العقل التربوي الرسمي ونتوءات الاختلال في التنظير( معالم من واقع ممارسة المفتش التربوي )
العقل التربوي الرسمي ونتوءات الاختلال في التنظير
( معالم من واقع ممارسة المفتش التربوي )
عبد العزيز قريش
في المقاربة:
هذه الورقة؛ بما أنها تقع في النظرية النقدية التربوية، التي ليست معارضة مجانية تطلب إلغاء الآخر جمعا أو فردا، فكرا أو عملا، تنظيرا أو اقتراحا، تشريعا أو توجيها، لمنظومة التربية والتكوين أطرا كانوا أو مؤسسات كانت، كما يعتقد البعض حين تعاطيهم مع النظرية النقدية التربوية! بل هي دعوة إلى تكامل وتناسق جهود كل الحريصين والصادقين، سياسيين كانوا أم تربويين أم باحثين أم مواطنين عاديين، مسؤولين أم غير مسؤولين، من أجل بناء حاضر ومستقبل واعد للفرد والمجتمع والدولة. وهي النظرية النقدية التربوية حين تصريفها في مكانها تعتبر مواقف مشرفة، وخير جهاد إن قالت كلمة حق في وجه نظام تربوي تكويني مختل ومعتل، وهي القادرة على إهداء العيوب والاختلالات للنظام التربوي والتكويني ليقوم نفسه بنفسه، ويطلب الإصلاح بقناعة ورؤية واضحة مع فهم دقيق لوضعيته وواقعه مع منح وإهداء الصورة الأجمل والأحسن والأروع للمجتمعين المدرسي والمغربي ليقوم أفرادهما بتقويم الخطأ في ذات هذا النظام، وفي واقعه بغية تحقيق الأصوب والأصح والأنفع والأسلم في مكوناته ونتائجه ومحصلاته. وبما أنها تقع من جهة أخرى في مساحة ورقية جد محدودة، تحاصر الباحث في نوعية المسلك المنهجي، وفي كم ونوع المنطوق المعلوماتي والاستنتاجي والاستشهادي لمفاصلها وتفاصيلها. لهذا؛ ستسلك الورقة النقد منهجية، والأسلوب المباشر آلية للتواصل والتحليل والتركيب والاستنتاج فضلا عن الاقتراح والتوصية، والاختصار هدفا في الكم مع استحضار النوع فيه، وضرب الأمثلة بالحجج والبراهين دليلا عن أحكام المتن، متجاوزة في كثير من مناطق القول الرد عن أحكام قيمة مطلقة هشة في حق هيئة التفتيش التربوي من قبل الوزارة أو بعض المؤسسات الرسمية المهتمة بالتربية والتكوين.
في الدواعي:
القارئ لصورة التفتيش التربوي في العقل التربوي الرسمي للوزارة، يجدها واضحة في بداية تشكل هذا العقل استنتاجا من موقعه في النظام التعليمي المغربي قبيل الاستقلال وبدايته، حيث كان قطب الوزارة المنوط به توظيف هيئة التدريس وإقرار ترسيمهم من عدمه وتأطيرهم ومراقبتهم بل وتكوينهم في الميدان. ولكن مع التعاقب الزمني وفي ظل بعض الممارسات السلبية التي لا يقاس عليها من قبيل ما أورده أستاذنا الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله في قوله: ( من حين لآخر، وفي الغالب مرة واحدة كل سنة أو سنتين، يدق عليه ] أي المعلم [ باب القسم شخص ثالث. إنه هذه المرة ليس المدير ولا المعلم المجاور، ولا التلميذ الذي يطوف المدرسة باحثا عن الطباشير أو الممسحة أو الخارطة، إنه المفتش. فماذا سيكون شعوره إزاء هذا الوافد الجديد … المخيف؟ أغلب الظن أن شعوره في هذه الحالة لا يختلف عن شعور التاجر الذي لا يضبط شكليات الحسابات، عندما يفاجئه مفتش المالية؟ يدق المفتش باب القسم، أو لا يدق. يفتح الباب والمعلم يرتعد … يطلع على أوراق التحضير والتوزيع السنوي والتوزيع الشهري… يلتفت إلى الصور التي قد تكون على الجدران، يلقي نظرة على السبورة، وعلى الطاولات، والتلاميذ. يجلس في مقعد، يستمع إلى الدرس، يسجل ملاحظات، أو يكتب التقرير مباشرة. ثم تنتهي الحصة، ويغادر المفتش القسم بعد أن عاش المعلم المسكين ساعة من أطول ساعاته، عانى فيها من أنواع الارتباك والاضطراب ما جعله يتصرف أثناء الدرس بانفعال ودون ضبط … وقد يزيد في حدة الموقف عدم استجابة التلاميذ للدرس، أو فضول بعضهم الذي لم يتردد في إلقاء أسئلة » غير مناسبة » … المهم هو أن المفتش غادر القسم أو المدرسة، ساكتا أو بعد ملاحظات وانتقادات … وبعد أيام، أو أسابيع، يأتي تقرير المفتش … التقرير الذي يحكي ما رآه هذا الأخير، وما سمعه وما سجله … يأخذه المعلم على عجل، وعيناه تبحثان عن النقطة … حتى إذا تبينها، وقرأها مرارا، ألقى نظرة على ما هو مكتوب من ملاحظات » وتوجيهات » مكرورة معروفة. هذه صورة مؤسفة، صورة كاريكاتورية، بعض الشيء، ولكنها صورة الواقع الفعلي، إن لم يكن مائة في المائة، فسبعون في المائة أو يزيد. والنتيجة الوحيدة التي يمكن استخلاصها من هذه الصورة، هي أن الجانب التربوي في تعليمنا شكلي كله:
ـ التكوين في مدارس المعلمين تكوين اسمي، مغرق هو الآخر في الشكلية.
ـ أما التأطير والمراقبة التربوية، أي ما نسميه بالتفتيش، فلعله أكثر الجوانب شكلية وسطحية في تعليمنا كله. أكثر المفتشين عندنا يهتمون بالمظاهر والشكليات فقط، بالأوراق، بالصور، بجداول الحصص، بالتوزيعات … والملاحظات و » التوجيهات » تأتي شكلية كذلك: لماذا فعلت كذا ولم تفعل كذا؟ لماذا قلت كذا … التلاميذ يرفعون أصابعهم مع ضجيج … الإجابات جماعية أوراق التحضير قديمة … غير ملونة … السطور غير مستقيمة … الخط غير واضح … إلى آخر القائمة المعروفة )[1]. وهي سلبيات أصبحت على لسانه حكما مطلقا متوارثا بين أجيال هيئة التدريس، في خطاب تربوي شعبوي يعمم دون أن يخصص، متناسيا قوله رحمه الله: ( لعلني أثقلت عليكم، بل ربما عممت الحكم على الكثيرين الذين يبذلون جهدا كبيرا في أداء مهمتهم والرفع من مستوى العمل التربوي الذي يمارسونه، ولكن عذري هنا هو أنني قصدت إلى إبداء العيوب وتجسيمها حتى نكون على بينة من أمرنا )[2]. واتخذته الوزارة واستقراء الآراء في محطات إصلاح تعليمها حكما عاما تجاه هيئة التفتيش التربوي التي لا ننفي عنها بعض الممارسات السلبية كما تقع في مختلف أطر الوزارة والقطاعات الأخرى، فهذا معطى اجتماعي نابع من سوسيولوجيا المجتمعات نتيجة عوامل متنوعة ومختلفة، أشدها تأثيرا العامل التربوي والثقافي والقيمي. حتى شكلت الوزارة عقلا سلبيا تجاه التفتيش التربوي. فحملته المسؤولية في أكثر من موقع وموضع دون النظر في أسباب ما رمته به من تقصير؟! واتخذته مشجبا لأخطائها التنظيرية والتطبيقية. وقد كان أحد العروض الذي نسب إليها إنشائيا ـ ولم أنسبه إليها إداريا حينها لانتفاء الشروط الإدارية عنه ـ وسم جهاز التفتيش في الموسم الدراسي 2010/2011 ب: ( * ضعف مساهمة هيئة التفتيش التربوي في تأطير الدخول المدرسي على مستوى المؤسسات؛* نقص في زيارات المؤسسات التعليمية من طرف المفتشين التخصصيين؛ * تأخر في المصادقة على جداول الحصص من طرف المفتشين التربويين )[3]. ووسمته وثيقة هي الأخرى شبيهة من الناحية التوثيقية والإدارية بالوثيقة الأولى، مؤرخة بيوم الجمعة 26 فبراير 2016. وجاءت بصيغة pdf، تحمل عنوان: » أهم خلاصات الملفات التي عالجتها المفتشية العامة للشؤون التربوية » بالتالي: (* ضعف معدل التأطير والمراقبة بشكل عام إذ لم يتجاوز معدل الأنشطة المنجزة: ( 62 ) نشاطا بالسلك الابتدائي؛ ( 47 ) نشاطا بالسلك الثانوي. *طغيان منطق التفتيش والذي قارب نسبة ( 50% ) بالابتدائي، وتراوح بين ( 45% و 33% ) في الثانوي؛ * محدودية الأنشطة التأطيرية ( الندوات والزيارات )، والتي تشكل المهمة الأساس لهيئة التفتيش التربوي )[4]. وقد استخلص التقرير السنوي[5] للمجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008 ارتسامات عامة حول نظام التفتيش الحالي خلصت بالنسبة لموضوعية تقويمات المفتشين إلى القول: ( أما بالنسبة لموضوعية تقويمات المفتشين، فيرى 31% من مدرسي الثانوي أنها فعلا موضوعية، مقابل 24% يرون العكس. أما بالنسبة لمدرسي الابتدائي فالنسبة هي على التوالي 31% و32% )[6]. وأما عن قلة نجاعة نظام التفتيش، ومحدودية التكافؤ، والنقص في النزاهة، والنقص في الشفافية، والطابع الجزئي، والطابع السطحي؛ وهي كلها تمتد في العقل الباطن إلى قول المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري السابق، ويعيدها إلى السطح العقل الفوقي للمجتمع المدرسي بقوله: ( إلى جانب النقص المعبر عنه بخصوص نظام التفتيش الحالي، يرى فيه المستجوبون اختلالات أخرى هي: * قلة النجاعة » 30% من مدرسي الثانوي مقابل 28% من مدرسي الابتدائي « ؛ * محدودية التكافؤ » 31% من مدرسي الثانوي مقابل 30% من مدرسي الابتدائي « ؛ * النقص في الشفافية » 35% من مدرسي الثانوي مقابل 32% من مدرسي الابتدائي « ؛ * النقص في النزاهة » 34% من مدرسي الثانوي مقابل 33% من مدرسي الابتدائي « . هناك انتقادات أخرى لنظام التفتيش ولكنها أقل حدة مقارنة مع الانتقادات السابقة، وتهم الطابع الجزئي لهذا النظام » 42% من مدرسي الابتدائي مقابل 34% من مدرسي الثانوي « . طابعه السطحي كما عبر عن ذلك 44% من مدرسي الابتدائي مقابل 34% من مدرسي الثانوي. أما الأساتذة الذين ينتقدون موضوعية نظام التفتيش فهم قليلون » ربع المبحوثين تقريبا » مقارنة مع الانتقادات السابقة الذكر )[7]. واستكمل المجلس الأعلى للتعليم بصيغته الجديدة منطوقه حول جهاز التفتيش بقوله: ( لكن المفتشين – الذين يمارسون التفتيش حاليا – لم يتلقوا كلهم التكوين الأساسي الذي يؤهلهم لمزاولة مهامهم الجديدة على الوجه المطلوب. فقد تم تعيين العديد منهم على أساس الأقدمية وحدها، دون أن تتم مواكبتهم بواسطة آلية لتقييم ممارستهم المهنية، والتعرف على مدى تأثيرها في المردودية البيداغوجية للمدرسين. إن الإكراهات الموضوعية لمهنة التفتيش، والمتمثلة في عدم تعميم التكوين على جميع أعضاء هذه الهيئة، وعدم استغلال التقارير البيداغوجية التي يضعها المفتشون، والمعيقات المادية والتنظيمية التي تعترض القيام بمهمة التفتيش، وتدهور صورة هيئة المفتشين ومصداقيتها وفعاليتها، كل ذلك ينذر بضرورة التفكير في أنماط أخرى لتأطير الممارسات البيداغوجية، وتقييمها، ومواكبتها، حتى يتسنى الرفع من مستوى الكفايات البيداغوجية للمدرسين )[8]. وهو قول كسابقيه في عمومية وشعبوية لا يناسب من يتصدى للبحث العلمي والدراسات العلمية الدقيقة، فكيف يكون في سنة 2014 الذين يمارسون التفتيش حاليا » لم يتلقوا كلهم التكوين الأساسي الذي يؤهلهم لمزاولة مهامهم الجديدة على الوجه المطلوب. فقد تم تعيين العديد منهم على أساس الأقدمية وحدها، دون أن تتم مواكبتهم بواسطة آلية لتقييم ممارستهم المهنية، والتعرف على مدى تأثيرها في المردودية البيداغوجية للمدرسين » ومركز تكوين المفتشين حاضر فينا قبل 1965 قولا منطقيا وموضوعيا وناتج عن محلل تمرس في البحث والدراسة؟ ألا يقف هذا الحكم عاجزا أمام السؤال المنطقي والعقلاني والموضوعي اتجاهه بالقول: هل قمت بدراسة مسحية لمجموع المفتشين العاملين حاليا فوجدت كل المفتشين لم يتلقوا التكوين الأساسي؟ أهذا الحكم مبني على معطى إحصائي على الأقل؟ أم هو الكلام سائبة يأتيه من هب ودب، وادعى البحث والدراسة والتأليف والتلفيق؟ … والله؛ ثم الله لأتأسف على مثل هذه التقارير التي تدعي التحليل، وهي تنقل كلاما عاما، وتقوم بتدوير المعرفة لا بتأثيلها وبتأصيلها! وهذه الصورة أكدتها بصيغة أخرى ومنطوق كلامي عام الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 ـ 2030 بقولها: ( محدودية نجاعة أداء الفاعلين التربويين وما يعانيه التكوين الأساس والمستمر من نقائص )[9]. والمفتش التربوي من الفاعلين التربويين. وسؤال دراسة النجاعة علميا وتجريبيا يظل قائما في حق هذه الرؤية. فالإصلاح لا يقوم على الرأي، وإنما يقوم على الحقائق العلمية الواقعة والموجودة حقيقة، وليست الأوهام التي تبدو كالحقائق وهي خلاف ذلك. حيث تصبح تلك الأوهام مبررات ضرورية خاطئة، يبنى على مقتضياتها معمار الإصلاح، فينهد المعمار مع الوقت لأنه لم يبن على الحقائق الحقيقية والموضوعية الفاعلة في الوضعية التعليمية. ففي غالب الأحيان والأوقات؛ تتولد استيهامات شخصية مضافة عند الفرد يعتقد أنها الواقع، وهي في حقيقتها غير مرتبطة بالواقع الفعلي المعيش البتة. ولهذا؛ وجب النقد في حق العقل التربوي الرسمي الذي أسقط عليه مقولة أستاذنا المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري: ( إن نقد العقل جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة. ولكن نهضتنا ] التربوية والتكوينية [ الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى، ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن. وهل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟ )[10].
