آل البيت في المغرب:أخطأ الوزيران حين أصابا
رمضان مصباح الإدريسي
ثورة وزيرين:
في الوقت الذي يحتاج فيه المغرب الى جهود كل المواطنين ،وكل المؤسسات الرسمية ،وأطر المجتمع المدني – بما فيها فعاليات الحقل الديني- لمواجهة المد الإرهابي العالمي ؛خصوصا وقد انتبهت جهات دولية متعددة ،أكاديمية وسياسية،الى أسس ومقومات وخصوصيات النموذج الديني والتديني المغربي ،وقابليته للانتشار ،عالميا،كبديل لمناحي التطرف التي يكابدها العالم اليوم،لما لها من تأثير خطير ومباشر على كل قيم الحضارة والحداثة التي ناضلت من أجلها الإنسانية ،حتى أرستها قواعد وأعرافا دولية ملزمة. في هذا الوقت بالذات اختار السيدان وزير العدل والحريات ،ووزير الداخلية تنزيل قرار ،يبدو استعجاليا وفي غاية اللبس،لمحاربة ما يسمى ببطاقة النسب الشريف؛وتهديد الجهات المصدرة لها والمستعملة لها بالمقاضاة.
واعتمادا على ما نشرته هسبريس في الرابط:
http://www.hespress.com/societe/254811.html
فان » تعليمات قد تم إعطاؤها في هذا الشأن للولاة والعمال والوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك قصد التصدي لمرتكبي هذه الأفعال، سواء منهم الذين يشرفون على تسليم هذه البطائق من أجل ابتزاز المواطنين، أو لحامليها الذين يحاولون استغلالها لقضاء أغراضهم الشخصية »
وما أن نشرت الجريدة هذه « الثورة الثقافية » لوزارتين سياديتين في حكومة عبد الإله بنكيران ،حتى تهاطلت تعليقات القراء،وصولا الآن- العاشرة والنصف صباحا- الى رقم 300. وهذا لا يحدث ،بالموقع،إلا حينما يتعلق الأمر بقضايا الوطن الكبرى ،والنوازل العظمى التي تثير اهتمام كل المواطنين.
من هنا اهتمامي بالموضوع ،بكل الموضوعية اللازمة ،خصوصا واني لم أسع يوما للحصول على أية بطاقة عدا الوطنية.البطاقة الشرفية الوحيدة التي بحوزتي تعود لاتحاد كتاب الأنترنيت المغاربة،وليس للمولى إدريس رحمه الله.
وقد أدفأ صدري في أيام البرد هذه أن يتفاعل القراء،بهذه الكثافة،مع قرار يهدف ،في ما يبدو، الى ترسيخ مبدأ المساواة بين المواطنين ،ولو لم يختر غير مجال هامشي وقصي لا علاقة له بمجالات المعاناة الحقيقية ؛حيث يستأسد الفساد الحقيقي ،برا وبحرا؛ وحيث تكسرت قرون عدد من الوزراء – حسب زعمهم- دون زحزحة صخرة الريع التي أردفت أعجازا وناخت بكلكل.
من المهم جدا ألا يتحرك مواطن ،راجلا أو راكبا،خارج ضروريات المهنة إلا وهو يعتد- فقط- ببطاقته الوطنية .
ومن التمدن والحضارة ،وليس المواطنة فقط، ألا تتحرك سيارة ،رسمية أو خاصة ، إلا وهي في أتم امتثال للقانون ،دون أدنى تحرش به؛ببطاقة أو ملصق شريفي أو مهني ,أو إشارة ،مما هو متعارف عليه بين شرطة المرور.
كل هذا مهم ،وقد سبق أن ذكرت أن ملك البلاد ،حينما يترجل عن مواكبه الرسمية،يمضي بسيارته في الطرقات ،كما نمضي جميعا؛فنعم الدرس هذا لاولائك الذين يتشوقون أن يضع القدر في طريقهم حارس أمن جِدي، ليشبعوه تبجحا بسلطتهم،أو حتى سلطة الزوج ،إن لم يكن تنكيلا و دهسا..
إلى هنا وكل شيء على ما يرام ،وليس لنا إلا أن نشد على قرار صائب لوزيرين ،من حكومة مسلمة ،عقيدة،وشبه إسلامية ،سياسة.
من أين الخطأ؟
ما كان لوزيرين سياديين ،يجمعان بين الإدارة الترابية للمملكة، والعدالة القضائية والحريات،أن يأتيا أمرا له علاقة باشتغالات إمارة المؤمنين ، وبمؤسسة نَسَبِية ركن ،ضمن هذه الإمارة؛وبظهير الحريات العامة(1958) ؛دون إتباع المساطر -وحتى البروتوكولات- المعتمدة في هذه الحالات.
لا سند لي هنا غير ما أوردته هسبريس؛ولا أدري هل ورد ضمن مجرد قرار ،أو قانون أو مرسوم.
من المعلوم أن « مؤسسة آل البيت » في المغرب ،كما يمثلها نقباء الشرفاء العلويين ،الأدارسة والقادريين،شأن ملكي ؛تنظم أمورها النسبية ،ومنذ المرينيين ،والشرفاء السعديين ،وتثبيتا من الملوك العلويين ،ظهائر التعيين والتوقير ،و قديما الإعفاءات.
ظهائر تستند الى الأرشيفات النسبية بالخزانة الملكية ،وبصفة خاصة ما يسمى بدفاتر المولى إسماعيل التي أحاطت بهذه الأنساب وحينتها ونخلتها؛استنادا إلى دراسات نسبية أنجزها – ميدانيا- المؤرخون والقضاة ،الذين كانوا ينتدبون لهذا الغرض.
وتستند أيضا إلى مكانة آل البيت في نفوس المغاربة وغيرهم من المسلمين ؛وتسمية « آل البيت » هي التسمية الشرعية الصحيحة ،لأن لفظ « الشرفاء » مما أطلق عليهم من طرف غيرهم. وعليه فصدور ظهائر الشرفاء لم تكن تنبع فقط من حاجة مخزنية الى دعم شرعية الدولة ،وتثبيت ركن من أركانها ،أجمع عليه كل المغاربة –وخصوصا الأمازيغ- وهم يبايعون إدريس الأول ملكا عليهم ؛بل كانت تلبي حاجة مجتمعية ،ظلت ولقرون عادية وبمعزل عن أي انتقاد.
بل رحل أعيان كثير من القبائل(العروسيون كمثال) طلبا لنصيبهم من آل البيت يتبركون بهم ،و يقيمون بين ظهرانيهم.ونعرف جميعا أن تاريخ الدولة العلوية يرتد إلى مثل هذه الحاجة.أن يتم الرحيل من تافلالت إلى ينبوع النخيل بالحجاز، يؤكد أن أمر استضافة آل البيت لم يكن مجرد ترف قبلي في المغرب.
ورغم تآكل هذه الحاجة اليوم،بفعل الزخم الثقافي الحداثي ،وبفعل تيارات الإسلام السياسي ،وتنظيرات المتشددين ،فان
مؤسسة آل البيت –بغض النظر عن كون الشرفاء العلويين منهم هم ملوك البلاد- لا يزال لها حضور وازن في المجتمع المغربي المتدين ؛ومن هنا الحرص الملكي على مواكبة شؤونها ،وتنظيمها ضمن نقابات يترأسها نقباء معينون بظهائر ملكية. نقابات تشتغل حتى إداريا ،في علاقة بإدارة الحالة المدنية ومحاكم المملكة. ويزخر أرشيف الأحكام القضائية المغربية بالعديد من الأحكام التي صدرت لصالح مواطنين من آل البيت ،بدا لهم أن يتميزوا بلقب « مولاي » على مستوى الحالة المدنية؛فكان لهم –قضائيا- ما أرادوا استنادا إلى القوانين الجاري بها العمل في المملكة ،والى شهادات النقباء الرسميين.
فهل راعى قرار الوزيرين كل هذه الأمور ،وهو يقرر قتل بطاقة النسب ،وتهديد حامليها بقضاء تلزمه ظهائر وقوانين أخرى على الأخذ بشهادات النقباء في القضايا النسبية؟
وماذا عن بطائق باقي الجمعيات ؟
يسمح ظهير الحريات العامة المذكور بتأسيس جمعيات مدنية ؛وقد ارتقت هذه الجمعيات اليوم –وهي بعشرات الآلاف في المغرب- الى اعتبارها قاطرة لأغلب الأنشطة التنموية للبلاد.
في إطار قوانينها الأساسية والداخلية تصدر هذه الجمعيات – وحتى الأحزاب السياسية – بطاقات الانخراط لأعضائها للإدلاء بها عند الحاجة.
على سبيل المثال يؤدي عدم إدلاء القناص ببطاقة الجامعة الملكية المغربية للقنص ،أو ببطاقة جمعية من الجمعيات القنصية الى إلزامه بذعيرة قاسية،من طراف إدارة المياه والغابات..
تشتغل روابط الأشراف، وجمعياتهم ،وزواياهم،ضمن نفس الظهير ،وتمكن المنخرطين فيها من بطاقات الانخراط ،وليس مما يعتبر –خطأ- بطاقات الشرف؛فأين الخلل الذي جعل الوزيرين يتدخلان في تدبير قانوني لصنف من الجمعيات ،دون أخرى؟
إن الإدلاء بوضعية الانتهازيين الذين يوظفون هذه البطاقات في أغراض أخرى لا يقوم حجة على المنع الشامل المعزز بالتهديد. هناك جهات رسمية عدة توظف بطاقاتها المهنية في غير ما وضعت من أجله؛فهل يمكن القول بمنع كل البطاقات المهنية لوجود قلة من ضعيفي المواطنة؟ العديد من واجهات السيارات تدلي بملصقات مهنية لتسهيل تحركها ،دون أن تكون لها الصفة الرسمية التي ينظمها القانون.
هل يعقل أن يغيب كل هذا عن وزيرين موكول لهما أمران أساسيان من أمور الدولة؟
وماذا عن نقباء الأشراف؟
فهل يعقل – وعلى رأسهم النقيب الأول- ألا يعلما الأمر إلا كغيرهم،هكذا بغتة،وبين أيديهم كل الظهائر والأختام؟ هل يعقل أن يصبحوا بين عشية وضحاها خارج القانون ، بكل مستنداتهم؟
ماذا كان يضير الوزيرين لو سلكا المساطر العادية –دون إثارة إعلامية- واجتمعا بهؤلاء النقباء ورؤساء الجمعيات والروابط لتدارس الأمر ،واتخاذ ما يلزم من قرارات لا تتحرش بأحد؟.قرارات تكون منطلقا لمشاريع قوانين ،في المجال، يناقشها نواب الأمة.
إننا أمام « كراطة » من نوع آخر؛وان كنا جميعا مع المساواة ،وضد الريع والانتهازية ،فلا يعني هذا اتخاذ قرارات في غاية الارتجال ؛إلى الحد الذي غدت معه ظهائر ملكية عديدة ،معطلة بما لا يرقى حتى إلى قانون.
إن ارتكاب البعض لحوادث سير لا يستقيم معه سحب رخص القيادة من جميع السائقين.
Ramdane3.ahlablog.com
1 Comment
لفظة « الشرفاء » مرفوظة أصلا ما دام المغاربة قاطبة امام القانون سواء، و ما دام الناس لا يتفاضلون إلا بالتقوى ؛ الانتساب الى آل البيت من اجل الحصول على تلك البطاقة أصبح ظاهرة مغربية ملفتة للنظر ووجب القضاء عليها.فكم من غير « شريف » انتسب ظلما وعدوانا لآل البيت و هو ليس منهم، و ذلك راجع بالأساس إلى ضعف الشخصية التي ابتلي بها و عقدة النسب التي عشعشت في نفسه.ألسنا سواء أمام رب العزة؟ألا يفضل أحدنا عن الغير إلا بالتقوى؟
؟
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه***فلاتترك التقوى اعتمادا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس*** وقد وضع الشرك الشريف ابا لهب
هذا إذا سلمنا بأن الشريف المذكور ينتسب لأبيه طبعا ،فالشاعر يقول :
كم من قائل أنا من فلان *** و عند فلانة الخبر اليقين