قصيدة من زمن الرصاص : الانتخاب تابعو لحساب
”يكثر الكذب عادة قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصّيد«
نحن الآن في شهر آب ، الانتخابات على الأبواب . أو قل إن شئت على النوافذ ،بل هي تطل علينا من جميع المنافذ. ستعود للتداول بعض الجمل والتعابير، يرددها الكبير والصغير : من حملة سابقة للأوان ،إلى شراء الأصوات بالمقابل أو بالمجان ،فالتسخينات أصبحت واضحة للعيان. سيستكمل أشباه السياسين رجولتهم ، وسيجد السماسرة في سوق الانتخابات ضالتهم. ففي السياسة كما في كرة القدم هناك سوق للانتقالات : بيع وشراء ،إعارة وكراء ،وفي حالة الفوز توزع العطايا بسخاء . وسنلاحظ المترشحين في كل دائرة و حي يهيمون ، المآتم والولائم يحضرون ، وسنراهم في المساجد على الصلاة يواظبون، و على الناس يسلمون وفي وجه البسطاء يبتسمون . لا يعنون ما يقولون.
ستكثر التحاليل والتنبؤات ، وتختلط الأخبار الصحيحة بالإشاعات ، وتتأجج الصراعات وتحاك الدسائس و المؤامرات. يومئذ تُعقد التحالفات وتُبرم الصفقات، وتتم التنازلات وتُشترى التزكيات .ألا إنه موسم جني الأصوات .
سيتوارى بعض المواطنين إلى الخلف ،يتفرجون على مشهد انتخابي في نسخة مكرورة ، لا زالت صورته في ذاكرتهم محفورة ، في حين سيسعى آخرون إلى الاقتصاص لذواتهم المقهورة .
ولكي لا أفسد عليكم لذة النص الزجلي ، أترككم في أمان مع بعض ما قاله الشاعر الفنان عبد الله ودّان. فلنستمع إليه بتمعن و إمعان فقوله واضح غنِيّ عن البيان :
*****
ياك اجْمعتونا في الزنقة
و اخْطبتو علينا فالحلقــة
و قُلتو اختارو هاد الورقة
اللي علّقْتوها باللّصقـــة
قلتو تعيش قلتو تبقى
و احلفتي بحلوفك لكبيــــــر
حتى اتْنادي بحق الفقيـــــر
وتكون خاوة وتكون قريـــب
وتكون صاحب وتكون حبيب
و شحال هدرتي كثير الهدرة
باش حنا ناخذو العبـرة
….
تَقت أنا و صَوّت عليـك
و قلت كنّاصرك و نبغيـك
و بالنِّية درت يَدّي في يَدّيك
و ا عْطيتك صوتي تضمن قوتي
و قوت لَمساكن خوتي
….
غير سمح لِيا نقول ليك كلمة
المقراطية خصها الخدمــة
خصها لملاح و ناس صحاح
تزرع ٱلخير تجني لَربــاح
….
المقراطية خصها الخدمة
المقراطية خاصها الحكمة
باش تمحي ذيك الظلمة
تمحي الجهالة تمحي لَجراح
المقراطية صح و معقول
أللي بغى شي مايقول يقول
كل واحد منا مسؤول
و فعمالو يلقى لجـــــــواب
و يعرف باللي الانتخـــــاب
اللي فات لبارح و غــــــاب
راه مازال تابعو لحســـــاب
و اللي دار الذنب يلزمو العقــــــــــاب.
*****
هذه الأبيات المعبرة اقتطفناها من قصيدة الشاعر ودّان . ولا نترك الفرصة تمر دون التعريف بصاحبها ولو بإيجاز مستفيدين بما توفر لنا من مراجع محدودة جدا.
هو عبد الله الودان شاعر مغربي زجال من زمن الرصاص من مواليد المحمدية سنة 1953 . » تلقى عبد الله تعليمه الابتدائي والإعدادي، وحصل على بكالوريا التعليم الأصيل من الثانوية البيضاوية العريقة الإمام مالك، ثم التحق بكلية الآداب بالرباط ليحرز على الإجازة في علم الاجتماع بإشراف الأستاذة فاطمة المرنيسي، ثم رحل إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا في الأنثربولوجيا الثقافية، » (1)
ذاع صيته في أوساط الطلبة والمثقفين . أشعاره كانت تلقى تجاوبا كبيرا وسط الجامعات والمعاهد والمدارس العليا خصوصا المدرسة المحمدية للمهندسين قبل عسكرتها بداية الثمانينات وحظر الأنشطة السياسية والثقافية بها. لقد كانت الجامعات والمدارس العليا وقتئذ (أقصد قبل ان يدخلها الجزارون و المهربون …) بؤرة للنضال ومعقلا لتكوين أطر مثقفة ومرتبطة عضويا بقضايا الوطن والمواطنين.
يقول عنه الباحث الاستاذ مصطفى لمباشري : « قامة زجلية استثنائية، في زمنها،ومثقف عضوي وهب زهرة عمره لهذا الوطن ولناسه المغبونين بمختلف شرائحهم الاجتماعية… »
توفي الشاعر سنة 1993 بباريس في ظروف غامضة.للأسف غادرنا دون أن يتم رسالته الجامعية التي يتمحور موضوعها حول السحر والشعوذة. صدر له ديوان « البالا والفاس ». تحولت العديد من نصوصه الشعرية إلى أغاني ملتزمة .
—————–
(1) حس بحراوي ،جريدة الاتحاد الاشتراكي 24 – 01 – 2014
(2) من كلمة/شهادة الناقد والباحث مصطفى لمباشري التي قدمها في حق الراحل.
Aucun commentaire