التقاعد … إِلَى عْيِيتْ آ امْبَارَكْ، نُوضْ تْنَقَّلْ لَحْجَرْ …
نسوق هذا المثل الشعبي كعنوان لهذا المقال لأنه في نظرنا يلخص الواقع المأساوي الذي آلت إليه أوضاع موظفي القطاع العام وبشكل خاص العاملين والعاملات بقطاع التربية والتعليم، فالمعنى الحرفي للمثل أن امبارك شخصية شعبية، كناية عن كل عامل، أضناه العمل، وكلما عبر عن تعبه يقال له واصل وقم لتنقل الحجارة من مكان إلى آخر… أما المعنى السياقي فيحمل المثل دلالة على الاستخفاف بعمل الآخرين وشقائهم وتعبهم وعدم تقدير ما يقومون به لدرجة معاملتهم كما لو كانوا غير آدميين … ويمكن، في ذات السياق التذكير بمثل آخر هو، « مَا حَدّْ ذَاكْ الثُّورْ لَبْيَضْ وَاقَفْ وْهُوَ عَامَرْ اشْحَمْ » … من هنا أعتقد أن هذا المثل ينطلي على المشتغلين بقطاع التربية والتعليم من رجال ونساء بكل الأسلاك والفئات، من وجهة نظر حكومة السي بنكيران، لأن التدريس مهنة المتاعب تضني صاحبها في أي موقع كان، فئة شكلت قطب الطبقة المتوسطة ومحور الحراك الاجتماعي والسياسي، فظلت عبر عقود تشكل حصن مقاومة للتسيب والاستبداد والحرمان الذي طال الفئات الشعبية، محافظة بذلك على توازن المجتمع، فأدت ضريبة الحرية بسبب القمع الذي طالها خلال سنوات الجمر، لأن هذه الفئة هي التي شكلت ركيزة كل عمل سياسي ونقابي وكانت تؤطر كل حراك اجتماعي .. فئة لم تكن تسعى لسلطة أو مسؤولية، فقط لحياة أفضل تسودها المساواة والعدالة الاجتماعية .. لكن الكمبرادور وجيوب مقاومة التغيير ظلت تترصد نضالاتها عند كل منعطف لتختطف وهج مقاومتها وتزج في الأقبية السرية والعلنية وراء الشمس بكل شريف اختار حب الوطن وعانق قضايا الشعب … إنها الدولة العميقة .. زوار الفجر والليالي الباردة … صراخ الثكالى والزوجات والأبناء لا زال يتردد صدى في الآذان التي بها صمم .. أذكر أنه خلال فترة السبعينيات كان مجرد اقتناء جريدة كاف لنسج قضية تودي بصاحبها وراء القضبان … فكم من رفيق زج به في أقبية الظلام من أجل قصيدة .. الْقَرْعَة والشِّيفُونْ والْفَرْفَارَة والشَطَّابَة والْمَا و …. كان كل رجل تعليم متهما في حالة سراح مؤقت …. وتحول رجل التعليم في السنوات الأخير إلى موضوع فكاهة وتنكيت بغية تبخيس قدره …. لكن هيهات هيهات … ثم جاء الفرج فأنعم الله على بلدنا بملك.. ملك يتنفس حبا وخيرا ونماء .. للشعب والوطن ..
فأين المعضلة يا عزيزي؟
إنها في البطانة الصالحة، على حد قول خطيب الجمعة، التي تعينه على تدبير أمور البلاد .. فلا أحد سيشهد لهذه الحكومة بحسن التدبير لأن واقع الحال يدل على هزالها بداية من طبيعة تشكيلتها مرورا بإجهازها على جل المكتسبات التي ناضلت الشغيلة التعليمية ومعها الفئات المحرومة لأجل انتزاعها عبر سنوات من الكفاح .. وصولا إلى امتصاص دم هذه الفئات من خلال الغلاء والزيادات في كل المواد ومضاعفة معاناة الشعب مع فواتير الكهرباء والماء .. ولو أن لي رأيا حول غياب ردة فعل هذا الشعب سوف أعود إليها في مقال آخر بحول الله …. المهم يا صاحبي أن الحكومة تريد الرفع من سن التقاعد وكأن رجل التعليم هو الذي يتوجب عليه حل الأزمات التي تسبب فيها من أوكل إليهم تدبير الشأن العام .. أزمة الصناديق وأزمة الحكومة وأزمة العطالة … الْمُهِم أَنَّ الْبَاطَاطَا مَوْجُودَة وَخَّا دْيَالْ الثَّلاَّجَة، لاَ غْلاَ عْلِيكْ آمَسْكِينْ … الْمُهِمّْ أَنّ َالْوَاحَدْ يَحْمَدْ الله وْيَدْخُلْ جْوَاهْ، وْيطْلَبْ غِيرْ الصَّحَّة، رَاهْ مَا دَايَمْ وَالُو … لِّلي بْغَاهَا ﯕَـاعْ خَلاَّهَا ﯕَـاعْ … والاتحاد الأوروبي والصيد في شواطئنا الجميلة والسردين، سمك الفقراء، أضحى ثمنه غاليا وغير مقبول … المهم « جَزَّارْ وْيَتْعَشَّا بِاللَّفْتْ« …
تريد الحكومة أن يبقى المدرس داخل حجرة الدرس ويستعمل « لِيكُوشْ » أو يْعَلَّقْ « السِّيرُومْ » أو « يَتْزَهْمَرْ » أو ينسى طريق العودة إلى مسكنه، وقد يخلط بين تلاميذه والمارة في الشارع أو بين أفراد أسرته .. نسأل الله العفو والعافية وأن « يْحَمَّلْنَا عْلَى خِيرْ » ويسترنا في الدنيا والآخرة ….. هكذا هو الحال يا عزيزي، فالحكومة بهذا الإجراء المدسوس سوف تزيد من تفشي البطالة وتقضي على آلاف مناصب الشغل وتخلق بذلك شرخا في هيكل المجتمع لأنها سوف تزيد جرعة من الاحتقان للفئات المحرومة.. « الْأُوڤَرْضُوزْ » … لأن الشغيلة التعليمية أضحت هي الأخرى على حافة الحرمان أمام هذه الإجراءات … يقول صديقي لماذا كل هذا التذمر، فرجل التعليم يتقاضى « مليون » كراتب شهري؟ … قلت له سوف أعطيك راتبي واصرفه بمزاجك وفق متطلبات « الْوَقْتْ » وزيادات الحكومة والباقي « حْلَاوَة » لك وحدك …
أما رد فعل « المعارضة » و »النقابات » … فلا يسعني سوى استحضار مقولة المصريين .. « عَلِيهْ الْعَوَضْ وْمِنُّو الْعَوَضْ » …
Aucun commentaire