الملك يعلن الانحياز
رمضان مصباح الإدريسي
تقدبم:
– عاجل الاثنين 21 يوليوز 2014 – 17:23
ما هو رأيك في النظام المغربي الحالي،اقرأ باستمرار مقالاتك واعتبرها من أجمل ما كتب خلال السنين الأخيرة في تحليل أحوال هذه الأمة المترهلة الممزقة الغارقة في الجهل،أريد منك سيدي الكريم وبدون نفاق أو خوف تحليلا علميا للحالة المغربية،ما هو رأيك في النظام وفي الحكومة الحالية وكيف ترى المغرب بعد عشر سنوات!؟؟؟؟
هذا تعليق لقارئ كريم – يبدو على عجل- ورد ضمن تعليقات القراء التي حَشَّت مقالي ذا الرابط:
http://www.hespress.com/writers/236430.html
شد انتباهي هذا الكلام،خصوصا وهو يلح على خصلتين أراهما ملازمتين لكل كتاباتي :لا نفاق ولا خوف.
إن من يرى جغرافية الوطن على شكل قلب كبير،وأنهاره – وهي منه واليه،نعمة من الله- شرايين تجدد دوما الحياة؛و لا يبخل بدمه ،رافدا لها ،إن دعا الداعي؛لا يمكن أن ينافق أو يخاف سلطة زمنية ،خصوصا حينما لا تتبقى بكنانة الزمن سوى أسهم معدودات. هذا ديدني وهذا ما سأموت عليه؛ومعارفي الذين خافوا علي من كيد الأجهزة الجزائرية- وهم يرون أن مقالاتي عن ظلم ذوي القربى لا تستحضر أنني على مرمى حجر منهم- يعرفون مدى تطرفي في حب الوطن.
لبيك أيها القارئ،في حدود رأيي المتواضع؛وقد كنت هممت بأن أستجيب،بعجالة، لما طلبت لولا عروسنا غزة التي يعدون العدة حاليا لسبيها وإهدائها ل »غولياط » ،ما دامت في جوار عرب لا فحولة لهم.
وفي الخطاب الملكي مجمع للإجابات:
فان كان هناك من لا يزال ينظم ألفباء المجاملة ،قصائد يرفعها الى الملك ،فهو مجرد عابث لاه ؛غير منتبه الى أن الملك يوجد في ورش بناء الوطن الكبير ، وكأي ورش بناء،فهو بِنَقْع وضوضاء تصم الآذان.
الوقت للعمل ،وتكفي الإشارة ،ولو صماء وبكماء،ليُرى الخلل في الجدار وتتصدى الهندسة لتقويمه.
الإجابة الأولى:
هي في هذه السابقة التي يشكلها الانتقال الملكي من المنجز، على مدى الخماسيات الثلاث ،إلى وظيفيته في التنمية الشاملة. إن اختيار المرقى الصعب في وجود السهل الذلول،هو قطب الرحى في الخطاب. لا أَسْهلَ طبعا من حديث المنجزات؛وهي وفيرة والحمد لله ؛بعضها يمسك بتلابيب البعض؛ لكن أن تطرح سؤال الجدوى فهذا شيء آخر؛بل هو – وبدون مجاملة- اشتغال آخر لِلْمُلْك ،لاعهد لنا به في المغرب.
سؤال الجدوى هنا تجاوز للمغرب المادي، الذي تفهم فيه حتى المؤسسات المالية الدولية؛ الى مغرب المثل والقيم والأخلاق الذي لا يفهم فيه غير من خلصت سريرته من المغاربة ،وعلى رأسهم ملك البلاد.
المغرب الأول مغرب الخريطة والدولة والنظام بكل مؤسساته – كما يشتغل حاليا،وكما يتعايش مع اكراهاته- والمغرب الثاني هو هذا الذي يُرشد إليه الخطاب الملكي؛إرشاد مبادأة ومفاجأة,لأنه مغرب قائم ،لكن لم يسبق لأحد أن سأل عن هيئته اللامادية.
السؤال عن هذا المغرب هو سؤال الثوار وليس الملوك؛مع العلم أن حتى ثوارنا ،عبر التاريخ- الصادقين والمدعين- لم يسبق لهم أن تجاوزوا العرض الى الجوهر ،بالكيفية الواردة في الخطاب .
قد يدفع البعض بالترف الفكري لملك شاب ،يرى أوطانا من حوله تحترق،فيسلك سبل المفاخرة؛لكن مهلا أيوجد ترف أفضل من الوقوف عند المنجزات ،وهي قائمة تغني عن ضرب أكباد الإبل إلى مغرب آخر لم تتوفر بعد حتى أداة قياسه،وتحديد قيمته بين الأوطان؟
ولماذا يغامر ملك ب »راحته » وهو يطرح أسئلة صعبة ،توجه الرؤى صوب مالم ينجز؛أو هذا المنجز المقترن بجهلنا بالمدى الذي بلغه في خدمة المواطن ؟
الاجابة الثانية:
تستشف دائما من هذه المدرسة النقدية السياسية الجديدة التي تطبق على كل شيء في هذا الوطن وتخضعه لسؤال الوجدود الفلسفي ،ولماذا هو موجود.مدرسة يتحول فيها العمل الحزبي المتهافت– حتى لا أقول الشتام والسباب- كما يكتوي به المواطن اليوم، الى تلميذ كسول ،بدون مؤهلات لولوجها. قارنوا بين حلبة الحكومة ،كما أرادها رئيسها –شاكية المخلب والناب- وحلبة المعارضة ،كما اضْطُرت الى استعمال لكماتها ،بدل التفكيك والتركيب المنتظرين منها .
هل نسأل عن أسباب نزول أخرى للخطاب ،خارج هذا المسرح الوطني الطارد خارج الخريطة؟
الإجابة الثالثة:
تنقلنا الى وضع مفارق،يستدعي جهود أكادميينا في الشأن السياسي:
رئيس حكومة هيابة من الدستور ،وقد صوت عليه،كمواطن وكأمين عام ، ضمن الأغلبية المصوتة من المغاربة؛بل وارتقى بفضله الى تشكيل حكومتين،يُنتظر منهما بالدرجة الأولى تفعيل هذا الدستور.
ورئيس حكومة من لحم وعظم ودم ،يهاب رئيس حكومة دستوريا/معنويا.
تقابل هذا الرسم الكاريكاتوري السياسي لوحة فنية كاملة التنسيق،وعميقة الأستاذية :
ملك تجاوز –أولا- سقف المنتظر ،شعبيا وحزبيا،في تجديد الدستور؛وتجاوز – ثانيا- المنتظر من ملك يحتفل بعيد « الوقوف » على العرش. (من رأى منكم الملك جالسا على العرش فليصحح بدعتي)
نحن إزاء إقدام وإحجام،وهما لا يجتمعان في نفس الوقت. إقدام الملك وإحجام رئيس الحكومة.ولكم أن تقيسوا مقدار المسافة المطردة التباعد بين المؤسسة الملكية ومؤسسة رئيس الحكومة.
ولكم أن تقدروا انعكاس هذه الوضعية على تدبير المغرب الذي نعرف ،والمغرب الذي سنعرف؛حينما يجيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي على جميع تساؤلات الملك.أتمنى أن يبدع هذا المجلس آليات جديدة للاشتغال لأنه رُفع –فجأة- الى كوكب جديد لا قبل له بتضاريسه.
الإجابة الرابعة:
أسوقها من الخطاب دائما ؛كما أراه مُعَزَّزا بمثال حي يجعلنا نؤمن بوجود المغربين (المادي واللامادي) ،ونعرف مدى خطورة أن يكون هناك بون شايع بينهما.
مثالي من مدينة وجدة التي حولها السهر الملكي الدؤوب والمتابعة- حقيقة وليس مجازا- الى مدينة ملكية ،لا يقوى الجيران الأثرياء- وهم بالباب- على مجرد النظر إليها؛و ربما من هنا الإصرار على غلق الحدود.أكتفي بهذا حتى لا أفصل الوصف.
كلما قادتني خطاي الى تفاصيل هذا المنجز الملكي إلا وأفسدت علي نشوتي الوجدية وضعية شعبية – اقتصادية اجتماعية ثقافية- لا تبعث على الارتياح. المدينة الملكية الأنيقة أظهرت بكيفية جلية تدني مستوى التحضر ،بل حتى العيش .
نوع من منطق التضاد؛على حد قول الشاعر:
ضدان لما استجمعا حسنا*** والضد يظهر حسنه الضد
كانت المدينة مجرد قرية بعمر تجاوز الألف سنة ،وتحولت – معماريا- الى مدينة ملكية؛لكن أين المواطن الوجدي من هذا المنجز؟ هنا نصل الى عمق الرهان الملكي الذي يسائل المغرب الآخر.
لن أسهب في دمار و لاوطنية اقتصاد التهريب – القلب المادي النابض لهذه المدينة الملكية- وسأتوقف عند مخرجاته المتمثلة في ساكنة لم تعد تذكرني بساكنة وجدة التي أعرف منذ صباي.نعم القيم تتحول ،لكن حينما تكون الى الأسوأ ، يجب أن
نتحدث عن التقهقر. كيف نستسيغ هذا في وجود أكثر من مائة ورش لترقية المدينة؛لايغيب عنها الملك إلا ليعود إليها أكثر إصرارا.
أحاول أن أقيس مستوى تحضر الشريحة العريضة من المواطنين،وليس الأقلية التي كانت ،منذ زمن ،في حاجة الى مدينة راقية باقتصاد سليم وقوي.
أحيانا يخيل الي أن بعض الناس لو تركوا –حدوديا- لشأنهم،لباعوا أعز ما في المغرب ،قطعة قطعة؛ولاشتروا أبشع وأرذل ما يوجد عند الجيران.تسأل عن الوطنية،وقد يجيبونك:هل هي سلعة جزائرية ؟كم تدفع ؟
في طريق البنزين المهرب –مثلا- تنتحر كل المدونات المعتمدة وطنيا.تدوس » المقاتلات » على رخصة سياقتك،وتَسحب منك بساط الطريق التي تدفع عنها للدولة ضريبة. أنت القادم من المغرب النافع والمنظم، عليك أن تنتبه إلى وجدود مغرب غير نافع ،يعيش خارج القانون ؛أو يكاد.
أين المدينة الملكية من كل هذا ،يا قوم؟ لاأحد يستمع إليك .لاوقت للكلام.حينما احترق سوق امليلية ،والتهم اللصوص – أكثر من النيران – كل السلع،قيل لي أن عالم وجدة مصطفى بنحمزة صاح في المسجد:هل يجوز هذا في مدينة المساجد؟
وأصيح بدوري:هل يجوز في مدينة الملك؟
لاداعي لذكر هول ما صرف من أغلفة مالية لتهيئة المدينة ؛فهذا مما يقفز الى الحدقتين؛لكن كيف السبيل الى ترقية الساكنة الى مستوى المدينة؟هل يتطلب الأمر مالا هنا؟ أم أن الاستثمار في المعمار لم يكن سليما؟
لقد وقفت على تجربة إحياء ساحة سيدي عبد الوهاب ثقافيا ؛أتدرون ماذا حصل ؟ لم تحضر الثقافة الوجدية القديمة لأنها ببساطة ماتت.وبعد موتها –وثقافة التهريب والجشع متهمة هنا – اكتمل إعداد ساحة لها ،في منتهى الشساعة والجمال.
يمكن استنساخ مثال وجدة عبر كل الوطن؛ومن هنا السؤال الملكي المركزي عن مغرب آخر غير مغرب الثروة.
لقد عاينت زيارة الملك لجماعة مستفركي-ماي2005-حيث انطلقت ،رسميا،المبادرة الوطنية للتنمية،بجمعيات ممولة تقارب العشرة.والله لو رسمت التفاصيل والمآلات – ويعرفها المسؤولون حق المعرفة- لخجل الخجل. أين الخلل؟
الإجابة الخامسة:
تستنبط من الحاجة الماسة-وقد ركز عليها الخطاب- الى مغرب عقدي آمن؛ضمن خريطة عربية ملتهبة ؛جوزوا فيها كل الشرائع. إذا كانت الثروة عصب هذا المغرب، كما رصيده الروحي، فهي ليست قلبه وعقله.
ان الجماعات الإرهابية – حيثما وليت وجهك- أضحت تضاهي الدول الثرية مالا؛وكدليل الشاب المغربي التاجر الذي تحول في « دولة الإسلام » الى قاطع رؤوس ؛لا يخجل – ان كان لا يخاف الله- أن يُظهر صورته المرعبة حتى لأمه وأبيه و إخوته.
من هنا ضرورة الاشتغال على تعزيز بناء المواطن من الداخل ،ليتماسك تماسك جبال الأطلس والريف؛ولا يهم أن يكون فقيرا إن دعت التضحية الوطنية العامة الى ذلك.
ان خرائط الدم العربي اليوم،وكأنها البحر الأحمر ،لم تكن تعوزها الثروة في يوم من الأيام؛لكن حكامها اختاروا ألا يستثمروا في بناء الدول الديمقراطية ،والمواطن المتوازن نفسيا ؛مادام ملك اليمين كالرقيق،بل تحت وطء القدم.
هذا المواطن ،وقد أصبح اليوم بمسميات شتى، يدور مع الرؤوس ،تشحذها الشفار،حيثما دارت .مئات الآلاف من العرب العاربة والمستعربة هائمة على وجوهها ؛وكأننا نستعيد قصص الطوفان ،والتيه البشري في الصحاري.
من هنا الجانب التمنيعي في الخطاب الذي يجب أن يخجل منه كل من يتلاعب على هواه بهوية المغاربة،يفتي فيها بكل الضغائن الكاذبة ،غير مشفق على الوطن من فتن لا طائل من ورائها.ألا فقد ضعف الطالب والمطلوب.
نعم انحاز الملك:
الى الفقراء،حينما انحاز رئيس الحكومة الى الثروة الفاسدة،يسبح بالعفو عنها في الغدو والآصال.
الى الفقراء الذين ليس لهم خراج من غيم بعبر سماءهم ؛حيث هم ،خصوصا سكان الجبال ،منافي الأحجار،والقمم الباردة.
الى طرح الأسئلة المحرجة لكل الفاعلين الحكوميين و السياسيين ،والنخب الفكرية ؛حتى تتحرك المياه الراكدة مولدة الدفق المطلوب .
في هذه الظروف الدولية والعربية الاستثنائية؛وفي وضع وطني استثنائي ؛نموا وأمنا – رغم اكراهات الموارد والتدبير-تصبح الجهود الاستثنائية أعز ما يطلب.
ومن هنا لا غرابة أن يتصدى ملك لنقد ملك،وحكومة ووطن ؛مؤسسا مدرسة لتخريج مغرب آخر .
ramdanemesbah@yahoo.fr
ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire