تكريم من نوع خاص لأكاديميين فلسطينيين في غزة:
للمرة الأولى التي أحضر فيها تكريم ولم يمر بهذا الحفل الوجوه المعروفة التي ترتدي ربطات العنق، وأخذت من العلم وسيلة للأستوزار عبر الخطب الفضائية، والفذلكة الكلامية، وتصفيط الكلمات للحصول على رضى الرئيس ولفت انتباهه أو الخارجية، بغرض الحصول على وزارة أو سفارة يمارسون بها غرورهم ونزقهم المتعالي الهادف للغرف من هذه الحياة وبذخها، وممارسة فسادهم المتبرجز علميًا وأكاديميًا.أما هذا التكريم الذي دعوت إليه فقد لمست فيه شيء لم ألمسه من قبل قط، نظرت بالوجوه المكرمة والمدعوة فلمست وجه الاختلاف، وهو كان يجب أن ألمسه منذ أن قرأت الدعوة الموجهة من لجنة النشاط الطلابي والتجمع الديمقراطي للعاملين في الجامعات، التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة، فهذه الشريحة الطلابية، والإطار الجماهيري أكيد يحمل ميزات في دعوته بما إنه يمثل الطبقة الأكثر اجتهادًا ومثابرة، ونضالًا، وظلمًا من مجتمع بنى أركانه الحديثة على الفساد والمحسوبية والواسطة، والمظاهر الخادعة الكاذبة.كلما صعد مكرم للمنصة لاستلام هديته الرمزية نظرت بتعجب للأسماء والشخوص فجميعها من الوجوه التي ترعرعت بشوارع المخيم، ونهلت من الفقر ولا زالت الكثير، ترعرعت بثورة الحجارة وقصص غسان وجيفارا، بحثت عن النماذج الثورية، واتخذتها قدوتها وقارعت بها جند المحتل بالأزقة، والحواري، فمنهم من اصيب، ومنهم من هدم بيته على رأس أهله ثأرًا وانتقامًا منه، وجلهم أدمي زند البندقية راحة يديه، وقضي في القيد سنوات شبابه وعمره، فلم يثنيهم موروثهم النضالي بالبندقية عن القبض على زند القلم ومواصلة مسيرة النضال التي بدأوها في ريعان الشباب، فأصبح البحث العلمي والعلم مبتغاهم، دون أن ينالوا مساعدة أحد بمنح تعليمية لا تذهب إلا للمتلصصين على النضال، وسارقي القوت من الأفواه، ولم يستقطعوا من المساعدات التي تصل لشعبهم بالواسطة أو بالمحسوبية، بل تنكر الجميع لهم، فاقتطعوا من قوت أبنائهم وواصلوا مسيرتهم العلمية، وحصلوا على أعلى الدرجات العلمية، وبأكثر أفقًا وعلمًا من الآخرين، ورغم ذلك فإن الجامعات الفلسطينية تتنكر لهم لأنهم لا يملكون واسطة، بل يملكون علمًا أكاديميًا وثوريًا لا يملكه الآخرون، فتغلق كل الأبواب بوجوههم، وتفتح لزنادقة الواسطات والفساد، والمحسوبيات، وأصحاب الياقات وربطات العنق، وخطباء الفضائيات والمؤتمرات الاحتفالية، وأصحاب الاستوزار، الفارغين من العلم والعقول الرشيدة والسديدة.
ولأنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأطرها الطلابية والشعبية التي تبحث عن التميز دومًا في العطاء، كان لها الكلمة في تكريم الأكثر علمًا ووفاءًا للوطن ولقضاياه، والمثابرون الذين تجرعوا الألم والفقر، وواصلوا المسيرة.ولأنها جبهة جورج حبش ووديع حداد وغسان الأديب كان لها الكلمة في تتويج هؤلاء باحتفالية تكريمية تجاهلها الآخرون لأنهم لا يجنوا من خلفها المكاسب والاسترزاق من جمعيات الدعم التركية وغيرها، والمنح الأكاديمية التي توزع على الصف القيادي الأول وأبناء الباشاوات الجدد، أباطرة الدجل والنفاق الوطني.إنها لحظة لم تكن بالحسبان وأنا أنظر حولي لأجد مجموعة من الأسرى والمناضلين يكرمون بعيدًا عن صخب الإعلام، والنفاق، يكرمون أكاديميًا بمسيرة حافلة بالعطاء النضالي والعلمي، وسيرة حبلى بالكفاح على الصعيدين الوطني والذاتي.فهنيئًا لهؤلاء هذا التكريم المنصف، وفخرًا بجبهة الفقراء التي تستحق منا أن نشكرها بمواقفها الإيجابية كما ننتقدها بمواقفها السلبية، فهي جبهة تستحق أن نكون معها دومًا بكلمة وفاء عندما تكون وفية لمبادئها وتطلعاتها وأهدافها ولشعبها بكل فئاته، وتستحق أن ننتقدها عندما تخطئ من وجهة نظرنا طبعًا، وتستقبل نقدنا بكل صدر رحب.ما زادني عجبًا وعزة بهذا الحفل، مداعبة أحد القيادات المحلية الجبهاوية لي أثناء خروجنا، بالقول : »أنا قلت للرفاق كيف تكرمون من ينتقدنا » فقابلته بابتسامة متبادلة، بالقول » هذه هي جبهتكم التي تدرك أن من ينتقدها يحبها أكثر ممن ينافقها » لأن من يقدم النصح والإرشاد هو المحب الحقيقي لهذا الصرح التنظيمي الوطني الكبير، وهكذا عهدنا الرفاق دومًا أوفياء لقضاياهم.فكلمة حق إن ما رايته يوم الأربعاء 20 أكتوبر 2010م بمؤسسة بادر من تكريم أذهلني واستوقفني كثيرًا أمام حقيقة واحدة أن الرجال هم الرجال لا يبرحون مقاعدهم، وهذه هي جبهة الرجال » حبش الحكيم، والأديب غسان، والمناضل الشهيد وديع حداد، والثائر جيفارا غزة » وليس غريب على حزب أمينه العام استقال، وأمينه العالم الثاني استشهد، وأمينه العام الثالث يخوض معركة في زنزانة الأعداء.سامي الأخرس24 أكتوبر( تشرين أول) 2010
Aucun commentaire