وأما الأدبيات التربوية والخطاب التربوي و » الثقافة التربوية » فيسودها الكثير من الأحكام السوداوية تجاه هذا الجهاز نتيجة أسباب متعددة، منها الشخصي، والذاتي، والموضوعي، والمؤسساتي، والتاريخي … ولا داعي إلى ذكرها، ويمكن كإشارة لبعض منطوقاتها الدخول إلى الشبكة العنكبوتية والاطلاع على عديد المقالات في شأنه خلا الردود التي تأتي في بعضها متشنجة ومنفعلة لا تعبر إلا عن الحالات النفسية الانفعالية التي لا تساهم في الحوار، ولا في تطويره، ولا في مقاربة ومعالجة الظاهرة المطروحة. وأما الواقع التعليمي فيعج بالمشاكل والقضايا التي ترتبط بهذا الجهاز كطرف فيها، من حيث أداء واجبه المهني. فهو المشرط الذي يستأصل الظواهر المرضية من الفعل التعليمي والإداري التربوي، بما يموقعه في خانة الجهاز غير المرغوب فيه! أما إذا شخصنت القضايا، فهو يصبح العدو اللدود للطرف الثاني في القضية. فتتحامل عليه أطراف القضايا مصورة إياه غولا يأكل حقوق الآخرين، ومتسلطا لا يفقه من الأمر شيئا؟! والغريب أن الوزارة في بعض القضايا التي هو فيها مظلوم لم تنصفه!؟ نتيجة ضغط هنا أو توصية هناك. أما عن تفعيل دوره فيأتي في أكثر الأحيان رجل إطفاء للمشاكل التربوية أو البيداغوجية أو الاجتماعية التي تنشب هنا أو هناك، والتي تنتج عن تشنج المجتمع المدرسي لتضارب المصالح في أغلب الأحيان. فتجده غارقا في فض النزاعات. ويأتيه الحكم بالتقاعس والتقصير ممن نصبه رجل إطفاء؟! … وعلى العموم؛ فمشهد جهاز التفتيش جد معقد ومتشابك الأغصان وكثيف الأوراق وغامق الظلال. منه تنبثق إشكالية العقل التربوي الرسمي في رسم الصورة الحقيقية لجهاز التفتيش التربوي. بل؛ لنقل رسم الهوية الحقيقية لهذا الجهاز. فذهب إلى البحث عن صيغ للتأطير بناء على ما أملي عليه بإيجاد مسميات أخرى مؤطرة بمذكرات ومراسلات وزارية يستنجد بها للقيام بما لم تقم به ـ حسب رأيه ـ هذه الهيئة التي تقع بكم الإطار والمهام تحت حتمية التكوين الأساس. فكيف لمسميات لم تكون أن تقوم مقام هذه الهيئة؟ أليس في التنظير نتوءات تبين بالملموس الاختلال في التفكير؟ أهي الأقدمية في الممارسة الصفية كفيلة بالتأطير؟ أهي مناقشة موضوع هنا أو هناك مباشرة أو عبر الوسائل الرقمية كفيلة بالتأطير هي الأخرى؟ أم للتأطير كفايات وقدرات وأساسيات معرفية وإجرائية وأخلاقيات وقيم … لابد من التمكن منها والتحكم فيها نظريا وعمليا وإجرائيا؟ أليس السؤال الجوهري يتجه إلى البحث عن أسباب ضعف التأطير الحقيقية؟ أهي في المؤطر أم المؤطر أم في منظومة التأطير ووسائلها وآلياتها وثقافتها ونظامها وتنظيمها … ؟ أليس التأطير علم؟ أم هو هواية؟ وما دور مركز تكوين المفتشين في هذا التأطير من حيث تكوينه للمفتشين التربويين؟ والأسئلة تطول وتتشعب، وتزيد عمقا ودقة عندما تقع تحت ظلال التشريع. ذلك؛ ما مفهوم: » التأطير » و » الإشراف » و » المراقبة التربوية » مؤسساتيا حتى نحكم على الجهاز بالتقصير أو ندعي » محدودية الأنشطة التأطيرية < الندوات والزيارات > « . ونعتبر المهمة الأساس لهيئة التفتيش التربوي دون سند تشريعي. ودون البحث في الأسباب التي أدت إلى هذه المحدودية؟ أليس في عدم تحديد المفاهيم تغييب للمسؤولية والمحاسبة ومدعاة التبرير؟ أليس هذا الغياب ينم عن الاختلال في التنظير؟ ألا يدعو تحديد المفاهيم تحديد المهام والاختصاص، وبالتالي يحدد المسؤوليات ويحدد مداخلها ومتطلباتها وشروطها ودواعيها؟ أليس المشهد الملتبس لصالح الأحكام المطلقة الجزافية؟! أسئلة تقف في وجه العقل التربوي الرسمي قبل أي عقل آخر. فهذا العقل هو الذي يدبر المنظومة التربوية والتكوينية بكل مكوناتها. وهو المسؤول الأول عن أية ثغرة أو تقصير أو هفوة أو غفوة! فهو المنوط به التقويم والمحاسبة والتصحيح … ولأجله؛ وحتى نفهم هذا العقل جيدا لابد من توصيفه، والوقوف على ملامح من اختلالاته، وتأثيراتها السلبية على الممارسة الميدانية للمفتش التربوي، من أجل إيقاظ الوعي في هذا العقل للتصحيح عبر نماذج من الواقع المعيش وتحت سقف من التوصيات.
وقبل التعاطي مع مفردات إشكالية العقل التربوي الرسمي واختلالات تنظيره، وانعكاسها على واقع ممارسة المفتش التربوي وعلى أدائه وناتجه، لابد من مقاربة الجهاز المفاهيمي لهذه الإشكالية كما يلي:
في الجهاز المفاهيمي:
1 ـ العقل التربوي الرسمي؛ فما العقل التربوي؟ وما الرسمي؟
- العقل التربوي: بما أن هذا العقل متعلق بالوزارة، وهي وزارة للتربية والتكوين بما، تعني من تفكير، وعلم ومعرفة، ومنهجية وسترجات، وتشريع وتدبير، وقيم أخلاق، وإجراءات وسلوكات وأفعال، وعقلنة ومنطق، وإبداع، ورزانة وثبات، ووعي وفهم دقيق، وبحث ودراسة … إلى غير هذه الدلالات التي تمتاح من مجال التربية والتكوين، ويوحي بها فعل التربية والتكوين. لذا؛ نقف على الدلالة المعجمية التي تفيد هذه المعاني بجانب الدلالة الاصطلاحية التي تتماشى وهذه المعاني. فنجد العقل من الدخلة المعجمية » ع ق ل » وتعني من بين ما تعني: العلم، الإدراك، الفهم، الربط؛ فـ ( ، التحصن، الحبس؛ فـ ( العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد، يدل عظمه على حبسة في الشيء، أو ما يقارب الحبسة. من ذلك العقل، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل. قال الخليل: العقل: نقيض الجهل. يقال عقل يعقل عقلا، إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو الزجر عما كان يفعله )[11]، المنع، القيد، الدية … فالعقل: ( العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها … )[12]. هذه المعاني لابد أن يحتويها العقل التربوي الرسمي تجده يعلم بمجال اشتغاله، ويفهمه، ويدركه، ويحصنه من المنزلقات، ويحبسه عن الأخطاء، ويمنعه من الانحراف، ويقيده بما فيه فائدة ومصلحة عامة، ويضبطه بالمعرفة والعلم مبعدا إياه عن الجهل، ويربط بين مكوناته ربط تفاعل وتناسق وتكامل خدمة لزبنائه وإلا أدى الدية والضريبة من مستقبل البلاد والعباد فضلا عن الانحطاط الحضاري، وتفويت الوقت والتاريخ … ولن نذهب إلى مجموع التعاريف التي تعاطت مع العقل فنعرج أولا على ما قيل في العقل؛ حيث العقل ( جوهر مجرد عن المادة في ذاته مقارن لها في فعله، وهي النفس الناطقة التي يشير إليها كل واحد بقوله: أنا، وقيل: العقل جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقا ببدن الإنسان، وقيل: العقل نور في القلب يعرف الحق والباطل، وقيل: العقل جوهر مجرد عن المادة يتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، وقيل: العقل قوة للنفس الناطقة وهو صريح بأن القوة العاقلة أمر مغاير للنفس الناطقة، وأن الفاعل في التحقيق هو النفس، والعقل آلة لها بمنزلة السكين بالنسبة إلى القاطع، وقيل: العقل والنفس والذهن واحد، إلا أنها سميت عقلا لكونها مدركة، وسميت نفسا لكونها متصرفة، وسميت ذهنا لكونها مستعدة للإدراك. العقل: ما يعقل به حقائق الأشياء، قيل: محله الرأس، وقيل محله القلب … العقل: مأخوذ من عقال البعير، يمنع ذوي العقول من العدول عن سواء السبيل، والصحيح أنه جوهر مجرد يدرك الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة )[13]. وقيل: ( العقل في اللغة العربية : مصدر عقل يعقل، وأصل مادته الحبس والمنع، وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي: يحجزه عن الوقوع في الهلكة، ولذا سمي أيضاً حجراً، لأنه يحجره عن ارتكاب الخطأ، وسمي كذلك : نهية، لأنه ينهى صاحبه عن فعل ما لا يحمد. وقال بعضهم : أنه مشتق من المعقل، وهو الملجأ، فكأن الإنسان يلجأ إليه في أحواله. ويطلق العقل في الاصطلاح على معان منها : 1- الغريزة المدركة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الحيوانات، وهذه التي يسقط بفقدها التكليف الشرعي. 2- المعارف الفطرية، والعلوم الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء، وأن الحادث لا بد له من محدث ونحو ذلك من العلوم الأولية الضرورية. 3- ويطلق كذلك على : إدراك المعارف النظرية، وما يستفاد من التجارب الحسية، ومنه جرى إطلاق العلم على العقل، ويسمى فاقد هذا جاهلاً وأحمقاً وهو يختلف عن المعنى الأولى من جهة أنه لا يسقط التكليف. 4- ويطلق أيضاً على العمل بمقتضى العلم، ويدل عليه نفي الكفار للعقل عن دخولهم نار الجحيم كما قال سبحانه : « وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير »، ويسمى العقل بهذا الإطلاق : معرفة وبصيرة )[14]. والعقل عقول[15]؛ منها: ( ـ العقل الهيولاني: هو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات وهي قوة محضة خالية عن الفعل، ] فالوزارة معنية بهذا العقل لإدراك جميع الأطروحات والمقترحات الواردة إليها من مختلف المكونات والمتدخلين والمهتمين بالعمل التربوي والتكويني بعيدا عن الفعل، وأي فعل كان. فهذا الاستعداد أجده فطريا بالنسبة إلى كينونتها بحكم موقعها الرسمي في التنشئة الاجتماعية [ … العقل بالملكة: هو علم بالضروريات، واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات ] والنظريات بالنسبة للوزارة أساس اشتغالها، فبدون نظريات فلا تفسير للمفاهيم والأدوات والمواضيع والوقائع … [. العقل بالفعل: هو أن تصير النظريات مخزونة عند قوة العاقلة بتكرار الاكتساب، بحيث يحصل لها ملكة الاستحضار متى شاءت من غير تجشم كسب جديد، لكنها لا يشاهدها بالفعل. ] والعقل الذي يجب أن تمتلكه الوزارة من أجل الاستفادة مما راكمته عبر السنوات في عقلها وخزتها بدل البدء من جديد كما تقوم به الآن. كل يلغي ما كان سابقا ويبدأ من جديد؟! [. العقل المستفاد: هو أن تحضر عنده النظريات التي أدركها بحيث لا تغيب عنه. ] والمتمعن في العقل التربوي الرسمي يتساءل: هل للوزارة عقل مستفاد؟ أليس تكرار الأخطاء وغياب التفكير الاستراتيجي عنها دليل عن أحقية طرح السؤال؟ [ )[16]. ونستخرج من هذه التعاريف تعريفا إجرائيا نقصد منه ما يناسب وظيفة التربية والتكوين بما لها من دلالات في نطاق العقل، فنقول العقل: » هو الإمكانات التي منحها الله سبحانه للإنسان ـ والإنسان بموقعه الوظيفي الرسمي جزء من المؤسسة وعقلها ـ ليستخدمها ويوظفها في العلم والمعرفة، والعمل والتدبير، بما يكون معها فاهما وواعيا بما يعلم وبما يفعل، طالبا المنفعة العمة والخاصة في ذلك، مجتنبا المضرة العامة والخاصة « .
وهذا التعريف فيه بعدان متساوقان ومتداخلان في نفس الوقت، وهما: البعد المجرد المتعلق بالعلم والمعرفة والإدراك والتحليل والتخيل والنظر العقلي … والبعد الحسي المتعلق بالربط والحبس والإمساك، وبالعمل والفعل والتطبيق … حيث ( تجمع المعاجم العربية على أن المعنى الابتدائي لكلمة » عقل » أعني المعني الذي يحيل إلى المشخص المحسوس، هو » الربط « . قال في لسان العرب: وعقل البعير يعقله عقلا وعقله واعتقله: ثنى وظيفه مع ذراعه وشدهما جميعا في وسط الذراع، وكذلك الناقة. وذلك الحبل هو العقال، والجمع: عقل … والعقال: الرباط الذي يعقل به )[17]. ويؤدي كذلك إلى ( مجموعة المبادئ والمفاهيم والمعايير التي تشكل الرؤية الكلية ] للإنسان [، وهي بالطبع مكتسبة، وإن كانت تطل على الإمكانات العقلية، وترتبط بها )[18]. وبما أن هذا العقل يشتغل في المجال التربوي، بما هي التربية ( السياسة والقيادة والتنمية )[19] المتضمنة معنى ( نشاط قصدي يهدف إلى تسهيل نمو الشخص الإنساني وإدماجه في الحياة والمجتمع ). فكان عقلا تربويا. وقد ورد القول مطولا هنا لأن العقل هو الأهم في العمل التربوي والتكويني لأنه مصدره.
2.1. الرسمي: نسبة إلى الرسم من الدخلة المعجمية » ر س م « [20] وتعني: الأثر الباقي بعد حين، والكتابة والخط، والأمر بالشيء أو الفعل أو النهي…، وحسن المشي، والترقي إلى درجة أعلى. وما يهمنا هو أن الرسمي هو الكتابة والخط والأمر بالفعل والنهي عن الفعل بما يؤدي إلى حسن الفعل والترك، ويبقي كل ذلك في الأثر محفوظا من أجل الترقية في المجال التربوي والتكويني. لذا؛ يعرف الرسمي بـ ( المنسوب إلى الرسم. » العمل الرسمي » عمل ينتسب إلى الدولة ويجري على أصولها المقررة. » رجل رسمي « : يمثل الدولة في قوله أو عمله. » التعليم الرسمي « : التعليم الذي تؤمنه الدولة، خلاف التعليم الخاص )[21]. وهو ما يفيد أن العقل التربوي الذي يشكل موضوع هذه الورقة يتمثل في العقل التربوي المرتبط بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني رسميا، ويتمظهر في مجموع وثائقها المتنوعة المكتوبة والمخطوطة والمؤرشفة، وفي أعمالها وأقوالها المسندة إلى نسائها ورجالها الذين يمثلونها رسميا، وهم في موقع المسؤولية ينظرون ويخططون ويطبقون، ويوجهون ويرشدون … ويصدرون الأوامر والنواهي … ويرجع إليهم الأمر في اتخاذ القرارات …
3.1. العقل التربوي الرسمي: عقل مرتبط بمجال اشتغال وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مؤسسة مسؤولة عن التربية والتكوين من ألفها إلى يائها، عبر مختلف قراراتها الموثقة والمرصدة والمؤرشفة فضلا عن أقوالها وأفعالها الرسمية الثابتة بموجب طرق الإثبات المتعارف عليها.
- نتوءات الاختلال في التنظير: فما نتوءات الاختلال؟ وما التنظير؟
1.2. نتوءات الاختلال: وتتركب من نتوء واختلال؛ فترى ما دلالة كل منها؟ حيث نتوء من الجذر اللغوي » ن ت ء « [22]، وتدل على الخروج من الموضع دون انفصال عنه، والارتفاع، والانتفاخ، والتورم، والنهد، والبلوغ، والطلوع. وأما الاختلال[23] » فيعني الخلل والفساد، والوهن، والاضطراب، وفقدان الرشد، والصيرورة إلى الخل، فنقول مثلا: اختل عقله بمعنى اضطربت فيه ملكة التفكير ، فصار مختل العقل. وهو مزيد خلل، وللزيادة معان عدة منها الصيرورة … وعليه؛ أن الاختلال في تنظير الوزارة يظهر واضحا في نتوءات واضحة وجلية مثل قمة الجبل. ولا تنفصل عن عقل الوزارة. ما يؤدي إلى الوهن والفساد والاضطراب في ناتج التنظير، فيعود ذلك سلبا على فعلي التربية والتكوين على مستوى الممارسة الصفية والتدبير والتسيير … وأما التنظير؛ فمادة لغوية من الدخلة المعجمية [ ن ظ ر ] وتعني من بين ما تعني: ( أبصر وتأمل بعينيه، وتدبر وفكر في ] موضوع النظر [ يقدره ويقيسه … )[24] وكذلك الحكم والفصل بين الناس، والبصر، والتفكير حيث نقول في القضية نظر … والتنظير مصدر نَظَّرَ حيث نقول: ( تَنْظِيرُ شَهَادَتَيْنِ: الْمُقَابَلةُ بَيْنَهُمَا، وتَنْظِيرُ أفْكَارٍ: التَّأمُّلُ فِيهَا مَلِيّاً لِوَضْعِهَا نَظَرِيَّةً ونظَّرَ ينظِّر، تنظيرًا، فهو مُنظِّر، والمفعول مُنظَّر، نظَّر نتائجَ بحثِه: وضعها في شكل نظريَّة، ونظَّر الشّيءَ بالشّيءِ: قابله به، ونَظَّرَ شَهَادَتَهُ الوَطَنِيَّةَ بِشَهَادَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: قَابَلَهَا بِهَا )[25]. وهي كلها معاني نووية موجودة في قولك: تنظير الأفكار أو مفردات الموضوع أي التأمل والتبصر والنظر فيها مليا وبدقة ووعي لوضعها في نظرية. فالتأمل يستدعي الدراسة المتأنية والتبصر بالأفكار أو بمفردات الموضوع والحوار بخصوصها استجلاء للعلاقات البينية بينها، والتأثرات الحاصلة فيما بينها لأجل صوغ حكم نحوها أو تفسيرها … فالتنظير إذن، هو امتطاء العقل والدراسة والبحث من أجل وضع موضوع التفكير في نظرية تفسره وتجمع شتاته تحت ظلها. ومنه؛ حين لا يستقيم اشتغال العقل وأدواته من دراسة وبحث وتعقل، يقع في موضوع اشتغاله نتوءات بارزة وواضحة في نتائجه أو ذاته أو طريقة الاشتغال عليه أو في تفسيره … تدل على الاختلال بوضوح وجلاء لأنه من خارج العقل. وعليه فإن:
2.2. نتوءات الاختلال في التنظير: هي الاختلالات الواضحة والكامنة في تنظير الوزارة للفعل التعليمي وفي تشريعاتها وقوانينها المكتوبة أو المنطوقة فيما تصدره في ممارسة اختصاصاتها.
3 . معالم من واقع ممارسة المفتش التربوي:
مفرده معلم من » ع ل م « ، وهي العلامة و الإشارة الدالة والمآثر. ومنه؛ العلامات والإشارات والمآثر الدالة على نتوءات الاختلال في التنظير تنبع من واقع الممارسة المرتبطة بالمفتش التربوي. والواقع يفيد كل وجود كما هو موجود وقائم في عالم الوجود. والوجود هنا قد يتخذ الحالة المادية أو الحالة غير المادية. فالإنسان بصفته وباسمه وبذاته البيولوجية الحسية، هو واقع إن كان يعيش فعلا في وسط اجتماعي وجغرافي معين … أما الأفكار فهي واقع من خارج الحالة المادية موجودة. وبذلك يمكن أن أعرف الواقع من منطلق الوجود هو: » الواقع هو الموجود المدرك بالحس أو بغير الحس، فهو وجود محايث مدرك « ، فيدخل في هذا التعريف الموضوع الشيئي والموضوع العلمي كواقع موجود مدرك بالحواس أو بالعقل. وأما الممارسة فهي مصدر مارس حيث نقول[26]: < مارس يمارس ، مراسا وممارسة، فهو ممارس، والمفعول ممارس. فمارس الشخص الشيء: عالجه وزاوله، قام بعمله. ومارس سلطته: فرضها. وتكتسب المهارة بالممارسة: بالاحتكاك والتدريب. وطبيب ممارِس: طبيب متدرب. وممارس عام: طبيب حديث التخرج >. ومنه؛ في مزاولة وممارسة المفتش التربوي توجد عدة دلائل واقعية موجودة، تبرهن على الاختلالات في العقل التربوي الرسمي، وظهورها على سطح ممارسة المفتش التربوي في صور متعددة، تطلب الإصلاح والتدخل بالعقل والوعي حتى تعود المياه إلى مجاريها، ونحصل نتائج إيجابية تعود على الفعل التعليمي بما يخدم المتعلم وينميه من كل جوانب شخصيته. وبما ينمي المجتمع والدولة في جميع المجالات المتنوعة القائمة في مرافق الدولة وفي بنى المجتمع. والمفتش التربوي هو ذلك الإطار الذي يمارس اختصاصه وفق القانون وضمن أخلاقيات المهنة في المنظومة التربوية والتكوين.
من مفردات العنوان يمكن تجميع تفاصيل الورقة من خلال مفاصلها التالية:
أ ـ العقل التربوي الرسمي:
يفيد العقل التربوي الرسمي أن الوزارة تمتلك عقلا فلسفيا، ومنطقيا، وموضوعيا، وعلميا، مبدعا مبتكرا، واستراتيجيا، ومتبصرا، ومؤسساتيا، واع باشتغاله في مجاله بمقتضى كونه هو العقل الرسمي الذي يعلم النشء التفكير الفلسفي، والتفكير المنطق، والفكر الموضوعي، والتفكير العلمي، و التفكير الإبداعي والابتكاري فضلا عن التفكير المؤسساتي والاستراتيجي المتبصر بما يعمل، الواعي بنفسه وموضوعه وبآلياته وبمجتمعه وبأهدافه. ويربي أبناء الأمة على القيم التي يحاصر هذا العقل بمراعاة عدم السقوط في الأخطاء والاختلالات الكبرى. وتحتم عليه تحري الدقة والنفعية في كل ما يصدر عنه. والقارئ لتنظير هذا العقل للعملية التعليمية التعلمية، وعلى مختلف المستويات ليكتشف بعض الاختلالات التي تذهب بالسؤال نحو مدى التزام العقل التربوي الرسمي بما يكون به عقلا؟ فمثلا:
ـ على مستوى استمرار المرفق العمومي انطلاقا من الفكر المؤسساتي: كيف يكون هذا الفكر مؤسساتي وهو لا يعمل بمنطق استمرارية المرفق العمومي؟ ذلك أن الوزير الذي يحل بالوزارة ينكر على صاحبه ما قرر وأبرم، وما هندس وخطط …؟ ولا يراكم المنجزات ويرصدها ويقومها ويستثمرها، ويطورها ويحبرها ويحسنها؟ فمثلا: مدرسة التميز أصبحت في لغة الهرطقة التربوية مؤسسة أعيان، والأعيان بعيدون كل البعد عنها. فهم لا يدرسون في المدارس المغربية! أليست هذه المؤسسة مدخلا لتكوين النخبة العلمية التي ستشارك في بناء مغرب الغد؟ وما هي الدلائل الواقعية والمادية التي يفيد بأنها مؤسسة الأعيان؟ هل هناك من بحث ولو إحصائيا عن عدد أبناء الأعيان في هذه المؤسسة؟ أم هم أبناء الطبقة الوسطى قد يكون من بينهم بعض الطبقات الميسورة؟ الأغلب الأعم كانوا أبناء الموظفين بمختلف مراتبهم وأطرهم ودرجاتهم! وهذا لا يقوم دليلا موضوعيا على إلغائها! وأجد ـ والله أعلم ـ أن من أخافه ترقي أبناء الطبقة الوسطى التي هي في عرف علم الاقتصاد طبقة الفقراء الجدد ضمن الحراك الاجتماعي، إلى الأعلى أن يضاهيهم أو يزاحمهم أو يتفوق عليهم حسدا من عندهم … فكم ممن يريدون أن لا يتقدم المغرب ويتطور على مختلف الأصعدة حتى يبقون على رؤوس الأشهاد! … كما يمكن دعم هذا الخلل بمثال بيداغوجيا الإدماج، التي ألغيت بجرة قلم لم يدلي بحجة أو بينة قاطعة بأنها فاشلة؛ فلا يوجد على حد علم الباحث دراسة مسحية علمية تفيد بأن هذه البيداغوجيا فشلت في المدرسة التعليمية الابتدائية على الأقل بحجج موضوعية ومنطقية لها دلالة التبرير الموضوعي على الإلغاء؟! وإنما هنا إحساسات ومشاعر ومقاومة أدت إلى إلغائها أكثر مما هناك من عقلانية وموضوعية وعلمية واحترافية! … هناك همروجة لا ترقى أن تنتمي إلى وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، العقل النابض في الأمة! …
ـ على المستوى المنهجي في ترجمة المنهاج الدراسي في الكتب المدرسية خاصة منها للتعليم الابتدائي دروسا للتدريس: يفيد العقل العلمي ومعطى العلوم الحقة والإنسانية أن لكل موضوع معرفي مدرسي منهجه الخاص به، بمراعاة خصوصياته ضمن الإطار المنهجي للحقل المعرفي الذي يندرج تحته ذلك الدرس. فمثلا: درس التراكيب الابتدائي قد نوظف فيه المنهجين الاستقرائي والاستنباطي؛ حيث ينطق الأول من الخاص إلى العام، بمعنى من الجزء إلى الكل، ومن التطبيقات الخاصة إلى المبدأ العام. في حين ينطلق الثاني من العام إلى الخاص، بمعنى من الكل إلى الجزء، ومن المبدأ العام إلى التطبيقات الخاصة. وهما ممكنان التطبيق في هذه المادة، حتى نمكن المتعلم من منهجين متعاكسي الاتجاه ومع خصوصيات كل منهج، فيصبح تفكير المتعلم متعدد المناهج، بل متعدد استراتيجيات التفكير. فعندما يلغي العقل التربوي الرسمي أحد المنهجين مثلا، ويشتغل بمنهج واحد، فهو يحنط عقل المتعلم في منهج واحد، ويقولبه في صيغة تفكير واحدة، تؤدي به إلى التفكير في اتجاه واحد. وهذا ما تجليه التقويمات الدولية، وبعض التقويمات البحثية التي تنوع من مناهج التفكير وأنماطه. فهل العقل التربوي الرسمي يعي هذا المعطى المنهجي؟ وهل يعي خطورة الاقتصار على نمط منهجي واحد؟ فلكلا المنهجين بعض الملاحظات، وبعض الانتقادات التي لا محل لها الآن. لكن يبقيان حاضران في الدرس المدرسي. غير أن العقل التربوي الرسمي قطع مع المنهج الاستنباطي في ذاكرته التاريخية بصراحة وأدخله في اللاوعي/ اللاشعور من خلال التطبيقات التي توظف في غالبها المنهج الاستنباطي، وذلك منذ بداية الاستقلال. فقد جاء فيما تبنته وزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة كتابا مقررا في مدارس المعلمين والمعلمات قوله: ( طرق التعليم: هي كذلك نوعان: طريقة استقراء وطريقة استنتاج. طريقة الاستقراء: هي أحسن من طريقة الاستنتاج … إن الطريقة الاستقرائية طريقة مماشية لعقول الأطفال، لأن العقل ينمو بطريق الإدراك الحسي قبل الإدراك الكلي … أما الطريقة الاستنتاجية فهي غير مماشية لعقول الأطفال، إذا استعملت من أول الأمر في البحث. أما إذا استعملت إثر الطريقة الاستقرائية على صورة حوارية فمن مزاياها حينئذ: تمرين الطفل على التعرف إلى جزئيات الكلية، وتدريبه على استعمال القواعد استعمالا صحيحا، كما أن من مزاياها بالنسبة للمعلم: اختبار محصل التلاميذ من الدرس المقروء بطريقة الاستقراء )[27] . لذا خزنها في اللاشعور للتطبيقات!. والسؤال الجدير بالطرح هو: بأي الطريقتين يتعلم المتعلم؟ والدرس التركيبي يجيب بأنه يوظف المنهجين معا! وسنبين بأن المنهجية الاستقرائية هي السائدة في الدرس التركيبي منذ 1957 مع بعض التعديلات. ومنه؛ فهل العقل التربوي الرسمي يستفيد من التطورات والمستجدات في الحقول المعرفية متنا ومنهجا وأدوات ونظريات أم هو على شاكلة واحدة مع تغير الأسماء فقط! فيكون عقلا مستقيلا لا عقلا مستقلا. وعقلا تابعا لا عقلا مبدعا …
ـ الاشتغال في التنظير من الرأي لا من الحقائق العلمية: يفيد مسار إصلاح المنظومة التربوية والتكوينية أن العقل التربوي الرسمي يترك الاشتغال بالحقائق العلمية والمعطيات الواقعية، ويشتغل بالرأي، والرأي قد يكون مطابقا للعلم والواقع وصادقا، وقد يكون غير ذلك وهمالا قاتلا. ويكفي أن أسرد هذه الثقوب في اشتغال العقل التربوي الرسمي دليلا على كيفية اشتغاله. فــ ( منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما قبله، ومنظومة التربية والتكوين تشهد سلسلة من محاولات الإصلاح، تبدأ حيث يبدأ الوزير القائم على الوزارة، وتنتهي بانتهاء توزيره عليها. ودواليك؛ نعيش نفس الأسطورة العرقوبية التي تأتي بالإصلاح ولا تأتي به. وبتنا ننام على الحلم ذاته ونصحو عليه، ونحن ننشد إصلاح منظومة معقدة تعقد مداخل إصلاحها. ونتوق إلى تحقيق النتائج والأهداف المنشودة. لكن نحصد الفشل تعرقبا، وتزداد الأزمة تأزما، والألم يعصر العروق دما على ضياع الأجيال والمجهودات في دوامة لا ينتهي دوران دواليبها المسننة، وفي تيه لا ينقضي زمنه ولا مفعوله. يحفر في الجسد التربوي الأخاديد سيولها تجرف حضارة المستقبل نحو اليتم الإنساني نتيجة البدء والعود على البدء دون البدء بأدوات القراءة والتحليل والتفسير والبحث في تشريح معطى المنظومة التربوية والتكوينية التنظيري والعملي والواقعي. وإنما البدء من مقترحات وآراء لا تشكل في واقعها حقائق علمية عن معيش هذه المنظومة المسكينة، التي أضحت الأسئلة الفلسفية تجاهها ترفا فكريا تموت بين شفاه فلاسفة التربية قبل أن تفعل فعلها! وأصبح التفكير فيها عين الألم وجسد المسيح المصلوب طبق مؤمنيه وجرح محمد صلى الله عليه وسلم النازف في الطائف! كلما ازداد التفكير في إشكالات ومشاكل المنظومة عمقا كلما ازداد أسا وأسفا على تراجيديا سيرورة إصلاحها. فها هي اليوم تخرج المنظومة من منتديات الإصلاح عبر مرورها من تقرير المجلس الأعلى للتعليم والبرنامج الاستعجالي إلى اللقاءات التشاورية لاستكشاف عللها وأسقامها حتى تتوفر » على تحليل موضوعي للأسباب الكامنة وراء الإخفاقات التي عرفتها المنظومة التربوية خلال السنوات الأخيرة » في سياق « ضرورة القيام بتقييم علمي يسمح بالوقوف على مدى جدوائية ونجاعة كل ما أنجز واستشراف المستقبل « . وكيف يكون التحليل موضوعيا داخل لقاءات تشاورية أو تقييم علمي ما لم يتخذ الأدوات العلمية في التقييم؟ سؤال يطرحه التفكير الناقد على اللقاءات التشاورية من باب تصحيح وتحسين وتطوير مقاربة الإصلاح. فتأتي الثقوب الرديفة في:
الثقب الأول: تقتضي مقاربة مدخل الإصلاح تكامل بعدي التفكير فيه؛ وهما التفكير السياسي التربوي والتفكير التربوي، من منطلق اختلاف طبيعتهما أولا ثم من منطلق اختلاف اشتغالهما على المنظومة التربوية والتكوينية ثانيا. فإذا كان التفكير السياسي التربوي تفكيرا سياسيا بالدرجة الأولى يشتغل في إحدى وظائفه على المجال التربوي من حيث أدلجة هذا المجال بما يخدم غايته السياسية، ويحقق أوطار منظومته السياسية كانت حكومة أم حزبا، أو على الأقل تدبير الجو العام السياسي والحركية الاجتماعية القائمة نحو قطاع التربية والتكوين التي تشكل ضغطا عليه لتسكين الوضع بمسكنات الآلام الحادة؛ فإن التفكير التربوي هو تفكير تربوي بطبيعته، يشتغل على قطاع التربية والتكوين مجالا حيويا له وبيئة طبيعية لاشتغاله. من حيث تمكين المتعلم من الكفايات المشكلة لكينونته الشخصية الوجودية، التي تمنحه بعده الإنساني والاجتماعي والثقافي والتواصلي والاقتصادي والفاعلي التفاعلي بما يحقق انخراطه الاجتماعي والمجتمعي ضمن النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه؛ لما للمنظومة من دور فعال في التنمية البشرية ببناء الإنسان الناجح والمجتمع القادر. لذا وجب على التفكير السياسي التربوي أن يستثمر التفكير التربوي في إنجاح الإصلاح بعد ضبط مداخله علميا بالأدوات والمقاربات العلمية. وأن لا يهمشه ويقصيه في خضم البحث عن حلول للقضايا والمشاكل التي تعيشها المنظومة تخفيفا من الاحتقان الواقع على التفكير السياسي التربوي كما يقع اليوم ضمن تعويم العلمية في المشهد الاحتفالي في غياب تفعيل الرؤية السترجية للإصلاح والوعي بما هو الإصلاح ضمن الوعي المستمر بالذات الفاعلة والوعي بماضيها وحاضرها واستشراف مستقبلها، وانكفاء القرار السياسي التربوي نحو منهجية عرقوبية في هذا الإصلاح: بدء وعود على بدء. وهو ما انتقده الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بقوله: ” ذلك أنه من غير المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها “. وما يتطلب إبعاد التفكير السياسي التربوي عن الممارسة السياسوية في التربية والتكوين التي تخرب على التفكير التربوي اشتغاله؛ ومنه ” فإنه لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية “.
الثقب الثاني: يقتضي التحليل الموضوعي [ للأسباب الكامنة وراء الإخفاقات التي عرفتها المنظومة التربوية خلال السنوات الأخيرة ] المنشود من الوزارة التمييز بين الحقائق العلمية وبين الآراء ووجهات النظر. فالحقيقة العلمية هي نتيجة علمية يتأكد حضورها بالمنهج العلمي وتتكرر بنفسها عند معاودة الاشتغال عليها بنفس المنهج المعتمد في تحصيلها، بمعنى تحمل الواقعية والصدقية والقطعية والموضوعية. ولن نذهب إلى درس الحقيقة الفلسفي أو المنطقي أو الرياضياتي، وإنما نذهب إلى أنها في اللغة الشيء الثابت وكنهه الواقع فعلا، وهو ما عليه في ذاته؛ المنطبق عليه ما هو في الذهن عليه. فتكون بذلك الحقيقة وجودا عينيا أو ذهنيا ما يساهم في ضبط مكامن الإخفاقات التي عرفتها المنظومة وتتيح بذلك وضع مداخل للإصلاح منضبطة للواقع وللحقائق العلمية. لتكون بذلك مقدمات الإصلاح صحيحة ودقيقة ولتنتج عنها معالجة صحيحة للإخفاقات. فليس من العلم أن نحصل على حقائق علمية يقينية من مقدمات خاطئة أو ظنية. والموضوعية تستلزم » إعطاء الحقيقة ما يتناسب مع حجمها من الاهتمام والعناية ضرب من ضروب الموضوعية المعاشة على الصعيد العملي « ، حتى لا نعطي آراء أو وجهات نظر أو تفسيرات خاطئة عن مداخل الإصلاح أو سيرورة الإصلاح فنحصل على نتائج خاطئة بوقوعنا خارج الإصلاح لا داخله، لأن الآراء أو وجهات النظر قد تنطبق مع الحقائق العلمية أو لا تنطبق، وتكون في حكم الانطباعات. وبذلك تقتضي الموضوعية أن لا » نسارع إلى تحليل النصوص والأفكار قبل أن نتيقن أننا قبضنا على أدوات فهمها على نحو كاف « . والموضوعية » ليست درسا نحفظه، ولا هي شعارات نرددها، وإنما هي إرادة وقدرة، وعلم وعمل « . وبذلك كان على الوزارة أن تقيم تقويما تشخيصيا واقعيا بأدوات علمية صارمة يفيد حقائق علمية عن مكامن الإخفاقات لا إرهاصات وانطباعات وتخمينات، ثم تضع هندسة لمعالجتها وتجاوزها ضمن أطر مرجعية توصيفية وغائية، بعدها تشرك الآخرين استشارة عن مداخل التنزيل والتفعيل. فالحقيقة العلمية لا ينكرها إلا الجاهل وأما العالم فيقر بها ويطلبها من أنى جاءت. فيكون للتشاور موقع في التنفيذ باقتناعه بالحقائق العلمية المقدمة إليه بمنهجية علمية. ومنه؛ نجد طرح الوزارة لا يتماشى مع منطق الموضوعية لأنه يخالف منطلقاتها ومطالبها، وبالتالي يستدعي النقد وفتح باب الحوار حوله قبل أن تجريه حتى ترى الوزارة من الطرف الآخر المحاور ما لم تراه، ولكي تنضج طرحها ويأتي أهدافه المنشودة. لكن مع الأسف الشديد؛ التفكير الإداري يعتبر ما تأتيه الوزارة له قدسية التنزيل، ويبعد عنه النقد وجوبا لا احتمالا، والعكس هو الصحيح لأنه معني بالنقد البناء لما تأتيه الوزارة حتما لتعلقه ببناء أمة، ومصير أمة، ووجود أمة. والبناء والمصير والوجود وقائع مهاوية تستلزم حتما إعمال التفكير الناقد البناء فيها بعمق لرفع القدسية عنها ولضبطها وفهمها بكفاية والحوار من أجلها. وهو ما يطلبه إدغار موران في الثقب الأسود الرابع بضرورة السير على طرق الفهم والتفاهم.
الثقب الثالث: في سياق [ ضرورة القيام بتقييم علمي يسمح بالوقوف على مدى جدوائية ونجاعة كل ما أنجز واستشراف المستقبل ] يقتضي استعمال التفكير الناقد والمناهج العلمية الدقيقة وأدواتها في التقييم والابتعاد عما من شأنه الخروج عن العلمية. ويقتضي الوقوف على مدى جدوائية ونجاعة كل ما أنجز الاعتراف بما أنجز أولا ثم ثانيا تقييمه وتبيان إيجابياته وسلبياته ونقط قوته وضعفه مع تقدير المجهودات المبذولة فيه لا الضرب بها عرض الحائط، وتكديس منجزاته في سلات الإنكار والجحود والنسيان، وتخزينها متلاشيات في أقبية الأبنية الحجرية بدعاو واهية لا تنهض مبررا موضوعيا لما جرى مع محطات إصلاح المنظومة التربوية والتكوينية، مما جلب تسجيل الأسف لأنه “ لم يتم العمل، مع كامل الأسف، على تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط ] البرنامج الاستعجالي [ بل تم التراجع، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، عن مكونات أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز”. ويقتضي استشراف المستقبل التحصيل على الدراسات المستقبلية في إطار المجرى العالمي بمعنى استحضار العولمة أو الكوكبية في بعض الاصطلاح العربي فيما هو قائم، ولما سيكون قائما في المستقبل، لأن العالم اليوم أصبح مجتمعا عالميا واحدا تتأثر مكوناته فيما بينها ويؤثر بعضها في البعض الآخر. ولا مناص من تدقيق مستقبل المغرب في المدى الزمني البعيد مع اعتبار المدى الزمني القصير والمتوسط لحضورهما في تنزيل المستقبل البعيد على أرض الواقع. ومن شأن الدراسات المستقبلية الدقيقة تمكين التفكير السياسي التربوي من تحديد غايته من المنظومة التربوية والتكوينية ضمن تكامله مع التفكير التربوي الذي سيبني هذه الغاية من خلال اختصاصه في المنظور القريب والمتوسط تحقيقا لها في المنظور البعيد بناء على الحقائق العلمية الواقعية والوقائع المرتقبة مستقبلا. ولا يمكن القيام بكل هذا ما لم يكن في أدراج ديوان الوزارة رؤية سترجية محكمة لما ستقوم به الوزارة علميا ومنهجيا في الإصلاح، تؤدي إلى استئصال مكامن الإخفاقات عن علم ووعي، وتخرجها من التلمس إلى الإمساك بنقط القوة ونقط الضعف فيما أنجز، وتضع تشخيصا علميا واقعيا للكائن وتوصيفه، وتستشرف المستقبل وتوصف الممكن، وتضبط ما بينهما من سيرورة الفعل. لكن ما وقع وما يقع يوحي بأن الوزارة مازالت تتلمس طريق الإصلاح ويطغى عليها هاجس إخماد نار المجتمع المتأججة في انتقادات منظمات المجتمع المدني لوضعية المنظومة وما آلت إليه من ضعف الكفاية الداخلية والخارجية، وهو ما حز في نفس صاحب الجلالة الملك محمد السادس من حيث ” أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة « ، ومقابل هاجس إخماد احتجاجات النقابات، والتعمية على النقد البناء الموجه من قبل جلالته إلى الاشتغال على المنظومة التربوية والتكوينية من قبل الحكومة السابقة بقوله: ” وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فقد كان على الحكومة الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود « . وهو النقد الذي قاد إلى هذه اللقاءات التشاورية التي تجاوزت مطالبها العلمية النظرية والتطبيقية. ومثالا على التجاوز؛ نقف على الموضوع الأول من بطاقة تأطير النقاش الخاصة بالمستوى المحلي والمتعلقة بمجالس التدبير في الفقرة باء موضوع أهم المواضيع والأسئلة المطروحة للنقاش، والذي يعلن عن نص قضيته أو موضوعه في (محدودية المدرسة الحالية في علاقتها مع المشروع المجتمعي وأسس المدرسة المنشودة ويقاربها بالأسئلة التالية: ـ أين تكمن محدودية المدرسة الحالية؟ ـ ماذا ينتظر المجتمع اليوم من المدرسة؟ـ كيف يمكن للمدرسة تلبية الحاجيات المجتمعية الحالية؟ فتنبثق منها جملة أسئلة جوهرية لا يمكن للمقاربة الانطلاق إلا من معطياتها وهي:
ـ ما المشروع المجتمعي الذي سيحتكم إليه مجلس التدبير في محدودية علاقة المدرسة به؟ وهل للوزارة المشروع المجتمعي فعلا؟ أم مجرد كلام معلق في الهواء؟ في المقابل؛ إن تركنا هذا الكلام مطلقا وعلى عواهنه، فكل رأس مشارك في المجلس التدبيري له مشروعه المجتمعي الذي سيحتكم إليه في الجواب، ونعلم أن مجلس التدبير مجالس وأن الرأس رؤوس. فانظر إلى تعقد المسألة وإلى التناقض الحاصل فيها انطلاقا.
ـ ما أسس المدرسة المنشودة التي سيحتكم إليها مجلس التدبير في محدودية علاقة المدرسة بها؟ وهل للوزارة مرجعية بهذه الأسس؟ أم هي تلك الواردة في عبارات الميثاق الوطني للتربية والتكوين العامة؟ وما قيل عن المشروع المجتمعي يقال هنا.
ـ السؤال الأول: أين تكمن محدودية المدرسة الحالية؟ هو دراسة حالة يتطلب أدوات علمية في تحديد مناطق المحدودية علميا وواقعيا وليس تكهنا. وتتطلب توظيف معاملات الارتباط لتحديد أثرها في محدوديتها بارتباطها بالمشروع المجتمعي وبأسس المدرسة المنشودة وإلا نكون أمام القول العام غير الدقيق. ومناطق المحدودية تختلف من مؤسسة لأخرى، ومن شخص لآخر … فإلى أي حد ستكون الأجوبة عن هذا السؤال أجوبة علمية صادقة قابلة للقياس علميا مؤدية إلى الحقائق العلمية المنتجة للمحدودية؟ ونحن نتحدث عن المدرسة الحالية كمؤسسة ذات هوية من خلال مكونات الهوية القانونية والتنظيمية والبنيوية والوظيفية … بمعنى أننا ندرك المدرسة الحالية إدراكا ماهويا تحت قدرة توصيفه بدقة. والذي لن يختلف عليه اثنان من حيث الإجابة عن سؤال: ما المدرسة المغربية الحالية؟.
ـ السؤال الثاني: ماذا ينتظر المجتمع اليوم من المدرسة؟ سؤال خارج عن نطاق موضوعه. فمهما كان الجواب، فلن يجيب عن المحدودية، وإنما سيستشرف انتظارات المجتمع من المدرسة، وهو موضوع آخر مفارق للموضوع الأول! وهو سؤال يؤكد غياب المشروع المجتمعي الذي يتضمن انتظارات المجتمع من المؤسسة التعليمية.
ـ السؤال الثالث: كيف يمكن للمدرسة تلبية الحاجيات المجتمعية الحالية؟ يقتضي أولا تحديد الحاجيات المجتمعية الحالية، فلا يمكن الجواب عن الكيفية في غياب تحديد الحاجيات، والعلم بها ضرورة تقتضيها مقدمات الجواب؛ بمعنى أنها من مقتضيات الجواب! ويقتضي ثانيا ربط مسألة المحدودية مع هذه الحاجيات لنقف على مكامن الخلل في كيفية تلبية المؤسسة التعليمية لها. كما أنها تؤكد كذلك غياب المشروع المجتمعي المحدد للحاجيات المجتمعية الحالية. وهو سؤال يلامس قضية المحدودية دون التعمق فيها إن سلمنا بقربيته من الموضوع انطلاقا من كونه ينفتح على استشراف كيفية اشتغال المدرسة على تحقيق وتلبية الحاجيات المجتمعية الحالية في الزمن المفترض لا في الزمن الكائن والواقع. بمعنى الجواب هو إمكانية وليس كيفا واقعا. بمعنى آخر حدث الكيفية لا يوجد لحد الساعة في الواقع فلا يمكنه أن يرتبط بالمحدودية، فهو حدث غير موجود في الزمن الحالي، فلا يمكنه بناء على ذلك أن تكون له علاقة بأي شيء مهما كان؛ سواء أكان محدودية أو غيرها لانتفاء وجوده أصلا. فبنية السؤال وطبيعته تطلب الممكن لا الكائن. وهو سؤال سيدخلنا بتتبعه إلى عوالم أخرى كعالم بناء الاستمارات والاستجوابات واستطلاع الرأي وعلم الإحصاء وعلم الاختبارات ومناهج العلوم وضوابط كل علم … وسيطول المقال، وهو المحظور في هذه الورقة. وبعيدا عن السؤال وطبيعته وأثره في موضوعه، نجد الإمكانية تتطلب من المستشار ( مجلس التدبير ) التمكن من النظرة الشاملة للمدرسة كنظام تربوي وتعليمي وتكويني، والعلم الدقيق بنسقيتها المفتوحة وبميكانيزمات اشتغالها وبمتطلبات وشروط اشتغالها. وبالتالي الجواب عن السؤال ليس بالبساطة المتصورة، حيث يحتاج إلى فريق بحث متكامل الاختصاصات. ولن أدخل في التفصيل لمقتضى الورقة السابق، كما أني لن أقارب كل مفردات البطاقات.
ومنه؛ نقف على اختلالات في منطلق اللقاءات التشاورية بما يدعو إلى مراجعتها داخل نطاق الحوار مع أهل الاختصاص قبل إنزالها إن كان لابد من تنزيلها. وإلا فإن عمليات علمية أساسية لابد من إنجازها حتى يمكن تنزيل هذه اللقاءات التشاورية مع العلم أن البطاقات هي أدوات للبحث تتطلب الضبط العلمي الدقيق والتفريغ، وهناك أسئلة مفتوحة تتطلب تحليل المضمون … والصعوبة بادية مع الرؤية العلمية لها. ونعلم أن قطار اللقاءات التشاورية انطلق، ولن يتوقف إلا بتفعيل المهم في هذا الإطار، وهو » ليس المال أو الجاه، ولا الانتماء الاجتماعي، وإنما هو الضمير الحي الذي يحرك كل واحد منا، وما يتحلى به من غيرة صادقة على وطنه ومصالحه العليا « .
الثقب الرابع: وهو التبسيط المفرط للقضية التربوية والتكوينية وتسطيحها رغم تعقدها، والاعتقاد وهما بأن الجميع له إمكانية مقاربة إشكالياتها وإشكالاتها ومشاكلها وقضاياها بكفاءة علمية وعلى مستوى عميق. ما أضفى على مقاربتها البؤس والفقر، وما ستؤدي معه المنظومة التربوية والتكوينية ضريبة هذا التبسيط في التشخيص والفهم والتعاطي والاستنتاج والتصور … وما سيؤدي إلى نتائج طابعها التبسيط والتسطيح والنظرة التجزيئية المفككة وهشاشتها العلمية. وكأني بالمنظومة التربوية والتكوينية تفتقد الوعي بتعقدها وعسر إمساك مكامن إخفاقاتها بهذا التبسيط المبتذل الذي يؤدي في أحسن الأحوال إلى حقائق مبتذلة تقع في الكلام العام والإنشاء التربوي، والتي يعدها نيلز بوهر خطأ بليدا بدل الاستعانة مثلا بإبستيمولوجيا التعقيد للاشتغال بنظرية النسق والنظرية الأيكولوجية و غيرها وإيجاد الناظم بين مكونات النسق في إطار نظرة شمولية للمنظومة. كما أن هذا التبسيط والتسطيح سيقحمنا في الذاتية الطفولية ويجلب نظرياتها الساذجة بدل النظريات العلمية التي تؤطر مبحث الإخفاقات، وبالتالي نصل إلى حقائق سطحية بسيطة بدل تلك الحقائق العميقة المؤثرة في نسق المنظومة. وتقع التعمية والضبابية والرمادية على الإصلاح بما يؤدي إلى نقيض الهدف منه. وهذا التبسيط يحيلني على مقولة: » في أوقات الأزمات يميل الناس إلى التبسيط ويكون تعقيد الصورة أمرا مكروها » . كما » أن تبسيط الأمور عدو لدود للملاحظة والتجريب والتخصيص » . وهنا لابد من الإشارة أن الأمر لا يتعلق بجمع آراء ووجهات نظر أو حقائق علمية بقدر ما يتعلق بمصير الإنسان والبلاد في الراهن والمستقبل. والبناء المشيد على التبسيط والتسطيح كثيرا ما ينهار على أهله أمام العواصف والزلازل والزوابع والأزمات لأن بنيته هشة. وكنت أعتقد أن المنظومة المنوط بها تكوين الفكر العلمي بمختلف أبعاده ستخرج بطاقات أو استمارات دقيقة في بنيتها ووظيفتها، وستطرح سيناريو التنزيل بطريقة مختلفة عما جرت عليه أطروحات الإصلاحات السابقة، بمعنى كنت أتوقع إبداعا في المقاربة، لكن مع الأسف الشديد أجد ما طرحته نسخة مما قامت به سابقا تجاه تقويم وتقييم البرنامج الاستعجالي مع اختلاف في هوامش معينة، وكأنها لم تستثمر ما سبق في طرحها قوة أو ضعفا! وكان على المنظومة الاستعانة بالخبرة الوطنية الكفوءة في إعداد البطاقات وتدقيقها.
الثقب الخامس: عدم استحضار البعد الزمني في مقاربة مكامن إخفاقات المنظومة التربوية والتكوينية وإنضاج مفاصل المقاربة زمنيا، وعدم فرز اللحظات الزمنية لمكونات المقاربة، واعتبارها سلة واحدة تستغرق نفس الزمن والمدة نتيجة عدم تدقيق المقاربة. وبالتالي؛ لن تكون الأجوبة عن أسئلتها خلا أجوبة فاكسية فوقية وسطرية. فالزمن هاجس وجودي وفلسفي بالأساس يشغل بال الفلاسفة والعلماء من حيث حضوره في أعمالهم وانشغالاتهم واشتغالهم وفي بحوثهم العلمية. والاشتغال الحدثي موضوع زمني بامتياز، له أثره على الماضي والحاضر والمستقبل. فإن لم يحضر بالقدر الكمي المطلوب والكافي؛ فإنه ينكر الماضي بكل تجلياته ودلالاته، وينهك الحاضر بانحصاره، ويُهدّد المستقبل بنتائجه. ولا يغيب عن الذهن أن إشكالية الزمن حاضرة بقوة في إنضاج المقاربة بتصفيتها وتشذيبها وتحبيرها وتدقيقها علميا من جهة أولى، ومن جهة ثانية لارتباطها بنتائج المشاورات التي تشكل » محطة أساسية في سيرورة متكاملة لبلورة « مشروع تربوي » » و » تستشرف أيضا المستقبل » و « مُساهمة في بلورة رؤيا مشتركة لما يجب أن تكون عليه مدرسة المستقبل » فضلا عن »:
ـ التوفر على تحليل موضوعي للأسباب الكامنة وراء الإخفاقات التي عرفتها المنظومة التربوية خلال السنوات الأخيرة؛
ـ التعرف على انتظارات جميع الفئات المستهدفة؛
ـ تقديم اقتراحات عملية بشأن الحلول الممكنة لتجاوز الوضعية الحالية للمدرسة المغربية؛
ـ رسم معالم وأولويات مشروع تربوي متوافق بشأنه على المدى القصير والمتوسط والبعيد » .
ولا يمكن تحقيق ذلك إذا غيب الزمن الكافي عن التشاور، فهل » تحليل موضوعي ومعلل للوضعية الراهنة للمنظومة التربوية من خلال تشخيص متقاسم » و » اقتراح حلول عملية لتجاوز الإشكالات المطروحة مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار آليات التفعيل » يستوجب فقط يوما دراسيا واحدا؟ أو بضع ساعات؟ أو ربما يستوجب أشهرا وسنوات؟ في حين يعلم الجميع والمبتدأ في طريق العلم أن مثل هذه القضايا والموضوعات تتطلب الزمن الكافي واحترام اللحظة التاريخية للتمكن منها. وأما عن التفريغ والتركيب فحدث عن الزمن فيه ولا حرج.
وبهذه الثقوب الشهود في اللقاءات التشاورية حول منظومة التربية والتكوين، تكون الورقة قد أشارت رمزا إلى مواطن الخلل فيها، وتصريحا إلى ضرورة مراجعتها وتدقيقها مضمونا ونهجا حتى لا نقع في العود على البدء. وأن الاستشارة مهما كانت مطلبا وضرورة مهنية واجتماعية وسياسية وثقافية لابد أن تقوم على أسس علمية متينة هدفها الحقائق العلمية المتطابقة مع الواقع والمؤثرة فيه وليس الاستبصار والتكهن والتخمين الذي يأتي بالمطلوب بعد محاولات خاطئة إن أتى بذلك. وإذا كان الاستبصار في ظل غياب معطيات وشروط مدخلا للتشاور فحدث عن مناطق الإخفاق قبل أن نقف على الصواب. فيهدر الزمن وتغدر النتائج. لذا؛ تدعو الورقة وبكل احترام أهل القرار إلى إرجاء هذه اللقاءات إلى حين مراجعتها بفرق علمية متخصصة في مجالها ومتمرسة في البحث العلمي وكفوءة. وما من موضوع أو حالة أو قضية إلا ويمكن تحسينها وتحبيرها وتطويرها بالنقد البناء الذي يغني نقاط القوة ويقلل من نقاط الضعف بمقترحات ومنبهات تساهم في ذلك )[28].
ب ـ نتوءات الاختلال في التنظير: وفي هذا المبحث فسنذهب إلى ما قررناه في قراءة نقدية للمذكرة الوزارية 114 بتاريخ: 06 شعبان 1425 الموافق لـ:21 شتنبر 2004 للدلالة على تلك النتوءات إزاء التي سبقتها في طريقة الاشتغال، ونضيف إليه اشتغاله بنفس المنهجيات مع بعض التعديلات منذ بداية الاستقلال حتى يكتمل المشهد هنا. ففي:
1 ـ ( قراءتنا للمذكرة الوزارية 114 بتاريخ:06 شعبان 1425 الموافق لـ:21 شتنبر 2004 موضوع: تنظيم التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي نؤسسها على مبادئ فلسفية وتربوية وقانونية نجملها في:
1 ـ المبادئ الفلسفية: وتتمثل بما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين خاصة:
*المجال الرابع موضوع الموارد البشرية بما تضمنه من الدعامة الثالثة عشرة موضوع حفز الموارد البشرية وإتقان تكوينها وتحسين ظروف عملها ومراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية؛ خاصة منها المواد: 134 ؛ والفقرة ب من المادة 135 الخاصة بإعادة هيكلة المشرفين التربويين وتنظيمها؛ والمادة 138.
*المجال الخامس موضوع التسيير والتدبير بما تضمنه من الدعامة الخامسة عشرة موضوع إقرار اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية والتكوين ومضامين موادها، والدعامة السادسة عشرة موضوع تحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين وتقويمه المستمر ومضامين موادها.
2 ـ المبادئ التربوية: وتتمثل هي الأخرى:
1.2. بما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين خاصة:
1.1.2. المادة14 من حقوق وواجبات الأفراد والجماعات من المرتكزات الثابتة.
2.1.2. المجال الثالث موضوع الرفع من جودة التربية والتكوين بما تضمنه من دعامات » 7 ـ 8 ـ 9 ـ 10 ـ 11 ـ 12″.
3.1.2. المادة 133 من الدعامة 13 من المجال الرابع السابق ذكره.
4.1.2. المادة 154 من الدعامة 16 من المجال الخامس السابق ذكره.
2.2. بما جاء في الأدبيات التربوية للوزارة خاصة:
1.2.2. الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش الصادرة عن الوزارة بتاريخ: 16 أبريل 2004؛ خاصة منها المبادئ والتوجهات.
2.2.2. مراسلة الوزارة عدد:314 ـ 90 بتاريخ 27 أبريل 2004؛ خاصة منها الفقرة القائلة: » مع تعزيز حضور ومشاركة مختلف هيئات التفتيش العاملة بالجهة والأقاليم في هذه المنتديات، واستثمار خبراتها بفتح المجال أمامها للمساهمة في تأطير منتديات المؤسسات التعليمية اعتبارا للأدوار التربوية والتواصلية لهذه الهيئة « .
3 ـ المبادئ القانونية: وتتمثل في التالي:
1.3. احترام تراتبية القوانين في القوة حيث أعلاها القانون الدستوري وأدناها التشريعات التنظيمية.
2.3. عدم تناقض القوانين الأدنى في الرتبة والقوة مع ما أعلاها في ذلك.
3.3. تأسيس التشريعات التنظيمية على المراجع القانونية ذات الصلة بالموضوع التنظيمي.
4.3. أحقية الطعن في القوانين والتشريعات التنظيمية التي تناقض وتخل بمضمون مراجعها القانونية، والتي تضرب تراتبية القوانين، والتي لا تتأسس على قوانين ذات الصلة بالموضوع التنظيمي.
وبناء على هذه المبادئ فإن المذكرة يشوبها الخلل شكلا ومضمونا وفق التالي:
1 ـ في مستوى الشكل:
بما أن المذكرتين 113 بتاريخ: 06 شعبان 2004 الموافق لـ: 21 شتنبر 2004 موضوع تنظيم العمل المشترك بين هيئات التفتيش، والمذكرة الوزارية 114 بتاريخ: 06 شعبان 1425 الموافق لـ: 21 شتنبر 2004 موضوع تنظيم التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، تعتبران تشريعا تنظيميا واجب التطبيق لا يلغيه إلا تراجع الوزارة بمذكرة أخرى على فحواه أو الطعن فيه لدى القضاء الإداري؛ فهما مذكرتان استباقيتان لا تفسحان المجال للمناقشة والتداول في شأنهما ضمن الملتقيات الجهوية التواصلية. حيث انتقلتا من موقع الاستشارة والدراسة إلى موقع التنفيذ والتطبيق. لذا فإننا لا نرى جدوى من هذه الملتقيات إلا إذا اعتبرناها منابر نبلغ المسؤولين تحفظاتنا وملاحظاتنا ومآخذنا واحتجاجنا عليها.
ولأجل هذا نعتبر المذكرة 114 وزميلاتها الصادرة في موضوع التفتيش مذكرات يشوبها العيب في الشكل من حيث مضمون الملتقيات ومقتضيات الحوار مع نقابتنا المستقلة. ونطالب بوقف تفعيلها ريثما تعالج ثغراتها في هذه الملتقيات.
2 ـ في مستوى المضمون:
فإن الخلل يشوب المذكرة 114 في:
- . المراجع القانونية المؤسسة:
إن المراجع القانونية لهذه المذكرة التنظيمية تنقسم إلى قسمين؛
ـ القسم الأول: يتضمن مواد قانونية تصلح كمرتكزات ومداخل قانونية لتأسيس المذكرة عليها وتتصل بها من خلال بنود واضحة تعد المفتاح الحقيقي لتنظيم ولاختصاصات هيئة التفتيش التربوي الابتدائي.
ـ القسم الثاني: يتضمن مواد قانونية لا صلة لها بموضوع المذكرة سواء من ناحية التنظيم أو الاختصاص، وإنما هي قوانين تهم جهات أخرى أو عامة. على الهيئة أن تفعل إشرافها على تطبيق فحواها بناء على صدورها عن الوزارة، والهيئة معنية بمراقبتها أو المساهمة في مراقبتها؛ وهذه مسألة بديهية لا يمكن الحديث عليها إلا في إطار اختصاص المرفق العام بها؛ لا بهيئة التفتيش عامة والتربوي الابتدائي خاصة. لذا يمكن الطعن في هذا القسم الثاني من المرجعية القانونية للمذكرة بدعوى عدم الارتباط بالموضوع التنظيمي.
وبما أننا أمام نصوص قانونية مرجعية فلابد من الوقوف على موادها القانونية التي يمكن أن تتأسس عليها المذكرة كما يلي:
*المرسوم رقم:2.02.382 الصادر في 6 جمادى الأولى 1423 الموافق لـ 17 يوليوز 2002 بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة التربية الوطنية؛ هو الأساس في تخويل الوزارة تنظيم نفسها، ومن تم فهو ركيزة أساسية في إصدار التشريعات التنظيمية والتدبيرية للوزارة.
*المرسوم رقم 2.02.854 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 الموافق لـ 10 فبراير 2003 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، هو المرجع القانوني في اختصاصات المفتش التربوي الابتدائي خاصة منه المادة4 والانتداب لمهام تنسيق التفتيش خاصة المادة 89.
*القانون 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين موضوع الظهير الشريف رقم 1.00.203 الصادر في 15 من صفر 1421 الموافق لـ 19 ماي 2000 القاضي بتنفيذه.
هذا القانون لا شأن له بتنظيم هيئة التفتيش التربوي الابتدائي لأنه لا يهم سوى إحداث وتنظيم الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وبالتالي لا يصلح أن يكون مرجعا للمذكرة 114. بل نجد المرسوم رقم 2.00.01016الصادر في7 ربيع 1422 الموافق لـ 29 يونيو 2001 موضوع تطبيق القانون 07.00 خاصة المادة2 المتعلقة بمجلس الأكاديمية منبع استدعاء المادة 89 من المرسوم 2.02.854 في مستوى تنظيم التنسيق المركزي والجهوي. وبعيدا عن هذا الربط التعسفي الذي استخرجناه لما وجدنا أية مرجعية قانونية جهوية لتأسيس المذكرة 114 عليها.
*المرسوم رقم 2.02.376. الصادر في 6 جمادى الأولى 1423 الموافق لـ 17 يوليوز 2002بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي. هو الآخر لا محل له من الإعراب القانوني في مسألة التأسيس القانوني للمذكرة 114 من حيث لا يوجد به باب أو مادة تهم أو تنظم هيئة التفتيش التربوي أو تحدد له دورا في هذا النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي. لهذا فهو مقحم في المرجعية القانونية للمذكرة 114. بل نطالب بإدخال مواد قانونية تهم هيئات التفتيش عليه.
*الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش بتاريخ 16 أبريل 2004 تعد مرجعا رئيسا في تنظيم هيئات التفتيش عامة والتفتيش التربوي الابتدائي عامة. وفي ضوئها تتم قراءة المذكرة 114. لكن لا تتمتع بالقوة التشريعية لاحتياجها إلى تشريعات تنظمها على شكل مراسيم وقوانين وقرارات وزارية ومذكرات تنظيمية.
*المذكرة الوزارية رقم 113 بتاريخ 21 شتنبر 2004 موضوع تنظيم العمل المشترك بين هيئات التفتيش تعد هي الأخرى مرجعا قانونيا رئيسا في تنظيم التفتيش التربوي الابتدائي، وفي قراءة المذكرة114 في ضوئها.
وبناء على كون المرجعية القانونية لتأسيس المذكرة 114 تتضمن ما ليس له صلة قانونية مباشرة بتأسيس المذكرة المدروسة، وبعيدة عنها؛ نطالب بمراجعة هذه المرجعية والاعتماد على النصوص القانونية ذات الصلة. فهي يشوبها العيب القانوني الذي يبيح الطعن فيها أمام القضاء الإداري. ونحن ندعو الوزارة إلى تشكيل لجنة مشتركة مع الهيئة تتكون من ذوي الاختصاص القانوني لمعالجة هذه المذكرة من الناحية القانونية.
2.2. . تحديد تنظيم وعمل أطر التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي إقليميا وجهويا ومركزيا:
1.2.2. المهام:
بناء على المادة 4 من الباب الأول من الجزء الأول من المرسوم رقم 2.02.854 الصادر في 08 ذي الحجة 1423 الموافق لـ 10 فبراير 2003 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية تتحد مهام المفتش التربوي للتعليم الابتدائي في:
ـ تأطير أساتذة التعليم الابتدائي بمؤسسات التعليم العمومي.
ـ تأطير المكلفين بمهام التدريس بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية.
ـ تأطير المكلفين بمهام الإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية.
ـ الإشراف على أساتذة التعليم الابتدائي بمؤسسات التعليم العمومي.
ـ الإشراف على المكلفين بمهام التدريس بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية.
ـ الإشراف على المكلفين بمهام الإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية.
ـ المراقبة التربوية لأساتذة التعليم الابتدائي بمؤسسات التعليم العمومي.
ـ المراقبة التربوية للمكلفين بمهام التدريس بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية.
ـ المراقبة التربوية للمكلفين بمهام الإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية.
ـ المساهمة في البحث التربوي مع الهيئات المختصة.
ـ إعداد البرامج والمناهج.
ـ مراقبة المفتش التربوي للتعليم الابتدائي من الدرجة الممتازة أعمال أطر التأطير والمراقبة التربوية بالتعليم الابتدائي على صعيد مؤسسات التعليم ومراكز التكوين.
ـ تنسيق المفتش التربوي للتعليم الابتدائي من الدرجة الممتازة أعمال أطر التأطير والمراقبة التربوية بالتعليم الابتدائي على صعيد مؤسسات التعليم ومراكز التكوين.
وبناء على المادة 89 من الباب الأول من الجزء السادس من نفس المرسوم موضوع الانتداب لمهام تنسيق التفتيش؛ يقوم المفتش التربوي للتعليم الابتدائي على
أ) المستوى المركزي ب:
ـ تحليل وإبداء الرأي حول القضايا التربوية المتعلقة بسياسة التربية والتكوين في حدود اختصاصات وزارة التربية الوطنية.
ـ تقديم الاقتراحات المتعلقة بتحديد الاختيارات والتوجهات التربوية الوطنية بطلب من الوزير أو بمبادرة منهم.
ـ القيام بمراقبة الجوانب التربوية للمصالح المتدخلة في المجال التربوي الخاضعة لوصاية الوزارة وخاصة المصالح التربوية ومصالح الخريطة المدرسية والتوجيه والخزانات والمكتبات المدرسية واقتراح التدابير لتحسين فعاليتها.
ـ القيام بجميع التدابير القمينة بضمان جودة العملية التربوية.
ـ تحليل وإبداء الرأي حول قضايا التنظيم المتعلقة بسياسة الوزارة في المجال الإداري والمالي وتدبير الموارد البشرية.
ـ القيام بالدراسات والتحريات الهادفة إلى تقييم القدرات التدبيرية لمصالح الوزارة والمصالح الخاضعة لوصايتها في المجال الإداري والمالي وتدبير الموارد البشرية، واقتراح التدابير المناسبة لتحسين فعاليتها.
ـ تقويم أنماط التنظيم الإداري وطرائق عمل المصالح المركزية للوزارة والوحدات الخاضعة لوصايتها.
ـ ضمان افتحاص المصالح الإدارية والمالية والمصالح المكلفة بتدبير الموارد البشرية للوزارة والمصالح الخاضعة لوصايتها.
ـ تحليل وقياس مدى تحقق الأهداف المسطرة في البرامج التي تم الالتزام بها من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مع الوزارة.
ب) المستوى الجهوي ب:
ـ المراقبة العامة في الميادين التربوية والإدارية والمالية والتخطيط والتوجيه التربوي والشؤون المادية والمالية.
ـ تنسيق أعمال المفتشين التابعين له.
ـ تتبع ومراقبة تنفيذ عمليات اللاتركيز، ومؤازرة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ونواب الوزارة على تنفيذها والعمل على توحيد المفاهيم واحترام النظام المعمول به وتقييم المصالح الخاضعة للأكاديمية في مجال التدبير عن طريق تنظيم تداريب وندوات وحلقات دراسية لفائدة الموظفين العاملين بهذه المصالح.
ـ إنجاز البحوث التطبيقية في مختلف التخصصات.
ـ القيام بالدراسات والتجارب التربوية والإدارية وتأطيرها.
ـ القيام بمراقبة الجوانب التربوية للمصالح المتدخلة في المجال التربوي وخاصة المصالح التربوية ومصالح الخريطة المدرسية والتوجيه والخزانات والمكتبات المدرسية واقتراح التدابير لتحسين فعاليتها.
ـ السهر على تكوين واستكمال خبرة الأطر التابعة للهيئات المكونة للموظفين العاملين بقطاع التربية الوطنية.
ـ دعم المبادرات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والرياضي.
ـ القيام بالدراسات والتحريات الهادفة إلى تقييم القدرات التدبيرية للمصالح التابعة للأكاديمية في المجال الإداري والمالي وتدبير الموارد البشرية، مع العمل على اقتراح التدابير لتحسين فعاليتها.
ـ تقويم أنماط التنظيم الإداري وطرائق عمل المصالح التابعة للأكاديمية.
ـ ضمان افتحاص المصالح الإدارية والمالية المكلفة بتدبير الموارد البشرية للأكاديمية.
ـ تكليفه من طرف السلطة الحكومية الوصية بالقيام بدراسات في المجالات التربوية والإدارية والمالية.
فهاتان المادتان القانونيتان هما الإطار القانوني الرئيس لاختصاصات المفتش التربوي للتعليم الابتدائي في المستوى العام وفي مستوى التنسيق المركزي والجهوي. وما عداها تعتبر مهام إضافية؛ قبولها خاضع لمبدأ النقاش والتحاور مع الهيئة، ممارستها مرفوضة بمبدأ دعوى عدم الاختصاص.
وعند النظر في مهام المفتش التربوي للتعليم الابتدائي على المستوى الإقليمي الواردة في المذكرة114 نجد ما يدخل في اختصاصه فقط فيما يتعلق ب:
1 ـ التأطير التربوي:
ـ تأطير الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي العمومي والخصوصي، والمربيات والمربين العاملين بالتعليم الأولي.
وأما المهام التالية فهي خارجة عن اختصاصه؛ وممارستها تتطلب تكليف بمهمة أو تقنين أساسي لا تنظيمي مع إحداث تعويض مالي عنها لأنها أعباء إضافية على اختصاصات المفتش التربوي للتعليم الابتدائي:
ـ المساهمة في تأطير المكلفين بمهام الإدارة التربوية وفي الإشراف على بحوث الجدد منهم.
ـ المساهمة في تأطير الطلبة المفتشين المتدربين ميدانيا.
ـ المساهمة في تأطير الطلبة الأساتذة بمراكز التكوين.
ـ تأطير منشطات ومنشطي التربية غير النظامية ومحو الأمية.
ـ المساهمة في تأطير أطر الدعم التربوي المكلفين بمراكز التوثيق والمكتبات المدرسية الابتدائية.
في حين أغفلت المذكرة تأطير المكلفين بمهام الإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية. وهذا خلل في تفعيل المادة 4 من المرسوم المذكور، وإخلال بمبدأ استراتيجية دور جهاز التفتيش في النظام التربوي وبمبدأ الشمولية والوحدة والتكامل في الوظائف والأدوار والمواقع الواردين في الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش. وهي من وجهة نظر أخرى تستجيب لبعض التوجهات الواردة في الوثيقة الإطار كتعزيز الانخراط وتنويع مجالات تدخل المفتش الوظيفي.
2 ـ المراقبة والتتبع والتقويم:
ـ تتبع ومراقبة وتقويم عمل الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي العمومي والخصوصي والمربيات والمربين العاملين بالتعليم الأولي.
وأما المهام التالية فهي خارجة عن اختصاصه؛ وممارستها تتطلب تكليف بمهمة أو تقنين أساسي لا تنظيمي مع إحداث تعويض مالي عنها لأنها أعباء إضافية على اختصاصات المفتش التربوي للتعليم الابتدائي:
ـ عمل أطر الدعم التربوي المكلفين بمراكز التوثيق والمكتبات المدرسية الابتدائية.
ـ عمل منشطات ومنشطي التربية غير النظامية.
ـ تنفيذ المشاريع التربوية للمؤسسات التعليمية.
في حين نجد من تحصيل الحاصل عند تتبع ومراقبة وتقويم عمل الأساتذة تتبع ومراقبة تنفيذ البرامج والمناهج الدراسية واستعمال الكتب المدرسية، وجداول الحصص الخاصة بالأساتذة وفق التوجيهات الرسمية في الموضوع، وعملية الدخول المدرسي، وسير إيقاعات التعلم. غير أن الملاحظ هو إخراج المذكرة تتبع ومراقبة وتقويم عمل المكلفين بمهام الإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية. وبالتالي تضرب بالمبادئ المذكورة سابقا من الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش. كما لا يعقل ولا يقبل إطلاقا أن يساهم المفتش التربوي في تأطير المكلفين بمهام الإدارة التربوية وفي الإشراف على البحوث الجدد منهم ولا يتتبع ويراقب ويقوم أعمالهم. فهذه مفارقة غريبة لا تتأسس على قانون أو على الأدبيات التربوية بل تضرب بعرض الحائط ما تبنته الوزارة في وثيقة الإطار لتنظيم التفتيش من الشمولية والوحدة والتكامل وتأهيل الجهاز للمساهمة في تأسيس وبناء المدرسة المغربية الجديدة، وتنويع مجالات تدخل جهاز التفتيش الوظيفي، وتدعيم الاستجابة الوظيفية للمتطلبات المتجددة للواقع التعليمي والتربوي. وبما جاء فيها من المهام المحورية خاصة مهام: » تأطير ومراقبة عمل الأطر التربوية والإدارية العاملة بمؤسسات التربية والتكوين والإشراف عليه وتقييمه « .
هذا وقد أهملت المذكرة الإشراف الذي جاءت به المادة4 من المرسوم السابق والوثيقة الإطار، ومن حيث أن الإشراف هو المدخل الحقيقي لتتبع ومراقبة وتقويم المؤسسة التعليمية الابتدائية أداء ومردودية وتسييرا وتنظيما… وعليه يجب مراجعة المذكرة في ضوء المادة4 وفي ضوء ما جاءت به الوثيقة الإطار من مبادئ وتوجهات ووظائف رئيسة ومحورية.
3 ـ التنشيط التربوي:
ـ البحوث الميدانية.
ـ البرامج المحلية الموجهة في إطار الدعم الدراسي والتربوي إلى تلميذات وتلاميذ المدرسة.
وأما المهام التالية فهي خارجة عن اختصاصه؛ وممارستها تتطلب تكليف بمهمة أو تقنين أساسي لا تنظيمي مع إحداث تعويض مالي عنها لأنها أعباء إضافية على اختصاصات المفتش التربوي للتعليم الابتدائي:
ـ الأنشطة التربوية والاجتماعية والفنية الهادفة إلى ربط التعليم والتربية ببيئة التلميذات والتلاميذ وحفزهم على الانخراط في الحياة المدرسية.
ـ الدروس التطبيقية والندوات الهادفة إلى الرفع من أداء الأساتذة وتحسين مردوديتهم.
فهذان الاختصاصان لا تختص بهما المادة4 من المرسوم السابق وإنما منوط أمرهما بالمفتش المنسق الجهوي حسب ما جاءت به الفقرة1 من المادة 89. لهذا فهما عبء مضاف للمفتش التربوي وجب تقنينه والتعويض عنه ماليا. ولكن مهام التنشيط التربوي يظل يتماشى مع المهام المحورية للمفتش حسب ما جاءت به الوثيقة الإطار في غياب أي سند قانوني له.
4 ـ تنسيق الوحدات الدراسية:
مهام هذا التنسيق على المستوى الإقليمي لا يستند على سند قانوني، فالمادة 89 من المرسوم رقم2.02.854 لا تتحدث سوى على التنسيق المركزي والجهوي للتفتيش. لهذا فهو مهام جديد على المفتش إقليميا، غير أن الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش والمذكرة 113 موضوع تنظيم العمل المشترك بين هيئات التفتيش تعدان السند الأدبي والإطار التنظيمي لقبول مهمة تنسيق الوحدات الدراسية والقيام بالمهام المتضمنة فيها من:
ـ توحيد أساليب العمل على مستوى تخطيط عملية تدريس الوحدات الدراسية.
ـ استثمار التقارير المنجزة حول كل وحدة دراسية على المستوى الإقليمي.
ـ اقتراح برامج للتكوين في مجال الوحدات استنادا إلى ما تم استثماره من تقارير واستطلاعات حاجات الأساتذة في التكوين.
ـ المشاركة في إعداد الامتحانات التربوية والمهنية وتتبع تنفيذها وتقويمها.
مع العلم أن مهمتي استثمار التقارير والمشاركة في الامتحانات لا تجد جذورها في مهام منسق التفتيش الجهوي. ولكون مهمة تنسيق الوحدات الدراسية مهمة جديدة في المستوى الإقليمي فإننا نطالب بالتعويض المالي عنها اقتداء بمبدأ التعويض المالي عن تنسيق التفتيش المركزي والجهوي بموجب المرسوم رقم 2.02.859 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 الموافق لـ 10 فبراير 2003 بشأن إحداث تعويض عن المهام لفائدة موظفي وزارة التربية الوطنية المكلفين بمهام تنسيق التفتيش المركزي والجهوي.
إن المذكرة 114 لم تتطرق إلى مهام المفتشين التربويين للتعليم الابتدائي من الدرجة الممتازة ولم تنظم تلك المهام في بنود واضحة.
وبناء على الملاحظات السابقة فإن المذكرة 114 من ناحية المهام يشوبها العيب القانوني بإلغاء أو السهو عن مهام جاء بها المرسوم 2.02.854 الفيصل في اختصاصات المفتش التربوي للتعليم الابتدائي وبالضرب على مبادئ وتوجهات والمهام المحورية للوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش؛ مما يبين أنها توسعت في المهام أكثر من المرسوم الذي هو أقوى منها في الدرجة والنوع، وتناقضت معه. وهذا يستدعي سحبها أو تجميدها ريثما تسد ثغراتها في ضوء فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والقوانين الجاري بها العمل والوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش.
2.2.2. تنظيم العمل:
في مستوى تنظيم عمل المفتش لا يوجد قانون تنظيمي للهيئة على غرار المرسوم 2.02.376 الصادر في 6 جمادى الأولى 1423 الموافق لـ 17 يوليوز 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم، مما فسح المجال للوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش أن تكون بمثابة هذا القانون في التنظيم لا التقنين. لهذا نوجه عناية الوزارة إلى إحداث قانون إطار للهيئة وآخر تنظيمي لها. حيث المذكرات الوزارية لا ترقي إلى مستوى المرسوم والقانون بل وحتى مستوى القرار الوزاري. فهي عرضة التغير والتبدل حسب المزاج والرؤى والاتجاهات والميول.
1.2.2.2. على مستوى منطقة التفتيش:
لم يرد تعريف لمنطقة التفتيش في المذكرة114 بناء على غياب تعريفها في الوثيقة الإطار، لذا نراها مقابلا للمقاطعة التربوية، وفيها يمارس المفتش التربوي مهامه المقررة وفق الرؤيا التالية:
ـ وضع برنامج عمل وفق جدولة زمنية دقيقة، ينسجم ومتطلبات المشروع التربوي للمنسقية الجهوية، ويستجيب لانتظارات الأساتذة والمؤسسات التعليمية.
ونجد في انسجام برنامج العمل مع متطلبات المشروع التربوي للمنسقية الجهوية ضربا واضحا وعميقا لمبدأ الاستقلالية الوظيفية الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين خاصة الفقرة (ب ) من المادة 135، وجاءت به الوثيقة الإطار. فالمفتش التربوي أدرى بمشاكل ومتطلبات منطقة تفتيشه. والواجب أن ينسجم المشروع التربوي للمنسقية الجهوية لبرنامج عمل منطقة التفتيش.
وبرنامج عمل منطقة التفتيش يوجب على الوزارة والأكاديمية تخصيصه بميزانية لإنجازه. فهو يتطلب الوسائل المالية والمادية والبشرية. فمثلا: إنجاز بحث ميداني حول ظاهرة معينة في المنطقة أو في مؤسسة معينة؛ ألا يستلزم ميزانية لرصد الظاهرة ودراستها واقتراح حلول لها، وتنفيذ تلك الحلول؟! إننا مع تفعيل فكرة برنامج العمل بشروطه المادية والمالية والبشرية. وإلا سوف يحال البرنامج حبرا على ورق تتكدس به جنبات المنسقيات.
ـ تكثيف الزيارات بشكل يضمن التقويم الموضوعي، والعمل على تشجيع المبادرات الإيجابية.
وظيفة اعتيادية روتينية يقوم بها المفتش التربوي، لكنها تعترضها الصعوبات الجمة خاصة زيارة المؤسسات النائية التي تتطلب وسائل نقل يفتقدها المفتش التربوي. ويعوضها بركوب المخاطر بالتنقل بوسائل غير مشروعة مثل النقل السري، كراء الدواب. فهذا التكثيف يوجب في حق الوزارة تمتيع المفتشيات الإقليمية بوسائل النقل وبميزانيات المحروقات وبالزيادة في تعويض التنقل.
ـ اعتبار الزيارات عنصرا من عناصر تكوين الأساتذة أثناء الخدمة، والتدخل المباشر لمساعدتهم على تذليل الصعوبات التي قد تواجههم في عملهم بمختلف المستويات الدراسية، وفي الحالات الاستعجالية يتم إنجاز تقرير خاص يتضمن عرض الحالة ومقترحات معالجتها، يوجه إلى النائب « ة » الإقليمي »ة ».
تنظيم جاري به العمل، غير أنه في الحالة الاستعجالية يجب معالجة الأمر سريعا وإخبار النيابة بذلك، وليس إنجاز تقرير وتوجيهه إلى النيابة حيث يكون الأمر استفحل أو ترتبت عنه نتائج غير مرضية. ففي حالة الاستعجال تتطلب التدخل السريع. وهذا يضرب مبدأ الاستقلالية الوظيفية ويعطل التوجه نحو تشجيع وتفعيل إمكانيات المبادرة الفاعلة للمفتش. كما يعطل التوجه نحو تنويع مجالات تدخل المفتش، وتنمية مردودية عمله.
ـ إعداد تقارير دورية عن سير تنفيذ برنامج العمل، وتوجيهها إلى النيابة وإلى المنسقية الجهوية.
عمل يقوم به اعتياديا المفتش التربوي للتعليم الابتدائي، غير أن التوجيه إلى النيابة يكون قصد الاخبار في حين يكون التوجيه إلى المنسقية قصد حث النيابة على تفعيله وقصد مراقبة ذلك التفعيل. وإلا فإن مبدأ الاستقلالية الوظيفية مضروب هنا.
ـ تتبع الحياة المدرسية في مختلف تجلياتها داخل المنطقة التربوية، والمساهمة في إيجاد الحلول لما يلاحظ من تعثرات في سيرها.
تنظيم يتضارب مع بعض اختصاصات المفتش التربوي للتعليم الابتدائي. فمثلا: عند ملاحظة ظواهر سلبية في تسيير المؤسسة، وإبداء الرأي في السيد مدير المؤسسة أو توجيهه إلى الحل؛ لكن إذا رفض هذا الرأي أو التوجيه أو قام مدير المؤسسة بالرفض بدعوى عدم الاختصاص، فما موقف الإدارة؟ وما الدفوعات القانونية التي تصيغها للمدير أو الاجراءات القانونية التي ستتخذ في حقه؟ أليس هذا مدعاة إلى الاختلاف وإلى المحاكم؟
إن هذا التنظيم أو هذا الفعل يجب أن يجد له الجذور القانونية لممارسته وهو تعديل المرسوم رقم2.02.854 نحو الإشراف الشمولي للمؤسسة التعليمية العمومية والخصوصية بجميع مكوناتها.
2.2.2.2. على مستوى المفتشية الإقليمية:
أ ـ فيما يخص آليات ومعايير تحديد المنطقة التربوية الواردة في المذكرة 113 التي تفيد إحداث لجنة خاصة تعمل تحت إشراف النائب(ة) الإقليمي(ة) لم يتم تحديد الجهة التي لها حق إحداث هذه اللجنة أهو السيد النائب أم مجموعات عمل المنطقة أم المجلس الإقليمي للتنسيق ؟. فالجهة التي ستعمل تحت إشرافها معروفة، ولكن الجهة التي لها صلاحية الإحداث غير معروفة.
فهذه المادة التنظيمية ستفتح الباب على مصرعه للاجتهادات الخاطئة والتوسعات التي ستعرقل العمل. وهي من جهة أخرى تضرب مبدأ الاستقلالية الوظيفية الوارد في الميثاق والوثيقة الإطار.
ب ـ فيما يخص عمل مجموعة عمل المنطقة التربوية الواردة في الوثيقة الإطار تحت إشراف السيد النائب لا يستجيب إلى الاستقلالية الوظيفية، لأن التفتيش لا يمكن أن يتم تحت إشراف سلطة تدبيرية قد يكون لها دخل كبير في المشكل مما سيحجم إرادتها ويقلص من مفعولها لاعتبارات الإشراف، والتجربة الطويلة في الميدان دلت على ذلك بالملموس. كما أن ذلك يخلق الصراعات وتداخل الاختصاصات.
ج ـ فيما يخص » الانتداب » للمجلس الإقليمي للتنسيق؛ فإن المعنى المعجمي لـ » ندب » دعاه ورشحه للقيام بأمر ما وحثه عليه، بينما يفيد المعنى المعجمي لـ » نخب » الاختيار من بين الجمع، وشتان بين الدعوة والترشيح وبين الانتخاب.
ولهذا فإن مبدأ الانتداب يضرب بصراحة التوجه نحو: » تكريس الشفافية والمعايير الواضحة والمعلنة عند توزيع الأعمال وإسناد المهام » المعلن عنه في الوثيقة الإطار.
