إعلام الوضاعة والقذارة والحقارة
محمد إنفي
الإعلام الذي ينطبق عليه هذا الوصف ويستحقه عن جدارة، هو إعلام الجارة الجزائر؛ إذ لن تجد في العالم أجمع إعلاما بمثل وضاعة وقذارة وحقارة إعلام هذا البلد الشمال إفريقي. ونخص بالذكر الإعلام العمومي الرسمي الذي يتحدث باسم الدولة (والأصح باسم الثكنة العسكرية المتحكمة في الصغيرة والكبيرة) ويعكس توجهاتها واختياراتها. وبما أن الشغل الشاغل لهذا الإعلام، هو التهجم على المغرب والمغاربة، فهو يسمح لنفسه بأن يغرف من كل المستنقعات النتنة والعفنة، ويغوص في أكوام من القذُرات التي تلبي رغبات محرريه وتناسب تفكير القائمين عليه والمشرفين على توجيهه من العسكريين وبيادقهم. وهكذا، يغرق إعلام جارتنا الشرقية في الوحل كلما تحدث عن للمغرب. وهو يفعل ذلك بشكل يومي، وبأسلوب فيه من السفالة والحقارة والنذالة، ما يكفي من أدلة ليعلم العالم مع من حشرنا الله في الجوار.
فخط تحرير الإعلام المذكور يكشف مدى الانحدار والاندحار الأخلاقي والإنساني الذي تعرفه الحظيرة الكبرى (الزريبة) المسماة بالجزائر. وقد اختار هذا الإعلام أسلوبا يليق بأخلاقه وأخلاق النظام العفن الذي يتحكم في رقاب الجزائريين. وهكذا، نجد في هذا الإعلام الساقط تقارير إعلامية، وما أكثرها، تمتح من قاموس المزابل الذي يعج بالألفاظ النابية والتعابير المخلة بالآداب العامة والمسيئة للذوق السليم والمنافية للأخلاق المهنية.
وما كانت الجزائر لتصل إلى هذا المستوى من الانحطاط ومن الإفلاس الأخلاقي والسياسي والإعلامي، لو كان بها عقلاء وساسة يفكرون في مصلحة البلاد ويهتمون بمصالح الشعب الجزائري، بدل الانشغال بالجيران ومحاولة الإساءة إليهم، كما دأب على فعل ذلك النظام العسكري العبيط حتى أوصل البلاد إلى الحضيض اقتصاديا واجتماعيا لدرجة أنها أصبحت مهددة بالمجاعة، رغم ما تتمتع به من ثروات طائلة. والإعلام الذي يتحدث باسم هذا النظام يستعمل أسلوبا غبيا يعكس ضعف الدولة (نقول الدولة تجاوزا) التي يتحدث باسمها؛ فهو يفضحها ويعري سوأتها دون أن يدري؛ وذلك من خلال مضمونه وأسلوبه وطريقة إلقائه، حيث يبرز مدى الحقد والغل الذي ينخر نفسية النظام بكل مكوناته وأبواقه، بسبب عقد النقص التي يعاني منها تجاه المغرب الموصوف عندهم، بكل وقاحة وخسة، بالعدو الكلاسيكي.
ويشكل هذا العدو الكلاسيكي عقدة نفسية مستعصية لدى النظام الجزائري ونخبه وكذا لدى الجزائريين العاديين الذين تبَرْدَعوا (من البرْدْعَة) وتضبعوا (من الضَّبُع) على يد أبواق النظام. فالجزائر مريضة بالمغرب؛ ومرضها مزمن؛ إذ كل شيء في هذا البلد العريق (تاريخه أكثر من 12 قرن، يا جدك)، يساهم في استفحال هذا المرض. فالتاريخ والحضارة والثقافة والفن بكل أصنافه والمعمار والطبخ والزي المغربي…بقدر ما يسيل لعاب الجزائريين والجزائريات، بقدر ما يحرك لديهم الشعور بالضغينة والغل والحقد والحسد. وهذا ما يدفع البعض منهم إلى ارتكاب حماقات من قبيل البحث في التاريخ عن شيء غير موجود. فالادعاء بأن القفطان جزائري والزليج الفاسي جزائري وغيرهما؛ وسرقة (أو خَنْشَلَةِ) الحلويات المغربية والمطبخ المغربي والموسيقى والفن الشعبي، بما في ذلك رقصة أحيدوس المغربية الأصيلة وغيره؛ كل هذا يؤكد حقيقتين أساسيتين: الحقيقية الأولى أن الجزائر تعاني من أزمة هوية، والحقيقة الثانية أنها تعاني من عقدة التاريخ.
وما لم يقتنع الجزائريون بحقيقتهم التاريخية والمتمثلة في كون الجزائر كدولة (وليس كجغرافيا) لم تكن موجودة قبل سنة 1962، فإنهم سيظلون يعانون دائما من أزمة الهوية وعقدة التاريخ؛ خصوصا وأنه إلى اليوم، فإن النظام الجزائري لا يتوفر على مقومات الدولة الحديثة؛ فما بالك بالقرون الماضية التي كانت كلها تحت هذا المستعمر أو ذاك، ولقرون عديدة. ونتحدى كل أولئك الذين يزعمون (سواء كانوا مؤرخين أو سياسيين أو غيرهم) أن الدولة الجزائرية كانت موجودة قبل هذا التاريخ، أن يقدموا لنا وثيقة واحدة (معاهدة، عملة، سفارة، مراسلة رسمية، تعيين، اسم رئيس دولة…) تحمل اسم الجزائر كدولة لإثبات ما يدعون. فالجزائر صنعتها فرنسا، كما قال الرئيس الفرنسي الأسبق، « الجنرال ديجول »، وردد الرئيس الفرنسي الحالي، « إيمانويل ماكرون »، نفس المقولة. ويؤكد هذه الحقيقية كل المؤرخين والمثقفين النزهاء، بمن فيهم بعض الجزائريين.
ونود أن نقدم نموذجا واحدا لهؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر؛ ونقصد به الوزير الأسبق، السيد نور الدين بوكروح الذي يصف الجزائريين بطول اللسان ويعتبرهم مهاجرين سريين (حرَّاكة) في التاريخ. ولهذا، فإن النظام الجزائري وأبواقه والمُبرْدَعين من الشعب يعانون معاناة حقيقية مع أزمة الهوية وعقدة التاريخ بسبب بحثهم عن شيء غير موجود؛ بينما المتنورون والنزهاء المدركون لحقيقة الجزائر، فهم يعانون مما يرتكبه النظام العسكري من أفعال تضر بالبلاد والعباد. وشعار « دولة مدنية لا عسكرية » الذي رفعه الحراك الشعبي السلمي سنة 2019، لم يكن شعارا للاستهلاك الداخلي؛ بل كان تعبيرا عن برنامج سياسي ومطلب شعبي قوي.
وليس عبثا أن يتحدث جلالة الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، عن العالم الآخر المنفصل عن عالم الحقيقية، والذي يعمل على تصدير أزماته الداخلية وإلهاء الجزائريين عنها بافتعال الأزمات مع المغرب، التي ينخرط فيها أبواقه الإعلامية وذبابه الإليكتروني بأسلوب قذر يناسب تربية بيوت الرذية، حسب تعبير المعارض الجزائري المقيم بفرنسا، السيد شوقي بن زهرة. فإعلام الصرف الصحي، هو الذي يليق بهم لتفريغ ما بداخلهم من مكبوتات وعقد نفسية مستعصية، لا فرق في ذلك بين الوزير والغفير، ولا بين « دومير » (تقني البغال والحمير الذي أصبح بقدرة قادر باحثا في التاريخ) و »حومير » المحرر في إعلام « الزيكو » (les égouts) النتن.
ومن الملاحظ أن الإعلام الرسمي المغربي يتجاهل كل ما يصدر عن الإعلام الجزائري. فهو لا يرد عن البلاغات الرسمية ولا على ما بصدر من وكالة الأنباء الجزائرية أو ما يُعرض في التليفزيون الرسمي، رغم ما يصدر عن هذه الجهات من إساءة للمغرب ولمؤسساته، بما في ذلك المؤسسة الملكية، وعلى رأسها جلالة الملك محمد السادس، رئيس الدولة المغربية ورمز سيادتها، وعائلته الكريمة.
خلاصة القول، بما أن الصراخ يكون على قدر الألم، فقد طلع علينا التيلفزيون الجزائري الرسمي بمناسبة ذكرى المسرة الخضراء، بتقرير إعلامي يعكس مدى الإحباط والانهيار والسعار الذي أصاب النظام الجزائري بسبب نجاحات الديبلوماسية المغربية وفشل كل المخططات الجزائرية المعادية لوحدتنا الترابية، رغم مئات المليارات من الدولار التي أنفقها النظام على جمهورية الوهم. ومما يدل على عمق الألم وقوته لدى جارتنا الشرقية، ما جاء في تقرير تلفزيونها العمومي يوم 6 نونبر 2024، من قذارة وحقارة وسفالة ونذالة وخسة، حيث وصف التقرير المذكور متطوعي المسيرة الخضراء المظفرة بالمرتزقة والجياع والحفاة والعراة.
مكناس في 30 نونبر 2024
Aucun commentaire