رأي: بين « الربيع » و »الخريف » العربي.. وقفة مع خطاب الملك محمد السادس
رشيد جرموني,الرباط، المغرب
–شكل الخطاب الأخير للعاهل المغربي الملك محمد السادس، في قمة الخليج، حدثا استثنائيا بكل المقاييس، نظرا لنوعية الخطاب الذي ألقاه في هذه القمة، ونظرا لجدته في الساحة العربية، فلم نعهد في خطابات الرؤساء والملوك من قبل مثل هذه النبرة في الخطاب والقول.
ولعل ما يثير الانتباه في هذا الخطاب، هو الحديث عن أوضاع المنطقة العربية، وما تمر به من تحديات وأزمات وحروب وتمزقات وتشريد وتهجير وغيرها من اولوان اللاستقرار والتصدع والتمزق والتشردم. وذلك باعتباره أحد أوجه المؤامرات التي ارتكبت في حق المنطقة العربية. بل أكثر من ذلك، فقد اعتبر الخطاب أن الأمر فيه خطورة كبيرة، لأننا مقبلون على « تحالفات جديدة قد تؤدي إلى التفرقة، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وإشعال نار الفتنة وخلق فوضى جديدة »، لا تستهدف شرق المنطقة العربية بل تمتد إلى غربها. ولعل الخطاب يقصد ما يجري حاليا من تحركات في قضية الصحراء المغربية، خصوصا بعد المواقف المنحازة للأمين العام الأممي، وتصريحاته الخطيرة باتهامه للمغرب بكونه « محتلا ».
إن الخطاب كان صريحا في اتجاه تحديد طبيعة المواقف المزدوجة والملتوية لبعض الأطراف، و التي يتم تصريفها بين الفينة والأخرى، في مواجهة دولة من دول المنطقة، خصوصا تلك التي تنعم بالاستقرار، وقد كشف الملك في خطابه، أن الدول المستهدفة هي عموما دول الخليج، والمملكة الأردية الهامشية والمملكة المغربية. وهي عموما الأنظمة الملكية التي لا زالت محافظة على استقرارها وتماسك مجتمعاتها.
وقد عبر ذات الخطاب، عن كون المنطقة تشهد مؤامرة حقيقية وليس وهمية، تستهدف أمنها واستقرارها، فبعدما تم تمزيق وتقسيم والاطاحة بالعديد من الدول، ها هو الدور يأتي على البقية الباقية، وهي تحديدا دول الشمال الإفريقي، وخصوصا المغرب، ولا ندري أين ستتوقف الدائرة التآمرية؟
في الحقيقة، هذا الخطاب يشكل في نظري، سابقة تاريخية، لأننا كنا نسمع ونقرأ عن مخططات الشرق الأوسط الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قبل بروز « ثورات الربيع العربي »، كان هناك حديث وتحليل لهذه « المؤامرة » التي تستهدف أمن المنطقة العربية واستقرارها، لكنني –شخصيا- كنت أعتقد أن الأمر فيه تهويل ومبالغة كبيرة، وفيه حتى مغالطات تاريخية؟ إلا أنه يظهر من هذا الخطاب، أننا بحاجة إلى فهم ومناقشة عميقتين للخلفيات التي تؤطر فكرة المؤامرة ومن يتآمر على من؟ وكيف؟ وبأية وسائل؟ ومن هم الفاعلون المباشرون وغير المباشرين لهذه المؤامرة؟ وماهي الخرائط الجيواستراتجية التي تحاك في الخفاء؟ وهل يمكن القول، أننا الآن أمام منعطف جديد في بناء التحالفات الاستراتيجية التي كانت تربط حلفاء الأمس بأعداء اليوم؟ ومن هم الحلفاء؟ و من هم المستهدفون بالحلف؟ ومن هي جبهة المقاومة؟
أسئلة كثيرة ومتعدده ومتشعبة، فتحها الخطاب الملكي في قمة الخليج الأخيرة. ونحن لا نسعى من خلال هذا المقال المتواضع على كل حال، أن نقدم الجواب؟ فذلك ما تنوء عنه قدراتنا الفردية. لكننا نحب أن نتوقف عند مسألة –في نظرنا المتواضع- جد هامة، وهي كون الخطاب ربط بين ما وقع في ما سمي بالأدبيات ب »الربيع » العربي، وبين نظرية المؤامرة. حيث عبر الخطاب بلغة واضحة، « بأن ما تم تقديمه كربيع عربي لم يكن سوى دمارا ومآسي إنسانية، وهو كخريف كارثي ».
منذ بدء أحداث « الربيع العربي » من حراك شعبي وغضب وثورات وتمردات وعصيان مدني وتظاهرات واعتصامات في جل دول المنطقة العربية، والباحثون والمهتمون والاعلاميون، وبشكل أقل « صناع القرار »، يتحدثون عن تفسيرين لما حدث:
1-هناك من اعتبر أن ما وقع لا يعدو أن يكون بسبب سيادة منطق التحكم والهيمنة والتسلط والقمع وفقدان المشروعية والشرعية، وانتشار الفساد وتغلل الدولة العميقة، وغياب الحريات الفردية والجماعية وتعطيل التنمية بشكل عام. وقد استدعى هذا المنطق، تحليلا للبينات القبلية للدول العربية التي وقعت فيها الاحداث، خصوصا تونس ومصر، باعتبارهما دولتين لهما أهمية في مكانة الدول العربية ككل، فمصر ورثتت إرثا تاريخيا أكسبها زخما في مسارها التفاوضي في القضية الفلسطينية، بينما تونس كانت تقدم كنموذج للتنمية بمنطقة شمال إفريقيا، حيث أنها شكلت مفاجأة صادمة لكل المتتبعين والمهتمين والحلفاء (خصوصا فرنسا)؟
وقد توقف العديد من الباحثين إلى أن ما وقع يعبر عن مسار طبيعي من التحولات الكبرى، التي جرت في مختلف أنساقنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية، والتي لم يستطع أن يستوعبها ماسك زمام الامر، ففاجأته رياح الثورة العاتية، وأسقطته من عرشه؟
2-في الاتجاه الثاني، ترددت تفسيرات –كانت محتشمة- وهي التي تعتبر أن ما وقع هو من فعل فاعل، وأن رائحة المؤامرة تلوح في الافق. وقد عبر غير قليل من الباحثين عن ذلك، بالايماء والتلميح للدور الذي لعبته « قناة الجزيرة القطرية »، في مسارات الحراك العربي، خصوصا ما وقع في ليبيا، والتي تعرضت لأبشع أنواع التمزيق والتشرذم والفتك والقتل والقتل المضاد؟ أو ما وقع في سوريا بنفس الحدة أو بشكل أكبر منها. وغني عن البيان أن هذا الاتجاه، كان لا يستطيع الاقناع بوجه نظره عندما كانت تقام الندوات والمؤتمرات والملتقيات الدولية والاقليمية والتي حاولت أن تفهم ما جرى؟ وكيف جرى ما جرى؟ وللتاريخ، فكاتب هذه السطور كان يشكك في من يقول بنظرية المؤامرة. نظرا لعدم كفاية الادلة والحجج التي تقدم في هذا الاتجاه.
وبعد، فإن الواقع لا يرتفع كما يقول الماركسيون، فالحديث عن نظرية المؤامرة مهما استحضرنا من حجج ودلائل ووثائق ومعطيات وكشفنا (هذا إذا استحضرنا من له القدرة على ولوج هذه العلبة السوداء) عن أسرار وخبايا وآخر، يضاهيه بل يفوقه في الرجحان، وهو أن إشكالية التنمية والدمقرطة بالوطن العربي، هي حصان طروادة، وهي التي لم تتمكن العديد من الدول ومن التجارب من توطينهما في تجاربهما التنموية.
وقد يحصل أن تتشابك المعطيات الموضوعية، من فساد وتزوير وفقدان للشرعية ومن إهدار للتنمية بكل أباعدها ومشمولاتها، مع الاطماع الخارجية (نظرية المؤامرة) لتنشئ بيئة حاضنة للفوضى وللاستقرار، وهو ما يمكن أن نستلهمه من هذا الخطاب التاريخي للعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي فتح واستأنف نقاشا كنا في أمس الحاجة إليه، وهو تقييم المسؤولين وصناع القرار لما سمي « بأحداث الربيع العربي » أو لنقل « الخريف العربي ».
Aucun commentaire