الإسلام أسمى من أن يحمّل فشل أوأخطاء المنتسبين إليه أو المحسوبين عليه
الإسلام أسمى من أن يحمّل فشل أوأخطاء المنتسبين إليه أو المحسوبين عليه
محمد شركي
جرت العادة عند كثير من الناس أنه كلما أخطأ أو فشل منتسب إلى الإسلام أو محسوب عليه حمّل مسؤولية خطئه أو فشله ، وهذا يكون إما عن جهل بهذا الدين أو بسبب قصور في فهم طبيعته أو يكون بسبب حقد عليه .
والناظر في كتاب الله عز وجل مهما كان مستوى نظره من البساطة حتى لا نقول المتأمل المتدبر، يلاحظ أن الله عز وجل عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إليه حين أعرض عن الأعمى ابن أم مكتوم ، كما أنه لامه في مواطن أخرى ، ولام أيضا صحابته على ما صدر عن بعضهم من مخالفات أو أخطاء ، كما أنه فضح نفاق المنافقين الذين كانوا محسوبين على الإسلام .
وإذا كان هذا قد حصل ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ يوحى إليه ، فما بال ما حصل بعد انقطاع الوحي ، وما بال ما سيحصل إلى قيام الساعة والإسلام لا يبرىْ بني آدم من الوقوع في الأخطاء وإن انتسبوا إليه أو حسبواعليه من الذين يدّعونه دون تشرب مبادئه سواء كان ذلك عن جهل أو عن نفاق .
ولقد مرت على المسلمين عصور مختلفة أخطأ منهم فيها من أخطأ في أمور شتى من حياتهم ، وكان الإسلام دائما براء من أخطائهم، وأسمى من أن تنسب إليه . وما أصاب الحقيقة أبدا من حاول اختزال عظمة دين الله عز وجل المقتبسة من عظمته جل شأنه في أشخاص ينتمون إليه انتسابا أو حسابا باستثناء رسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين، لأنهم صناعة إلهية معصومة من كل نقص يعترى غيرهم من البشر .
والداعي إلى إثارة هذا الموضوع في هذا الظرف بالذات هو الأحداث الآنية المستحوذة على اهتمام الناس ، والتي منها ما هو عالمي ومنها ما هو وطني له صلة بما هو عربي .
أما الحدث العالمي، فهو جلاء الاحتلال الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من أرض أفغانستان بعد عقدين كاملين من احتلالها ، وسيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة فيها خلفا لنظام كان يراد منه أن يكون على شاكلة الأنظمة الغربية العلمانية أو يسد مسدها إلا أنه انهار بشكل محيّر في ظرف وجيز بالرغم مما أنفق على قوته العسكرية من أموال طائلة صرفت لتوفير عدته وعتاده للتمكين له بعد جلاء الاحتلال .
والذي يعنينا من هذا الحدث بالضبط هو أن حركة طالبان تحسب على الإسلام الذي صار الغرب يصنفه إلى إسلام متطرف مرفوض ،وآخر معتدل يقبله … ، وهي في الحقيقة أوصاف تنطبق على المنتسبين إليه أو المحسوبين عليه ، ولا علاقة له بها لأنه دين أتمه الله تعالى وأكمله ، ولا مبرر لنعته بأوصاف لا تستقيم مع تمامه وكماله .
والغرب العلماني وكل العالم الدائر في فلكه متوجس من حركة طالبان وهو بذلك إما يستميلها تارة بالوعود أو ينذرها طورا بالوعيد وبعواقب الأمور إن هي لم تستجب لمطالبه . والواقع أن الغرب لم يجد بدا من التعامل مع هذه الحركة التي لا زال يضعها على لائحة الإرهاب السوداء بسبب تشددها أو تطرفها الديني ، ويتردد في الاعتراف بها بالرغم مما أثبتته من قوة الوجود على الأرض.