3.2.2.2. على مستوى المفتشية الجهوية:
أ ـ مهام المنسقيات الجهوية:
ما زالت المذكرة 114 تتحدث عن المقاطعات التربوية بدل منطقة التفتيش؛ مما يدل على أن الوثيقة الإطار مازلت لم تتبلور مضامينها بعد عند الوزارة، وهذا يدعو إلى مزيد من دراسة الوثيقة ومعالجة ثغراتها.
ب ـ مهام المنسق الجهوي للوحدة الدراسية يتطلب طاقم بشري تنفيذي بجانبه.
4.2.2.2. بالنسبة لتنظيم العمل على مستوى المنسقيات الجهوية والمفتشية الجهوية والمنسقية المركزية:
إن الوثيقة الإطار والمذكرة الوزارية 114 تعاملت مع التنسيق الجهوي والتفتيش الجهوي والتنسيق المركزي من باب الانتداب و والتكليف بعد الترشح الفردي والانتقاء؛ وبذلك تضرب مبدأ الانتخاب الذي يعبر حقيقة عن تكريس الشفافية والمعايير الواضحة والمعلنة عند توزيع الأعمال وإسناد المهام كما طمحت إلى ذلك الوثيقة الإطار.
وقد أغفلت المذكرة ذكر المجلس المركزي للتنسيق وإن كان واردا في الوثيقة الإطار. حيث يشكل إغفال ذكره مدعاة إلى عدم تفعيل ممثل المنسقية المركزية للتعليم الابتدائي.
3 ـ على هامش المذكرتين 113 و114:
إن المتفحص للمذكرتين بعمق لا يجد الرابط القانوني بين تنظيم هيئة التفتيش عامة والتفتيش التربوي خاصة بمصلحة الشؤون التربوية وتنشيط المؤسسات التعليمية. هل المنسقيات الإقليمية تنتمي إلى مصلحة الشؤون التربوية وتنشيط المؤسسات التعليمية أم هي مستقلة عليها؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب، فهل ستظل المصلحة تسند إلى أطر غير أطر التفتيش، وهي أطر عليها تحفظات كبيرة وكثيرة أقل ما يقال عنها أن إطارها القانوني لا يخول لها مهام التفتيش )[29]. وأما حاليا في ظل الهيكلة الجديدة للمديريات الإقليمية؛ فيطرح سؤال إلى أين ينتمي التفتيش التربوي؟ أينتمي إلى مصلة الشؤون التربوية أم ينتمي إلى مصلحة تأطير المؤسسات التعليمية والتوجيه؟ أم هو في الوسط؟ أم ينتمي إليهما معا لكونه أخطبوطا له أكثر قدم؟! …
2 ـ الاشتغال المنهجي مثلا لمادة التراكيب ـ النحو سابقا ـ فيتجلى لنا نفس المسلك المنهجي منذ 1957 إلى اليوم مع بعض المسحوقات التجميلية والتعديلات في الملمح. ففي تدبير درس التراكيب نقف على: ( الطريقة الحديثة في تعليم النحو للأطفال: نختار الأمثلة واضحة مرتبطة بحياة الطفل الاجتماعية، كي يكون سريع الفهم لمعانيها، ولا يضطر المعلم إلى صرف وقت طويل في شرح معانيها؛ وهو شديد الاحتياج إليه، في شرح القاعدة، وإجراء التمارين التطبيقية.
تكتب هذه الأمثلة على السبورة، بخط واضح، مع إبراز العنصر الذي ترتبط به القاعدة يلون مغاير. ولا يحتاج إلى تعديد الأمثلة المتشابهة لاستدعائها شروحا متشابهة ومملة. وحين تتعدد هذه الأمثلة، يحسن احتواؤها على أوصاف متشابهة، هي عناصر القاعدة؛ وأخرى متباينة، يلغيها الأطفال عند تركيب القواعد النحوية.
البحث في الأمثلة: بعد تحرير الأمثلة على السبورة، يقرأها المعلم مرة، ويتلوها بعده التلاميذ. ثم يأخذ المعلم في البحث؛ غير أن البحث عن القاعدة، قلما يكون مفيدا، إذا لم ينسق تنسيقا محكما؛ ولكنه حين يجري بطريقة منظمة، وفي صورة حوارية، فالفوائد التي تعود منه متوفر؛ وخصوصا في ميدان التربية.
فملاحظة الأمثلة، تربي الانتباه في الأطفال. والإدراك الحسي، وملاحظة أوصاف التشابه، وتجريدها، لتركيب القواعد النحوية، هي أعمال عقلية أخرى مفيدة في تربية الحكم العقلي. وباستعمالنا للصورة الحوارية، نفيد الأطفال فوائد تربوية أخرى مشروحة في درس الصور. وهذه الطريقة المتبعة في البحث هي الطريقة المدعوة بطريقة الاستقراء. فبواسطتها نستقرئ الأمثلة، ونتتبع بحثها، ونلاحظ أوصاف التشابه فيها فنستنبط منها القاعدة العامة؛ ومن أجل هذا، دعيت هذه الطريقة بطريقة الاستنباط أيضا.
المفاضلة بين طرقتي الاستقراء والاستنتاج: إننا حين نستعمل الطريقة القياسية نذهب من القاعدة إلى الجزئيات، فنلاحظ فيها أوصاف الكلية، ونحكم عليها بالحكم الذي تقتضيه الكلية؛ وإننا نسمي هذه الطريقة بطريقة القياس، لأن الحكم على الجزئيات، قد لا نتوصل إليه إلا بعد تركيب قياس، تكون مقدمته الكبرى هي حكم القاعدة.
لنفرض أن بين أيدينا المثال التالي: » فاح الطيب » فإن بحثنا في هذا المثال، يسير على النهج التالي: الطيب في هذه الجملة اسم مرفوع تقدمه فعل، ودل على الذي فعل الفعل، أو صدر عنه، فهو فاعل. وهذه هي المقدمة الكلية. وهذه الطريقة في البحث، هي التي ندعوها، كذلك، بطريقة الاستنتاج؛ لأن الحكم فيها مأخوذ من نتيجة القياس؛ ويدعوها أصحاب الفن، كذلك بالطريقة التطبيقية، لأن بواسطتها، تطبق الكلية على الجزئيات، بعد ملاحظة أوصاف الكلية، واستقصائها. والبحث بهذا الطريق عقيم، أو على الأقل، هو غير مفيد فائدة الطريقة الاستقرائية في تربية العقل. ومع هذا، فالتعليم الحديث، يستعمل كلتا الطريقتين معا؛ ويستعمل في ختام الدرس طريقة القياس للبحث عن جزئيات القاعدة. وبذلك يصل التعليم الحديث بالأطفال، إلى فهم القاعدة فهما متقنا بمعونة الاستقراء، ويتحقق من تمييزهم لجزئيات القاعدة من غيرها، بفضل الطريقة الأخرى.
التمارين الشفوية والكتابية: بعد أن نبلغ، في نهاية البحث في الأمثلة إلى قاعدة الدرس التي يكتشفها التلاميذ، وتسجل عناصرها على السبورة تدريجيا، فعلينا حينئذ أن تجري التمارين الشفوية، وإثرها التمارين الكتابية.
التمارين الشفوية: كثير من المدرسين يخلطون بين المراجعة، والتمرين، ويحررون التمارين الشفوية، في الغالب، في شكل مراجعة. ولتنتبهوا إلى مثل هذا الخطأ فإن المراجعة يقصد منها استذكار التلاميذ للمعلومات المتقدم درسها؛ بخلاف التمارين، فهي تستهدف البحث عن الجزئيات المشابهة للجزئيات المعروضة وتدريب الأطفال على استعمال القواعد المدروسة وتطبيقها على مختلف الجزئيات.
وحين إجراء التمارين الشفوية، يطلب عدد كبير من تلاميذ الفصل، بإتيان أمثلة كثيرة، نتخذها معيارا لفهم الحقائق وتطبيقها، والأحسن أن تختار ذلك بعض الأمثلة لإعرابها وبيان الموجب لثبوت حكم القاعدة فيها.
التمارين الكتابية: إن التمارين الشفوية، لا نتمكن بها من اختبار عامة التلاميذ؛ ومن أجل ذلك تأكدت ضرورة إجراء التمارين الكتابية، إثر التمارين الشفوية؛ ويحسن أن تتنوع هذه التمارين وأن تجرى على نسق التمارين الشفوية سواء بسواء )[30]. وهو نفس النهج المتبع حاليا في تدريس التراكيب / النحو مع الانطلاق من النص بدل الأمثلة مراعاة للسياق، وتساوقا مع الانطلاق من الكل إلى الجزء. فمثلا مقاربة الدرس اللغوي بما فيه درس التراكيب فيقدم بالطريقة ذاتها مع تغيير عناوين مراحل من خلال: (
ـ أتذكر: تستحضر الظواهر التي طلب منك مراجعتها سابقا، وتعطي أمثلة عنها، وهو ما يهيئك لاستيعاب الظواهر الجديدة.
ـ أبحث وأستنتج: تقوم بملاحظة أمثلة الظاهرة ومقارنتها والإجابة عن أسئلة البحث واستنتاج القاعدة.
ـ أستعمل: تنجز تمارين تطبيقية عن الظاهرة الجديدة » تركيب جمل ـ تحويلات ـ إعراب … » بعد نقلها إلى دفترك.
ـ أوظف: توظف القاعدة في تعابير لغوية تمكنك من التواصل مع غيرك )[31]. وترجمت في درس النعت الحقيقي والسببي[32] ب: * أقرأ وأفهم نص الكهرباء، * أتذكر الجملة الاسمية وما أعرف عن النعت، * أبحث في جملتين من النص، وأستنتج القاعدة، * أستعمل من خلال التمارين النعت، * أوظف القاعدة في تمارين أخرى.
وهو نفس النهج ذاته الذي كان سائدا مع الكتاب الوحيد الصادر عن الوزارة، حيث يفيد في حصة التراكيب التالي: ( وتنطلق هذه الحصة من قراءة النص، وتحديد جمله وتمييز الجمل التي تتضمن الظاهرة المدروسة، لينتقل المتعلم إلى ملاحظة الأمثلة وترتيبها في جدول، والإجابة عن أسئلة متنوعة تتدرج من الأسئلة التي تنظم الملاحظة لتصل إلى الأسئلة المساعدة على تجميع عناصر القاعدة، وصياغتها، وهذا الجزء من الحصة يتعاون فيه المعلم والمتعلم. ثم يكلف هذا الأخير بإنجاز مجموعة من التمارين الشفهية والكتابية تصحح فورا، وتتدارك الأخطاء في الحين )[33].
ومنه؛ نستنتج أن العقل التربوي الرسمي يعيد إنتاج نفسه، وهو ساكن لم يرتق بعد في تنظيره المنهجي رغم تعاطيه مع جملة من الأدبيات التربوية في المجال المنهجي وتقنيات التنشيط. وهذا العقل يحنط عقل المتعلم في مناهج بعينها دون أن يحرره إلى مناهج متنوعة ومتجددة، فيها الإبداع والخلق … حيث ( إن من سمات أزمة الإبداع عندنا ما ينتجه النظام التربوي من آفة التعويد على التلقن، واختزان المعلومة كما هي، في جمودها، وفي غموضها، معزولة عن أي سياق معرفي أو اجتماعي. وليس مطلوبا من التلميذ أن يفهم ويستوعب، أو أن يحول تلك المعلومة إلى سلوك، أو إلى منهج تفكير .. مطلوب منه فقط أن يحفظ المعلومة لينساها بعد الامتحانات، أو ليرددها باقي عمره كالببغاء، فلا يراجعها، ولا يعيد تقويمها، ولا ينظر في جدواها على ضوء متغيرات زمانه، أو مستجدات عصره. إنه التلقين الذي يلغي العقل، ويرسخ الإرهاب الفكري، ويعزل المتعلم عن الإطار الكلي لواقعه، وبالتالي يعوق قدرته على المشاركة في التنمية )[34] … وعليه؛ يمكن أن نزعم أن العقل التربوي الرسمي لا يشكل وحدة منسجمة في ذاكرة الوزارة وأرشيفها. فهو تقليدي متعدد ومتناقض مع ذاته. ويمكن أن نضيف دليلا على تناقضه من خلال الكفايات التي يدعو إليها، والكفايات الموجودة في الكتب المدرسية التي وافق وصادق عليها، التي تطرح أكثر من علامة استفهام … فهذا العقل التربوي الرسمي سيظل ينتج الأزمات واحدة تلو أخرى لأنه غير موحد على الأقل على المستوى المؤسساتي عبر إطار للتنسيق يفكر جماعيا للمنظومة التربوية والتكوينية.
ج ـ معالم من واقع ممارسة المفتش التربوي: إن واقع المفتش يعيش عدة اختلالات في ممارسته نتيجة اختلالات العقل التربوي الرسمي، الذي يعتبر المفتش التربوي مراقبا لتعليمات وتوجيهات الوزارة المنشورة في المنظومة التربوية والتكوينية. فها هو غارق في إجراء التفتيش لأجل ترقية هيئة التدريس، مبعد عن التأطير لقلته ولكثرة عدد هيئة التدريس المسندة إليه؛ بمعنى تنظيم الندوات والبحث وتحسين جودة التعلمات … ثم تأتي الوزارة فتتهمه في أكثر من تقرير ـ كما مر معنا ـ بالتقصير. وها هي تدعوه إلى التأطير وتحاصره بجملة تشريعات وقوانين لا تساعده على ذلك ولا توفر له الشروط والمتطلبات التي تساهم في جودة التأطير. ذلك؛ أنه لا يمكنه إجراء ندوة تربوية أو يوما دراسيا أو لقاء مهنيا إلا خارج أوقات العمل، وبتنسيق مع مديري المؤسسات التعليمية والمصالح المديرية المختصة ضمانا للزمن المدرسي للمتعلم! في طلب الجودة أو في نطاق منظومة الجودة كيف يستقيم هذا القول؟. إن مقرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 446/16 بتاريخ 17 يونيو 2016 بشأن تنظيم السنة الدراسية 2016/2017 حين يقول بالحرف في المادة 16: ( تحرص هيئة التأطير والمراقبة التربوية، بتنسيق مع مديري مؤسسات التربية والتعليم العمومي والمصالح المعنية بالمديريات الإقليمية، على برمجة تنظيم الندوات واللقاءات بشكل يراعي السير العادي للدراسة وتأمين الحصص الدراسية المبرمجة )[35] يكون ينطق من خارج العقل التربوي! حيث لا يعرف هنا التبعات القانونية لقوله هذا، ولا يعرف واقع المجتمع المدرسي؟ … فكيف يستقيم ضمان الحصص المبرمجة مع ضمان تنظيم الندوات التربوية، والأستاذ/ة يعمل 30 ساعة أسبوعية؟ أيأتيه الأستاذ من خارج أوقات العمل دون ضمانات قانونية تحصنه؟ فهب افتراضا جاء المفتش والأستاذ لندوة تربوية ووقع حادث للأستاذ؛ فهل تضمن له المديرية الإقليمية للتربية والتكوين حقه في حادثة شغل؟ وتبعيات ونتائج الحادث وحقوقه؟ أم لا تعرفه؟ لذا تجد التفتيش التربوي والمؤسسات التعليمية والمديريات ينظمون الندوات خارج هذا الاجتهاد الفقهي للوزارة اللامأجورة عليه. وللأسف الشديد فالوزارة تلقي باللافكر واللاعقل إلى الميدان بكل ثقل، فتخلق الاختلالات الكبرى في الميدان. فمثلا: بدل الزيادة في عدد المفتشين المكونين تكوينا خاصا لهذه المهمة تذهب إلى اجتهادات فاشلة في أغلبها، كالأستاذ المصاحب حاليا معتقدة أن الفعل التعليمي لا يطلب سوى جذاذة وسبورة ومرجع وطريقة تقديم الدرس وطاولات وتوجيهات ضعيفة الهيكل، فقيرة المضمون للقيام فعل التدريس!؟ ولا تعي أن الفعل التعليمي هو فعل قراءة الواقع والمستقبل قراءة نقدية تتطلب العمق المعرفي والدراية وحسن التصرف وكفاءة الأداء، والوعي بالاشتغال بما هو اشتغال على الإنسان … فهي تبسط الأشياء والمواضيع حتى تصبح مبتذلة. فالتوظيف بالتعاقد مثلا كالتوظيف المباشر سيجلب الكوارث على هذه المنظومة على المستوى القريب والبعيد. وسترينا الأيام ما جنيناه على أبنائنا … فالتعليم والتربية هي الحقل الذي لا يقبل البتة الخطأ لعائده السلبي على البشر، وما البشر إلا الحاضر والمستقبل والتنمية والتقدم والحضارة … لكن مع الأسف في الدول المتخلفة؛ يعد البشر العملة الرخيصة مبخوسة القيمة والثمن كثمن يوسف عليه السلام!؟. فالمفتش في واقعه المعيش المهني يكابد مع العقل التربوي الرسمي الأمرين؛ ذلك، أني حضرت واقعة فيها طرد المفتش التربوي من المؤسسة شر طردة يعلوها الكلام النابي. فلما طلب المفتش التربوي من الجهة المسؤولة عن تطبيق مقترحه باتخاذ اللازم مع » الأستاذ » طارده. لم تقم بواجبها، ولما راجعها المفتش التربوي في إطار إجراءاته التواصلية مع الجهة الجهوية المعنية؛ سيق المسكين إلى حيث كان من المفترض أن يساق » الأستاذ « ، وأصبح في نظر الوزارة مقصرا ومعرقلا للسير الطبيعي للمنظومة التربوية والتكوينية في مديريته! كما تحضرني نازلة أخرى لمفتش متميز أعرفه عن قرب. هاجمه » أستاذ » في مرفق عمومي للتعليم، ليس له حق التواجد فيه بحكم القانون. فلما رفع الأمر إلى الجهة المختصة آخذتها معا. المتعدي على حرمة المرفق العمومي التعليمي وعلى المعتدى عليه فيه! … واللائحة تطول. وما يعيشه المفتش التربوي من إنهاء مهامه واختصاصه الموكول إليه قانونا، والذي كون من أجله إلا إضافة إلى اختلالات هذا العقل التربوي الرسمي. ناهيك عن معاناته تجاه استيفاء حقوقه المالية. ولعل القضايا التي تطرحها الصحف الوطنية والمواقع الإلكترونية وبالأسماء والصفات دليل آخر يتظافر مع تلك الأدلة ليطرح عدة أسئلة من قبيل: هل العقل التربوي الرسمي يدرس واقع العملية التعليمية في الميدان، ويتخذ إليها عقلا علميا لحل إشكالياتها ومشاكلها وقضاياها؟
إن العقل التربوي الرسمي يذهب لحل مشاكله بإهمال مقترحات التفتيش التربوي، وما الاكتظاظ، والمشترك، وعدم التفويج، والمواد المتجانسة والرديفة … ، وعدم تعميم بعض المواد، وسد الخصاص بصيغ ترقيعية … إلا البرهان القاطع على ترك مقترحات أو قرارات التفتيش جانبا التي تذهب إلى خلاف تلك المعضلات. فهي لا توافق على الاكتظاظ وما رادفه من المشكلات المذكور. وهنا سأذكر بما وقع لي في ممارستي الميدانية. ذلك أن مؤسسة تعليمية تدرس فيها اللغة الأمازيغية بمدرس متطوع لسنوات طوال. لما تخرج أحدهم مختصا في هذه اللغة حل محل الأول. فعندما راجعت المديرية المعنية بالاستفادة من المدرس الأول وتعميم اللغة الأمازيغية على الوحدات المدرسية التابعة لهذه المؤسسة التعليم، قوبلت بأن هذا أمر من الجهة العليا المسؤولة، ولا نقاش فيه، ولا تراجع عنه. وضربت اللغة الأمازيغية في مقتل، وانتهي الأمر ببساطة، وشفي المريض من علته بلغة التعليمات والأوامر؟! وذهب مقترح المفتش التربوي أدراج الرياح!. وقس عليها مآسي يعيشها جهاز التفتيش التربوي مع هذا العقل التربوي الرسمي لا حاجة لذكرها. وستحفظها الذاكرة في تدويناتها للأجيال القادمة من هذه الهيئة ومن المنظومة التربوية والتكوينية لعل يوما يستفيق هذا العقل وسيتفيد منها.
د ـ في إيقاظ العقل التربوي الرسمي: لا يمكن إيقاظ هذا العقل إلا بمواجهته لذاته قراءة وتحليلا ونقدا وعلاجا. ولا يقوم ذلك إلا بصدمته من خارج ذاته بقول صريح قائم على الدليل والحجة. ولا يمكن ممارسة ذلك إلا مع صنف من المسؤولين المهووسين بالمصلحة العامة، وبالفكر والرؤية العميقة للأشياء المبنية على البعد الفلسفي إزاء أبعاد الوجود الحقيقي، المحصنة بالقيم والأخلاق والتحدي. فلا عقل مع الضعفاء والبلداء وأصحاب المصالح الخاصة الذين يؤثرون ذواتهم فوق الذات الجماعية. الذين يلغون الآخر المستقل تفكيره، الواعي بموقعه ودوره في بناء وطنه، الذين يخرسون الآخر، يريدونه نسخة منهم، لا يفكر إلا بما يفكرون، ولا يقول إلا ما قالوا … !. هو تلميذهم النجيب لا يخرج عن طوعهم بقولبته بقوالبهم! … يريدونه ( مهيض الجناح، حضوره غير واضح، وليس مقبولا منه أن يفكر، أو يناقش، أو يتساءل، أو يردد غير ما يتفوه به أستاذه النحرير، وهو لو فعل خلاف ذلك فهذا معناه أنه يضمر تطاولا على العلم نفسه. فضلا عن أنه ينطوي على استخفاف بالمعلم، وبموقعه، وبتاريخه، وبجميع سلطاته، فهو يسفه آراءه، وينتهك حرماته، وهو يستكبر عليه وعلى عقله. فيبقى الطالب متلقيا سالبا يكتنز ما يلقى عليه، أو ما يقدم له، دون مساءلة، ودون مناقشة حميمة )[36].
فالعقل التربوي الرسمي لابد له من فقه ذاته كما هي في الواقع، ويقوم بمراجعتها والتداول فيها، بما يفضي إلى تشريح مناطق القوة فيها، ومناطق الضعف فيها، حتى ينطلق انطلاقة صحيحة تجاه الفعل، وأن يقطع مع الغوغائية التربوية التي تشده إلى الخلف، التي تخاف المغامرة والمجهول والتجديد، وتقبع في التقليد وراحة الفكر والبال والجسم … وأن يعمل على أن تصبح المنظومة التربوية والتكوينية عصرية قوية، يدخل بها الوطن والمجتمع والدولة إلى الألفية الثالثة، ألفية المعرفة، بكل قوة. وأن يدخل بها إلى عالم التكنولوجيا والمعلوميات والصناعة … وغيرها من مقومات الدولة المتقدمة المتحكمة في ذاتها، وفي غيرها. فعلى هذا العقل أن يستحضر: تطبيق مبادئ الإدارية الحديثة بما فيها إدارة منظومة الجودة الشاملة، والعمل بثقافة الفريق والشراكة والتشارك، وإتقان الفعل الإداري التربوي وتحويله إلى ثقافة اجتماعية، وقيمة متداولة في السوق التربوي، ويعلي من شأن الابتكار والإبداع والخلق والتطوير … وغير ذلك من الكفايات والقيم، فضلا عن الإعلاء من شأن الإداريين التربويين والأطر التربوية المبدعين، وتحفيزهم وتخليد أسمائهم بماء الذهب. واعتبار العنصر البشري أهم مدخل إلى التنمية والنهضة في المجتمع، وركيزتها الرئيس والأساس. وبالتالي، يصبح الاستثمار في العنصر البشري بالتربية والتكوين أولوية الأولويات. وبناء شخصيته على أسس متينة معتزة بذاتها وبهويتها وبمقوماتها المختلفة الأصيلة، بما فيها تلك القيم الضامنة للانخراط الجاد في الحياة الاجتماعية من وعي وصدق وأمانة وسلوك مدني حضاري، المحترم لذاته وللآخر. ولعل المنظومة القيمية الإسلامية والعالمية فيها ما يساعد التربية والتكوين على بناء البعد الأخلاقي والقيمي والسلوكي من شخصية العنصر البشري منذ نعومة أظافره. كما على هذا العقل أن يطابق بين النظري والعملي بعيدا عن الوقوع في تناقضهما أو تنافرهما أو وقوعها في اتجاهين مختلفين. وأن يراجع طرائق اشتغاله سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو المؤسساتي لأن ذلك مدعاة الوقوف على الواقع، ومدعاة التجديد والإبداع. كما عليه دراسة التجارب الوطنية الرائدة، والتجارب العالمية ليستفيد منها، ويمتاح منها ما يطور أداءه …
المهم؛ أن يراجع العقل التربوي الرسمي نفسه إن أراد أن يكون رائدة صناعة الإنسان، وباني الدولة والمجتمع وحضارتهما. أما إذا أراد أن يبقى عقلا ملتبسا فعليه الاستمرار في نهجه الحالي، فهو كفيل بصنع الأزمات وتعميقها.
صوى الختم: هذه الورقة لضيق المساحة الممنوحة لها، تخلت عن كثير من المباحث الدالة عن كيفية اشتغال العقل التربوي الرسمي على منظومة التربية والتكوين، وكيف يغلب الطابع الإداري المحض على التربوي. فيسقط في متاهات تقوض نتائج أدائه، وتعوق السير الطبيعي للعملية التعليمية التعلمية. وهو عقل مازالت مساحته البحثية بكرا، يمكن الدخول إليها بأدوات البحث لسبر أغوارها، والتعرية على طبقاتها الجيولوجية وحفرياتها ومستحثاتها ودوافنها ومآثرها لمعرفتها، والاستفادة منها في تطويره وتحديثه وتجديده، من خلال أطر نظرية وبراديغمات مناسبة. ومادام هذا العقل بعيد عن البحث، يفكر في مكاتب مغلقة ومكيفة بعيدا عن الواقع، فسيظل ينتج نفسه من جديد في إطار نظرية إعادة الإنتاج. ومنه؛ فالمطلوب من الباحثين كل في مجال تخصصه واختصاصاته إجراء البحوث في/على هذا العقل ضمن فرق بحثية متعددة الاختصاصات حتى يكتمل المشهد وتكتمل الرؤية، ويتوحد القصد والفعل. والله من وراء القصد.
عبد العزيز قريش
مسرد المراجع وفق ورودها في نص الورقة:
ـ د. محمد عابد الجابري، من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، مطبعة دار النشر المغربية، 1981، ط2..
ـ عبد العزيز قريش، جهاز التفتيش والدخول المدرسي: من أجل قراءة واعية للكائن، /national-article-44764-ar.
ـ وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، المفتشية العامة للتربية والتكوين ـ الشؤون التربوية ـ ، أهم خلاصات الملفات التي عالجتها المفتشية العامة للشؤون التربوية، الجمعة 26 فبراير 2016.
ـ المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتعليم، حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها ج4: هيئة ومهنة التدريس، التقرير السنوي 2008.
ـ المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التقرير التحليلي، تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000 ـ 2013، المكتسبات والمعيقات والتحديات، دجنبر 2014.
ـ المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل مرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، رؤية استراتيجية للإصلاح 2015 ـ 2030.
ـ تكوين العقل العربي: نقد العقل العربي1، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، 2000، ط8.
ـ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تح.: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، د.ت.، د.ط.، ج4.
ـ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، د.ت.، د.ط.، ج4.
ـ أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحسيني الجرجاني، التعريفات، تح: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009، ط3.
ـ : http://wikivisually.com/lang-ar/wiki/%D8%B9%D9%82%D9%84.
ـ د. محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2009، ط9.
ـ د. عبد الكريم بكار، تجديد الوعي، دار القلم، دمشق، سوريا، 2000، ط1.
ـ ذ. عبد اللطيف الفاربي وآخرون، معجم علوم التربية، سلسلة علوم التربية 9و10، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1994، ط1.
ـ المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، ط29.
ـ المعجم العربي الحديث، لاروس، باريس، فرنسا، 1991 ( طبعة بيروت ).
ـ معجم المعاني الإلكتروني: http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D8%B1/.
ـ ذ. محمد غياتي وذ. محمد بلقزيز، كيفية تسيير الدرس، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، 1376/1957.
ـ عبد العزيز قريش، ردفا على سبعة ثقوب سوداء لإدغار موران في اللقاءات التشاورية حول المنظومة التربوية والتكوينية،http://dafatirhorra.com/showthread.php?t=34330
ـ عبد العزيز قريش، قراءة نقدية للمذكرة الوزارية 114 بتاريخ: 06 شعبان 1425 الموافق لـ:21 شتنبر 2004، /regional-article-2818-ar/regional-article-2818-ar.htm.
ـ ذ. عبد الله القطيشي وآخرون، كتابي في اللغة العربية: كتاب التلميذ والتلميذة؛ السنة السادسة الابتدائية، المكتبة الوطنية، الدار البيضاء، المغرب، يوليوز 2005، ط1.
ـ قسم البرامج والمناهج والوسائل التعليمية، وزارة التربية الوطنية، المملكة المغربية، أهداف وتوجيهات تربوية للسلك الأول من التعليم الأساسي، 1415/1995.
ـ د. فهد العرابي الحارثي، المعرفة قوة .. والحرية أيضا!، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، 1431/2010، ط1.
ـ مقرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 446/16 بتاريخ 17 يونيو 2016 بشأن تنظيم السنة الدراسية 2016/2017.
[1] د. محمد عابد الجابري، من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، مطبعة دار النشر المغربية، 1981، ط2، صص.: 191 ـ 192.
[2] نفسه، ص.: 193.
[3] عبد العزيز قريش، جهاز التفتيش والدخول المدرسي: من أجل قراءة واعية للكائن، /national-article-44764-ar.
[4] وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، المفتشية العامة للتربية والتكوين ـ الشؤون التربوية ـ ، أهم خلاصات الملفات التي عالجتها المفتشية العامة للشؤون التربوية، الجمعة 26 فبراير 2016، ص.: 23.
[5] المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتعليم، حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها ج4: هيئة ومهنة التدريس، التقرير السنوي 2008، صص.:71 ـ 72.
[6] نفسه، ص.:71.
[7] نفسه، ص.: 71.
[8] المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التقرير التحليلي، تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000 ـ 2013، المكتسبات والمعيقات والتحديات، دجنبر 2014، ص.:38.
[9] المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل مرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، رؤية استراتيجية للإصلاح 2015 ـ 2030، ص.:7.
[10] تكوين العقل العربي: نقد العقل العربي1، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، 2000، ط8، ص.: 5، بتصرف.
[11] أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تح.: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، د.ت.، د.ط.، ج4، ص.:69.
[12] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، د.ت.، د.ط.، ج4، صص.: 18 ـ 20.
[13] أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحسيني الجرجاني، التعريفات، تح: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009، ط3، صص.:154 ـ155.
[14] انظر: http://wikivisually.com/lang-ar/wiki/%D8%B9%D9%82%D9%84.
[15] هذه العقول يقول بها الفكر الفلسفي الإسلامي ومن قبل الفكر الفلسفي اليوناني.
[16] أبو الحسن الجرجاني، التعريفات، تح: محمد باسل عيون السود، مرجع سابق، صص.:154 ـ155. وما يقع بين معقوفتين، فهو من خارج المتن.
[17] د. محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2009، ط9، ص.:208.
[18] د. عبد الكريم بكار، تجديد الوعي، دار القلم، دمشق، سوريا، 2000، ط1، ص.:28.
[19] ذ. عبد اللطيف الفاربي وآخرون، معجم علوم التربية، سلسلة علوم التربية 9و10، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1994، ط1، ص.: 89.
[20] انظر على سبيل المثال: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مرجع سابق، صص.: 121 ـ 122. والمنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، ط29، صص.:259 ـ 261.
[21] المعجم العربي الحديث، لاروس، باريس، فرنسا، 1991 ( طبعة بيروت )، ص.:586.
[22] انظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مرجع سابق، ج1، صص.: 30 ـ 31. والمنجد في اللغة والأعلام، مرجع سابق، ص.:788. والمعجم العربي الحديث، مرجع سابق، ص.:1191.
[23] انظر على سبيل المثال: المعجم العربي الحديث، مرجع سابق، ص.:505.
[24] المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1987، ط29، صص.: 817 ـ 818. وكذلك معجم الرائد، صص.:810 ـ 811.
[25] انظر معجم المعاني الإلكتروني: http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D8%B1/.
[26] نفسه، http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D8%A9/
[27] ذ. محمد غياتي وذ. محمد بلقزيز، كيفية تسيير الدرس، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، 1376/1957، صص.: 15 ـ 17.
[28] عبد العزيز قريش، ردفا على سبعة ثقوب سوداء لإدغار موران في اللقاءات التشاورية حول المنظومة التربوية والتكوينية،http://dafatirhorra.com/showthread.php?t=34330
[29] عبد العزيز قريش، قراءة نقدية للمذكرة الوزارية 114 بتاريخ: 06 شعبان 1425 الموافق لـ:21 شتنبر 2004، /regional-article-2818-ar/regional-article-2818-ar.htm. بتصرف
[30] ذ. محمد غياتي وذ. محمد بلقزيز، كيفية تسيير الدرس، مرجع سابق، صص.: 180 ـ 182.
[31] ذ. عبد الله القطيشي وآخرون، كتابي في اللغة العربية: كتاب التلميذ والتلميذة؛ السنة السادسة الابتدائية، المكتبة الوطنية، الدار البيضاء، المغرب، يوليوز 2005، ط1، ص.: 6.
[32] نفسه، صص.: 66 ـ 67.
[33] قسم البرامج والمناهج والوسائل التعليمية، وزارة التربية الوطنية، المملكة المغربية، أهداف وتوجيهات تربوية للسلك الأول من التعليم الأساسي، 1415/1995، ص.:97.
[34] د. فهد العرابي الحارثي، المعرفة قوة .. والحرية أيضا!، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، 1431/2010، ط1، صص.: 39 ـ 40.
[35] مقرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 446/16 بتاريخ 17 يونيو 2016 بشأن تنظيم السنة الدراسية 2016/2017، المادة 16، ص.:16.
[36] د. فهد العرابي الحارثي، المعرفة قوة .. والحرية أيضا!، مرجع سابق، صص.: 37 ـ 38.
Aucun commentaire