كنت هناك بمسجد الشورى بفيينا..! عندما يتحول العالِم الداعية إلى مرتزق عند أعتاب الديكتاتوريين القتلة..!
المختار أعويد
كنتُ في رحلة سياحية بالعاصمة النمساوية الساحرة فيينا، أستمتع باستكشاف مفاتنها الثقافية والتاريخية والسياحية عموما، عندما انتهى بي المطاف ذات يوم جمعة من شهر ماي 2022، بعد عناء التجوال والطواف إلى أحد مساجد المدينة لأجل أداء فريضة صلاة الجمعة.
مسجد بسيط يدعى مسجد الشورى، يحتل أسفل عمارة كبيرة تقع في قلب المدينة. لا يتوفر لا على صومعة ولا مئذنة ولا قبة. يتكون من قاعة صلاة متوسطة المساحة، تتخللها بعض المرافق الملحقة، من قبيل مكتب إداري ومرافق صحية. بينما خصص الجزء الخلفي من القاعة، لصلاة النساء. ويكتفي القائمون على المسجد برفع الآذان داخل القاعة المذكورة. من جهة، لعدم وجود مئذنة كما سلف. ومن جهة أخرى، لمنع السلطات النمساوية رفع الآذان بمكبرات الصوت خارج المسجد. ومن جهة ثالثة لعدم جدوى الآذان في مجتمع مسيحي بالكامل تقريبا، كل الذين سيسمعونه منهم، قد لا يعني بالنسبة إليهم شيئا..!!
يتوفر المسجد رغم محدودية مساحته على كل التجهيزات التي توفر شروط الراحة للمصلين، من أفرشة وزرابي وكراسي ومنبر صغير بسيط ثابت. ووسائل سمعية بصرية. من مكبرات صوت، ومؤثرات صوتية (تستعمل عند ترتيل أو تجويد النص القرآني الكريم)، وكاميرات فيديو لتسجيل الخطب والدروس والمحاضرات، التي يعرف تنظيمها المسجد. ومن العادات التي أثارت انتباهي لدى القائمين على هذا المسجد، وكذا القائمين على بعض مساجد العاصمة الفرنسية ايضا، هو تخصيص مائدة صغيرة ( Buffet à volonté) في ركن المسجد، لعرض بعض المأكولات والمشروبات (تمر، حليب. عصير) على المصلين لأجل التحلية، قبل أو بعد أداء الصلاة.
عموما، فالمسجد برغم صغره يتسع لمجموع المصلين الذين يترددون عليه، والمنتمين في أغلبهم إلى بلدان المشرق العربي، وأساسا إلى جنسيات فلسطين مصر وسوريا.
ولعل من الصدف الجميلة (ولعلها السيئة أيضا) التي فاجأتني بهذا المسجد، هو أن خطيبه شخصية معروفة، ذات علم وباع في مجال تخصصه، أي علوم اللغة والدين. إنه المفكر والعالم والخطيب والداعية الفلسطيني، الدكتور عدنان إبراهيم، الغني عن كل تعريف.
لقد كانت خطبة الأستاذ عدنان مرتجلة بلغة أنيقة جميلة جذابة، تندرج في مجال مجاهدة النفس ومراقبتها وتأديبها، وكان موضوعها : « مِن الرحمن ومٍن الشيطان ». تناول فيها مستويات الخواطر، بما في ذلك الخواطر الربانية، والخواطر الملكية (الملائكية)، والخواطر النفسانية (النفس)، والخواطر الشيطانية. وخصائص كل مستوى وعلامات كل صنف. وأثر وخطر كل مستوى.
وقد كان الخطيب على المستوى النظري، موفقا إلى حد بعيد، في معالجة الموضوع وتفصيل الحديث فيه. لا بل ومتمكنا منه أيما تمكن، وربطه بحياة الناس ومعاشهم، مستعرضا كمّاً وفيضاً معرفياً غزيرا وهائلا، معززا بإحالات وروايات ومراجع وأسماء عديدة.
حقا لقد كانت الخطبة شيقة ورفيعة، لا من حيث شكلها وأناقة وجمال وبيان وبلاغة لغة صاحبها، ولا من حيث مضمونها المميز الهادف، الذي تم ربطه بما يسري في المجتمع من حال وأحوال.
قُدمت الخطبة بسلاسة وانسيابية لغوية ومعرفية مثيرة، رغم كونها كانت مرتجلة، وكان مما زادها تشويقا وجاذبية وفائدة، كون الخطيب كان على قدر كبير من الإلمام والتمكن من تفاصيل موضوعها. فالرجل أبان عن كعب عالٍ في ملامسة موضوع الخطبة، وتمكن نادر في جذب انتباه المصلين وشدهم إليه شدا لمتابعة تفاصيل الخطبة.
وهو ما جعل الوقت المخصص لإلقائها ينفذ بسرعة متناهية، من غير أن يتمكن الخطيب من أن يشفي غليله بالإحاطة الكافية الشافية بالموضوع، من مختلف جوانبه وتشعباته. وهو ما دفعه إلى أن يقترح على المصلين (الراغبين في ذلك) استكمال التفصيل فيه مباشرة بعد الإنتهاء من صلاة الجمعة.
فبعد الفراغ من الخطبتين والصلاة، وانصراف من انصرف من المصلين وبقاء من بقي منهم. أعتلى الدكتور عدنان المنبر مجددا، ثم جلس وبدأ في استكمال تناول الموضوع المذكور، في شكل محاضرة منفصلة عن الخطبة لكن مكملة لموضوعها وفحواها.
صراحة فالرجل متمكن بشكل كبير من فن الخطابة والإلقاء والإقناع. وهو يمتلك من الأدوات اللغوية والمعرفية والعلمية والفكرية، التي تمكنه من ذلك ما يدعو إلى الإنبهار. وهذا ما جعل الخطبة والمحاضرة المكملة لها، على قدر كبير من الأهمية والفائدة معا.
وإن من الأمور الملفتة في المسجد، أن الرجل يحرص حرصاً شديدا على تسجيل خطبه ومحاضراته بشكل كبير، وقد كُلف بهذه المهمة مستخدم تقني، تنحصر مهمته فقط في هذه العملية، إلى جانب ضبط وإصلاح كل ما له علاقة بالصوت أو الصورة أو المؤثرات..
بعد الإنتهاء من تقديم المحاضرة المذكورة، وفي سياق حديثه عن لقاء جمعه بالطبيب المصري الشهير، عالم فيروسات الكبد الدكتور جمال شيحة – وليته ما فعل..! – الذي أثنى كثيرا على مكانته العلمية العالمية، حيث أن الرجل يعتبر من بين الستة الأوائل عالميا في مجال تخصصه، أي محاربة فيروسات الكبد بأنواعها، وخاصة أخطرها على الإطلاق Hepatite C. ونسب إليه الفضل في خلو مصر اليوم من داء التليف الكبديHepatite C. . ففي معرض حديثه عن الرجل وعن إنجازاته الطبية والعلمية بالغة الأهمية، وفضله الكبير على وطنه مصر، وخاصة حديثه عن مشروعه الطبي الكبير، المتخصص في محاربة الداء المذكور (التليف الكبدي)، والمتمثل في تشييد مستشفى رفيع المستوى وفاخر من طراز خمسة نجوم، أنجز منه القسم الأكبر، وهو في حاجة إلى جمع تبرعات قدرها 4 ملايين دولار حتى يكتمل بناؤه بالكامل. ووعد الدكتور عدنان بأنه هو الآخر سيشارك في هذه الحملة، وسيحفز المحسنين من أجل جمع المبلغ، حتى يتم استكمال بناء المستشفى المذكور.
ولعل الغريب والمثير في الأمر كله، هو أنه في معرض حديث الرجل عن هذا المشروع، عرج بشكل مفاجئ وغير مبرر ولا مفهوم، على الحديث عن مناقب الرئيس المصري المجرم عبد الفتاح السيسي، الذي خصه بالكثير من المدح والإطراء، واعتبره من خيرة من حكم مصر في العصر الحديث، مدعيا أن مصر أصبحت في عهده أحسن حالا. وأن الجيش المصري في عهده أصبح أقوى الجيوش في المنطقة، حتى أن إسرائيل أصبحت تهابه وتخافه. كما لم تفته فرصة الثناء على النظام السعودي وكذا الإماراتي، معتبرا أن تطبيع هذا الأخير مع الكيان الصهيوني، هو بدافع خدمة المصالح العربية. وخصه أيضا بالكثير من المديح والإطراء الفارغ، على طريقة شعراء التكسب المرتزقة.
وأثناء كيله المديح لطاغية مصر، كانت ترتفع أصوات بين المصلين الحاضرين بالمسجد، تثني على قول الدكتور وتستحسنه وتزكيه. وهو ما أشعرني بغضب شديد، وسخط وامتعاض غامر، لا بل وحتى خجل وعار. حيث أنني أحسست كما لو أنني « متورط » من حيث لا أدري ولا أرغب، وسط جمع من عبيد السيسي، خطيبا ومصلين، (مع احترامي للمصلين غير المعنيين بالأمر) هم أبواق دعائية لطاغية مصر الإنقلابي السفاح.
حقا فقد تمكن مني الغضب إلى درجة، حدثت فيها نفسي بأن اطلب تدخلا، أرد فيه على أقوال هذا العدنان، وأفندها بالحجة والبرهان، وأذكر الغافلين والمطبلين من بعض المصلين وخطيبهم، بما ارتكبه سفاح مصر الفرعون، في حق الشعب المصري من جرائم يندى لها الجبين، وما قام به من إجهاض لتجربة ديموقراطية جنينية على علاتها وزلاتها، واغتصاب للسطة بالحديد والنار. لكنني عدلت عن قراري في آخر لحظة. من جهة، احتراما لقداسة المكان، وهو بيت من بيوت الله، وهو ليس المكان المناسب للجدال السياسي، وما قد يتبعه ويُوَلده ربما من تراشق لفظي، قد ينحرف بالأمور إلى غير مآلها الصحيح. ومن جهة أخرى، تحسبا للتورط في مشاحنة لا جدوى منها، وربما مواجهة قد لا تحمد عقباها، مع عبيد السيسي الذين يملؤون المسجد، وكبيرهم الذي علمهم السحر والإنبطاح الدكتور عدنان. لأنهم لا يؤمنون بغير العنف والتسلط والمصادرة والإبتزاز. أما الحوار والنقاش والإقناع والإقتناع، فهيهات هيهات أن يكون له مكان في قاموسهم. ومن جهة ثالثة، لأنني سائح عابر لهذه البلاد الواقعة وسط أوروبا، وبالتالي لست مهيئا ولا محصنا حتى أخوض معركة لا أعرف نتائجها. ولذلك فضلت مغادرة المكان بسلام، حتى لا أفسد برنامج زيارتي السياحية لهذا البلد الجميل النمسا وعاصمته الرائعة فيينا. والإستمتاع بروائعها التاريخية والطبيعية والحضارية الغنية جدا. لكنني صراحة غادرت المكان أيضا، وفي قرارة نفسي مرارة وأسى عميقا، بسبب هذا الدور الحقير الذي يباشره هذا المرتزق في بيت من بيوت الله. إذ كيف يعقل لعلّامة عارف بالله، لا تغيب عنه عين الحقيقة، أن يتورط في مستنقع التطبيل والتهليل والتسويق لمجرم سفاح..؟! بل كيف يستقيم أن يقوم عالم فلسطيني بذلك تحديدا، وهو الذي تجرع شعبه الويلات، منذ اغتصاب هذا المجرم للسلطة في مصر، وتحوله إلى عميل صهيوني في خدمة إسرائيل.
غادرت المكان وقد تمكن مني السخط والغضب، وأيقنت أنه حتى بيوت الله، للأسف، لم تسلم من توظيفها الدعائي لخدمة أجندات وأنظمة متسلطة، فأصبحَت تُنتهك قداستها ومهابتها ورسالتها العظيمة النبيلة، من طرف بعض المرتزقة الإنتهازيين، الذين لم يتورعوا في تحويل منابرها وكراسيها إلى أبواق للدعاية لمجرمين وديكتاتوريين قتلة..
في الحقيقة طالما كنت أحترم الرجل وعلمه الغزير والوفير، برغم تقلبات مواقفه السياسية، المتعلقة أساسا بتداعيات الربيع العربي. ولكن خيبة أملي فيه هذه المرة كانت كبيرة جدا، لا بل وصادمة بشأن مواقفه السياسية المتخاذلة، وخدمته لأجندات أنظمة عربية متعفنة، تجر وراءها تاريخا دمويا حافلا بالقمع والخيانة والتسلط والديكتاتورية.
فبقدرما سررت بأداء فريضة صلاة الجمعة في بيت من بيوت الله، في عاصمة دولة إفرنجية توجد في العمق الأوربي، هي مدينة فيينا الخلابة، بقدرما انتابتني شحنة دافقة من السخط والألم العارم، عندما أدركت أن هذا المَعلم الديني الواقع في عمق هذه البلاد، إنما هو في الحقيقة مقر اتخذه هذا الداعية المنافق، قلعة للدعاية الكاذبة الرخيصة لفائدة أنظمة ديكتاتورية متسلطة، طالما فرملت وعرقلت وأجهضت أحلام وانطلاقة شعوبها، وباقي شعوب المنطقة العربية نحو الدمقرطة والتنمية والإنعتاق، من التبعية والإنبطاح لأمريكا وإسرائيل. إنما هو بيت من بيوت الله، حوله هذا الافاك إلى منصة دعاية لصالح ديكتاتوريين قتلة، وبروباغندا لسياساتهم الدموية.
وإنه من عجائب وغرائب الأمور أن يقوم مفكر وعالم وداعية من الشتات الفلسطيني كعدنان إبراهيم، الذي هو أكثر من يعرف ما ارتكبته هذه الأنظمة في حق شعبه ووطنه من تنكر وخذلان وخيانة، أن يقوم بهذا الدور القذر، لفائدة فرعون مصر الدموي، عميل الكيان الغاصب للأرض المحتلة، الذي جرع الفلسطينيين صنوف الحصار والإغلاق والتجويع والقهر وتدمير كل منابع الحياة في غزة (وهو المنحدر من غزة). حتى أنفاق الحياة التي كانت تربط الرفحين، رفح غزة ورفح مصر، التي كان يتم عبرها تهريب المواد الغذائية والطبية، قام بتدميرها عن آخرها.
لكنني أيقنت أيضا، أنه لا يمكن لغير شراء الذمة أن يفعل ذلك بمفكر وعالم ودكتور، وضع علمه وخبرته ومنبره الدعوي والخطابي، في خدمة عميل صهيوني خائن للقضية والشعب الفلسطيني، لا بل وللشعب المصري أيضا.
أتذكر أنه بعد مرور أيام قلائل على نازلة مسجد الشورى بفيينا، كانت لي دردشة مع مهاجر مصري يعمل في أحد أسواق العاصمة الفرنسية باريس خضارا، وكنت زبونا له اقتني منه أحيانا الخضر والفواكه الطرية المستوردة من المغرب. وكان موضوع الدردشة، هو هزيمة فريق الأهلي المصري آنذاك أمام فريق الوداد البيضاوي، في نهائي دوري أبطال إفريقيا، وما أعقب ذلك من تصرفات لارياضية مشينة، صدرت عن لاعبي ومسيري الفريق المصري. من قبيل خلع الميداليات حال وضعها في أعناق اللاعبين، حتى أن منهم من رفض حتى وضعها في عنقه، لا بل هناك من قام برمي ميداليته والتخلص منها، بطريقة لا أخلاقية ولا رياضية، وهي تصرفات لا تمت بتاتا إلى الروح الرياضية، ولما يقتضيه السلوك الرياضي من احترام وواجب.
وكنت نتيجة ذلك أعاتب صديقي المصري عن تلك التصرفات المشينة، وعن دواعي عدم قبول فريق الأهلي للهزيمة. وكيف يمكن أن يصدر ذلك عن فريق كبير في حجم فريق الأهلي، وهو الأكثر تتويجا على صعيد القارة. وعن دواعي عدم قبول الفريق للهزيمة.
وفي الوقت الذي كنت أتوقع انفعال صديقي المصري، وانتصابه للدفاع عن فريقه المصري، وتبرير تصرفات لاعبيه ومسيريه. لكن رده فاجأني بشكل كبير. فقد كان في منتهى الحياد والصراحة، لا بل كان مختصرا ومفحما ومزلزلا..!
فقد أجابني قائلا : « لا عجب في ذلك، فكل شيء قد فسد في مصر، منذ حدوث الإنقلاب المشؤوم، ومجيئ الطاغية القاتل السيسي إلى السلطة. فحتى الرياضة لا عجب أن تتغير أخلاقها.. ». وعرفت من الرجل أنه قد أكمل عقده الأول في المنفى الاختياري بالعاصمة الفرنسية منذ قيام الإنقلاب. وأنه لم يتمكن من زيارة أهله طول هذه المدة.
لقد أوردتُ هذه الواقعة في الحقيقة، وهذا الموقف الرفيع لصديقي الخضار المصري، من هذا النظام الديكتاتوري المجرم، وهو الرجل البسيط الذي يصارع ويجاهد، من أجل تأمين قوت يومه في مدينة لا ترحم كمدينة باريز، يفعل فيها غلاء المعيشة فعلته في البسطاء من المهاجرين أشباه صديقي المذكور. اوردت هذه الواقعة على سبيل المقارنة بين هذا الموقف الصريح الصادق والبطولي، لهذا المواطن المصري البسيط، من نظام ديكتاتوري متسلط. والموقف الإنهزامي المتخاذل والمرتزق، لعلامة ومفكر وداعية، خبِر المنافي والشتات وظلم الحكام وقهر الأنظمة العربية وخذلانها لشعبه ووطنه الفلسطيني المحتل..! وهي مقارنة برغم كونها لا تستقيم نظريا، بالنظر إلى المركز والمستوى العلمي والفكري لكل طرف. لكنها عمليا تصلح لاستقاء دروس بليغة، بشأن جانب من أسباب الإنتكاسات العربية، ودواعي إجهاض كل المحاولات والإنتفاضات والثورات التي شهدتها المنطقة العربية. والتي فعلت فيها خيانة بعض المثقفين والمفكرين وتقاعسهم فعلها. وهم الذين من المفروض أن يكونوا مؤطري ومنظري هذه الانتفاضات والثورات، وبالتالي المحفزين على نجاحها واستمراريتها.
إن هذه النازلة قد أنزلت هذا المرتزق في عيني من عليائه العلمي الكبير، ومستواه المعرفي الغزير إلى أسفل سافلين، إلى حضيض الخيانة والدجل الذي يليق به. لا لشيء، سوى لأن كل هذا النبوغ العلمي والفكري والمعرفي الهائل، لم يكن منبع حصانة ومناعة لصاحبه هذا، من الإنزلاق إلى مستنقع الطغاة والمتسلطين، يُجمل صورتهم، ويُبيض واجهتهم، ويدفع عنهم شرور أفعالهم. وهم الذين تلطخت أيديهم بجرائم فظيعة ارتكبوها في حق شعوبهم، وخاصة منهم فرعون مصر، الذي تفرج العالم على جرائمه على الهواء مباشرة، عندما اغتصب السلطة اغتصابا، وأعدم خيرة رجال مصر بأحكام صورية ظالمة. فحتى رئيسها المنتخب الذي أطاح به – بصرف النظر عن هويته السياسية وانتمائه الحزبي – أعدمه بدم بارد، وبصورة دراماتيكية لم تنطلي على أحد. مجهضا بذلك تجربة ديموقراطية جنينية في أرض الكنانة، أيّاً كان التيار الذي قادها، ومهما كانت أخطاءه ومزالقه.
حقا لقد كان هذا الحادث منغصاً أفسد علي طمأنينتي ومزاجي، أثناء زيارتي للعاصمة النمساوية. وأنا الذي نزلت بهذه الأرض الجميلة لأجل السياحة والإستجمام والترويح عن النفس. لكن من حسن الحظ فإن جمال فيينا الأخاذ، وتنوع تجلياته وتمظهراته، وسكينة أهلها وطيبوبتهم وسلوكهم الرفيع، كل ذلك سرعان ما أنساني لغط ودعاية هذا الأفاك المنافق عدنان إبراهيم ومتاجرته بالدين. ودفعني إلى متابعة استكشاف والإستمتاع بمفاتن فيينا الثقافية والحضارية والسياحية الساحرة..
Aucun commentaire