الوفا والشغف بإثارة الشغب !
في البلدان المتقدمة، يصنع الوزراء مجدهم بالجد والاجتهاد، هدفهم الأسمى إسعاد العباد ورفعة البلاد. يبنون حضارة أمتهم بتكريس قيم المواطنة واحترام الحقوق والواجبات، ويشكلون فرق عمل من ذوي الكفاءات والمهارات، لتطوير قطاعاتهم وتجويد الخدمات، في أجواء من الشفافية والحكامة الجيدة، بما ينعكس إيجابا على تنمية المجتمع والارتقاء بأفراده. وفي حالة الإخلال بالمسؤوليات أو الإساءة إلى الوطن، لا يترددون في الاعتذار لشعوبهم وتقديم استقالاتهم قبل إقالتهم ومحاكمتهم…
بيد أن وزراءنا بمجرد ما يحظون بثقة الملك، حتى يتملكهم الشعور بالعظمة، ويهرعون إلى انتقاء معاونيهم وفق منطق المحسوبية والقرابة والولاء… غير حافلين بالمؤهلات العلمية والخبرات المهنية، يتهافتون على تنمية أرصدتهم البنكية ومشاريعهم الشخصية، ومراكمة الفضائح المالية والأخلاقية، يفتعلون المعارك السياسوية ويثيرون اللغط والسخط، عوض الاهتمام بقضايا الشعب الأساسية، والمصلحة العليا للوطن. حيث أننا مازلنا دون مستوى تنفيذ مقتضيات دستور 2011، لا سيما ما يتعلق منها بربط المسؤولية والمحاسبة…
وإذا كانت حكومة ابن كيران تعد الأسوأ في تاريخ المغرب المعاصر، من حيث عدد نسخها ووزرائها واستفراد رئيسها بالقرارات اللاشعبية، التي استهدفت استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين، تغييب المقاربة التشاركية مع المركزيات النقابية، الإجهاز على المكتسبات الاجتماعية وإغراق البلاد في مستنقعات المديونية… رغم ما توفر لها من شروط مشجعة. فإن محمد الوفا، الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، سفير المغرب السابق بالبرازيل والهند، ووزير التربية الوطنية في النسخة الأولى للحكومة، يأتي في المرتبة الثانية بعد رئيسها، على مستوى ترتيب الوزراء الأكثر إثارة للجدل والزوابع الإعلامية، انطلاقا من ميولاته التهكمية، حركاته البهلوانية، تصريحاته الصادمة ومواقفه الناقمة، التي تشد إليه انتباه البرلمانيين وأنظار المشاهدين، وتفتح شهية وسائل الإعلام في تعقب « قفشاته »…
ولعل أغرب الأحداث التي أسالت الكثير من المداد، ما أبداه من تمسك أعمى بكرسي السلطة، اضطرت معه اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، إلى اتخاذ قرار تجريده من مهامه وطرده النهائي، جراء عدم انضباطه لمقرر المجلس الوطني، القاضي بانسحاب الحزب من الائتلاف الحكومي، وامتناعه عن تقديم استقالته إسوة بباقي زملائه. فأي مصداقية لمن يرفض الامتثال لقانون حزبه الداخلي، ويتنكر للمبادئ التي تربى عليها في أحضانه؟ ألا يجسد الوفا نموذجا للفاعل السياسي الانتهازي، الذي يميل مع كفة مصالحه الذاتية، ويغير قناعاته كما يغير أقمصته؟ ثم، كيف تم الحفاظ به عضوا بالحكومة بعد فقدانه « هويته » السياسية ؟
وتبقى أكثر الزوابع قوة، دون أن يعثر لها خبراء أحوال السياسة عن تفسير واضح، توجيهه تحذيرات شديدة، تنذر بوقوع « مجزرة » رهيبة في نتائج تشريعيات أكتوبر 2016، عندما حل ضيفا على شبيبة حزب « العدالة والتنمية »، في لقاء مفتوح بشاطئ المهدية خلال يومي 7/8 ماي 2016، مؤكدا على أن هناك أطرافا تسعى إلى التحكم في المشهد السياسي، وترغب في صناعة خريطة سياسية تتماشى مع أجندتها، دون الإفصاح الصريح عمن تكون هذه الأطراف المعنية. ودعا رجال السلطة إلى الالتزام بتطبيق القوانين، والتصدي لمن يحاول إفساد الاستحقاقات الانتخابية، تفاديا لما كان يحدث في عهد الراحل ادريس البصري، من تزوير وتلاعب بإرادة الناخبين، كما أوصى نشطاء الشبيبة بمواصلة الحيطة واليقظة، لحماية صناديق الاقتراع والمحاضر الانتخابية من الغرباء. فما هي دواعي وأبعاد هذا الترويع المريب، في وقت يتسم بالدقة ويستدعي الحرص على بث الأمل في النفوس، وتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات، بدل التهييج وإشعال الفتن بين الأحزاب السياسية؟ وما سر تضارب تصريحاته حول حقيقة الزيادة من عدمها في أسعار « البوطاكاز »، والاقتصار على حضور أنشطة الحزب الحاكم وشبيبته دون باقي أحزاب الأغلبية؟ ألا يكون يرغب في الانضمام إلى صفوفه؟ ثم، أليس التحكم الديني أخطر أشكال التحكم، المهددة للحرية وإجهاض الديمقراطية؟ أم هي رسائل مشفرة للذين « قضاو الغرض ببنكيران وبغاو يكركبوه » كما قال ابن كيران نفسه بمدينة سلا؟
فمن المؤكد أن الذي خان حزبه وانتهك حقوق طفلة ذات 12 ربيعا بالخامس أساسي، إبان توليه حقيبة وزارة التربية الوطنية، حين خاطبها: « انت آش كديري هنا.. راه خاصك غير الرجل »، دون مراعاة مشاعرها، علاوة على زلات أخرى مثل: « المدير وصاحبتو » و »أوباما باباه »، قادر على ارتكاب المزيد من الحماقات والفظاعات.
فقد سبق له إحداث أزمة بين الحكومة والمعارضة، على خلفية استعماله كلمات نابية في حق نائب استقلالي، تطور على إثرها الأمر إلى ملاسنات حادة، كادت تتحول إلى اشتباك بالأيدي في البرلمان، مما أدى إلى توقيف الجلسة وانسحاب فرق المعارضة. وقرر إذاك الفريق الاستقلالي مقاطعة كافة الأنشطة البرلمانية، التي يحضرها ما لم يعتذر رسميا. إلا أنه وعلى نهج مثله الأعلى صاحب قصة « الكلبة والنعجة »، ظل مصرا على تعنته. فضلا عن صراعه المفتوح، مع النائب البرلماني وعضو اللجنة التنفيذية بحزبه « الأم » عبد الله البقالي، لرفضه انتقاد هذا الأخير برنامج « مسار »، واضطراره إلى إصدار بلاغ للتنويه بالبرنامج وشفافية الصفقة، وتوجيه اتهامات لغريمه حول ذمته المالية وممارسته المهنية الصحافية، بل وإقحام حتى زوجته في الموضوع. إضافة إلى تعميم بيان على الصحف الوطنية، يصرح عبره بممتلكاته منذ أن كان طالبا، ابتداء من عام 1968.
ترى إلى متى سيستمر تدبير الشأن العام ببلادنا يعتمد على وزراء متهورين، في ظل وجود أطر شابة رصينة وذات مؤهلات علمية عالية، على الهامش؟
Aucun commentaire