ومهما يكن في سياسة طالبان من تطرف أو غلو لا يمت بصلة إلى تعاليم الإسلام ، فإنه براء منها لأنه أسمى من أن ينسب له شيء من ذلك ، وسيبقى الإسلام في أفغانستان أو في كل بلاد الإسلام أو في كل المعمور إسلاما لا يتحمل شيئا من أخطاء المنتسبين إليه أو المحسوبين عليه ، ولنأخذ أمثلة على سبيل الذكر لا الحصر تتعلق ببعض نقط الخلاف بين الغرب العلماني وحركة طالبان، وأولها طبيعة الحكم الذي يريده الغرب على نمط الحكم عنده، بينما تريده طالبان نمطا مختلفا عن نمطها . وثانية نقط الخلاف بين الطرفين وضعية المرأة الأفغانية التي يريد لها الغرب أن تحذو حذو المرأة الغربية في تعليمها وشغلها وهندامها … بينما تريد طلبان لها وضعا آخر وفق تصورها الديني . وثالثة نقط الخلاف قضية الحريات والحقوق التي يريدها الغرب أن تكون وفق نموذجه ، بينما تريدها طالبان وفق تصورها الديني بغض الطرف عما إذا كان موافقا لتعاليم الإسلام أو مجرد قناعة خاصة بها .
ولا شك أن الذي من شأنه أن يقرب وجهات النظر بين الغرب العلماني والنظام الجديد في أفغانستان وهما على طرفي نقيض هو أولا تخلي هذا الغرب عن التشبث بفكرة عولمة علمانيته باعتبارها النموذج الأسمى الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه في بلد إسلامي محافظ ، وهو يروم بذلك صهر كل الهويات والثقافات البشرية في بوتقته تكريسا لهيمنته على مجموع من في المعمور ، وواضح أن هذا الأمر في حكم المستحيل لسبب بسيط هو اختلاف الهويات واختلاف معتقداتها وثقافاتها في العالم ، وليس من السهل أو اليسير طمسها ، والأنسب للغرب العلماني أن يتعايش معها تعايش احترام وتفاعل إيجابي مع تنكب الهيمنة والوصاية عليها .
وإذا ما وعى الغرب العلماني هذا الأمر جيدا ، وهو الذي يعتبر نفسه قائدا في هذا العالم ، فإن تعامله مع النظام الجديد في افغانستان على أساس احترام هوية الشعب الأفغاني المسلم سيجعل الوضع مختلفا عما هو عليه الآن ، كما أن كل من يسير في فلكه ،سيحذو حذوه في التعامل مع كل الهويات الإسلامية حيثما وجدت في العالم سواء كانت في دول أو ممثلة في جاليات أو أقليات ، وبهذا يصير التعايش بديلا عن الصراع والصدام والعداء الذي لا نهاية لها ، ولا فائدة من استمراره، وقد ثبت أنه يفضي إلى طرق مسدودة .
وإذا ما وعى النظام الأفغاني الجديد وهو يعتبر نفسه نظاما إسلاميا أنه لا يمكنه أن يعيش في عزلة عن هذا العالم المختلف الهويات والمعتقدات والثقافات دون احتكاك وتعامل معه ، ولا يتأتى له ذلك إلا بقبول الآخر دون رفض مطلق له و في نفس الوقت دون تماه مطلق معه ، خصوصا وأن له في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة وقدوة في تعامله مع من كانوا يشاركونه الحياة على اختلاف معتقداتهم وهوياتهم عملا بقول الله تعالى : (( لكم دينكم ولي دين )) ، كما أنه يتعين عليه أن يراعي ما جدّ في حياة الناس ، وهو ما لا يضيق الإسلام عن التفاعل الإيجابي معه ما لم يخالف الفطرة البشرية السليمة كما صورها القرآن الكريم وصورتها السنة النبوية الشريفة نظرا لكونه دينا للعالمين جميعا ،الشيء الذي يعني أنه يتعامل مع مختلف الهويات والثقافات وفق الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها .
وبناء على هذا يتعين على هذا النظام أن يأخذ بلباب الإسلام لا بقشور يتوهم أنها من أساسياته بينما هي مجرد أنماط عيش لمسلمين مضوا، وهي ليست مما يدعو الإسلام إليها أو يفرضها ، ولا يمكن أن تكون حياة الناس اليوم كحياة أولئك فيما يلبسون أو يركبون … إلى غير ذلك مما طبيعته التغير لا الثبات ، ولهذا ليس من الصواب ولا من الموضوعية أن يتحمل الإسلام مسؤولية تشبث حركة طالبان بعادات وتقاليد السابقين في عصور ماضية مما لا يدخل ضمن تعاليمه وهي تتحمل وحدها مسؤولية ذلك .
وأما الحدث الوطني ، فهو النتيجة المفاجئة لخسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات خسارة قال عنها المراقبون أنها جاءت فوق ما كان متوقعا .
ودون الخوض في أسباب هذه الخسارة ، وقد تناولها وجهات نظر مختلفة بالتحليل المستفيض ، يهمنا منها أن هذا الحزب يتبنى المرجعية الإسلامية كغيره من أحزاب أخرى في الوطن العربي والإسلامي ، لهذا لا يمكن أن ينسب فشله هذا إلى لإسلام كما ذهب إلى ذلك البعض لمجرد ادعائه هذه المرجعية لأنه ما كل من يدعي مرجعية من المرجعيات تلزمها أفعاله أو مواقفه لأن الأصل أن يحكم عليه بها وليس العكس .
ودون تعاطف أو انحياز لهذا الحزب أو لغيره من الأحزاب الأخرى التي صرحت بمرجعيتها الإسلامية في العالم العربي ، نذكر شهادة لله وللتاريخ أن الغرب العلماني والذين يدورون في فلكه لهم موقف رافض لتكو للأحزاب مرجعية إسلامية لأن ذلك يعتبر إسلاما سياسيا لا يمكن قبوله، ولهذا تم التعامل مع كل الأحزاب بهذه المرجعية في العالم العربي بريبة وبعدم الثقة فيها وإن قبلت باللعبة الديمقراطية وتعهدت بالتزام قواعدها ، فكان ما كان من انقلاب عسكري دموي على حزب الحرية والعادلة المصري ، وكان ما كان من انقلاب الرئيس التونسي على حزب النهضة ، كما كان ما كان حسب بعض الآراء من تضييق على حزب العدالة والتنمية بما سمي قاسما انتخابيا .
والمهم أن بعض الأحزاب المصرحة بمرجعيتها الإسلامية والمشاركة في اللعبة الديمقراطية قد تعرضت لعراقيل قبل أن تنهي مدة الحكم التي خولّها لها فوزها في الانتخابات، الشيء الذي لا يمكن معه الحكم على تجربتها باستثناء تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي الذي قاد البلاد لفترين متتاليتين إلا أنه لم يحقق ما كان ينتظر منه باعتبار مرجعيته الإسلامية وذلك بشهادة مناضليه قبل شهادة الرأي العام المغربي ، ولا عذر له في ذلك ، ولا يقبل منه تبرير من قبيل التذرع بالقاسم الانتخابي أو باستعمال غيره من الأحزاب المال أواللجوء إلى ما يسمى البلطجية ذلك أنه لو التزم بمرجعيته على الوجه المطلوب واحترمها لما سقط هذا السقوط الفظيع .
وهنا أيضا يجب ألا يقول خصومه في الداخل أو في الخارج أن سقوطه يعتبر سقوطا للمرجعية الإسلامية كما ذهب إلى ذلك أكثر من واحد، ومنهم على سبيل المثال أحد المعلقين في تصريح له على إحدى القنوات الفرنسية حيث قال بأن سقوطه هو اكتمال لسقوط ما سماه إسلاما سياسيا في الوطن العربي ، ذلك أنه قد تسقط كل الأحزاب المعلنة بالمرجعية الإسلامية بسبب مخالفتها لهذه المرجعية دون أن ينال ذلك من سمعة هذه المرجعية ،لأنها لا يمكن أن تحمّل مسؤولية أو وزر من يخالفها أو يخرج عنها .
وإذا كان الغرب العلماني وهو من هو قوة لم يجد مندوحة عن التعامل مع واقع الحال في أفغانستان حيث توجد حركة طالبان المصنفة في خانة التشدد الديني ، فأولى بالأنظمة العربية التي تضيق الخناق على أحزاب تصرح بالمرجعية الإسلامية وهي أكثر اعتدالا من حركة طالبان أن تغير من مواقفها معها خصوصا وأن دولا غربية علمانية لا تخلو من أحزاب تصرح بمرجعيتها الدينية دون أن تقصى من الحياة السياسية ، وهي تتعايش مع باقي الأحزاب بمرجعيات غير دينية .
وخلاصة القول أنه لا يمكن أن ينسب فشل من يصرحون بالمرجعية الإسلامية سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو حركات أو أحزاب سياسية أو أنظمة إلى الإسلام لأنه أسمى من أن يحمّل مسؤولية فشلهم أو أخطائهم .
Aucun commentaire