حماس والمال السياسي بعد حرب غزة
حماس والمال السياسي بعد حرب غزة
هانيبال
أعلن الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت في 5/6/1947 في خطاب له في جامعة هارفارد مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ، وكانت حكومات أوروبا الغربية وفي نفس الوقت قد شكلت هيئة للإشراف على إنفاق أموال هذا المشروع التي بلغت قيمتها 13 مليار دولار تحت اسم منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي ، وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة أعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوربية ، ولكن هدف الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن تعمير أوروبا فحسب وإنما كان وبالإضافة إلى ذلك إزالة آثار الحرب التي ترتب عليها تدمير الجزء الأكبر من رأس المال الأوربي وإضعاف وتدمير الحكومات البرجوازية الأوربية والتصدي للأحزاب التقدمية والنقابات العمالية خاصة وان مقاومة القوات النازية والفاشية كانت قد نهضت على عاتق هذه الأحزاب وهذه النقابات التي أخذت على عاتقها أيضا مقاومة الخيانات البرجوازية كما في فرنسا ، وكانت النتيجة أن انتهت الحرب والمقاومة سيدة الموقف على المسرح السياسي في القارة الأوربية ، لذلك كان رد فعل رأس المال الأمريكي والحكومات البرجوازية الأوربية التي سلمته زمام أمرها هو التصدي الفوري لتلك الأحزاب والنقابات والمقاومة وجماهيرها العريضة للحيلولة دون خروجها من شبكة العلاقات الامبريالية الأنجلو – سكسونية ، وما أشبه اليوم بالبارحة ، وإذا كانت نتائج الحرب العالمية الثانية قد وضعت الحكومات البرجوازية الأوربية في حالة من الخوف والذعر من الشعوب الأوربية ، ودفعتها إلى الارتماء في أحضان التنين الأمريكي ، وساقتها إلى الخيانة الوطنية حتى مكنت الأمريكيين من الاطلاع بسهولة وبساطة على أسرار صناعاتها ووضع أيديهم على ثرواتها العلمية والمادية والبشرية ، والاستجابة بلا تردد للشروط الأمريكية والانخراط في الأحلاف والتبعية الاقتصادية ، وتوحيد الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة في إمبراطورية امبريالية واحدة جديدة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن نتائج حرب غزة وفي هذا الوقت الذي نرى فيه الساحة الفلسطينية منقسمة بين معسكر مقاومة ومعسكر مساومة والساحة العربية منقسمة بين دول اعتلال ودول ممانعة ومنظمة الأمم المتحدة تقف مع الدكتاتورية الامبريالية الاحتكارية الانجلو – سكسونية موقفا يتراوح بين الاحتجاج وبين التصدي للمقاومة أعلنت الدول المانحة التي اجتمعت في مؤتمر شرم الشيخ في 2/3/2009 مشروع مارشال لاعمار قطاع غزة وتقديم مبلغ 5،2 مليار دولار ، لكن الهدف من وراء هذا المؤتمر وهذا المبلغ الضخم الذي يتجاوز حجم الخسائر وحجم المبلغ الذي طلبته السلطة الفلسطينية وهو مبلغ 2،78 مليار دولار يفضح نوايا هذا المؤتمر لأنه لا يمكن أن يتصور إنسان مهما بلغت درجة سذاجته أن هؤلاء المؤتمرين المتآمرين يمكن أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم ، ومن لا يريد أن يتذكر التاريخ فليقرأ الحاضر لأن الحاضر ابن الماضي والتاريخ هو علم دراسة الماضي ، ولذلك كان الهدف الذي تسعى إليه الامبريالية الأمريكية من وراء ذلك هو إيقاف المد الثوري ، والسيطرة على ثروات العالم ، وتحقيق مردود ربحي اكبر لرأس المال الأمريكي ، وتكريس الدولار سيدا للعملات العالمية ، وقد نجحت واشنطن في تحقيق سيطرتها الاقتصادية عن طريق الاستثمارات وبرامج الاعمار وشراء المشروعات والسيطرة على الثروات الطبيعية والمعدنية والباطنية والأسواق والموارد البشرية والمعنوية مقابل وعود بالتسديد بالدولار أو مقابل إعطاء الدائنين شهادات بتلك الوعود ، وعن طريق طبقات قطرية فئوية نخبوية كمبرادورية نجحت بمعونة واشنطن في تنمية علاقات ترتبط بالمخابرات المركزية الأمريكية ، وهذا هو عين ما نراه اليوم يحدث في أفغانستان والعراق وفلسطين وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وإذا كانت حقيقة مشروع مارشال الأوروبي هي عملية احتيال سياسي للسيطرة على أوروبا فكيف ستكون نسخته الفلسطينية الجديدة المختلفة كل الاختلاف من حيث القدرة والقوة ومن جميع النواحي الحضارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهذه حقيقة لا تحتاج معرفتها إلى اختراق ستار الحكمة الذي يحجب كل شيء ، لأن الدول المانحة اشترطت أن تترافق عملية الاعمار مع بذل جهود حثيثة للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الصهيوني بشكل عاجل وسريع في هذا العام وعلى قاعدة الالتزام بشروط اللجنة الرباعية الدولية وخاصة الاعتراف بدولة إسرائيل ، وقد عرض بيرلسكوني استضافة محادثات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في جزيرة صقلية مجددا خطة ايطالية لبدء مشروع مارشال لدعم الاقتصاد الفلسطيني ،
ودعا خافيير سولانا المفوض الأعلى للسياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى تحويل أموال الاعمار إلى حكومة سلام فياض وهذا يعني استعادة سلطة رام الله حضورها ونفوذها في غزة ، وتعهدت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تصل المساعدات المالية لحركة حماس وقالت في كلمتها في شرم الشيخ ( عملنا مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس على وضع ضمانات لاستخدام أموالنا في المكان وللأشخاص المستهدفين فقط حتى لا ينتهي بها المطاف في الأيدي الخطأ ) رغم أن هذا المال لم يأت من خزائن الأمريكيين الاحتكاريين بل من مدخرات المودعين العرب وغير العرب والمساهمين الأمريكيين الصغار ومن دافعي الضرائب ومن بعض المصارف الأمريكية ، وهذا يعني أن المرابين الأمريكيين الكبار سوف يسرقون المودعين العرب وغير العرب ومواطنيهم لأنهم لم يوظفوا من أموالهم ما يستحق أن يعود عليهم بكل هذه الأرباح المتوقعة التي سوف تعزز مواقعهم في هذا النظام ألربوي الدولي ، وذلك بالإضافة إلى أن المؤتمر لم يدين العدوان ولم يحمل الكيان الصهيوني تبعات إعادة الاعمار، ولم يحدد آلية أو سقف زمني لإعادة الاعمار ، ولم يطرح قرارات عملية وفعلية لإنهاء معاناة غزة ، ولم تطرح قرارات عملية وفعلية لفتح المعابر وخاصة معبر رفح وهذا يعني دخول أموال الاعمار وأدوات ووسائل الاعمار عن طريق إسرائيل وهو ما يعني أيضا مكافأة إسرائيل ماديا ومعنويا على جريمتها في تدمير غزة ، وذلك إلى جانب توظيف الاعمار توظيفا سياسيا للضغط على حركة حماس وابتزاز المواقف السياسية منها ، وتقوية سلطة رام الله على حساب سلطة غزة ، وفرض شروط سيئة على حوار القاهرة ،
لكن الأمر الذي يستحق الأسف وان كان لا يستحق الاستغراب هو هذا الموقف العربي وخاصة موقف السعودية وموقف دول الخليج العربي الذي تطابق مع الموقف الأمريكي وموقف الرباعية في ربط المال والاعمار بالالتزام بشروط الرباعية رغم أن السعودية ودول الخليج العربي قد أعلنوا أنهم سوف يقدمون مبلغ 1650 مليون دولار ، وهذا المبلغ بد ذاته كافيا لاعمار غزة وسوف يكون أكثر مع الأموال التي يمكن أن تقدمها إيران والشعوب العربية والجاليات الفلسطينية والعربية في الخارج ومشروع المؤاخاة بين العائلات في الأردن والعالم مع عائلات قطاع غزة الذي أطلقته الحركة الإسلامية في الأردن ، وخاصة أن مشرع اعمار غزة لا يحتاج أكثر من 1900 مليون دولار ، لكن الموقف العربي وموقف الجامعة العربية الذي يربط المساعدات بالاعتراف بشروط الرباعية ويرفض المساعدات الإيرانية ينطلق من حاجة هذا النظام العربي إلى الحماية الأمريكية ، لكن هذه الحماية ليست حماية مجانية ولكنها حماية مدفوعة الأجرٍ ماديا ومعنويا ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية وهي تدرك حاجتها إلى وقوف الأنظمة العربية معها ضد شعوبهم تدرك حاجة هذه الأنظمة إلى وقوف الولايات المتحدة معها ضد شعوبها ، ولذلك وضعت نفسها في موقع القادر على توجيه الأحداث حتى تخدم في النهاية المصالح الأمريكية
.
http://yousefhijazi.maktoobblog.com
Aucun commentaire