Home»National»العلاقة الجدلية بين المرجعية الفكرية للفرد وسلوكه

العلاقة الجدلية بين المرجعية الفكرية للفرد وسلوكه

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

العلاقة الجدلية بين المرجعية الفكرية للفرد وسلوكه

من الأبجديات التي تُدرَّس لتلاميذ الإعدادي في مادة العلوم الفيزيائية فقرة الخلائط، حيث يتم التطرق للخليط المتجانس الذي لا يمكن التمييز بين مكوناته بالعين المجردة، والخليط غير المتجانس الذي تتمايز مكوناته ولا تقبل الامتزاج حتى وإن حاولنا مُجانستها عن طريق الرَّج والتحريك.

لست لغويا ولكني أعلم أن هناك شيء اسمه الاستعارة، حيث يمكن التعبير مجازا  بشيء  عن شئء آخر مختلفٍ عنه من حيث الحقيقة، وهكذا إذا قمنا بتشبيه مظهر الخليط المادي بتمظهرات تفكير الفرد وسلوكاته من جهة، ومكونات الخليط بمرجعية الفرد أومرجعياته التي تتحكم في تفكيره وسلوكه على السواء من جهة ثانية، نلحظ أنه كلما كانت مكونات مرجعيةِ أو مرجعيات الفرد متجانسة إلا وأفرزت تجانسا في أفكاره وسلوكاته وتصرفاته التي تؤطر حياته االشخصية والعامة على السواء، كما أن تضارب المرجعيات لدى الفرد تُفرز تضاربا وعدم تجانسٍ في تمظهرات أفكاره وسلوكاته. ويستتبع هذا أنه يمكن التنبؤ بسلوك فرد معين في سياق معين إذا ما تم التعرف على مرجعيته، والعكس صحيح أي أن تصرف فرد ما في وضعية ما مؤشر قوي على مرجعيته، خاصة إذا كان التصرف تلقائيا، وقد ينطبق هذا الأمر على الأفراد  العاديين كما ينطبق على المنافقين الذين يبذلون كل ما في وسعهم  لإظهار عكس ما يبطنون، بحيث يكفي تتبع طريقة تفكيرهم ومواقفهم إزاء مختلف مجالات الحياة للكشف عن دواخلهم ومرجعياتهم مصداقا لقوله تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول).

فلنرجع إلى مدار التشبيه أعلاه ولنظرب مثلا بأهم المرجعيات المعتمدة عن وعي من قبل المغاربة، لِنجدَ أن هناك فئة تتبنى المرجعية الإسلامية، وأخرى تتبنى المرجعية العلمانية، وفئة ثالثة  تخلط بينهما، بحيث تجد فيها من يصرح بمرجعية إسلامية لكنه يخلطها عند الممارسة بالمرجعية العلمانية في مقابل من يصرح بمرجعية علمانية لكن تَتبُّع ممارساته تسفر على كون عدد منها يتم تبريرها انطلاقا من مرجعية إسلامية، وذلك إما عمدا واستغلالا للفرص في مواجهته خصومه، وإما لأن جانبا من الفطرة السليمة لا يزال حيا لديه ولم يمسخ بعد.

وهكذا تجد بأن الممارسات التي تصدر عن الفرد الذي ينطلق من المرجعية الإسلامية الحقة التي يحكمها منطق التجانس بسبب تحكيم القرآن والسنة كشاهدي عدل على كل تصرف يندرج ضمن هذه الممارسات، لا يمكن إلا أن تكون متجانسة، وهو التجانس الذي يُفترض في ممارسات الذين يتبنون المرجعية العلمانية بصنفيها الجزئية والشاملة حسب تصنيف المرحوم عبد الوهاب المسيري، على الرغم من أن التجانس في مكونات الصنف الثاني لا يمكن رصده إلا من خلال الاسترشاد بمنتوجها المعاين على أرض الواقع كما رصده المسيري والمتمثل في ذوبان الإنساني في المادي.

وانطلاقا من هذا المنطلق، فكل من تتسم ممارساته بعدم التجانس، فإنه بالضرورة ينطلق من مرجعيات ذات مكونات غير متجانسة. وهذا ما يسمح بالتعرف على أهل النفاق، على الأقل في معناه اللغوي، سواء الذين يصرحون بالمرجعية الإسلامية ويخلطونها بالعلمانية أو الذين يصرحون بمرجعيتهم العلمانية ويلجأون إلى المرجعية الإسلامية لإضفاء المصداقية على بعض تصرفاتهم.

وحتى تتضح الأمور أكثر أضرب مثلا بردود الأفعال إزاء بعض الظواهر المجتمعية من قبل كل فئة من الفئات الثلاث المشار إليها سابقا. ففي الوقت الذي يُعبر فيه مجموعة من الصادقين في انتمائهم للمرجعية الإسلامية عن موقفهم المتجانس والواضح إزاء عدد من الممارسات اللاأخلاقية بل والمحرمة شرعا، انطلاقا من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تجد في الجهة المقابلة تعبيرا متجانسا في تبنيهم لهذه الممارسات انطلاقا من المرجعيات العلمانية المسماة زورا بالكونية، بينما يبدو عدم التجانس جليا لدى الفئة الثالثة التي يكيل المنتمون إليها بمكيالين دون  الشعور بأدنى حرج، فمثلا عندما يحاول داعية أو فرد من أفراد المجتمع إبداء مجرد رأيه في منكر من المناكر التي يعج بها المجتمع، يقوم ذوي المرجعية العلمانية، التي يتم خلطها بالمرجعية الإسلامية عند الحاجة، بإخراج قاعدة « أديها في راسك » في نفس الوقت لا يتوانون عن التدخل في شؤون هؤلاء والحجر على آرائهم، فيما يشبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يجد مبرره إلا في المرجعية الإسلامية. وبنفس الحدة وربما أكثر يبدو عدم التجانس في ممارسات بعض المحسوبين على المرجعية الإسلامية عندما يتبنون أفكارا وممارسات لا يمكن أن تنبثق إلا عن مرجعية علمانية. ولعل أبرز مثال في هذا الباب هو تلك الفتوى التي يزعم فيها صاحبها بجواز الاقتراض الربوي لاقتناء أضحية العيد.

في الأخير أشير إلى أن الدافع وراء كتابة هذا المقال هو المساهمة في تنبيه قارئه إلى العمل على تخليص مرجعيته العقدية من كل الشوائب التي تجعل منها خليطا غير متجانس، مما يستتبع بالضرورة ممارسات غير متجانسة تنضاف للكم الهائل من الممارسات الهجينة التي أصبح يعج بها المجتمع والتي أصبح عدم تجانس مكوناتها تُرى بالعين المجرى تماما كما تُرى مكونات الخليط المادي غير المتجانس وهو ما يسيء للفرد والمجتمع على السواء.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *