السياحة الداخلية في المغرب: أسئلة ورهانات
بقلم: إدريس الواغيش
السياحة في المغرب لم تعد ترفا عند المغاربة ولا نزهة ورواجا تجاريا كما كانت في السابق، ولكنها أصبحت ضرورة ملزمة عند أغلب المواطنين للترويح عن النفس، بعد قضاء عام كامل تحت مختلف الضغوطات، وأغلب المغاربة حينما يذهبون إلى السياحة في الشواطئ أو الجبال والمنابع، فإنهم إنما يقومون بذلك كتمظهر اجتماعي، وأيضا لكي يثبتوا لأنفسهم أولا وللآخرين ثانيا أنهم لا يزالون أحياء يرزقون، وكذلك للحفاظ على أرواح كادت تزهق من الإجهاد في تدبير موسم مالي صعب في ظل غلاء طال كل شيء، ويتفاحش في واقعنا عاما بعد آخر.
الحديث عن السياحة الداخلية في المغرب، عروضها وأثمنتها أو دوافعها ولوازمها، يتطلب قنينة ماء على الجانب تحسبا لأي غصة محتملة في الحق، لأنه يأخذك إلى مسارات تلفها خيوط متشابكة فيما بين الوطنية وتشجيع السياحة في الوطن، وبين الاثنتين توجد أمور وتفاصيل شتى، عراقيل ومشاكل موضوعية وبعضها مفتعل تحول دون قيام سياحة داخلية حقيقية تراهن عليها الدولة في تحريك عجلة الاقتصاد وخلق تنمية مستدامة، عوض سياحة موسمية تكون وجهتها محدودة في الغالب زمانا ومكانا، إما نحو بحيرات وغابات ومنابع شهيرة في المغرب أو ما نراه من تدفق سياحي موسمي نحو الساحل الشمالي. ولكن الرهان على السياحة في المستقبل يظل غامضا، إذ نجد كل واحد منا يساهم من جهته في تدهور هذا القطاع الحيوي والحد من تطوره والترويج له على المستوى المحلي أو العربي والدولي، بدءا بأجهزة الدولة ذاتها متمثلة في وزارتي التجهيز والسياحة وأجهزة أخرى. المواطن بدوره غير بعيد عن تدهور قطاع السياحة من خلال قيامه، عن وعي أو في غيابه، بسلوكيات البدو في بعض الأماكن، ولن تستغرب إن جلست عشيرة من خمسة عشر فردا برجالها ونسائها وبناتها وأطفالها إلى جانبك، ووضعت كيلوغرامات من الكفتة بشحمها ولحمها فوق المجمر « وارا ما عندك يا دخاخْن »، وويل لمن سولت له نفسه إبداء أي انزعاج من سلوك يعتبرونه حقا من حقوقهم، وعلى الشاطئ قد تنصب أسرة خيمة صغيرة أمامك وتحجب عنك رؤية زرقة البحر وكأنه ملك خاص.
المواطن الآخر من جهته والمتمثل في الفاعل السياحي لا يدخر جهدا في مص آخر قطرة من جيب المواطن الزبون، ويرى فصل الصيف مناسبة لا تتكرر مرتين في السنة، ولن تستغرب إن فاجأك صاحب مطعم بالقول في غباء: « الطريفة كاتجينا من العمالة…!! »، وهو يقصد طبعا ثمن الأسعار.
ولأنني ابن الجبل قصدت هذه السنة وجهة سياحية مختلفة هي قرية زاوية إفران الجبلية انطلاقا من فاس في أولى زيارتي لها، مرورا بإفران وأزرو ثم سيدي عدي ووادي إفران. المسافة بينها وبين إفران لا تتجاوز الستين كيلومترا، ولكنها تصبح بقدرة قادر ساعتين ونصف بالسيارة، لأن المسافة بين مركز وادي إفران وقرية زاوية إفران وحدها (في حدود 20كلم) تعتبر قطعة من جهنّم…!!. والمسألة هنا لا علاقة لها هنا بالمسافة، ولكن بطريق خارج التصنيف وغائب عن سجلات وزارة التجهيز، طريق لن يسمح لسيارتك بتجاوز الثلاثين كيلومتر في الساعة في أحسن الأحوال. لا مجال للحديث عن طيبة الناس وعفويتهم وترحابهم، ولا عن جمال الطبيعة وعذريتها وروعة اخضرار أشجارها ونقاء هوائها، ولكن حين تجد الشلالات التي ذهبت من أجل مشاهدتها أنت وغيرك معطلة بدعوى استغلال الفلاحين لمياهها في سقي غلاتهم، ويقال لك أنه يلزمك المكوث في القرية إلى نهاية الأسبوع (السبت والأحد) من أجل مشاهدتها، ويصبح ثمن براد شاي متوسط 30 درهم وثمن طاجين 90 درهم، هو نفسه أو أقل منه قليلا تناولته مقابل 70 درهم في اليوم الموالي ثمن طبق كسكس مغربي في فندق بإفران (البرجوازية). هنا ستخلف نظرتك ورؤيتك وتقييمك للأشياء، ولن يشفع بعدها جمال الطبيعة فيها ولا عذرية غاباتها أو صفصفها وموسيقى خرير مياهها ونضارة أشجار البلوط وغيرها ولا هواء عليل قل نظيره يلمع لك قصبتك الهوائية.
في السياحة الداخلية تتقاطع دائما تلك النظرة بين المواطن الزبون وجشع البائع المفروض فيه أن يكون فاعلا سياحيا بمعناه الإيجابي سواء في المطعم والدكان أو على الرصيف، وينعش النشاط الاقتصادي في قريته أو مدينته بشكل عقلاني يكون فيه الجميع رابح، رابح. ولكن الذي يحدث هو أن البائع يرى في الموطن (هميزة) والصيف مناسبة لن تتكرر مرتين في السنة، والمواطن يرى الأثمنة مبالغ فيها بشكل غير مبرر في أماكن التصييف جبلية كانت أو شاطئية، وأجهزة المراقبة تتفرج على المشهد دون اتخاذ أي إجراء قانوني يحمي المستهلك ويراعي قدرته الشرائية، ويصبح بذلك ثمن موقف السيارات في المصايف موحد بقدرة قادر في خمسة دراهم كحد أدنى من طنجة إلى الكويرة…!!
وبين هذا وذاك، سمعت مواطنة وهي تقول لصاحبتها، وبين يديها براد شاء في طريقه إلى زبون، وأنا أهمّ بمغادرة القرية: «هاد العام قلال الشي…»، قلت لها في نفسي: » أنا الآخر لن تراني العام المقبل، لو في العمر بقية…».
1 Comment
فعلا ما وجدته هناك يمكن أن يعم كل الامكنة، التي يسمونها تجاوزا منطقة سياحية، نفس الوجوه، ونفس الحجج،ونفس السلع المزورة، ونفس الاثمنة الصاروخية، إنها فخاخ تنصب لمواطن مقهور، مغلوب على امره، خلاصة كل ذلك : تسول مفضوح بقناع تجاري براق ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب. الا من رحم الله، وقليل ماهم.