رسالة القرآن في شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
أنزل الله عز وجل القرآن في شهر رمضان، كتابا خاتما لجميع الكتب، على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، متضمنا منهج الهداية للتي هي أقوم، مصداقا لقوله جل وعلا: » إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ » (الإسراء: 9)، وضامنا لمن أخذ به وتمسك بتعاليمه وهداه، على المستوى الفردي، الحياة الطيبة في الدنيا، والفوز والنجاة في الأخرى، مصداقا لقوله تعالى: » مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ». (النحل:97)، وعلى مستوى الجماعة والأمة، وضع الاستخلاف والتمكين والأمن ، مصداقا لقوله تعالى: » وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور: 55).
فمدار الأمر على الإيمان الخالص والعمل الصالح، اللذين يتضمن القرآن الكريم بيان كل ما يتعلق بهما من أسس وأركان، وقيم وأحكام ، وبصائر وتوجيهات، ومؤسسات ونظم، ونماذج وخبرات، ومواقف وتطبيقات، وتتولى السنة السيرة، ممثلة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجسيد النموذج العملي الأسمى لكل ذلك، مصداقا لقول الله تعالى: » لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا » (الأحزاب :21).
ورسالة القرآن الكريم في شهر رمضان، الذي يشكل بيئة روحانية عالية القدر رفيعة المستوى، لما يحضر فيه من عوامل التخصيب والتطهير، هي قرع العقول والآذان، وتحريك القلوب والوجدان، وتذكير الأمة برسالتها بعد نسيان، والسعي إلى معاودة الكشف والتشخيص، حالا بعد حال، لما يعتور كيانها من علل وأمراض، ويغلفه من ران وأدران، ويتربص به من أخطار داهمة، وتحديات عارمة، بهدف تحريك الهمم وشحذ الطاقات، وتقوية العزائم، كل ذلك من خلال إذكاء جذوة الإيمان التي خمدت بفعل الملهيات، و الاستكانة لما يمارسه الكائدون المتربصون من مكر الليل والنهار، لجعلها تستمرئ طعم الذل والهوان، وتستطيب وقع الجراح والهزائم.
إن رسالة القرآن في رمضان، هي بمثابة المهماز الذي يحول دون قبول أمة الإسلام، بالخضوع لحالة التخدير التام، الذي يتلف الأجهزة ويقتل الإحساس، بل إنها بمثابة النور الذي لا يدع مساحة من مساحات كيان الأمة، أو طرفا من أطرافها، إلا واجتاحه، ولا مس شغافه، وعرض عليه الدخول إلى غرفة العلاج والاستشفاء، والأوبة لرب الناس.
إن رسالة القرآن في رمضان هي أن يري أمة الإسلام وجهها في مرآة شرع رب العالمين، فتبصره على حقيقته بما زانه من نقاط النور، ، أو بما شانه من تشوهات وبثور، بل وحتى من جراح وكسور. إنها رسالة الكشف الدقيق، الذي يميز العدو من الصديق، ويميز من يغرس الفسائل والشتائل. ممن يشعل في جسم الأمة ألسنة الحريق.
إن من رسالة القرآن في رمضان لجموع المسلمين، أن يدلهم دلالة الناصح الأمين، على سبيل الخروج مما هم فيه من ضعف وشتات، ومن هم دفين، ويدلهم على طريق الخلاص مما هم فيه من ذل وهوان، ويكشف لبصائرهم سنن القوة والعزة، والطمأنينة والأمان.
إن رسالة القرآن لأمة الإسلام في رمضان، هي أن يدعوها لاستثمار فرصة رمضان للشروع في إعادة الهيكلة وتصحيح الذات، ومعالجة الخروق والآفات، و شرط ذلك وسبيله،هو ركوب سفينة القرآن، المسرجة بزيت القرآن، المبحرة بآي الرحمن، ويحذرها من مغبة التراجع والنكوص، والتولي والإعراض: أن تظل رهينة التسكع في أروقة الذل والهوان، وفريسة لأولي البغي والفساد، وأباطرة الغدر والطغيان.
إن من رسالة القرآن أن يقول للأمة: إنك يا هذه بنور القرآن ناضرة، وبالحياة زاخرة، وإنك من دونه كالحة باسرة، وفي حفر التخلف غائرة، وإلى البوار والخسران- حتما – سائرة.
إن من رسالة القرآن في شهر القرآن، أن يقيم الحجة على أمة القرآن: « أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ » فلا تلومن إلا نفسك يا » أمة الإسلام »، إن حاقت بك سنة الاستبدال، بعد لعنة الغضب والنكال، فهيا اسرعي وسارعي إلى معانقة القرآن، والاصطلاح مع الرحمن، ومزقي حبائل الشيطان، وافتحي للبر كل الفضاءات والشطئان.
إن مما لا شك فيه، أن خيرا كثيرا كان مذخورا في قطاع عريض من الأمة قبل رمضان، قد خرجت كنوزه في أجواء رمضان، وأن شرا مستطيرا كان في حالة تربص في نفوس مريضة خبيثة قبل رمضان، قد كشر عن أنيابه وفجر سمومه في رمضان، مستهترا بقدسية الشهر الفضيل، وما يحمله من رسالة الأمن والسلام، والتراحم والوئام، فرسالة القرآن العظيم، إما أن تنزل رحمة وشفاء في آذان وقلوب المستجيبين المؤمنين المخبتين، وإما أن تكون وقرا وعمى في آذان وقلوب المعرضين المستكبرين،يقول الله عز وجل: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (فصلت:44).
وعلى كل حال، فإن رسالة القرآن الكريم ، في كل زمان ومكان، رسالة بليغة، وحجة كاشفة، وهي في رمضان من شأنها أن تزداد صفاء في الآذان،وسطوعا في القلوب والأذهان، بسبب انتفاء كثير من المعيقات الشيطانية الصارفة عن الهدى والخير. وإن هذه الحقائق الناصعة، لمما يرتب مسؤولية كبرى على أولي الأمر وذوي الشأن في بلاد المسلمين، تتمثل في جعل رمضان في كل عام، فرصة كبرى لليقظة وتجديد العهد مع الله عز وجل، والعودة التدريجية الممنهجة إلى رحاب الإسلام وتفيؤ ظلاله الوارفة الفيحاء، وتنسم هوائه الطاهر النقي، فما تمر بضعة أعوام على هذا النهج وبهذه النية الخالصة، حتى تتبدل الأرض غير الأرض، ونكون أمام بعث جديد وخلق جديد، فهل يصيخ أولو الأمر في أمة الإسلام، لرسالة القرآن في شهر رمضان، فيبرئوا ذممهم مع الله ويكونوا من أهل الله؟ وصدق الله القائل جل شأنه: » أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ » (الحديد: 16)
Aucun commentaire