ذكرى صورة و خاطرة
« إن الصورة تلتقط ما له صلة بالواقع أو الممكن أو المستحيل.“ د. جميل حمداوي
من منا لا يذكر هذه الصورة ؟
في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي كنا أطفالا صغارا، أذكر مثلما يذكر العديد من أقراني تلك الصور التي دأبت عائلاتنا وأسرنا حينذاك على تعليقها أو إلصاقها فوق جدران البيوت الطينية الواطئة، فهي مازالت منقوشة في ذاكرتنا.كما أذكر كم كانت تثير فضولنا حدّ الازعاج محاولة منا في إيجاد أجوبة تشفي غليلنا وتبدد مخاوفنا لكنها كانت تقابل بالصّد.
الصورة التي بين أيدينا تُظهر فارسا مغوارا يمتطي صهوة جواده ، سيفه يقطر دما بعد أن غرسه في جسد الغول و اخترقه اختراقا حتى خرج طرفه من ظهر الغول، فهي تمثل تجسيدا لبطولة سيدنا علي في صراعه مع الغول والذي نُسجت حوله قصص و حيكت حوله حكايات أشبه بالاساطير كنا نستلذ سماعها في الحلقة الشعبية .يأسرنا أسلوب الراوي (الشيخ ) المُشوِّق في سرده للأحداث والوقائع يجعله يسافر بعقولنا الصغيرة عبر التاريخ بدون تذكرة
وبعد ذلك نصنع سيوفا خشبية وكل منا يريد أن يصبح عليا
أعود إلى الصورة التي كانت تؤثث البيوت ، بادية للعيان ، في منزلنا وفي منزل جدي وأخوالي… . هذه الصورة لم تكن تستهويني بقدر ما كانت تخيفني وتفزعني. خصوصا منظر الدم المتقاطر ورأس الغول
وللغول حكايات اخرى كانت تنسجها الامهات والجدات بغرض تخويفنا تارة و لمنعنا من اللعب أو لتأديبنا ،و لهم في ذلك ،ربما، مآرب أخرى.كنا مثلا حين نسال عن مصيركرة اختفت أو طعام لم يتبق منه شيء … يأتينا الجواب بسرعة بِنيّة إسكاتنا : « اكلاتْها الغولة » وحين نستفسر عن مكانها يكون موجودا في مباتي مهجورة أو في الوادي قرب الحقول ، في مغارة أو في قمة الجبل.
كبرنا وكبر الخوف معنا وكبر الغول فينا واكتشفنا أن هناك غيلان أخرى : غول الفساد غول الاستبداد ، غول الغلاء ، غول البطالة وهلم أغــوالا.
…
ولتعزيز الخوف فينا أو لإقناعنا بالإكراه أصبح بعض حكامنا وسياسيونا ومن والاهم يلجؤون إلى تبريرات تحمل في طياتها تهديدادات لردعنا تحسّبا لمخاطر افتراضية تشبه حكايات الغول حتى وإن لبست لبوسا و أشكالا مختلفة فالصميم يبقى واحدا . ولنا في الوحش والعفريت والجني والتمساح أمثلة غنية في هذا المجال.
فمتى يختفي الغول من حياتنا ؟
ح. وشاني في 12/4/2015
1 Comment
تناول فيه الكثير من الجرأة التي تنبع من وعي بالتاريخ وبالحاضر .