يستضعفونهم ، وتمكينهم من ملكهم وسلطانهم ، وتوريثهم ما كانوا فيه فاكهين ، وبين هذا وذاك يجرعهم مرارة الحسرة، والندم ،والأسى إذ يعيشون لحظات  وخزي الاندحار ، ويستيقنون بوقوع ما كانوا يحذرون من المستضعفين الذين يظهرهم  الله تعالى  عليهم .

وقد يطول الأمد على بعض المؤمنين، فيصيبهم اليأس من تأخر مِنَنِ الله تعالى على المستضعفين من عباده المؤمنين ، ويغيب عن أّذهانهم  قول الله تعالى عن هلاك المستكبرين (( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )) إذ لا يؤسف عليهم لا في ملإ السماء ، ولا في ملإ الأرض ، ولا يؤخر أو يؤجل العقاب النازل بهم  .

فلربما  كان اليأس قد ذهب بعيدا ببعض المؤمنين من قوم موسى عليه السلام، فظنوا ألا نجاة  ،ولا خلاص من فرعون وجنده ، وألا مناص من عيش الذل والهوان تحت حكمه  لكن الله تعالى أجرى سنة الماضية  فمن عليهم بغير ما لم يتوقعوه من إمامة ، وتمكين في الأرض ، ووراثة ما كان لفرعون وقومه من جنات وعيون ،و زروع ، ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين .

وها نحن اليوم ونرى بعض المؤمنين أيضا قد استيأسوا ، وظنوا أن الله تعالى لن يجري سنته على المستضعفين من عباده المؤمنين بأرض فلسطين ، وقد استحر القتل فيهم على أيدي الصهاينة المجرمين ،كما استحر التذبيح في مواليد المؤمنين من قوم موسى عليه السلام من قبل ، لكن الله تعالى الذي لا يُنظر المجرمين كما أنظر إبليس اللعين إلى حلول يوم الدين ، قد أنجز وعده في أرض سورية إذ منّ على المستضعفين ، فجعلهم أئمة بعد استضعاف ، وأورثهم ملك الطاغية لمّا آن أوان إذلاله ، ففر خاسئا مدحورا ، والله تعالى أعلم بما يدخره له من جزاء في الدنيا قبل الآخرة ،كما فعل بفرعون وهامان وجنودهما إذ أغرقهم ، وسينزلهم أشد العذاب  في الآخرة .

فمن ذا الذي يمكنه بعد ما وقع في سورية أن يشكك في مَنّ ِالله تعالى على المستضعفين من أهل فلسطين بما مَنَّ به على السوريين ؟ وهل في وعد الله الناجز شك عند قوم يؤمنون ؟

اللهم إنا نسألك أن تعجل لإخواننا المؤمنين في فلسطين بإنجاز وعدك الذي لا يخامرنا فيه أدنى شك أو ريب كما مننت على عبادك المؤمنين في سوريا بمنك العظيم يا رب العالمين ، اللهم عليك بالصهاينة المجرمين ، اللهم عجل بهلاكهم  هالك  الطغاة المجرمين من الغابرين، ولا تُنظرهم  يا رب العالمين.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *