ما هي خلفية إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة وراء تناول الاستفتاء التركي ؟
ما هي خلفية إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة وراء تناول الاستفتاء التركي ؟
محمد شركي
نشر موقع هسبريس مقالا للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري تحت عنوان : » استفتاء حول عاصمة الخلافة » وسأبدأ من حيث انتهي حيث انهى مقاله بالقول : » باستفتاء 16 أبريل يكون أردوغان قد أطلق مغامرة يعلن من خلالها الحرب الدينية والأهلية والثقافية داخل تركيا وخارجها » ولا شك أن هذه العبارة تكشف بوضوح عن خلفية الرجل الذي تحدث عن حرب ستكون خارج نطاق تركيا، وهو يرى حزبه معنيا بها لأن حزب المصباح المغربي ،وهو عدوه اللدود يعتبر بالنسبة له حزبا مواليا من الناحية الإيديولوجية لحزب المصباح التركي . وفي مقاله وعد العماري القراء بصدور كتاب له عما قريب تحت عنوان : » تحولات الجماعات الإسلامية ، التنظيم العالمي للإخوان المسلمين نموذجا » وعلى ما يبدو يعتبر هذا المقال فكرة عامة لهذا الكتاب الموعود .
ويرى العماري أن أردوغان استطاع أن يمرر التعديلات الدستورية التي تمنح رئيس الجمهوية صلاحيات أوسع، وتحول تركيا إلى دولة ذات نظام رئاسي ، ووراء كلمة تمرير ما وراءها من قصد ، وهو في نظره لا يريد بذلك تثبيت السلطات في يده فقط، بل يريد شرعنة إطلاق مسلسل إعادة بناء دولة الخلافة ، وأن رهانات النموذج الأردوغاني له جذور في المرجعية الفكرية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي أحيى مؤسسه الحسن البنا في التاريخ المعاصر فكرة الدعوة إلى تحقيق الخلافة الإسلامية . ويعتبر العماري اعتمادا على معلومات وصفها بأنها لم تكشف بعد الشيء الذي يفقدها المصداقية أن الرئيس التركي يعتبر تلميذا لمؤسس التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، وأنه من الأوائل الذين زاروا المركز الإسلامي بهامبورغ سنة 1962 حيث التقى بصهر الحسن البنا صاحب المركز والمسؤول عن ماليته ، وأنه من أتباع الحركة النورسية نسبة إلى بديع الزمان النورسي ، وهي حركة وصفها بأنها كانت تدرس رسائل البنا وكتب الإخوان . وذكر العماري أن أردوغان كان يرعى مؤتمرات الإخوان في تركيا ، ويحتضن قيادات هذا التنظيم من مصر وفلسطين وغيرهما إلا أنه يصف تعاطفه مع الرئيس مرسي ومع حركة حماس بالتعاطف الظاهري الذي يخفي وراءه طموحه في تكوين الخلافة الإسلامية بتركيا ،وجعلها مركز الثقل للنموذج الإسلامي وعاصمة الخلافة المنشودة . ويرى العماري أن الرئيس التركي يقدم نفسه على أنه الوسيط القوي بين الإخوان والدول الغربية على غرار ما يقوم به أمراء قطر أيضا . ويحاول العماري البرهنة على أن المستفيد الأكبر من الإخوان هو أردوغان ،ودليله على ذلك هو إعادة توطيد العلاقات مع الكيان الصهيوني . وينتهي العماري إلى الخلاصة التي أنهى بها مقاله وهي أن أردوغان يريد » أخونة » تركيا ، وأن ذلك له انعكاس داخلي ينذر بأمور خطيرة منها محاولة تصفية حوالي 28 مليون كردي ، إلى جانب اصطدام هذا المشروع مع مشاريع منافسة في رقعة يتنافس فيها أكراد العراق وسوريا وإيران . ومشروع أخونة تركيا حسب العماري يهدد بسقوطها في حرب أهلية ، فضلا عن كون أردوغان دخل في مواجهة مع قوى إقليمية هي إسرائيل المحتلة ذات المشروع التوسعي ، وإيران الطائفية التي تريد إحياء الأمبراطورية الكسروية ، والحركة الوهابية التي تعتبر نفسها وصية على الإسلام . وأشار العماري إلى دورالجالية التركية العلمانية الموجودة في الدول الأوروبية في الصراع ،والتي ترى في أردوغان مقوضا للقيم العصرية التي ناضل من أجلها الشعب التركي منذ سنة 1924 .
والمتأمل في مقال العماري يصل بسهولة إلى خلفيته ، فهو زعيم حزب منافس لحزب العدالة والتنمية ، ويرى نفسه بديلا عنه في استقطاب المغاربة ، وأنه يستطيع تلبية مطالبهم من خلال الجمع بين نقيضين هما الأصالة والمعاصرة ، وهي التسمية التي يرفعها حزبه شعارا . ومعلوم أن شعار الأصالة هو تعبير واضح عن منافسة حزب المصباح في التوجه الإسلامي، الشيء الذي يعني أن حزب الجرار بإمكانه جر شرائح المتدينين في المغرب إلى جانب جر شرائح العلمانيين من خلال شعار المعاصرة . وإثارة العماري موضوع الاستفتاء التركي وموضوع أردوغان هو في الحقيقة تمويه على موضوع التشكيك في نوايا حزبه الخصم ،ذلك أن كل ما وصف به أردوغان يريد إسقاطه على حزب المصباح المغربي الذي يعتبره تابعا إيديولوجيا للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، وهو يريد تخويف النظام والشعب على حد سواء من هذا الحزب ، ويبرهن على ذلك من خلال نموذج حزب أردوغان التركي . ومعلوم أن الذي جعل الغرب يسكت عن انقلاب عسكري كان هو من صناعه على الديمقراطية في مصر حين أوصلت الإخوان إلى مركز صنع القرار هو التوجس من فكرة انقلابهم على الديمقراطية وهي فكرة برزت مع فوزهم ومع فوز الإسلاميين في الجزائر قبلهم ، و كذا التوجس من فكرة الخلافة الإسلامية . ولقد تعمد الغرب خلق عصابات ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية الإجرامية وبثها في بؤر التوتر داخل الوطن العربي لتلتبس بتنظيم الإخوان لدى الرأي العام العربي والدولي ، وهو مشروع ما يسميه الغرب بمواجهة الإسلام السياسي . ويلاحظ أن متزعم الانقلاب في مصر قد حول معارضيه من الإخوان بسهولة إلى تنظيم داعش . ولقد حاول الغرب إعادة تجربة الانقلاب العسكري في تركيا كما حصل في مصر إلا أن الشعب التركي أحبط المؤامرة بالتحامه من أجل حماية الديمقراطية خصوصا بعد تجارب الانقلابات العسكرية المتكررة التي عطلت تطوره ولحاقه بالركب الحضاري ، وهو تطور يتوجس منه الغرب باعتبار وتيرته المذهلة في حكم حزب أردوغان . ويخشى العماري أن يخوض حزب العدالة والتنمية المغربي تجربة حزب العدالة والتنمية التركي في الانتقال بالبلاد من وضع اقتصادي واجتماعي متخلف إلى وضع آخر متطور، لهذا عمد إلى التشكيك في التجربة التركية واعتبرها عبارة عن مغامرة إعلان حرب دينية وأهلية وثقافية . أما الحرب الدينية، فيقصد بها ما سماه أخونة تركيا أو هيمنة الفكرة الإخواني ، وأما الحرب الأهلية، فيقصد بها الصراع التركي الكردي والملاحظ أن العماري لا يخفي تعاطفه مع الانفصاليين الأكراد في تركيا لغرض لم يفصح عنه ، وأما الحرب الثقافية ، فيقصد بها الصراع بين حزب العدالة والتنمية التركي وبين العلمانيين الأتراك . ويحرص العماري على تصوير النموذج الأردوغاني نموذجا متنوع الخطورة ليصل إلى مبتغاه وهو النيل من خصمه حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يعتبره تابعا لنهج التنظيم العالمي للإخوان الذي يتبناه أردوغان . وهو يريد أن يقول بطريقة فيها تمويه أن حزب العدالة والتنمية المغربي هو الآخر قد يكون مصدر تهديد بحرب دينية وأهلية وثقافية مماثلة . ولا شك أن فشل حزب الجرار في تصدر نتائج الانتخابات هو السبب وراء انصراف العماري إلى الكتابة والتأليف عن تحولات الجماعات الإسلامية واتخاذ التنظيم العالمي للإخوان المسلمين نموذجا لأن ما ينطبق على هذا النموذج عنده ، سيعممه حتما على غيره من النماذج كما فعل مع النموذج التركي . وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن تكهنات العماري بخطورة النموذج التركي وتهديده للأمن الداخلي لتركيا والإقليمي من خلال ما سماه إطلاق مغامرة إعلان حرب دينية وأهلية وثقافية ستواجه مشكل المصداقية مستقبلا خصوصا إذا ما سار النموذج التركي عكس ما تكهن ، وأثبت أنه نموذج ناجح كما سبق له أن برهن على ذلك من خلال مؤشرات تقدم واضحة لا غبار عليها ،وقد أقر بها الأعداء قبل الأصدقاء .
Aucun commentaire