نافذة على المدرسة العمومية : آليات لقياس الثروة اللامادية/المورد البشري
نافذة على المدرسة العمومية :
آليات قياس الثروة اللامادية: المورد البشري.
*- سياق فكري عام :
كشف تقرير البنك الإفريقي للتنمية سنة 2015 بشراكة ،مع هيئة تحدي الألفية الأمريكية والمعنون ب: » تشخيص النمو تحليل الإكراهات المعيقة، لتحقيق نمو واسع وشامل بالمغرب » ، عن سر ضعف النشاط الاقتصادي بالمغرب، وأرجعه إلى اختلال في وسائل الإنتاج ، نتيجة غياب مهننة المعرفة في عروض التكوين بالنسبة لقطاع التعليم. لذلك اعتبر التقرير « منظومة التربية والتكوين : »الحلقة الأضعف فيما يخص تنمية الرأسمال البشري ،على الرغم من الجهود الهائلة التي بذلتها الحكومة المغربية » .وعزا التقرير هذا التراجع إلى « ضعف نسب التمدرس في السلك الثانوي والجامعي »، وإلى « عدم قدرة المدرسة المغربية على إنتاج يد عاملة تتقن المهارات العامة والخاصة ».ونفس النقد وجهه تقرير البنك الدولي لسنة 2014 ،حيث سجل نقصا في المؤهلات والمهارات بين الخريجين، وأوصى بمزيد من الاستثمار في تجويد التعليم » . فما ذا استثمرنا لارتقاء بالأداءات الدنيا والعليا للمدرسة العمومية الوطنية ؟
إن التصنيفات الدولية » سيوور »،والاختبارات البيداغوجية المعتمدة عالميا »بيرلز » ،و تيمس »… التي انخرطت فيها مدرستنا وجامعتنا ، تنبئ مدلاتها بتردي المردودية الداخلية والخارجية للمؤسسة التعليمية بالمغرب، وتكشف عن ضعف معدلات الإدماج ،ونسب الاستقرار في المستوى والانتقال المستحق بين الأسلاك ، وصولا إلى استكمال التعليم العالي . كما تقدر حجم الهدر، والفاقد الدراسي خلال المسار التعلمي بالجسيم والمكلف… وهي وضعيات أفرزت ظواهر مقززة من قبيل الأمية في صفوف المتعلمين ،والبطالة في صفوف الخرجين بشواهد دنيا أو شواهد عليا . مما يجعل الارتقاء في درجات سلم الجودة بعيد المرام ،على الأقل في الوقت الراهن، رغم بعض المحاولات التشخيصية التي تقوم بها مكاتب الدراسات الفرنكوفونية أو الأنجلوساكسونية ،بإيعاز من مؤسسات دولية أو تحت إشراف المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب، و التي توصي ببعض الوصفات العاجلة : كالتراجع عن التعريب، واعتماد الفرنسية أو الأنجليزية بشكل متدرج كلغة للعلوم، وتبني الدارجة المغربية للتواصل الديداكتيكي ،واستدخال البيداغوجيا الرقمية …إن نجاح أي إصلاح رهين بالنهوض بأوضاع المدرسة المغربية ،وتحسين ظروف المورد البشري ،وتوفير شروط العمل والتكامل بين مكونات المجتمع المدرسي، وترسيخ الانفتاح على المحيط الاجتماعي، والثقافي ،والاقتصادي، والديني…و إشراك جميع الفاعلين التربويين الممارسين في الميدان، والمعنيين بمنظومة التربية والتكوين ، ومتعلق أيضا بإصلاح بيداغوجي حقيقي، يؤجرئ استرتيجيات جديدة وناجعة في التعلم ، وبتنزيل فعلي لتكنولوجيا المعلوميات بعيدا عن كل حس تجاري أو مباهاة شكلية ، في أفق خلق الاندماج الحقيقي والملائم بين الممارسات التربوية الحديثة، التي تقطع مع الممارسات القديمة ، والتي تعتبر عاملا رئيسا في خلق الفجوة ،وتوسيع مسافة التوتر بين التكوين التربوي وعروض الشغل ،ومقتضيات المحافظة على الشخصانية الوطنية العربية الإسلامية وربح رهانات الغدية، وبين الأدوات والوسائل التعليمية الحديثة ، المستدخلة لمواكبة إيقاع التحولات السريعة خارج المؤسسة التعليمية ، ومسايرة جودة التعلم داخل المدرسة الحديثة.
لهذا أصبح من اللازم اللازب تقدير الثروة اللامادية للمؤسسة العمومية الوطنية وفق معايير وطنية ،في أفق وضع قطار الموارد على السكة الصحيحة للتشغيل الحقيقي ، ورد الاعتبار للمدرسة المغربية. فما هي هذه الثروة اللامادية؟ وماهي معايير تقديرها ؟
إن مسوح الخبرة الي أنجزت داخل المدرسة المغربية ،والرصد التشخيصي لوضعيات المؤسسات العمومية، يكشف عن تعدد مصادر هذه الثروة على مستوى الكم ، وتنوعها على صعيد الكيف، بدءا من المورد البشري، ومرورا بالمعرفة والخبرة ، وانتهاء بالقيم والمواقف.
1-المورد البشري:
حسب المادة 1 من المرسوم الملكي 854 -02-2 يتكون العنصر البشري داخل المدرسة العمومية من :هيئة التدريس ،وفريق الإدارة التربوية ،التي ستحدد مهامها المواد من 10 إلى 16 من المرسوم 376 02-2 ،ومن مسير ومراقب المصالح المادية والمالية ،وأطر الدعم التربوي والإداري، ومن فعاليات متعاونة: كالمؤطرين والمراقبين التربويين ،والموجه التربوي، وأطر النيابة والأكاديمية، ومن شركاء كأعضاء جمعية آباء وأولياء التلاميذ ،وممثل الجماعة التي تقع المؤسسة تحت نفوذها…
إن قراءة تحليلية لجدول المهام الحالية الخاص بالعنصر البشري، يلحظ بيسر نشازا وإفرازا لظواهر نابية ومؤخرة ،من قبيل التعارض والتقاطع ،والتباين والبتر والتردد ،والتركز والتركيز…يفتقد في الممارسة للقيادة الجماعية، وفريق العمل، والعمل بالفرق… مما يعوم العملية برمتها في المزاجية والزبونية ، والمحسوبية والارتجال، وينفي عنها الانسجام والتكامل ، في غياب ملموس لدمقرطة الحياة المدرسية ، وبعد كلي عن التدبير التشاركي الحقيقي ، ولكل إسناد للمهام على قاعدة الكفاءة .فلازال –مع بعض الاستثناءات القليلة -التسيير المتسلط ،والإشراك الشكلي في أمور غير حيوية، والاستبداد بشؤون مصيرية … هو سيد الموقف ،مما ينزاح بعملية تدبير المورد البشري عن تبني مقاربات حديثة وناجعة ،من عيار المقاربة المتعددة المجالات، أو مقاربة المتعددة الكفاءات، والمقاربة بالذكاءات المتنوعة المرتكزة على نظرية الأدوار، ونظرية التحفيز… على قاعدة منهجيات عمل ناجعة كمنهجية كايزن لتاييشي أوهويو –مثلا- المناسبة لظروف مدرستنا المغربية المتسمة بمحدودية الموارد ،حيث تروم تحقيق التغيير للأفضل بمجهود صغير ،بغية تدبير المكان للتحكم في مشاكل الزمان، و القضاء على الهدر في الطاقة والجهد والوقت ،على طريق خلق التطوير المأمول في النفس، والسلوك، والمعرفة، والخبرة، وأدوات الإنتاج … لكن المعتمد مع الأسف هو منهجيات تقليدية ، تتعامل مع العنصر البشري في دوائر رسمية ضيقة ونمطية، تنأى به عن التفاعل الإنساني المثمر، الذي ينحو بالممارسة التسييرية نحو الابتكار والإبداع، فيتضاعف الهدر وتغيب المهنية، وتضيع الجودة ويتعثر مشروع المؤسسة، ويتعذر التدبير بالنتائج ويستحيل التدبير التشاركي … .
ولتصحيح هذا الوضع لابد من صياغة مدونة مهام جديدة ، للنهوض بأدوار جديدة ، وفق علاقات جديدة، لكل مكونات المورد البشري داخل المؤسسة التعليمية ،تأخذ بعين الاعتبار أدوار المدرسة المغربية الجديدة ،ومقتضيات المشروع المجتمعي، في اتجاه استجابتها لانتظارات منظومة التربية والتكوين، وكسب رهان إرساء فعلي لحكامة تدبيرية ،وتحدي تحسين الرتب في الاختبارات الدولية، و التحكم في مدلات التدفق ومؤشرات الانسياب، والارتقاء بمعدلات الإدماج والانتقال وتطوير المستوى، وتجويد عروض التكوين أمام انسداد أفق عروض طلبات التشغيل.
إن مقاربة المورد البشري انطلاقا من منظور التسيير ليست كمقاربته وفق منظور التدبير، تماما كالفرق « بين مسك الملفات وتدبير الكفاءات » ،وكتسيير شؤون الموظفين وتدبير المورد البشري ».على حد تعبير نبيل فرحات في مقال » تدبير الموارد البشرية بين تعدد الإكراهات وتحديات المستقبل »
إن كل مكون من مكونات المجتمع المدرسي إذا حفز ،هو طاقة مخزنة للمعرفة والخبرة ،ومالكة لوسائل الإنتاج ، فهي صانعة لكل تغيير مهما كان بطيئا فهو مستمر، ويؤدي إلى إنجازات ملموسة ، ولو كانت صغيرة ،لأنها محفزة على نجاحات أخرى، تشكل رافعة للمردودية الداخلية والخارجية، ولمهننة المعرفة المنخرطة في الاقتصاد المخطط .
Aucun commentaire