وعانق الفارس عروسه فلسطين
وعانق الفارس عروسه فلسطين "حيدر عبد الشافي في ذمة الله" سامي الأخرس " أناديكم وأشد على أياديكم ، وأبوس الأرض تحت نعالكم وأفديكم … أناديكم " ما أروع طائر الفينق الفلسطيني عندما يغرد أناديكم ، ويدون بإحساس مرهف متداركاً أن على هذه الأرض من يستحق أن تُقبل الأرض التي يدوسها ، وأن هناك أبطال تتغني بهم حجارة الوادي ، وقمم الجبال ، وسهول البحر والأنهار ، تتراقص فخراً لهم زهرات الحب والعشق الوطني … إنهم قادة اشتروا الوطن وبايعوه بيعة نصر وثبات ، عاهدوا الله وما بدلوا تبديلا . في منتصف الليل ومع بواكير صباح رمضاني والطيور تسبح في أعشاشها ، والأكف ترفع بالدعاء قياماً وسجوداً لله في شهرُ مبارك ترجل الفارس وأعتلي صهوة اللقاء ، اللقاء مع ربة راضياً مرضيا ، لتقف مسيرة إيمان بالوطن ويسجل التاريخ على صفحاته مناضلاً أعطي لفلسطين كل شيء ولم يأخذ شيء سوي محبة الجميع ، والثناء والمديح أينما ذكر اسمه ، لم يختلف عليه أثنان ولم ينتقده أحدأ سواء مواطن أو سياسي أو حزبي أو تنظيمي ، نال الإجماع بالمحبة وتوج بشهادة مقدسة بالانتماء . أرتحل المناضل الفلسطيني الكبير " د.حيدر عبد الشافي " ليلة أمس عن عمر يناهز الثامنة والثمانون أمضاها مؤسساً للفعل الوطني ، وطبيبا بمهنة الإنسانية ، لم يهن ولم تنال منه الألوان والأطياف ، ووقع علي شهادة ميلاده باسم فلسطيني الهوية والانتماء ، فلسطيني لم يرتدِ سوي ثوب الوطن ، لم تغره ألوان الأحزاب ومغرياتها ، مضي فلسطينياً حتى فارقنا أمس وهو علي عهده كما شهد عام ميلاده 1919 فلسطينيته الهوية والانتماء. وُلد مناضلنا المرحوم د.حيدر عبد الشافي في مدينة غزة عام 1919 م وبدأ مسيرته التعليمية بمدارسها ، وواصل حتى تخرج طبيباً من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1934م وبدأ بمزاولة مهنته في مستشفي يافا والمجمع الطبي العربي ، وفي عام 1964م شارك مناضلنا في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وترأس أول برلمان فلسطيني خلال الفترة الواقعة بين 1962-1965م ، وأبعد إلي بيروت عام 1970م بتهمة نشاطه بمنظمة التحرير الفلسطينية ، وفي عام 1972م ترأس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني واستمر في عمله السياسي الوطني النضالي والاجتماعي حتى عام 1990م حين تولي وترأس الوفد الفلسطيني المفاوض في مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن ، إلا انه استقال حين معرفته بوجود قنوات سرية بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني وعاد إلي غزة مصارحاً أهله وشعبة بشفافية ومصداقية لم نعهدها بأهل السياسة ، ولكن لأنه مناضل بحجم فلسطين كان كما عاهدناه صريحا مصداقا شفافا . ومع قدوم السلطة الوطنية عام 1993م وتنظيم أول انتخابات تشريعية في فلسطين رُشح المناضل عن محافظة غزة وفاز بأعلى الأصوات ولكنه سرعان ما استقال من المجلس التشريعي احتجاجاً على الفساد وعدم محاسبة المفسدين ، وكعادته صدوقاً خرج ليقول لشعبة لا يمكن أن أعيش في بيئة مملوءة بالهواء الفاسد ، ليؤكد إنه لم ولن ينزع عباءته الوطنية وعهده مع شعبة ، ولم يردد سوي اسم فلسطين حباً واخلاصاً . ومنذ الاستقالة استمر مناضلنا بعمله ونشاطه الوطني حتى أن لبي نداء ربه ليلة أمس . ما يميز هذا المناضل الذي تنحني الهامات احتراماً وتقديراً ووفاءً له ولوطنيته إنه كان فلسطينياً لم يتوشح العباءة الحزبية ولم يتقوقع خلف راية عمياء ذات لون واحد واتجاه ضيق ، إنما ارتدي الثوب الفلسطيني ، وأعتمر كوفية التراث الفلسطيني وتوج بتاج العلم الواحد ذو الأربع ألوان. ترجل مناضلنا والحسرة والألم تعتمر قلوبنا جميعاً مما هو عليه أحوال الوطن وأحوال شعبنا في فلسطين ، حيث جحد أشباه القادة ، وأطفال المهرجانات والخطابات بحق أمثال هذا المناضل ، وتلاعبوا بمسيرة الآلاف من أمثال الدكتور المناضل حيد عبد الشافي ، هذه المسيرة التي عمدت بالعذابات وبالدماء والألام والتضحيات ، لو أتعب هؤلاء الصغار بفكرهم ، والمراهقون برؤيتهم ، من باعوا الوطن بأبخس الأثمان للأسياد من الشرق والغرب أنفسهم بقراءة مسيرة هذا المناضل فإنهم سيركعوا تحت حذاء كل طفل فلسطيني حرموه من والده ، وكل امرأة فلسطينية أبكوها حسرة على زوج أو ابن أو أخ ، وكل آه خرجت تتحشرج عذاباً تحت سياطهم على أجساد أبناء فلسطين ، وكل جرح أدموه برصاصاتهم ، وكل شريف شوهوه باتهاماتهم . آه أيها المناضل لو علموا من أنت ومن هي فلسطين لخروا سجدا راكعين نادمين لما اقترفوه بحق هذا الوطن وهذا الشعب . ترجل الفارس الأخير ناقماً على أشباه القادة ، صغار الفكر ، مراهقي العقل ، وهو يتمني أن لا يحشروا معه على صفحات التاريخ ، وفي خندق فلسطين التي أنهكوها ، واغتصبوا كرامتها … رحلت أيها المناضل … ولن ترحل فلسطين التي عمدتك بالحب ، واحتضنتك بالقلب .. ويخلف المناضل ألف مناضل ، ويحمل اللواء ألف قائد … وتستمر فلسطين تبكي مناضلاً لتستقبل مناضلاً آخر … بكتك مناضلنا فلسطين بكل أحرفها ، وبألوانها رايتها ، وبحبيبات ترابها ، برجالها ونسائها ، بأطفالها وشيوخها. الرحمة للمناضل الدكتور حيدر عبد الشافي ، والعزاء لفلسطين وشعب فلسطين …. باسمي واسم كل الشرفاء من هذا الشعب وكل اخوتي الكتاب والقراء سامي الأخرس 25/9/2007
Aucun commentaire