الصحراء مغربية،والسويد حتى هي
رمضان مصباح الإدريسي
الانفصال مطلب عقاري:
إن الصحراء صحراؤنا وكفى،الواقعة جنوبا؛دون مواصلة التأكيد ،إلى ما لانهاية،على أنها مغربية.
هل هناك داع لنعت جهة الشرق والريف– مثلا- بأنها مغربية؟ لن نظل مُطالَبين ،خلال كل حديث عن الصحراء،بأن نقرأ تاريخنا وجغرافيتنا للآخرين؛فنعت « المغربية » الذي يتكرر تلقائيا على ألسنتنا، فائض مرافعة لا لزوم لها ؛بل تضر بقضيتنا،لأنها تغري الآخر بالتوجس من تأكيد،ملحاح، لا ينتهي .
لا شوفينية في هذا ؛ ولا شك في استيفاء مغاربة الصحراء،تاريخا وحاضرا، لكافة شروط المواطنة . بل حتى الانفصاليون منهم يؤكدون على مغربيتهم بطرحهم الذي ليس سوى انفصالي:مغاربة ،نعم، لكن يرغبون في حيازة ملكية عقارية مغربية ،تسجل أمميا في اسمهم.
انفصاليون اختاروا –أو أريد لهم- السكن العشوائي (الاستفزازي)في تندوف ؛في وجود مدن مغربية على كامل الاستعداد لاستقبالهم ،في كل الجهات،وليس في الصحراء فقط.
هل حل الاتحاد الأوروبي ،بل العالم بأسره، مشكل اللاجئين السوريين ،العراقيين ،الليبيين واليمنيين ، حتى تنشغل بعض دوله بمن لا مشكل سكنيا له؛بل حتى سياسيا و اقتصاديا وثقافيا؟
ولا يخفى أن مثل هذا المطلب،العقاري غالبا- أستثني هنا حالات مناهضة الاستعمار- شائع عالميا ؛وهو مرتبط بالمراحل السحيقة التي تطورت فيها المجتمعات البشرية،من حالة اللاقيود ،في المعاش ،والانتشار السلمي والاقتتالي؛إلى وضع الدولة والسلطة المركزية.
ولو استجابت كل الدول المعنية، اليوم، بمطلب الانفصال،لشهدنا تناسلا دولتيا شبيها بانقسام الخلايا في المجال البيولوجي؛مع كل ما يعنيه هذا لنظام دولي ينحو نحو العولمة .نظام رغم كونه راسخ المؤسسات،تنخره حروب ومشاكل إنسانية لا حصر لها ؛إضافة إلى معضلات عقدية،ترتدي أسمال التاريخ،و لا تزيدها حلول المنتظم الدولي- السلمية والقتالية- إلا تمنعا وشراسة.
وعليه فالصحراء لن تستفيد من تكرار الإلحاح على مغربيتها ؛بل من إعادة تربية المواطنين على الاستحضار الدائم لبعدهم الصحراوي ؛كما يستحضرون بعدهم البحري، النهري،الجبلي،الغابوي.تربية مجالية ومكانية ليس إلا ؛كما تفعل السويد ،مثلا، مع مواطنيها ذوي العقيدة البيئية الطبيعية الظاهرة على كل العقائد.
لماذا يحضر في تربيتنا البعد السياسي فقط ،وكأننا ،بخصوص الصحراء، نجتهد في إخفاء مسروق،أو مغصوب؟
لقد سبق أن تحدثت عن العقيدة العسكرية المغربية ،ونسبت تشكلها –مدرسة ضمن المدارس العالمية- للصحراء؛بدءا من حرب الرمال ،ومرورا بكل الحروب الصحراوية الأخرى التي أتخمتنا انتصارات لأننا مدافعون وغير مهاجمين.
لماذا يستمر لدينا هاجس التخوف،ونحشر الصحراء في الزاوية السياسية الضيقة؛بدل جعلها موضوعا للتربية على المواطنة النظرية والميدانية؟ لماذا لا تُشد رحال المخيمات التلاميذية إلى الصحراء؟
لماذا تتوجس خيفة كاميرات سينمائيينا ،إزاء فتح الصحراء للمغاربة وللعالم؟
لماذا لا تنزل لجان البحث المتخصصة ،بجامعاتنا، إلى الصحراء ،وتقتفي خطوات « مونود » عالم الصحراء،وغيره،لتكشف لنا عن خبايا هذا العالم الذي سحر الأوروبيين ،على مدى القرن التاسع عشر ،وغامروا فيه بأرواحهم ؟ لماذا نجهل كلية هذا المجال الذي ثبَّت أركان الدولة المغربية عبر التاريخ ؟
لماذا تقف السياحة الدولية في حدود مراكش وأكادير ولا تتمدد صوب الصحراء ؟ لماذا لا تمتد طرقنا السيارة إلى عمق الصحراء لتقريبها أكثر من قلوب المواطنين؟
لا أعتقد أن هناك صحراء تتمتع بحماية عسكرية أكيدة،بتجربة حروب عدة ،أكثر من صحرائنا ؛لكن ربما لا يوجد شعب مقبل على صحرائه سياسيا ، ومعرض عنها سياحيا وثقافيا وعلميا ،مثل الشعب المغربي .
ومرة أخرى ،بدل اللازمة غير المنتجة (الصحراء مغربية) يجب التفكير في خريطة طريق تجعل كافة أبعاد الصحراء دائمة الحياة والتوقد في وجدان المواطنين . إن سياسة النفير ،أو الحركة القديمة لا تفيد كثيرا ؛إن لم تكن ضارة.
إن الصحراء يجب ألا تظل شأنا مناسباتيا ،نستنفر له الأحزاب والنشرات والسفارات حينما يدعو الداعي.
إن الصحراء وطننا ؛وأبجدية المواطنة هي حب الوطن،حب العارف الصوفي ؛وليس المالك العقاري.
من نقنع في السويد؟
إن العالم من حولنا يعرف ما بُذل من جهود تنموية في الصحراء؛ويعرف أن ما بعد « لا اله إلا الله محمد رسول الله » لا يتشهد المغاربة إلا بمغربية الصحراء ؛لكنه يعرف أيضا أن الأغلبية الساحقة من المغاربة لم تطأ رمل الصحراء ،ولا اكتوت بحرها ،ولا سمرت مع سمارها .هل هذا هو حال مواطني الدول الاسكندينافية،مع منافي الصقيع و الثلوج في أوطانهم ؟ هل تقف حدود المواطنة السويدية عند الحواضر الدافئة فقط؟ لا أعتقد.
إن الدول التي تشكك في مغربية صحرائنا ،لا تواجه سوى خطاب الدولة الرسمي ،وتغيب كلية شعور المغاربة إزاء صحرائهم ؛لأن حوامل هذا الشعور منعدمة أو قليلة. يجب أن يعرف العالم إلى أي حد يحب المغاربة مجالهم الصحراوي ،وليس خريطتهم السياسية فقط.
حتى سفاراتنا في الخارج لا تستحضر هذا البعد إلا لماما لأنها تظل – إن نشطت للأمر،وامتلكت مؤهلاته- سفارات منافحة عن مغربية الصحراء ،وليس عن صحراوية المواطن المغربي ،ولو كان بطنجة.الفرق واضح ، ومن هنا كون القضية عادلة ،لكن المحامي فاشل.
إن النظام السياسي في مملكة السويد،وهو ديمقراطي نيابي ،يضع المواطن في صلب اهتمامه لأنه مصدر وجود كل السلط العمومية. من هنا رضوخ الحكومة –مهما تكن علاقات الدولة ومصالحها الخارجية- للمجتمع المدني ،من خلال جمعياته النشيطة دوما ،لأنها محترمة ومسموعة الكلمة،ومن خلال برلمانه.
مشكلتنا اليوم ليست مع الحكومة السويدية ،بل مع المجتمع المدني ،الذي حصده نشاط الانفصاليين، حينما لم نعرف نحن ماذا نزرع ،وأين؟ اسألوا سفارة السويد – وغدا سفارات أخرى- عن عدد المرات التي قاربت فيها المجتمع المدني السويدي ،بشبابه وسياسييه ومثقفيه؟ كم عدد المرات التي قاربت فيها المجتمع المدني المغربي ،لتقيم جسور التواصل ،من خلالها، مع الفاعلين السويديين؟
لعلها،وغيرها من السفارات والقنصليات، لم ترق إلى هذا المستوى من العمل الديبلوماسي؛خصوصا حينما نستحضر الخطاب الملكي الذي أدان العديد من التمثيليات في الخارج.إن من يفشلون في خدمة الجالية إداريا،فقط، لا يمكن أن ننتظر منهم كثيرا ،حينما يتعلق الأمر بقضايا مغربية سيادية ومصيرية.
يجب أن نقرأ ما بين كلمات وزيرة الخارجية السويدية ،وهي تصرح بأن نقاش الاعتراف بجبهة البوليساريو يستند إلى قوة الضغط التي يشكلها المجتمع المدني السويدي،وليس إلى أهواء برلمانيين ووزراء.
إن تصريحها يوجه الأحزاب ،المحتشدة للرحيل، صوب جبهات « القتال « الحقيقية؛جبهات المجتمع المدني ،ولا جبهات غيرها.
نخطئ كثيرا حينما نسقط اشتغال النظام المغربي على دول موغلة في الديمقراطية،كالدولة السويدية ؛وكأننا نقول لها لماذا تعجزين عن حسم أمور الدولة بالسرعة التي نحسم بها نحن أمورنا؟
إن الخارجية السويدية ليست ملحقة للخارجية المغربية حتى تتلقى منها التنبيهات(وهي على كل حال موجهة للاستهلاك الداخلي) كما أن الأحزاب السويدية لا يمكن أن تُحَكِّم خطاب الأحزاب المغربية في قضايا يتبناها المجتمع المدني السويدي .
إن المجتمع المدني السويدي يمتلك آليات إسقاط الحكومة ،كلما اضطر إلى ذلك.
وعليه فحمله على الانتصار لقضيتنا لا يمر عبر ممثلي الدولة ،بل عبر نظيره المغربي.فهل للمجتمع المدني المغربي حضور داخلي قوي حتى يكون له حضور خارجي،في مملكة السويد؟
سيذهب رؤساء الأحزاب إلى السويد ،وسيكون عليهم أن يستندوا في طرحهم المحاجج إلى الإجماع المغربي حول القضية .أي سيحتمون بالمجتمع المدني أساسا؛لكن ضمن مجالسهم ستكون هناك كراسي فارغة ،ينظر إليها السويديون ويتساءلون:
لكن أين المجتمع المدني المغربي؟
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire