اللهم أصلح حسادنا
كثرة الحساد تحيل على توارد النعم و استرسال العطايا و زيادة الرزق ، و حينما توجه الملك محمد السادس بدعائه هذا ، حدث جدل كبير بالمغرب و الجزائر ، حيث اعتبر بعض العلماء الحديث غير صحيح في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، غير أن بعض العلماء الآخرين رفعوه إلى خير البرية باعتبار قوله عليه السلام « استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ».
لكن إخوانا لنا في الجزائر وقفوا عند منطوق النص دون تفلسف كبير ، حيث حققوا قصد الملك الجزائريين من لفظ الحساد،
بعد أقل من شهرين على خطاب الملك ، تجتاح الجزائر بوادر أزمة اقتصادية تاريخية، مع انخفاض سعر البترول لأدنى من 60 دولارا ، ولاعتمادها على البترول و الغاز الطبيعي بنسبة 97 في المائة في موازنة اقتصادها.
و أكد الخبراء أن الدخل العام سينخفض بأكثر من 40 في المائة ، ما قد يحقق عجزا كبيرا عند الدول النفطية و خاصة الجزائر.
وقد أكد رئيس الوزراء الجزائري على اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة من تفاصيلها إلغاء أي توظيف سنة 2015 ، و وقف كل إعانات الدولة ، باستثناء الاستمرار في تشييد السكن الاجتماعي ، ومن شأن توقيف الدعم المالي في إطار السلم المدني أو ما يكنى بالرشوة المدنية لإسكات الغاضبين ، أن يؤجج الطبقات الاجتماعية الدنيا ، ويحرج الحكام بالجزائر.
وأصيب الجزائريون بالاندهاش و الشرود المصحوب بالقلق والخوف على المستقبل الغامض ، حيث أصبح المواطن يشوف ما يشوف ماذا يقع لبلاده صاحبة 200 مليار أورو احتياط بالعملة الصعبة، وصاحبة الدخل المرتفع ، حيث هرع المسؤولون سابقا لتكديس الأبناك الداخلية والخارجية ، بعيدا عن أية سياسة اقتصادية سليمة ومتكاملة ، كما تفعل السعودية و الإمارات مثلا كمنتجين نفطيين.
بالمقابل تحسن اقتصاد المغرب آنيا مع عدم تحمل عبء موازنة النفط ، و اعتماد الاقتصاد المغربي على عدة موارد غير نفطية من فلاحة و فوسفاط وصيد بحري وسياحة و تصدير واسترجاع لأموال مهربة قدرت بمليار أورو…
لن نفرح ملكا وشعبا لوقوع أزمة بالجزائر لا قدر الله، لأننا لا نحسدهم على بترولهم كما يظنون ، بل نغبطهم على ما كانوا فيه من نعم ، لكنها مع الأسف لم تستغل في تنمية البنية الاقتصادية المنتجة لمثل هكذا أوقات عصيبة من طرف الحكام المقعدين و المقعدين – بكسر العين وفتحها – و نرجو أن يعم الازدهار والأمن والسلام رقعة جارنا العربي العزيز. لكننا نفرح كثيرا عندما نسمع بوتفليقة يأمر بتخفيض المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها الجزائر للدول الإفريقية سنويا ، وهو خبر من شأنه تراجع دعم تلك الدول المرشاة للطرح الانفصالي و لأمراء الحرب في تندوف و العاصمة الجزائرية.
من جهة أخرى فليس وضعنا في المغرب حقوقيا و إجتماعيا بما نحسد عليه لدرجة تثير الإعجاب، خاصة من طرف دول أخرى أكثر منا ديمقراطية وعدلا ، فإذا كان المغرب بلد الأمن والأمان ، و نظامه يمثل نموذجا للغرب في الاعتدال والاستقرار الإسلامي خاصة مع فشل تجارب مصر وليبيا و ظهور الفكر الداعشي الخطير بالشرق الأوسط ، فإننا نحتاج لمقومات أخرى أكثر تثبيتا وحماية لهذا الأمان الذي لا زال هشا ، أولاها إصلاح القضاء والعدل بين المتقاضين ، واستقلال القضاة التام عن التدخل لتحويل التحقيقات، و يجب فصل السلطة و اللوبيات عن التحكم في اقتصاد البلاد بمستويات أكثر وضوحا وشفافية، كما يجب الرفع من قيمة احترام كرامة المواطن ، بكل مستوياتها المعنوية والمادية ، عبر التخفيف من العبء المادي والاجتماعي للطبقات المعوزة ، ومحاربة التهرب الضريبي و رفع الامتيازات عن كبار المحتكرين و المضاربين و المتهربين، و في جملة واحدة يجب تفعيل محاربة الفساد بكل أنواعه من طرف الحكومة المنتخبة القادمة ، حتى يصبح المغرب فعلا بلدا يحسده الحاسدون.
السؤال المطروح بعد خطاب الملك التاريخي : هل تحقق دعاء الملك محمد السادس في نزول الخير على المغرب ؟ و هل يجبر الجزائريون المستكنفون على فتح الحدود مستقبلا دون شروط ، حتى يضمنوا تخفيفا للأعباء الاقتصادية القادمة ؟؟ بعدما تكبروا طول الوقت مستصغرين رغبة المغرب في فتح الحدود ؟.
و لماذا لا يفكر الجزائريون في تبادل حر مع المغرب ، وعلاقات تجارية متينة ، تقوم على تبادل تجاري متكامل ، حتى تتقوى الاقتصادات و تملأ فجوات الفراغ الجزائري، بتوافد السياح بين البلدين، و استيراد السلع المغربية بتكلفة قليلة لقرب البلدين ، واستفادة المغرب من بترول قريب…
لعلك أخي القارئ العربي تشوف ما تشوف أي تعاون أو نية صادقة من جار للمغرب متآلف في الدين واللغة ، لكنه مختلف معه في نزعات انفصالية غير محببة ولا مطلوبة شرعا وواقعا. فمتى يصبح الحكام الجزائريون حكماء ؟ و متى يصلح حال الجزائر كما صلح حال المغرب ، على الأقل سياسيا إلى حد مقبول مقارنة مع نظام العسكر الممتص لخيرات الجزائر.
لذلك لا يسعنا إلا أن نغير الدعاء لدعاء آخر هو » اللهم أصلح حال حسادنا »
1 Comment
مقال في الصميم ارغب ان تتحول الجزائر لمملكة