متى كانت المدرسة منبعا للفساد والجهل ؟ !
اسماعيل الحلوتي
نحمد الله تعالى ونشكره على أن من على الإنسان بنور العقل، ودفع به إلى التعلم والبحث والاكتشاف، فكان أن تقدمت على يده العلوم وتطورت التكنولوجيا، وينتج للإنسانية إنجازات كثيرة ومتنوعة ساهم بعضها في ظهور وانتشار الانترنت والمواقع الإلكترونية ومختلف وسائل الإعلام الحديثة والمتطورة، حتى بات العالم قرية صغيرة. ولم يعد هناك من اكتشاف جديد أو خبر بعيد مهما كان تافها وغير ذي جدوى إلا وانتقل بسرعة البرق من أدنى العالم إلى أقصاه. وهكذا أصبح كل شيء اليوم مكشوفا تحت مجهر مواقع التواصل الاجتماعي. فلا رجل السياسة يستطيع إخفاء حقائق بعض الأمور أو محاولة طمسها من أجل تحقيق مصالح ذاتية أو حزبية ضيقة، ولا أن يستمر بعض المحسوبين على الدين من شيوخ ودعاة في ممارسة الدجل ونشر الأضاليل بين الناس.
ذلك أن المدعو رضوان بن عبد السلام الذي ينسبه البعض إلى فئة شيوخ الدين فيما يعتبره البعض الآخر « داعية »، لم ينفك يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، لما عرف عنه من بساطة في الحديث عن أمور الدين عبر تدويناته التي تكاد لا تخلو من فكاهة في تناول عديد المواضيع المختلفة وخاصة منها تلك المتعلقة بالعمل والأسرة على صفحته الشخصية بالفيسبوك أو في حسابه ب »إنستغرام ». بيد أنه سرعان ما تبين أنه والعياذ بالله « داهية » أي مصيبة على نفسه وعلى أتباعه وعلى المجتمع ككل، ومن الواجب على السلطات المعنية أن تضع حدا لما بات ينشره من سموم…
فبعد أن نالت منشوراته حظا وافرا من المتابعة، ليس لانه يبذل جهودا في تفسير جوهر الدين وغاياته ويستلهم منه أسمى معانيه في التدبر، ولا أنه يحرص على حفظ للسانه ويزن كلماته، وإنما لكونه لا يكف عن إطلاق الكلام على عواهنه دون حسيب ولا رقيب، مما جعله يرتكب عدة سقطات وحماقات في الكثير من المناسبات. ولعل أخطرها والتي أثارت زوبعة من ردود الفعل الغاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، والمطالبة بمحاسبته، هي ما اقترفه لسانه وخطته يداه من تهمة رخيصة في حق المدرسة المغربية وتلامذتها. إذ بلا أدنى تريث أو تفكير عميق نشر يوم الثلاثاء 9 نونبر 2021 في حسابه على « إنستغرام » تدوينة غريبة ومستفزة، يسيء من خلالها إلى المدرسة العمومية ويحط من مكانتها في المجتمع، فضلا عن تبخيس دورها في نشر العلم والمعرفة، حيث أنه وبكل وقاحة أبى إلا أن ينعت المدارس بأوكار للفساد والدعارة، ويحرض الآباء على عدم إرسال أبنائهم للتعلم بها.
ويعود المشكل إلى رده على سؤال حول رأيه في أي المؤسستين أفضل لتعلم الأطفال المدرسة أم دار القرآن؟ إذ جاء السؤال المطروح على النحو التالي: « ما رأيك في أب لا يريد إدخال أولاده للمدرسة الابتدائية، ويريد إدخالهم دار القرآن؟ وهل يحق له ذلك؟ ». فكانت الطامة الكبرى والذنب الذي لا يغتفر، هو أن جواب « الداعية » النحرير و »المفتي » الكبير، نزل كالصاعقة على رؤوس من اطلعوا عليه من الغيورين على سمعة المدرسة، حيث أجاب بجرأة الواثق من نفسه: « نعم يحق له ذلك وزيادة، وأنا متفق معه مائة بالمائة، المدرسة قديما كانت للتربية والتعليم، أما الآن أصبحت منبعا للفساد والجهل… » ليستمر بعد ذلك في هذيانه المقرف والمقزز، فمتى كان دور « الداعية » التنفير من المدرسة واستعمال المفردات الدنيئة، والمفاضلة بين المدرسة ودار القرآن؟ وهل نسي ما للمدرسة من فضائل على المجتمع والكثير من أبناء هذا الوطن، حيث تخرج منها آلاف العلماء والأطباء والمهندسين والطيارين والباحثين والأساتذة وغيرهم كثير ممن ساهموا في بناء حضارة المغرب ومازالوا يساهمون في تنميته وأمنه واستقراره؟
وبصرف النظر عن حجم التذمر الذي خلفته تدوينته الخرقاء وغير المحسوبة العواقب وما جرته عليه من انتقادات حادة، حتى إنها دفعت بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى رفع دعوى قضائية ضده، من أجل وضع حد لما يحدث من تسيب وانفلات في مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل هذه الخرجة الخطيرة، لما لها من انعكاسات سلبية على مجتمع مازالت فيه نسبة الأمية جد مرتفعة. فالمدرسة مثلها مثل كثير من المؤسسات الأخرى كالأسرة والروض ودار القرآن وغيرها، تساهم جميعها في التنشئة الاجتماعية للطفل وجعله يتفاعل مع محيطه ويكتسب عديد المهارات والمعارف. وتعد المدرسة مشتلا لاستنبات العقول النيرة ومنبعا للقيم والأخلاق النبيلة، تتشكل فيها شخصية المتعلم ويستقيم سلوكه، فكيف لمؤسسة بهذه المواصفات أن تكون منبعا للفساد والجهل؟ كما أن دار القرآن لا تقل شأنا على المدرسة ولا يمكن إغفال دورها في تهذيب نفس الطفل وتحفيظه القرآن وتحبيب سماعه له، غير أنها لا تحل أبدا محل المدرسة لعدة أسباب…
إننا وأمام هذا الرد المتهور ممن يعتبر نفسه « داعية »، ويتطاول على دور المدرسة الابتدائية والإساءة إلى آلاف الأساتذة والتلاميذ والأسر والوزارة الوصية وحتى إلى الدعاة الحقيقيين، نرفض أن يستمر مثل هؤلاء المعتوهين والمهرجين الذين يستقوون بما يحشدون من أتباع ومريدين، في تحويل صفحاتهم وحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات، لتمرير مغالطاتهم وإرسال قذائفهم العشوائية غير عابئين بما تخلفه من ضحايا جهلهم ورعونتهم، وندعو الجهات المعنية إلى التصدي لهم وعدم التساهل أو التسامح معهم فيما يقترفون من أفعال مغرضة وشنيعة…
Aucun commentaire