دراسة نقديةلمؤلف(الخبزة ) للمرحوم عبد العزيز بوروح
. بلقاسم سداين
مسكون بوجع الإبداع والفن يطل المبدع عبد العزيز بوروح فجأة عبر ديوان الخبزة
عبد العزيز بورح
مسكون بوجع الإبداع والفن يطل المبدع عبد العزيز بوروح فجأة عبر ديوان ـ الخبزة ـ و يحط الرحال بمهل في حوار الكتابة الزجلية استجابة لنداء الذات .
فيدخل خندق النص الزجلي المشتعل بامتياز، معانقا أسئلة الواقع الكبرى، و الصغرى . ويشرب من قلق الإبداع المفعم بالحلم الإنساني. و الممتد أفقيا في الذات المتأججة بالدهشة. إنه نفض معلن لواقع مجنون فقد توازنه الاجتماعي الذي تؤطره مادة ـ الخبزة ـ و هو بذلك يؤسس رؤية جديدة للكتابة الزجلية التي تفجر بداخل القارئ جمال المستغرب ! المدهش..
ونحن نقف على عتبة الديوان الذي اختار له المبدع عنوان ـ الخبزة ـ يلقي بنا هذا الاسم الفريد والمفرد إلى خصوبة التمرد و الإيحاء.. و التأويل..ـ الخبزة ـ جمع للمتناقضات : الحياة.. الموت.. العمل.. البطالة.. الفقر.. الغنى ..
وبالتتالي يكون الكاتب قد افرغ المفردة من دلالاتها .وقام بشحنها بشحن رامزة، ورمزية إيحائية قابلة للانفجار، والانقسام و التشظي. و يمنحنا العنوان تذكرة العبور، وباشتياق و شوق و تشويق كبير إلى مساحة الديوان. حيث نجد تصريف و تأثيث عناصر الفكرة، والصورة و تتغذى أوصالها بإيقاعات تنطلق من مملكة الإحساس و زناً غازيًا تؤطره قوالب لا تخلو من سخرية ايجابية/ رمزية تحقق متعة أدبية و فنية ..إنها لغة الذات المقهورة . و للمبدع مرجعية المتح من الوعي، و اللاوعي. من الواقع ومن اللاواقع ليقبض على ظواهر حياتية في عالم الواقع إلى حد الاقتراب من المهمش في الحياة..وما خلف الأشياء .فتتسلل إلى نصوصه ظلال الأفكار لفهم ما تبقى من الفكرة / الرؤية.. و بالتالي تحقيق الدهشة / المتعة الأدبية مركزًا في ذلك على اللب والجوهر. حيث تدور حوله كبريات الأمور في شكل تناقضي..
إنهاـ الخبزة ـ المحور الذي تدور حوله البشرية جمعاء
انه مدخل قمت بالتقديم به لديوان الخبزة للأستاذ عبد العزيز بوروح ..وهذا الديوان من الحجم المتوسط ععد صفحاته 97و تتوزع على هذه الصفحات: 18 قصيدة زجلية بالإضافة إلى التقديم للديوان والإهداء ومدخل الديوان . وجاءت عناوين قصائده متميزة و لا تخلو من حمولات فكرية وإيحاءات متنوعة ومتوغلة في الوعي الجمعي للمجتمع . إنها عناوين تحمل بين حروفها تلخيصًا عجيًبا لمضمون القصيدة . و تبقى هذه العناوين عبارة عن نوافذَ من خلالها نطل على القصيدة فتمنحنا ترحيبا عجيبا للدخول إلى حرمة النص الزجلي الممتع . وجاءت العناوين مركبة من كلمة مفرد مثل : بداية/الخبزة/ الصدقة/ خواض/ النوبة/ . أو هي مركبة من كلمتين مثل الخبزة المعلقة/ زبناء المحسنين /خبزة فالمقبرة/ الخبزة المسخوطة/ رأس لمحاين / الريح هاج/الصبر كيدبر/حامل همومي /طاحت الكلمة/ هلكني/ حاجيتكم أو من ثلاث كلمات مثل: مقهور عبر الصور
إنها عناوين مطربة ذات بعد إيقاعي وموسيقي ولها وقع فني في الأذن.وهي عناوين غالبيتها أسماء معارف تنتمي إلى العديد من الحقول الدلالية و المعرفية .تقودنا إلى النبش في سلوكات ذات مرجعية اجتماعية/دينية/ اقتصادية/ فلسفية/ أخلاقية/سياسية….
