فوائد الافتتان بالجمال !
بقلم د. محمد بالدوان
يرجع الفضل في دراسة الجمال، وفي كسر ما يُعتقد بأنها محرمات، إلى الجاحظ الذي تحدث عن مواصفات جمال المرأة، فقال بأنها « لا بد أن تكون من جودة القد، وحسن الخرط(الارجح حسب المعنى والسياق هو الطول) ، واعتدال المنكبين واستواء الظهر، ولا بد أن تكون كاسية العظام، بين الممتلئة والقضيفة »[1].
وبعد تهشيم « الطابوهات » من قبل هؤلاء المؤسسين الأوائل، صار العشق يُمدح وتُستجلى فوائده، وقد أورد النويري في مدح العشق ما يلي: « العشق يولد الأخلاق الحميدة! وقالوا: لو لم يكن في الهوى إلا أنه يشجع الجبان، ويصفي الأذهان، ويبعث حزم العاجز، لكفاه شرفا!
وقال أعرابي: من لم يحب قط فهو رديء التركيز جافي الطبع محز العواطف »[2]. كما أن أحد الأعيان قدم في العشق نصيحة فقال: « اعشقوا، فإن العشق يطلق اللسان الحي، ويفتح جبلة البليد، ويبعث على التنظيف وتحسين اللباس وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء ويشرف الهمة! وإياكم والحرام »[3].
والذين ينكرون قيم الحب والجمال عند الأمم الشرقية، إما لأنهم لم يطالعوا بالقدر الكافي تراثها، وإماطالعوه ولم يرقهم فيه إضافة الضابط الأخلاقي؛ « الحرام ».
قد تكون الإضافات النوعية التي قدمها ابن حزم في مجال العشق والجمال هي ما حجب عن عمله صفة النظرية الواضحة. فهو ما فتئ ينبه على الوقوع في المحظور، إذ أن « كثير من الناس يطيعون أنفسهم ويعصون عقولهم(…) ويخالفون الله ربهم ويوافقون إبليس فيما يحبه من الشهوة والمعصية، فيواقعون المعصية في حبهم ».[4] وابن حزم يلقي مسؤولية ثقيلة على المحب إذ « الوقوف عند حد الطاعة لمعدوم إلا بطول الرياضة وصحة المعرفة ونفاذ التمييز ».[5]
ويحمل ابن حزم الرجل والمرأة مسؤولية أي انزلاق نحو المعصية بنفس الدرجة قائلا: « وإني لأسمع كثيرا ممن يقول: الوفاء في قمع الشهوات في الرجال دون النساء فأطيل العجب من ذلك، وإن لي قولا، لا أحول عنه: الرجال والنساء في الجنوح إلى هذين الشيئين سواء »[6].
وحتى لا تظن به الظنون، وانسجاما بمنهجه التجريبي، يختصر تجربة حياته للاهتداء قائلا: « وإني أقسم بالله أجل الأقسام أني ما حللت مئزري على فرج حرام قط، ولا يحاسبني ربي بكبيرة الزنا منذ عقلت إلى يومي هذا »[7].
وبقدر ما نبه إلى الغلو في علاقات الغرام المؤدية إلى المعصية، نبه على آفة التشدد بتقديم تجربة رجل من النساك الورعين، يقول عنه: « وقد كنا نتجنب المزاح بحضرته فلم يمض الزمن حتى مكن الشيطان من نفسه وفتك بعد لباس النساك »[8].
ذات الخلاصة يذكرها الجاحظ في من يتقزز من طرق موضوعات العشق والجنس وما جاورهما، حين يقول : » وبعض من يُظهر النسك والتقشف إذا ذكر الحِرُّ(فرج المرأة) والأيْرُ(عضو الرجل) والنيك(هكذا نطقها الجاحظ) تقزز وانقبض. وأكثر من تجد كذلك فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا التصنع، ولو علم أن عبد الله بن العباس أنشد في المسجد الحرام وهو محرم:
وهن يمشين بنا هميسا(مشي خفيف)& وإن تصدق الطير ننك لميسا(امرأة) »[9] .
لم يترك الأوائل موضوعا إلا أخضعوه للدراسة والتحليل، ولم يركنوا إلى ورع كاذب ليهملوا تفاصيل الحياة الاجتماعية، لا شك أن منهاجهم في دراسة الجمال زاد حياة المسلمين بهاء، فأغرى كثيرا من الناس بالانجذاب إلى دنيا جميلة.
[1] – رسائل الجاحظ، (كتاب النساء)، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1991، ص: 157-158.
[2] – شهاب الدين النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، السفر الثاني، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، وزارة الثقافة والإرشاد، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ص: 139.
[3] – المصدر السابق.
[4] – رسائل ابن حزم، رسائل ابن حزم، تحقيق إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980.ج1، ص: 267
[5] – المصدر السابق، ص: 268
[6] – ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والآلاف، ضبط وتفسير سعيد محمود عقيل، دار الجيل بيروت، (بدون سنة): ص 167
[7] – رسائل ابن حزم، م.س، ص: 272
[8] – المصدر السابق، ص: 276
[9] – رسائل الجاحظ، (المفاخرة بين الجواري والغلمان)، م.س، 1991، ص: 92.
Aucun commentaire