لنتعلم كيف نواجه أمريكا
رمضان مصباح الإدريسي
دون كراهية:
مهما بحثنا في مناهجنا التربوية ،وفي توجهات وبرامج أحزابنا ؛وحتى في القناعات والممارسات الراسخة لدولتنا ،وفي تاريخنا الذي توقف ،مليا،في محطة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن التاج البريطاني – وهو استقلال ثوار –لا ليرفض ،كما فعلت الكثير من الملكيات الأوروبية ؛ولكن ليعترف اعترافا متبصرا ومستشرفا للمستقبل،ومعبرا عن حضور دولي وازن،للمغرب، بين الأمم..
مهما بحثنا فلن نجد ما تستند إليه في تعلم مواجهة أمريكا،دون كراهية لها ولشعبها.
والحق يقال ؛لسنا الفقراء الوحيدين- ضمن الدول العربية- في هذا التخصص الديداكتيكي السياسي الجديد علينا؛وهو كما نعلم أصبح تخصصا إيرانيا بامتياز ،لأنها أرسته وقعدته في برامجها التربوية ،السياسية و حتى الإيديولوجية ،منذ وصول الإمام الخميني إلى سجاد السلطة.(لم يكن يجلس على عرش)..
يهمنا النموذج الإيراني هنا – في وجود هجائيات كاسترو ،ونوادرشافيز ،و صواريخ كيم جونغ،وحتى مغاضبات ناتانياهو – لأنه الأقرب إلينا ،والأكثر وعيا و اكتمالا وبروزا ؛ولأنه يدلي في كل يوم،على غرار الأفلام الهندية القديمة، بمآلاته السعيدة؛ مادام » الربيع العسكري » الأمريكي في الشرق الأوسط ،أفضى إلى تدرج انبعاث الإمبراطورية الفارسية القديمة ،التي تَحَيَّفَها ، في ما تحيف ، التاريخ العربي الإسلامي.
وقد أظهرت الأيام الفارسية الحديثة للعرب ،العاربة والمستعربة على السواء،أن الاستثمار في هذا التخصص ،يعود بفوائد إستراتيجية مهمة ؛تُغطي كل خسارات المقاطعة الاقتصادية ،وكل تفاصيل تصريف النزاع؛ شريطة أن يعرف راكب الأسد كل البروتوكول الخاص بركوب الناب والمخلب.
لقد تتبعنا جميعا المفاوضات العسيرة، حيث كان وزير الخارجية الإيراني ،محمد جواد ظريف- وهو في منتهى الحبور والبشاشة واللطف- يواجه كبار العالم ،وصقوره،نوويا: بريطانيا ،الصين ،فرنسا ،ألمانيا ،روسيا والولايات المتحدة.
لقد صدق « أروند ابراهيميان » صاحب كتاب « تاريخ إيران الحديثة » حينما قال:
» لقد دخلت إيران إلى القرن العشرين بالثور والمحراث الخشبي ؛بينما خرجت منه بمعامل للصلب، وواحد من أعلى معدلات حوادث السير في العالم ،وببرنامج نووي يثير الذعر لدى الكثيرين ».عالم المعرفة،ع:409،فبراير 2014.
هذا في الوقت الذي فُتِّشت فيه حتى أحذية بعض وزرائنا(المغرب والجزائر) في المطارات الدولية.
بل فُتش حتى أمراء عرب كبار في مطارات الولايات المتحدة الأمريكية.
لكل حادث حديث طبعا ؛لكن الاهانة ثابتة،ولا تفسير لها – أمريكيا وغربيا- إلا بكون الإرهاب بالسلاح النووي يستدعي الاحترام والتبجيل ،عكس إرهاب أقصاه حزام ناسف بمسامير.
وفي الوقت الذي لم يجد رئيس الحكومة الفرنسية أي حرج في التشهير بمرض مضيفه الرئيس الجزائري،ووجوده خارج التغطية.
ورغم هذا يبقى أن أهم ما اكتشفه العرب ،متأخرين طبعا، أن رجالات الدولة الأمريكية أميل إلى تقدير من يصادمهم ويصدمهم ويعاديهم. هذا ما نستفيده – عدا الحالة الإيرانية – من قراءة مذكراتهم؛حينما يحشرهم تقاعدهم في زوايا الصدق مع النفس والغير؛لكن لعظمة أمريكا دائما.
السهل ،المستباح ، المنبطح ،مثير للملل والنفور؛ وهل في مرجعية « الكوبوي » ؛وهي كل ما نعرفه
لهم من تاريخ، غير الرحيل الدائم صوب المجهول ،عبر مسالك غير مطروقة ؛مهما كانت الأخطار ؟
يدلي التاريخ الأمريكي ،وهو بقشرة واحدة كما نعرف، بكون السلف الأول لإحدى العائلات الأمريكية الثرية جدا اليوم ، ،كان يقسم ألا يبيت ليلته في مكان تدركه فيه عربات المهاجرين الأوروبيين .