وبالتالي نقول آن الديوان كشكول معارف و كشكول قضايا ترتبط بالإنسان في علاقته بمحيطه المادي والمعنوي. انه واقع الحرمان من كل شيء..واقع شاذ استثنائي مرفوض..واقع يقتات على الفتات.. يعيش على الهامش و المهمش..ومعه تغيب أسباب العيش الكريم حيث يقول في ص:86
الواقع مدهور
المستقبل مدور
شي، عايش
شي، يشوف
ها الهم ،
ها قلة الدرهم
ها الزلط
ها الخوف
طاح الظلام
طارت لحروف..
انه واقع اجتماعي و إنساني يؤطره : التدهور ، الدوران، الهم، الفقر، الخوف ،الظلام…وهي أمور إن اجتمعت تلقي بالإنسان في أقاصي التهميش و اللامبالاة في ظل الحديث اليومي عن الانعتاق و الحرية و محاربة كل أشكال الفقر و التفاوتات الطبقية، انه المستقبل المدور و الواقع المتدهور ..
وأنت تتجول عبر الديوان تطالعك مقاطع مغلفة بالسخرية و التهكم . إنها سخرية التحدي ، سخرية الرفض و الاحتقار لسلوكات إنسانية لا إنسانية موجهة للإنسان
قالك: اخص المساكين
باش يكونو المحسنين
و ضروري من الكادحين
باش اكونو المرفهين
يخص فالدنيا
تكون السعايا باش المحضوضين
يجمع الحسنات
لابد من واحد مير
يرعى ويسوق لحمير..
إنها سخرية فنية ممزوجة ببعد رؤيوي للقضايا المصيرية في الحياة الإنسانية..
واعتمد الديوان على تنويع الإيقاعات الموسيقية للقصائد..و ركز على حروف المد الطويلة نظرا لخصوصياتها السميائية. لان مثل هذه الحروف تحتاج إلى نفس طويل يخرج من أقصي الجهاز الصوتي.وفي علم اللغويات فالأصوات التي تخرج من أقصى الحلق .حروف دالة على الحزن ومعبرة عن الألم والأنين..انه أنين حياة .. وألم واقع حزين ..فجاء شكل الديوان مطابقا لمضمونه .مما جعل الديوان يمتاز بوحدة الموضوع .. ووحدة نفسية..ووحدة الإيقاع الداخلي و الخارجي أيضا..
وأثث الأستاذ المبدع عبد العزيز بوروح ديوانه بالعديد من الخصائص الفنية الجميلة حتى يكاد كل نص له ينفرد بخصوصية فنية تميزه عن الآخر. ونجد في النص الواحد مجموعة من المحسنات اللفظية و البديعية ومن مثل ذلك اعتماده على أسلوب الحوار في مثل قوله،
صدقة على الولدين
ياسيادي المومنين
عاونوا هد المسكين
الله المعين
صدقة يا محسنين
قلنا ليك الله المعين
صدقة على الوالدين
قلنا ليك الله يسهل
واش نت كاع ما تمل
سير تشقى و تعمل
نخدم فاش
راه ماكانش
عييت نصبر
نقلب وندبر ..
وتتوزع على مساحة الديوان كلمات أُفرغت من مدلولاتها الحقيقية لتدل على مدلولات أخرى.. يؤطرها مكانها بجوار الكلمات الأخرى فتشكل معها داخل السياق بعدا لغويا ومعجميا ودلاليا منفتحا على كثرة التأويل و انفتاح شهية التفسير ..حيث يقول
هذ الخبزة مسخوطة.. رفعت قومان ..كروشهم مسيوطة… بتغلاق المصران .. وناس كروشهم تعزف النوطة.. وتغني بالميزان
..
فكل كلمة فقدت ما وضعت له أصلا و أصبحت منفتحة على المتعدد من التفسيرات..و التاويلات ..و الإبعاد اللغوية والدلالية
والأستاذ المبدع عبد العزيز بوروح اعتمد في مرجعية ما جاء في الديوان على تجارب حياتية منفتحة على المتعدد في الحياة. جعلت منه إنسانا يمتلك ثقافة متنوعة وفي مجالات مختلفة.نشأ على الفن وانخرط في صنوفه مبكرا فأبدع في مجال المسرح تأليفا وإخراجا وتتبعا..فنال جوائز قيمة تتويجا لمجهوداته..وتقديرا لإبداعاته..و كان قلما مميزا على صفحات الجريدة الوطنية و اليومية :ـ أنوال ـ يطالع القراء من حين لأخر بإبداعات متنوعة : مقالات في شتى المواضيع. كتابات مسرحية . قصص فنية . قصائد شعرية زجلية و أدبية.. مقالات نقدية و توجيهية ..ومن مميزات الأستاذ بوروح عبد العزيز الفنية انه عازف محترف على الآلات الوترية..ومغنيا ملتزما. وفي هذا المجال ألف وغنى و لحن العديد من القصائد..اكتسب هذه التكوينات مبكرا بانخراطه الفعال في العديد من الجمعيات المحلية والجهوية و كذا الوطنية. فكان العمل الجمعوي الجاد أحد روافد تكوينه وتبلوراته الفنية ..إفادة و استفادة..ومساهما في أنشطة ثقافية وتربوية و بيئية وسياسية وفلكلورية ..وتراثية. ومشاركا في ندوات علمية و فكرية.. ومهرجانت كبرى..وعضوا فعالا و نشيطا في لجان الانشطة للتحضير للزيارات الملكية لإقليم تاوريرت ومساهما فعالا في العديد من الروبرتاجات الاذاعية المسموعة والمرئية: إذاعة وجدة الجهوية، القناة الأولى، القناة الثانية ، القناة الثامنة تامزيغت..
ويعد الأستاذ عبد العزير بوروح رساما ماهرا وكاريكاتوريا متميزا كان يطلعنا برسومات غاية في الإبداع و الفنية هذه المميزات الفنية استفادت منها الجريدة الورقية الوطنية التي كان هو احد مؤسسيها بمدينة تاوريرت والتي كانت تصدر من تاوريرت شهريا..
وبكتابتنا لهذه الشهادة في حق الأستاذ فإننا لم نقل عنه ما يميزه كانسان و كفنان و مبدع و متخلق..ومحب للحياة والفن.ومحب للإنسان..فقد تربى في وسط كونه تكوينا أخلاقيا جميلا ..ونتمنى للأستاذ المزيد من العطاء الإبداعي..داخل إقليم لا مكان للفن و الثقافة فيه بل توجد ثقافة الاسترزاق التي تخدم أجندة رجعية وبمباركة لأجهزة نافذة بالإقليم.ونقول أن التاريخ و أهل المدينة يعرفون الغث من السمين..يعرفون المثقف الحقيقي من المثقف المزيف..وتحية منا للمثقفين الشرفاء بالإقليم الذين يبدعون في صمت وفي ظل . بعيدين كل البعد عن ما يلوث اعتقادهم من أن الثقافة سلوك أخلاقي ومهني وإنساني وكوني
بلقاسم سداين..
Aucun commentaire