المشروع البيداغوجي/السينما التربوية والبيداغوجيا أية علاقة؟
* سياق فكري عام
إذا كانت السينما هي الفن السابع الأكثر امبريالية وهيمنة على باقي الفنون الست…وإذا كانت السينما الفن الأكثر تمثيلا للعصر ومنجزاته وفي طليعتها حضارة الصورة…وإذاكانت السينما هي الفن الأكثر استقطابا للنبغاء من المفكرين والأدباء والعلماء والنخب الثقافية واستمالة لعوام الناس من جمهور المشاهدين على اختلاف أذواقهم وتباين درجات وعيهم….فبأية شروط يتم اللقاء بينها وبين البيداغوجيا داخل المؤسسة التعليمية؟ وبأية صيغ يمكن إحداث التناغم بين لعبة الطباشير ولعبة الضوء؟ وهل يستطيع الفن السابع المخضع لتكنولوجيا العصر أن يتحول إلى شكل جديد مواز ومدعم لعروض المدرسة العمومية التربوية ولتكويناتها المعرفية المتنوعة داخل الفضاء القسمي المركزي؟
** الضبط المفاهيمي
صحيح أن السينما هي نوع من الكتابة لوقائع الحياة لمتواليات سردية من أنماط العيش والعلاقات والنماذج البشرية بواسطة الصور هي رؤية للذات والواقع ورؤيا للعالم بواسطة العدسة هي ممارسة فنية بالصور تقوم على خبرة جمالية و على فكر مصور يشتغل ضمن حقل استعاري مموج بحركة المفهوم والعجيب والغريب والخيالي…لكنها تلتقي مع البيداغوجيا النشيطة المتمركزة حول التعليم التشاركي الإنمائي في الاحتفاء بالحقيقة والتدرج في تبليغها مراعية لأفهام المتلقين ولوضعياتهم و آخذة في الاعتبار مقامات التلقي وبث الإرساليات همها إحداث التأثير وتبني مقاربة الزين ومفهوم الساطور لاسكات صوت اللغة والدلالة معا والإنصات لمتابعة العين للحدث ومعاينة طي التموج الضوئي لصفحة الحياة في كتاب المشاهدة أولا ثم استدراج وعي المشاهد إلى تحليل القضايا الكبرى ومحاورة متن الوقائع وسجال الأفكار و المضامين لإشباع الوعي الجمالي وترضية فضول البحث وتشغيل الكفايات والمهارات المكتسبة لاحقا…وإذا كانت البيداغوجيا تتفاعل مع الفضاء القسمي وهندسته فيثمر التفاعل معرفة مفهومية ومهارية وتواصلية… فإن السينما التربوية كذلك تنير الفضاء الأبيض الطافح بالعلامات السيميولوجية المؤثث بعتاد الفن السينمائي فينقدح وعي المتلقي ويستسلم لإمكانية قراءة المادة الفيلمية التربوية على طراز أيقونات تشكلها خطوط وألوان وأشكال ومفردات لسانية في مرسم توليد الدلالة و تثمين وظائف العمل السينمائي الهادف على المستوى المعرفي والقيمي والجمالي…
***-أدوات القراءة الفيلمية
إن المناولة السينمائية التربوية تجد نفسها في مفترق الطرق منتصبة أمام اتجاهين
1-اتجاه الفرجة لذاتها و استسلام المتلقي لجاهزية المتن السينمائي ويمثله الناقد الفرنسي كريستيان ميتز الذي يسلم بسهولة وبساطة التواصل السينمائي من خلال قوله/ من الصعب تفسير الفيلم لأنه من السهل فهمه/
فالاستسلام لضوء الشاشة والانقياد لسحر الظلام في الغرفة البيضاء يقضي على الرؤية النقدية في نظره.
2-واتجاه المشاهدة الناقدة التفاعلية وتشغيل الكفايات وينافح عنه جيمس موناكو الناقد الأمريكي مؤلف كتاب/كيف نقرأ فيلما؟/ سنة1977 حيث وضع مجموعة
من الأساسات تصلح كقاعدة للقراءة الفيلمية المفيدة
أ- تحديد النوع الفيلمي بحسب معيار السمة مثلا فيلم علمي/الموضوع العلمي- الخيال العلمي-الحقائق العلمية- الاستدلال والبرهنة… الفيلم التاريخي/ سرد الوقائع وفق كرونولوجيا-التحقيب- الترابطات-أحداث-سنوات- شخصيات… فيلم تربوي/درس ديداكتيكي مؤسسات تربوية- مدرسة-بيت…ظواهر وقضايا تربوية- تقويم نماذج سلوكية أوتربوية… أوالمعيار الجغرافي أو المعيار الحضاري…
ب- البحث عن العلاقة بين الفيلم وفنون الحكي والسمع والبصر كالرواية والمسرح والتشكيل والرسم والموسيقى والتصوير…
ج-الوقوف على العنوان كخطاب مقدماتي مفكر فيه وعلامة سيميولوجية مولدة للدلالة وتحديد وظائفه /الدلالية – والتربوية- والجمالية-و التداولية…
د- اختيار منهج تحليل المضمون/ نفسي –اجتماعي-تربوي- نسقي تكاملي…
ه- تحليل الخطاب
*- البناء السردي ونظام سرد الوقائع.
**-التمييز بين أنواع الشخصيات/ نامية ناضجة/تمثل قوة الخير أو الشر/واقعية خيالية ورقية…
***-البحث عن العلاقات ودرجة التناغم بين مكونات الإطار السينمائي/الكتلة-اللون-الحركة…
****- المقاربة الفيلمية
لمقاربة المادة الفيلمية تربويا لابد من الاعتماد على
1- المرتكزات الأساسية
أ- السيناريو
يعرف لويس هرمان السيناريو بأنه /خطة وصفية تفصيلية مكتوبة بشكل متسلسل تجمع بين الصوت والصورة/ يؤشر هذا التعريف على مبدأين مبدأ التحويل تحويل الأفكار والمشاعر إلى محكي مصور مؤطر في لقطات فيلمية عن طريق التقطيع و مبدأ الصياغة السينمائية صياغة المناظر وكتابة الموضوع بالصورة والصوت. والسيناريو بهذا المفهوم عدة أنواع
1- موضوعي/يتميز بسمة نقل الواقع وبسط معطياته.
2-ذاتي جمالي/ يتسم بتحريف الواقع والانزياحات
الساحرة وكبر الفجوة بين الذات المثلى والذات الحقيقية وبشساعة مساحة توتر الشخوص…
3- روائي يغلب عليه الطرح الأدبي في عملية تحويل الجنس الفني إلى عمل سينمائي.
ب- التقطيع السينمائي
يقتضي تحويل المحكي الرئيسي والمحكيات الثانوية إلى مشاهد قابلة للإخراج.
ج-التصوير
ويقوم على تسجيل الصور على شريط الفيلم.
د- المونتاج
هو تركيب الصور بشكل مترابط والتوليف
السينمائي للمتواليات السردية بشعرية عالية.
2
– المنظور السينمائي
إن تحليل الخطاب الفيلمي من منظور سينمائي يقتضي هدم وإعادة بناء المحكي الفيلمي ورصد تأثيرات البنية الدرامية وتحديد طبيعة المتوالية السردية من خلال الوقوف على آليات التعاقب والتداخل والتوازن والكشف عن صيغة الزمن /خطي-متقطع- استرجاعي-ارتدادي-دائري-حلزوني…والتعرف على نوع الفضاء الذي تتحرك ضمنه الشخوص وتقع داخل إطاره الأحداث هل هوفضاء مغلق أم مفتوح اختياري تتمتع فيه الشخصيات بالاستقرار أوإجباري تعاني فيه الشخوص من اللاتوازن فيؤثر على شكل الحوار الدائر بين مختلف أنماط الشخصيات/تواصلي أودرا مي…
3
– القراءة الأسلوبية
إذا كان الأسلوب هو الشخص في مجال الكتابة الأدبية واللمسة الفنية الدامغة لاتجاه الكاتب وخطه التحريري فإن شعرية تنظيم الصور وتركيبها بسلاسة ومستوى التناغم المحقق على صعيد العناصر الصوتية/موسيقى –كلام –صفاء ضجيج…ودرجة التواؤم بين الصوت والصورة ونسبة بروز المتعالية الإيحائية في التحليلات المرئية وفعاليةا لتصريح بسمات السجل السينمائي ملحمي- درامي –هزلي… هي المعالم الأساسية التي تطبع الأسلوب السينمائي وتحدد درجة الشعرية والإتقان في عملية الإخراج…
4-قراءة السياق
إن ملامسة التعددية النصية في العرض السينمائي من خلال الوقوف على النص الشامل/ المنجز الفيلمي والنص الموازي / العنوان, ونص التناص/ السياق والمساق، وما وراء النص/ انفتاح العرض على التأويل والقراءة المنتجة… أمر جوهري في النقد السينمائي الحديث للقبض على مفاصل المنتوج الفني …فالتعرض مثلا لحياة المخرج وتعداد أعماله وتحديد موقع الفيلم في تاريخ السينما والكشف عن السياق التاريخي للفيلم على مستوى الإخراج والإنتاج بالإضافة إلى إبراز العلاقة الجمالية بين الفيلم ومصادره /الرواية الموسيقى التشكيل المسرح…منارات أساسية لتسليط أشعة فهمية على المنتج الفيلمي.
5-سينمائية الفيلم
إن اللغة السينمائية هي المدخل الأساسي لفك شفرات جمالية الفيلم على اعتبار أن العالم الفيلمي يملك قدرة هائلة على تشكيل الرؤى و على التكثيف الثقافي. فإذا كان الفيلم مجرد قطعة أدبية مصورة تتميز بمتوالية من التعالقات بعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية وبرموز ثقافية أخرى فإن الكشف عن مستوى التوازن بين الطرح الفكري والجمالي في لغة الكاميرا التي حلت محل القلم والوقوف عند مساحيق البلاغة السينمائية التي نكهت بطعم توابل التلذذ الطبق الفيلمي أثناء نقل الواقع المجسم في تعدد تجلياته التربوية والاجتماعية والثقافية والتاريخية… وتباين زوايا الرؤية التي يتحكم فيها وضع الكاميرا/ التصوير من الأعلى
–من الأسفل وحركيتها أوثباتها وحجم اللقطة/كبيرة-
صغيرة وكتلتها /مزدحمة- مخففة وكذا مصدر انبعاث الصوت من الداخل أوالخارج …عملية ضرورية لإنتاج الدلالة السينمائية وتحقيق اللغة الفيلمية المنشودة. يتبع
Aucun commentaire