حديث خاص بمناسبة حلول الموسم الدراسي الجديد في بلادنا
حديث خاص بمناسبة حلول الموسم الدراسي الجديد في بلادنا
محمد شركي
جرت العادة أن يثار عبر مختلف وسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي موضوع الدخول المدرسي بمناسبة حلول كل موسم دراسي جديد . وإثارة هذا الموضوع تختلف حسب وجهات النظر التي هي مختلفة بالضرورة لأن أصحابها تختلف الزوايا التي ينظرون إليه منها .
وسأثير بدوري هذا الموضوع كما دأبت على ذلك منذ مدة طويلة من وجهة نظر رجل تربية مارس التدريس لعقد من السنين ، ومارس التأطير والمراقبة لربع قرن .
ومعلوم أن طرح القضايا المتعلقة بقطاع التربية من طرف المنتمين إلى هذا القطاع تختلف عن طرح غيرهم . وغالبا ما يتحدث من لا صلة له بالقطاع عن قضاياها حديثا يفتقر إلى رؤية العارف والخبير الملّم بها .
والمألوف أن الحديث الغالب والذي يسيطر بمناسبة كل دخول مدرسي جديد ويتداوله الرأي العام على نطاق واسع ،هو حديث يطبعه التشاؤم نظرا لسيطرة قناعة فقد الثقة في هذا القطاع على أوسع نطاق . ولسيادة هذه القناعة ما يبررها ،ذلك أنه لا أحد يمكنه ادعاء أن صحة وسلامة هذا القطاع كائنة والجهات المسؤولة على أعلى مستوى تصرح باختلاله ، وبضرورة النهوض به لتدارك حالة إفلاسه علما بأن المجتمع يفلس حتما بإفلاسه .
ومع فقدان الثقة في هذا القطاع لا يدخر الآباء والأمهات وأولياء الأمور جهدا مع حلول كل موسم دراسي لتوفير اللوازم المدرسية لأبنائهم وبناتهم ، مع الحرص على تسجيلهم في ما يعتقدونه أفضل المؤسسات سواء العمومية أو الخصوصية بل واختيار الفصول الجيدة لهم مع الرفقة الجادة والمجدة ، ومع السؤال في أيها يدرس أفضل المدرسين . ومع هذا الحرص الكبير والشديد يلازمهم الشك في جدوى هذا القطاع ، وفي اعتقاد الكثير منهم أن ما يكلفهم هذا القطاع من مصاريف ومن جهد لا ترقى إلى مستواه النتائج التي يحققها فلذات أكبادهم في نهاية كل موسم دراسي ، وبعد إنهاء مسيرتهم التعليمية . وهذا الاعتقاد لا يمكن أيضا إنكاره .
ما أروم طرحه بهذه المناسبة هو أمر في غاية الأهمية والخطورة، ولكن مع الأسف الشديد قليل من يلتفت إليه ، ذلك أن أولياء الأمور لا يعنيهم سوى إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المؤسسات التربوية مع انطلاق كل موسم دراسي بلوازم مدرسية ، وثياب جديدة دون أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا في غاية الأهمية وهو: بأي رصيد خلقي أرسلوهم إلى تلك المؤسسات ؟ وهل أرصدتهم الخلقية التي زودتهم بها أسرهم من شأنها أن تساعدهم على حسن التعلم وحسن التحصيل؟
ومن المؤسف جدا أن يعتبر كثير من أولياء الأمور الدخول المدرسي فرصة للتخلص من متاعب يسببها لهم أبناؤهم وبناتهم خلال فترة العطلة الصيفية ، وهم في قرارة أنفسهم على قناعة كبيرة بأنهم مقصرون في تربيتهم التربية السوية التي تعدهم للتحصيل الجيد . وفي المقابل تعبر الأطر التربوية عن قلقها الكبير مع انطلاق كل موسم دراسي جديد لأنها تستقبل متعلمين فشلت أسرهم في تربيتهم ، وهم مصدر قلق كبير بالنسبة إليها ، الشيء الذي يعرقل عملها ، ويجعلها تهدر وقتا ثمينا في معالجة الشغب وعدم الانضباط وسوء التربية والسلوك عوض إنجاز حصص دراسية .
ولقد عبرت عن هذا الوضع صورة تداولها مؤخرا المستعملون لوسائل التواصل الاجتماعي، وهي عبارة عن صورة طفل يبكي بسبب عودته إلى المدرسة ،وصورة معلمة ماسكة برأسها وعلى وجهها علامة القلق الشديد ، وصورة أمهات يتضاحكن فرحا بذهاب الأبناء إلى المؤسسات التربوية .
والمؤسف أيضا أن الجميع عندنا يتحدثون بإعجاب عن المنظومة التربوية اليابانية التي تخصص مرحلة التعليم الأولي والابتدائي لتلقين القيم الأخلاقية وقيم المواطنة للمتعلمين إلا أن الجميع لا يتحدث عن نوع التربية التي يتلقاها المتعلمون اليابانيون في بيوتهم قبل أن تستقبلهم المؤسسات التربوية . إن الخطأ الذي يقع فيه الناس عندنا هو اعتقادهم أن التربية هي اختصاص المؤسسات التربوية ،وأن الأسر لا مسؤولية لها في ذلك ،بل من حقها أن ترسل أبناءها دون رصيد أخلاقي إلى المؤسسات التربوية التي تتولى إنماء هذا الرصيد . وغالبا ما يعبر الناس عندنا عن تذمرهم حينما يتفوه متعلم بعبارة نابية ويرددون القول التالي : » الله يلعن اللي قرّاك » ولكنهم لا يقولون أبدا : » الله يلعن اللي ربّاك « ، وهم يوجهون بذلك اللوم إلى المدرس والمربي وينسون أنفسهم كآباء وأمهات وأولياء أمور . وغالبا ما يعبر بعض أولياء الأمور عن سخطهم وشكواهم من انتقال عدوى سوء الخلق إلى أبنائهم وبناتهم لترددهم على المؤسسات التربوية دون محاسبة أنفسهم عن نوع التربية التي ربوّا عليها أبناءهم ، علما بأنه قد يكون مصدر العدوى هو فشلهم في تربية أبنائهم .
أجل إن منظومتنا التربوية في أمس الحاجة إلى عملية إصلاح كما يتفق الجميع على ذلك : مسؤولون على أعلى مستوى، ومربون ،وأولياء أمور الناشئة المتعلمة ولكن أي إصلاح سينهض بها وقد أوشكت على الإفلاس ؟
أعتقد أنه حان الأوان للبحث عن سبل الاقتداء بالنهج الياباني في سياستها التربوية . ألا يجدر بنا جميعا أن نجعل همنا الأول والأساسي هو تصحيح مسار تربية أبنائنا عوض مجرد التفكير في تحصيلهم المعلومات والمعارف التي يجترونها اجترارا ، والتي قد يعيدونها إلى المدرسين في حصص المراقبة عن طريق الغش الذي احترفوه احترافا، وأبدعوا في إبداعا، وهو وجه قبيح من وجوه سوء التربية التي تربوا عليها في أسرهم وازدادت سوءا في المؤسسات التربوية عن طريق الاحتكاك فيما بينهم .
وعلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور أن يرفعوا الشعار التالي : » لا نريد نقطا أو علامات بل نريد تربية سوية في مرحلة التعليم الأولي والابتدائي لتترسخ لدى الناشئة ، وتستمر في باقي مراحل التعليم خصوصا المرحلة الإعدادية ، وهي أخطر المراحل بسبب سن المراهقة وهي سن التمرد بامتياز .
وعلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور أن يعملوا ما في وسعهم لقطع صلة أبنائهم وبناتهم بكل ما من شأنه أن يساهم في إفساد سلوكهم أوتربيتهم ، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ضرورة الحرص على أن يكون شكلهم الخارجي من هندام وزينة وحلاقة وتصفيق شعر عاكسا لتربية سوية. فإذا ما أرسل أولياء الأمور أبناءهم وبناتهم إلى المؤسسات التربوية بسراويل مفتوقة على الركب والأفخاد وربما على أطراف أخرى في الجسد ، وبقزع في الرؤوس بالنسبة للذكور، وبأنواع أخرى من الحلاقة الغريبة الشكل وبتصفيف شعر بالنسبة للإناث يوحي بما يوحي به من تهتك مما أربأ بذكره … إلى غير ذلك من المظاهر الممجوجة في الأذواق السليمة ، والتي وصلت إلى أبنائنا وبناتنا عن طريق التقليد الأعمى لنجوم كرة القدم وغيرهم من النجوم بمن فيهم النماذج السيئة السمعة ،فلا يمكن أن ينتظروا من المؤسسات التربوية أن تكسو أبناءهم وبناتهم ألبسة أخرى أو تحلق رؤوسهم أو تصفف شعورهم بأشكال أخرى .
وعلى المؤسسات التربوية في المقابل أن تفرض فرضا الزي المدرسي الموحد المستوفي لشروط الانتماء إلى قطاع التربية مع عدم التساهل في ذلك ، ومع تجاوز قضية الوزرة التي فقدت منذ مدة طويلة هيبتها التربوية ووقارها عن طريق القد المتواصل منها حتى صارت تحاكي لباس السباحة أو الاستحمام ، وتكشف أكثر مما تستر.
وإذا ما أرسل أولياء الأمور أبناءهم وبناتهم إلى المؤسسات التربوية بأشكال تعبيرية منحطة بحيث ينادي بعضهم بعضا بعبارات نابية تعرض بأعراض الأمهات وبالسباب المقذع وبما يندى له الجبين، فلا ينتظروا من المؤسسات التربوية أن تعلمهم الحياء والعبارات العفيفة، ونظافة الألسنة .
إن التعلم وحسن السلوك توأمان لا ينفكان عن بعضهما ، وإذا كانت نتائج التعلم ضعيفة ،فإن السلوك يكون منحطا وفي الحضيض، ولا تعلم ولا علم لمن لا خلق له .
وفي الأخير لا بد من كلمة إلى الوزارة الوصية أوجهها إلى المسؤولين في المركز والجهات والأقاليم والذين لا تزيد تصريحاتهم مع انطلاق كل موسم دراسي جديد عن كون الدخول المدرسي كان ناجحا ، وتنطلق شهاداتهم المصورة إعلاميا والمزورة من بعض الفصول الدراسية المنتقاة بعناية لإعطاء انطباع خاطىء للرأي العام بأن الدخول المدرسي قد نجح بالفعل وبمجرد مغادرتهم يعود الانقطاع عن الدراسة من جديد بنفس الوتيرة التي كان عليها في نهاية الموسم الدراسي أو أكثر ولعدة أسابيع خصوصا في المرحلة الإعدادية والتأهيلية وتستمر التربية المنحرفة والمتجلية فيما يلبس المتعلمون وما يتفوهون به من بذيء القول ، وما يجترحونه … في غياب التحصيل الجاد والمواظبة على حضور الدروس ، والنزاهة في اجتياز الامتحانات … فعلى هؤلاء المسؤولين ألا يكون همهم هو الشهرة الإعلامية التي لهم فيها مآرب وعلى رأسها الاحتفاظ بالمناصب والكراسي بل عليهم أن يخلصوا النصح للقطاع الذي قلدوا أمانته أمام الله عز وجل وأمام الأمة ، فلا يشهدوا إلا بما علموا وبما كان حقا وصوابا إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
فهل سيغير قطار قطاع التربية عندنا سكته لينطلق انطلاقة موفقة أم أنه سيظل سائرا على سكة في شكل حلقة مغلقة كما هو حال قطارات اللعب التي يتسلى بها الصغار ؟
1 Comment
نعم استاذ بارك الله فيك.
انما الامم الاخلاق مابقيت