من كندا: لا أحد رابح
ذ. محمود بودور
يشهد شهر نونبر لهذا العام احتجاجات أكثر من 420000 من عمال القطاع العام بما فيهم قطاع التعليم – 65000 امرأة ورجل تعليم- للمطالبة بالزيادة في أجورهم وتحسين ظروف اشتغالهم. وقد توج مسلسل المفاوضات مع حكومة الكيبيك بإضراب مفتوح لقطاع التعليم في هذه المقاطعة الكندية.
سارعت الحكومة إلى الرفع من عرضها من 9 إلى 10.3 إلى 13.3 % من الراتب الأساسي على خمس سنوات ومنحة 1000$ مرة واحدة عند قبول عرضها. لكن هذا العرض رفضته نقابات القطاع العام في الإقليم بل ووصفه رئيس إحدى النقابات إريك جينغراس ب » صفعة على الوجه ». وقال إن هذا العرض لا يرقى إلى مستوى تطلعاتهم التي كانت تروم زيادة لا تقل عن 20% من الراتب الأساسي من أجل مواكبة مستوى التضخم الذي ستشهده البلاد في غضون السنوات القليلة المقبلة. في حين لقي عرض الحكومة بزيادة 21% لقطاع الأمن رفضا قاطعا كذلك.
إذا أمعنا التأمل في هذه الأحداث يمكننا أن نستخلص مجموعة من العبر والدروس ولو أن المقارنة بين وطننا الحبيب ودولة ككندا ضرب من الخيال العلمي .
أولا. رغم الرفاهية التي يعيشها المواطن الكندي ومستوى العيش الذي أصبح يجذب الأدمغة من مختلف بقاع العالم وحتى من دول متقدمة كالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن كندا في السنوات الأخيرة احتلت الرتبة الأولى ضمن لائحة الدول الأفضل جودة في مستوى العيش، فإن الطبقة المتوسطة كرجال التعليم والصحة والأمن لم تعد راضية بما تقدمه لهم حكومتهم. وغدت الاحتجاجات تتصاعد في هذه الدولة المتقدمة مما يثير العجب والاستغراب.
ثانيا. احتجاجات نساء ورجال التعليم ليست خبزية فقط. بل هم يحتجون على الظروف الغير مواتية للتعليم- كما يقولون. مما يزيدنا عجبا واستغرابا. هل فعلا ما تقدمه الحكومة الكندية للتعليم لم يعد يساير العصر؟ فأين نحن؟
ثالثا. هم يطالبون بالزيادة في الراتب الأساسي وليس في التعويضات. وهم بذلك يخشون أن لا تساير رواتبهم التضخم الذي يرتقبونه في القادم من السنوات في الاقتصاد الكندي. ونحن هنا الزيادة بالفتاة في التعويضات وليس في الراتب الأساسي.
رابعا. لجوء نقابة التعليم إلى إضراب مفتوح ابتداء من 23 نونبر يثيرنا أكثر وأكثر. لا يستطيع فهمي القاصر أن يهضم هذا التوجه في دولة ككندا.
خامسا. نقابات القطاع العام في إقليم الكيبيك متحدة جميعها من أجل المطالبة بحقوقها. ويحسب لها ألف حساب لأن القطاع العام هو الأصل والقطاع الخاص يكاد لا يذكر. وبالتالي فقوته في اتحاده و قوته في قدرته على شل المقاطعة بأكملها. وبالتالي لا تملك الحكومة إلا أن ترضخ لمطالبها وتبادر إلى طاولة الحوار والمفاوضات.
سادسا. الجبهة الموحدة The Common Front التي تضم قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية تضم أكثر من 420000 عامل وعاملة في هذه القطاعات الحيوية تطالب بزيادة تفوق على الأقل نسبة التضخم الذي سيشهده اقتصاد البلاد في السنوات المقبلة. ونحن هنا نطالب بالزيادة لنواجه التضخم الذي شهده اقتصادنا في السنوات الماضية. أما ما سيقع في العشرين سنة المقبلة فالله أعلم به.
نلاحظ من خلال الأرقام التي ذكرت أن التعليم لا يشكل حتى ربع مجموع عمال هذه القطاعات ( 65000 من أصل 420000). أما نحن هنا فأغلبية الموظفين هم نساء ورجال التعليم. وهم أكبر قطاع يجذب – الموظفين أو العمال – الجدد. رغم أن في دولة ككندا لا يوجد موظف مرسم واحد في البلاد. الكل متعاقد مع الدولة. لكن لا مجال للمقارنة بيننا وبينهم لإن لديهم مصادر أخرى لتعويض العمال عن الأيام التي لا يشتغلون فيها. وتقوم الاتحادات والنقابات العمالية بتحمل جزء من اقتطاعات الإضراب عن طريق ما يسمى بأجرة الإضراب Strike Pay.
ونذكر هنا أن كندا كانت دائما ترافق المغرب في إصلاحاته لقطاع التعليم. فقد ضخت أموالا طائلة على عهد الوزير الوفا رحمه الله في ما سمي في ذلك الوقت بمشروع باجيسم الذي امتد من 2011 الى 2015 من أجل تعزيز قدرات مديري ومديرات المؤسسات التعليمية وتجويد التعليم الأساسي ودعم المساواة بين النساء والرجال في تحمل المسؤولية كما قيل.
نتساءل بعد كل هذه السنوات ومع ما ذكرناه : كيف لدولة ككندا التي عجزت عن إرضاء نساء ورجال التعليم في بلدها أن تتبرع بالأموال الطائلة من أجل تطوير المنظومة التعليمية في دولة بعيدة عنها بآلاف الكيلومترات؟
وهل لنا أن نتساءل عن مصير كل هذه الأموال السخية؟
ولماذا لا نقوم بتقييم كل محاولات الإصلاح من بداية هذا القرن إلى اليوم.
لماذا لا نطبق مبدأ ربط المحاسبة بالمسؤولية الذي تطبقه الحكومات الكندية التي سقطت إحداها بسبب سوء تدبير 5000$ فقط. لتتغير تشكيلة الحكومة كلها بسبب مبلغ تافه كهذا.
رغم أن الفارق كبير بيننا وبين دولة ككندا، لم لا نقتبس منها الدروس والعبر؟
رئيس وزراء متواضع جدا يجوب ويجول في الشوارع والناس يلتقطون الصور معه. كما أنه يحضر موائد الإفطار مع المسلمين في رمضان.
حكومة إقليم الكيبيك على المحك بسبب إضراب القطاعات الحيوية ويمكن أن تذهب لحال سبيلها اعترافا بعجزها عن تلبية مطالبهم.
هذه هي الدول التي تعترف بفضل الطبقة المتوسطة وخاصة فئة نساء ورجال التعليم في الحفاظ على التوازن والسلم الاجتماعيين. وهي الانتلجنسيا داخل المجتمعات الاستهلاكية التي بفضلها ترقى الأمم إلى مصاف الدول المتقدمة أو تنزل إلى أسفل سافلين. تسابق حكومة الكيبيك الزمن من أجل إيجاد حلول مرضية وتفكر في كيفية تعويض أيام الإضراب في أيام الدراسة المائة والثمانين التي يفرضها القانون الكندي في الموسم الدراسي الذي يمكن أن يتم تمديده هذه السنة حتى لا يضيع التلاميذ في أيامهم الدراسية. بينما تفكر أسرة التعليم في البدائل لتعويض الدخل الذي سيقتطع بسبب إضرابهم المفتوح.
« لا أحد رابح عند الإضراب » هذا ما صرح به وزير التعليم الكندي.
فعلا لا أحد.
ذ. محمود بودور : 27/11/2023
المعطيات من موقع www.cbc.ca
Aucun commentaire