شبه غياب اضطلاع الآباء والأمهات وأولياء أمور الناشئة المغربية بتربيتها تربية إسلامية تصون هويتها من اضمحلال يفضي إلى ضياعها
شبه غياب اضطلاع الآباء والأمهات وأولياء أمور الناشئة المغربية بتربيتها تربية إسلامية تصون هويتها من اضمحلال يفضي إلى ضياعها
محمد شركي
تكاد عبارة » تربية إسلامية » عندنا لا تجاوز الدلالة على مكون من مكونات منهاج دراسي تخصص له حصتان أسبوعيا ،ويتعلق الأمر بدروس نظرية تدرس ليمتحن فيها المتعلمون ثم تتبخر بعد اجتياز الامتحان ،أما التربية الإسلامية العملية ، فلا وجود لها في حياة ناشئتنا ، ولا يعول على المؤسسات التربوية في الاضطلاع بها لأنها في الحقيقة من اختصاص آباء وأمهات وأولياء أمورالناشئة .
والملاحظ أن التربية الإسلامية العملية أو السلوكية لا يمكن اليوم رصد شيء منها في حياة الناشئة التي يبدو أن من يتولى أمرها من آباء وأمهات وأولياء أمور قد استسلموا، ورفعوا أيديهم أو رفعوا الرايات البيضاء منهزمين أمام اكتساح أنماط من التربية الوافدة لناشئتهم التي صار أمر تربيتها موكول إلى لشارع وإلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ، وموكول لها أيضا حيث يؤثر بعضها في بعض ، ويلعب التقليد دورا مهما في انتشار تلك الأنماط التربوية الوافدة التي لا يد فيها لأولياء أمورها .
وإذا أردنا أن نحصر تربية ناشئتنا السائدة في مجتمعنا فلن نجد سوى بصمات إسلامية باهتة بينما لا نعدم الحضور القوي لنمط التربية الغربية المهيمنة والمعولمة .
وإذا كان أولياء الأمور يستطيعون إلى حد ما السيطرة على ناشئتهم في طفولتها المبكرة وما بعدها بقليل ، فإن زمامها ينفلت من أيديهم في مرحلة مراهقتها حيث تفرض عليهم شبه استقلالها إن لم نقل استقلالها عنهم تماما ، فتحصل شبه قطيعة أو قطيعة بين الآباء والأبناء ، وتبدو الفوارق واضحة بين جيلين لا يجمع بينهما جامع .
ولا ينكر انفلات الأبناء من تربية إسلامية عملية أو سلوكية اليوم عندنا سوى جاحد يتعمد جحود ذلك بالرغم من وجود أدلة دامغة عليه .
ومعلوم أن التربية الإسلامية التي كانت تضطلع بها الأسر تبدأ بربط الأبناء بهويتهم الإسلامية من خلال وصلهم بالقرآن الكريم تعلما وحفظا واستظهارا وتخلقا لتنشأ بينهم وبين هذا الكتاب صلة وثيقة تصاحبهم طيلة حياتهم ، وينقلونها بدورهم إلى الأجيال اللاحقة صيانة للهوية الإسلامية أو القرآنية من التلاشي أو الضياع والاندثار . فهل يستطيع أحد أن يزعم أن الآباء في زماننا هذا يحرصون على ربط أبنائهم بكتاب الله عز وجل كما كانت الأجيال السابقة حريصة على ذلك ؟إن الآباء اليوم يحرصون كل الحرص على تحصيل أبنائهم معارف مختلفة خصوصا تلك التي تفضي بهم إلى ما صار يسمى أسواق الشغل ، ولا يبالون بفراغ أرصدتهم من تربية كتاب الله عز وجل الذي هو أساس هويتهم بل من الآباء من يرى أن حصتي مادة التربية الإسلامية النظرية في الأسبوع بمؤسساتنا التربوية وإدراجها ضمن منظومة التقويم تشوش على تحصيل أبنائهم المواد التي تؤهلهم لأسواق الشغل أو تعرقل مسارهم إليها .
ومعلوم أن انصراف الناشئة عن كتاب الله عز وجل هو سبب انصرافها عن اللغة التي نزل بها وإهمالها لها بل التضايق منها ، والإقبال على غيرها من لغات معارف وعلوم أسواق الشغل ، وما كادت الوزارة الوصية على التربية عندنا تعلن عما سمي بالباكلوريا الدولية ، وهي شهادة تقوم على التحصيل باللغات الأجنبية حتى هرع أولياء الأمور إلى المؤسسات التربوية كلهم يريدون أن يحظى أبناؤهم بمقاعد في أقسام هذه الشهادة لأنها الضامنة لولوجهم أسواق الشغل . ولا زال الجدل محتدما عندنا بخصوص هذا التوجه الذي صار مهيمنا ، وصار له دعاة كثر .
ومما يغفله أولياء الأمور الذين يرتاحون بل يهشون لإقبال أبنائهم على اللغات الأجنبية هو حمولتها العقدية والثقافية، لأنه وقر في أذهانهم جهلا أو تجاهلا أن تلك اللغات إنما حمولتها حمولة علوم المادة فقط دون انتباه إلى حمولتها العقدية والثقافية التي تفعل فعلها في الناشئة غير الواعية بالآثار التي تخلفها في تربتهم أو تنشئتهم، الشيء الذي يؤثر في هويتهم الإسلامية التي باتت في حكم المغيبة إن لم نقل الغائبة.
ولا يجب أن يفهم من هذا الكلام الاعتراض على تلقي المعارف والعلوم التي تدعو إليها الحاجة والضرورة بلغات أجنبية ، لأن القصد إنما هو التنبيه إلى أثر الحمولة العقدية والثقافية لتلك اللغات في تربية الناشئة .
ومعلوم أن حرص أولياء الناشئة عندنا على تمكن أبنائهم من لغة أجنبية وتحديدا اللغة الفرنسية عندنا، يضطرهم إلى تسجيل أبنائهم في مؤسسات للتعليم الخصوصي تعتمد كتبا أدبية فرنسية ليس فيها إلا الحمولة العقدية والثقافية التي لا تمت بصلة إلى عقيدتنا وثقافتنا وهويتنا ذلك أن تلك الكتب تمرر فيها تلك الحمولة أو تحقن عبر اللغة الفرنسية وقواعدها التي بها تضبط وتتقن ويتمكن من استعمالها لتكون وسيلة ولوج الناشئة إلى أسواق الشغل بالنسبة لأولياء أمورهم الذين لا تعنيهم تربية أبنائهم التربية الإسلامية بقدر ما يعنيهم تمكنهم من لغة التلقي الأجنبية للوصول إلى أسواق الشغل . ولا ينتبه أولياء الأمور إلى ما تتضمنه كتب اللغة الأجنبية الأولى المعتمدة في مؤسسات التعليم الخصوصي عندنا من نصوص حاملة لقيم فرنسية علمانية لا تنسجم مع قيمنا الإسلامية بل منهم من يجادل في كون تلك القيم هي قيم كونية ، وهو ما لا يعتقدونه في القيم الإسلامية المستحقة لهذا الوصف باعتبار مصدرها الخالق جل وعلا .
وليس إخلال أولياء الأمور بواجب حماية هوية أبنائهم الإسلامية من الحمولة العقدية والثقافية للغة الأجنبية الأولى عندنا هو الإخلال الوحيد بواجبهم بل هنالك أنواع أخرى من الإخلال بواجب حمايتهم منها السكوت عن تماهيهم مع الثقافة الغربية عموما سواء في هندامهم ، أوحلاقة رؤوسهم ، أوتصفيف شعورهم ، أوطريق حديثهم أو أساليب سلوكهم… إلى غير ذلك مما يتماهون معه من الوافد الغربي أو بتعبير أدق من الغازي الغربي الذي يقتحم عليهم حماهم دون استئذان . ومعلوم أن الهندام في ثقافتنا الإسلامية يعتبر من صميم تديننا خصوصا عندما يتعلق الأمر بهندام الفتاة المسلمة المنصوص عليه في كتاب الله عز وجل في صيغة أمر ملزمة . والغالب على بناتنا التماهي مع هندام مثيلاتهن الغربيات ، وحتى اللواتي منهن يحاولن محاكاة الهندام الإسلامي بعض الشيء لا يستطعن التحرر من أشكال الهندام الغربي، الشيء الذي يجعل الهندام الإسلامي غير منسجم مع المواصفات المطلوبة فيه إما بسبب انحساره أو تجسيمه أو شفافيته أو إثارته . ولا يبالي أولياء الأمور بما ترتديه ناشئتهم ذكورا وإناثا ، وما يعكس ذلك من استلاب وتماه مع غيرهم ، وفقدانهم لهويتهم .
ومن إخلال أولياء الأمور بواجب تربية ناشئتهم تربية إسلامية عملية إجرائية أيضا غض طرفهم عن سلوكها حيث لم يعد بذيء كلامها ولا ساقطه يؤذي أسماعهم ، ولم تعد مشاهد الاختلاء بين الجنسين يحرك ساكنا فيهم ، ولم يعد ترك ناشئتهم للصلاة ، وهجرانها للمساجد يعنيهم ، ولم تعد لهم رقابة على ما تشاهده من مواد إعلامية مختلفة ليس بينها وبين هويتها وثقافة أدنى صلة ، ولا رقابة لهم على تعاطيها لوسائل التواصل الاجتماعي التي صارت تسد مسدهم في تقرير تربيتها بل انخرطوا هم أنفسهم في ذلك التعاطي دون انتباه إلى ما يترتب عنه من استلاب وتماه لا تحمد عقباهما .
وخلاصة القول أن أولياء الأمور قد أصبحوا متجاوزين عند أبنائهم وبناتهم لا إرادة ولا قدرة لهم على تربيتهم تربية إسلامية، ولم يبق لهؤلاء الأبناء والبنات من هوية إسلامية تميزهم عن غيرهم بل لا يكاد المرء يفرق بينهم وبين غيرهم وهم يحاكون هذا الغير بطريقة ببغائية في كثرة الكاثرة مقابل قلة قليلة لا زالت تحتفظ ببعض ملامح الهوية الإسلامية .
فمتى سيعي أولياء الأمور عندنا شبه غياب اضطلاعهم أو لنقل غيابه تماما بتربية أبنائهم وبناتهم تربية إسلامية تصون هويتهم من الاضمحلال المفضي إلى ضياعها لا قدر الله ؟
Aucun commentaire