هل الحديث عن فتور الصحوة الإسلامية حقيقة أم مجرد خدعة إعلامية مغرضة لتيئيس الأمة منها
هل الحديث عن فتور الصحوة الإسلامية حقيقة أم مجرد خدعة إعلامية مغرضة لتيئيس الأمة منها
محمد شركي
من المعلوم أن الحديث عن صحوة إسلامية في البلاد الإسلامية خصوصا العربية منها بلغ أوجه في الثمانيات من القرن الماضي ، وكان في واقع المسلمين ما يؤكد هذه الصحوة التي تجلت فيما طرأ على حياة الأمة من عودة إلى تعاليم دينها من خلال أحوال وأقوال ومواقف وتوجهات إسلامية بعدما كان قد أتى عليها حين من الدهر انصرفت فيه عن تعاليم دينها، وكادت تفقد هويتها الإسلامية بفعل ما فرض عليها أو بتعبير أدق بفعل خضوعها لما فرض عليها من أنماط حياة غربية وافدة عليها ظنت أن عين الصواب هو أن تأخذ بها لتكون في مستوى مسايرة ما يسمى ركبا حضاريا ينعت بالرقي والتقدم .
ومع تنامي ظاهرة الصحوة الإسلامية وقع خلاف بين أبناء الأمة حيث ذهب البعض إلى أن هذه الصحوة هي عبارة عن سفينة نجاة من غرق يتهدد الأمة في بحر حضارة مادية بلا روح ، بينما اعتبرها البعض تراجع عن السير في سبيل مسايرة الركب الحضاري الذي لم يكن سوى نموذج أو نمط حياة غربية مختلة التوازن يغلب فيها الطابع المادي على الطابع الروحي .
وتراشق الطرفان التهم ذلك أن دعاة الصحوة الإسلامية يرمون دعاة المحاكاة الغربية بالماديين والعلمانيين ، ويصفون خطابهم بخطاب التجاسر على الدين والمحرض على التهتك والإباحية …، وهؤلاء يتهمونهم بالرجعيين والقروسطيين ـ نسبة إلى القرون الوسطى ـ والظلاميين ، ويصفون خطابهم بخطاب الكراهية المحرض على العنف والإرهاب .
ومعلوم أن ثورات الربيع العربي وحراكه كان من ثمرات الصحوة الإسلامية التي جعلت الشعوب العربية تراهن على الإسلام كحل للخلاص من الفساد السياسي الذي ترتبت عنه أنواع أخرى من الفساد ، وتجلى هذا الرهان في التصويت على أحزاب سياسية تبنت المرجعية الإسلامية ، الشيء الذي أقلق الغرب الذي كان بصدد عمولمة نموذجه الحضاري وفرضه كرد فعل على الصحوة الإسلامية ، وهو ما جعله يحرك أنظمة عربية خاضعة لإرادته لتجهز على التجارب الديمقراطية التي أفضت إلى وصول الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى مراكز صنع القرار ، وقد تراوح الإجهاز بين انقلاب عسكري دموي كما وقع في مصر وفي الجزائر من قبل ، وبين تحويل ثورات وحراك الربيع العربي إلى حروب أهلية بعدما تبين أنها تسير في اتجاه شبيه بما حدث في مصر، وذلك كما وقع في سوريا وليبيا واليمن ، وبين تآمرعلى نتائج الانتخابات كما وقع في تونس والمغرب وموريتانيا .
وموازاة مع الإجهاز على ثورات وحراك الربيع العربي، ارتفعت وتيرة الخطاب المناهض للتوجه الإسلامي في الوطن العربي والذي أصبح يدان ويتهم وينعت بالإسلام السياسي ، وقد تم التمهيد لهذه التهمة عن طريق صنع المخابرات الغربية عصابات إجرامية تمارس العنف والإجرام والإرهاب باسم الإسلام لتشويهه ، وكانت ذريعة له لتبرير غزوه للبلاد العربية ، وتمديد وجوده فيها لنهب خيراتها ولتسويق أسلحته المستعملة في بؤر التوتر التي خلقها شرق وغرب الوطن العربي .
واعتمد الخطاب المناهض للتوجه الإسلامي الإعلام بشكل غير مسبوق ، وتجاوز كل الخطوط الحمراء من خلال الطعن والتشكيك في رموز الإسلام التاريخية رجالا ومؤلفات وأحداثا وتاريخا حتى انتهى الأمر إلى التشكيك في وجود صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام ، وكذا التشكيك فيمن لهم صلة مباشرة به كالصديق والفاروق رضي الله عنهما ، فضلا عن الطعن في سلف الأمة من أئمة في مختلف العلوم والمعارف وعلماء . ويعتمد هذا الخطاب على كل أنواع التشكيك في التراث الإسلامي لزرع الشكوك في نفوس الناشئة على وجه الخصوص . ومقابل إعمال معاول الهدم في هذا التراث تشكيكا وانتقادا واتهاما وافتراء وبهتانا يسوق إعلاميا خطاب تنميق الحضارة الغربية لدى تلك الناشئة واعتبارها تحررا من قيود ما بات ينعت بالماضي الإسلامي الظلامي .
ويسوق إعلاميا لدى المناهضين للتوجه الإسلامي أن الصحوة الإسلامية قد انتهى أمرها ، وذهبت بلا رجعة ، وهو ما ينقضه الواقع لأن ما عكس هذه الصحوة مما طرأ على حياة الأمة لا زال كما كان بل هو في تزايد بالرغم من التعتيم الإعلامي المقصود للتهوين من شأنه ، وبالرغم من محاولة تشويهه بشتى الطرق والأساليب الماكرة والخبيثة والمكشوفة في نفس الوقت ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مثال تشويه ظاهرة لباس المرأة المسلمة أو ما يعرف بالحجاب الذي بدأ العبث بأشكاله لإخراجه من مواصفاته الشرعية ، وصاحب ذلك خروج المحجبات عن إطار السلوك الإسلامي المطلوب ، وقد اغتنم مناهضو التوجه الإسلامي فرصة حدوث ذلك للبرهنة على أن الإسلام صار متجاوزا ودليلهم على ذلك ما طرأ على لباس المرأة المسلمة، وما صاحبه من سلوك يعكس الرغبة في تحررها منه ومما يفرضه عليها من سلوك ماضوي لم يعد مقبولا في هذا العصر. وعلى غرار مثال لباس المرأة يمكن ذكر أمثلة أخرى حصل فيها ما يعطي الفرصة لمناهضي التوجه الإسلامي للتشكيك في رغبة الناس في التدين والتزام القيم والأخلاق الإسلامية .
ويرى بعض هؤلاء المناهضين للتوجه الإسلامي أن التدين صار مجرد عادة وتقليد ، وهم يرون في ذلك عين الصواب لطمس معالم الدين عن طريق تحويله إلى مجرد عادة، فضلا عن الحملات الإعلامية الدعائية المكثفة لفائدة أنماط من التدين محسوبة على الإسلام وهو منها براء.
وما يتطلبه الأمر اليوم من علماء الأمة ودعاتها هو صيانة أرصدة الصحوة الإسلامية عن طريق الكشف عما يحاوله مناهضوها من تدليس وتشويه للنيل منها ، وعن طريق تصحيح ما طرأ عليها من اعوجاج ، وعن طريق دفع اليأس أو الخوف عن نفوس الناس من توقفها . والملاحظ أن اعتماد هؤلاء العلماء والدعاة على الإعلام في زمن الثورة المعلوماتية الهائلة لا زال جد متواضع لا يرقى إلى استغلال مناهضي الصحوة الإسلامية له ، لهذا يجدر بهم مراجعة أسلوبهم في اعتماده ليكون ندا للحملات الإعلامية المغرضة التي تستهدف الصحوة الإسلامية التي لا زالت كما كانت بحكم الواقع ،وهو خير شاهد، بل والتي هي في تزايد مستمر ، لا نقول ذلك مبالغة في التفاؤل بل نقول ذلك باعتماد شهادة الواقع المعيش .
Aucun commentaire