انه عشق أمريكي قديم للصدام والمواجهة ،لم يعرف ساسة العرب كيف يستفيدون منه؛ رغم أنهم شاهدوا آلاف الأشرطة الأمريكية الرعوية ،وعايشوا غير قليل من الوقائع الدولية التي أبانت فيها هذه القوة الدولية الكبرى (عشر مرات القوة الأوروبية)،عن خدمتها للسينما أكثر من خدمتها لسياسة دولية ،منتجة لأوضاع عالمية جديدة وعادلة.
» يصيبون دائما،لكن بعد ارتكاب كل الأخطاء » على حد سخرية ونستون تشرشل ،الذي عرف كيف يركب الغطرسة الأمريكية والاستبداد الستاليني لدحر النازية والفاشية.
حتى الذين كانوا تظاهرون،من قادة العرب الشباب،وقتها، بالعداء والممانعة والمواجهة،كشفت الأيام أنهم كانوا مجرد أنبياء قوميين كذبة ،يُرسخون الاستبداد العربي ،باسم قضايا الأمة المصيرية،التي لا عداء لها إلا من أمريكا واسرائيل.
لم يقل أحد من هؤلاء بأن الديمقراطية والعدالة على رأس هذه القضايا المصيرية؛وأنها « أم المعارك ».
لم نتنافس ،كأمة عربية، في شيء – ونحن صادقون- تنافسنا في حب أمريكا .لاحت جمهورية أم ديمقراطية لا يهم،فهذا نعتبره شأنا داخليا يخص الشعب الأمريكي .
وعليه فنحن اليوم ،في المغرب وغير المغرب، أثرياء في الحب الأمريكي ،وفقراء في المواجهة البناءة ،التي نفرض بها وجودنا وشخصيتنا الدولية ؛بل ونستجيب فيها حتى لنهم الصدام والتحدي الذي يطبع المزاج الأمريكي ،وخصوصا الرسمي.
كتلة العضلات التي فتلتها أمريكا،منذ إبادة الملايين من رؤوس الجاموس ،قهرا للهنود الحمر، تتوق إلى العراك ،وليس إلى الكتف الواهنة التي تنتظر اليد الرابتة.
لا صداقة بين الأمم:
كان الزعيم الفرنسي » شارل دوغول » – وقد استفاد كثيرا من حكمة الأسد الانجليزي الرهيص ،تشرشل- يردد أمام أصدقائه: الصداقة الإنسانية بين الرؤساء ممكنة ؛أما بين الأمم فهي مستحيلة.
من هنا سعيه الدائم إلى قامة فرنسية دولية، تطاول القامة الأمريكية .هو نفسه بلغ من الطول عُتيا:1،90م.
تتوزعنا الآراء، اليوم، في المغرب ؛ونحن نفسر المفسر ،منذ زمن. نفسره إما غاضبين أو شامتين .بل منا من أخذ يُسرع نبوءة انهيار أمريكا ؛وكأن من علامات ساعتها التطاول على المغرب.
يبدو لي أننا ،في جميع الحالات، نصدر عن هلع سياسي دولي ، ونصرخ صرخة الجنين المفارق لدفء الرحم؛حتى وهو مقبل على الأوكسجين والحياة.
لم تسلم أمريكا – قبل نوازل الخليج – من أقلامنا ،ولم يدخر يسارنا جهدا وهو يطيح ،لعشرات السنين ،بالامبريالية العالمية وراعيتها ؛لكن في عقلنا الباطن subconscient كان يوجد دائما ظل نحتمي به ؛وهو كون ملكيتنا صديقة للولايات المتحدة ؛صداقة مُحفظة بصك تاريخي مثخن زمنا.
لا خوف علينا من أمريكا لأن أمريكا خالة المخزن.لا خوف علينا حتى من العالم ،ونحن بكل هذه العمة الهِركولة . ولا خوف علينا حتى من الجفاف في وجود قمح الغرب الأمريكي. أو لم يشارك الدقيق الأمريكي في انتخابات الستينيات من القرن الماضي؟ أو لم يرتدِ فقراؤنا في البوادي، ما خيط من الأكياس البيضاء ،التي كانت تصرخ بكونها « هدية من الشعب الأمريكي »؟.هذا حصل وكل جيلي رآه معاينة.
فجأة وجدنا أنفسنا خارج الظل ؛لم يحصل الدفع لا من يسار ولا من يمين ؛لا من حكومة ولا من برلمان ؛بل من خطاب ملكي – خليجي – وضعنا أمام الصورة كاملة:
حسابات دولية إستراتيجية،حمالة حطب لكثير من خرائطنا ،المشتعلة فعلا ،والقابلة للاشتعال . حسابات دولية لا مكان فيها لكل ما دأبنا عليه في تصريف أمر حيزنا الجغرافي ،ضمن العالم.
ولا مكان فيه لدواوين المجاملة التي لم نحفظ سواها. أو لم يقل المستشار « فوكوياما » بأن التاريخ كله مات.كل التاريخ مات ،ونحن ما زلنا نحفظ المتنبي وأبي تمام ؛ونطالب بتوقير أبي هريرة.
فجأة أصبح حتى يسارنا الجذري تلميذا في مدرسة الملكية الثائرة. من هنا هلع النخب الفكرية ،أما العامة فهي بين الدعاء والوعاء ،وشروط الأمعاء ،التي غدت قاسية جدا ؛لاتترك وقتا حتى لسياسة « الحومة » ..
نحن في وضعية جديدة تماما. وضعية تتطلب منا الشروع في بناء الثقة بالنفس ؛فالجنين لن يعود أبدا إلى الرحم،لكنه سيتأكد تدريجيا بأن الهواء الطلق ،ولو بعيدا عن الأم،أفضل.
لا يفيد في شيء أن نصدق تقارير الخارجية الأمريكية ،أو نكذبها ؛أو ندلي بكونها تمسكت بهذا واعتذرت لهذا. لا يفيد في شيء أن نجلد الذات أو نتشفى في الخطاب الرسمي.
لا يوجد ما يمكن أن يثير بهجة بعض الجمعيات التي توفر الوقود لمحركات دولية مزعومة لحقوق الإنسان.
أقول هذا وأنا أستعيد بعض ما قاله المرحوم الحسن الثاني ،وهو يعظ المرحوم ياسر عرفات، قبل قمة « كامب ديفد »: هؤلاء يمكن أن يجعلوا منك مجرما ،أو بطلا،على هواهم ،وقتما يريدون.
علينا أن نختزل كل السرعات التي تسير بها الدولة في سرعة واحدة؛يُضبط لها المحرك ضبطا دقيقا ،حتى يَدفع بكل قوته. سرعة واحدة عنوانها :الوطن ،فعلا للجميع.
شركاء فعلا في الفقر ،وفي الثراء.في السلم وفي الحرب.
شركاء متساوون في بناء مؤسسات قوية وعدالة عادلة فعلا؛بحركة آلية تحتكم ،فقط، إلى « الفيزياء القانونية ».
إذا لم يكن الظلم الاجتماعي يؤلمنا نحن – هنا والآن – قبل أي ملاحظ آخر ؛فلا فائدة في التقارير ،ولو نزلت وحيا من السماء. إذا لم تكن بذورنا تنبت حقوقا في حقولنا ،فلا خير في بذور تأتينا من حقول الناس .
إذا كنا نكذب على أنفسنا فلن يفيدنا في شيء الصدق مع محيطنا الخارجي ،أو الكذب عليه.
يجب أن نعترف لأنفسنا – أولا – بأن الزمن المغربي ،منذ الاستقلال- وليس الثروة فقط، -غير موزع بالتكافؤ ،على كل تفاصيل خريطتنا:
جهات ترى فيها الستين سنة رأي العين ؛وجهات لم تصلها غير سنوات معدودة من التنمية. وهناك جهات خارج الحالة المدنية تماما؛وكأنها تنتظر الفتح من المريخ فقط؛الذي يجود عليها بعض المرات بأحجار.
هل هذا الواقع يحتاج إلى تقرير من الخارجية الأمريكية؟ أغبى مقدم دوار يمكن أن يزودنا حتى بضوائق الحشرات والثعابين ،فكيف بحقوق الإنسان ،ومن يملك ولا يملك.
ورغم كل هذا تواترت ،منذ عشرات السنين ،تقارير المدح من الخارجية الأمريكية ،إياها.
علينا أن نشتغل على تقارير الثقة بالنفس ،وتقارير استعادة زخم الحركة الوطنية ،التي لم تعد تذكرها غير المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير.
نحن ندخل منعطفا جديدا ،لا أراه إلا منعطف خير ؛إن أضفنا إلى برامجنا السياسية والتعليمية مادة » مواجهة أمريكا » ؛لكن بالإفحام وليس بمجرد الكلام.
وعلى الولايات المتحدة أن تعترف ،اليوم ،باستقلالنا عنها ؛كما اعترفنا باستقلالها يوم 4 يوليوز 1776.
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire