إرهاب الفكر الجاد أحد أهداف دوائر النفوذ في العالم
سبق لعالم اللسانيات والمفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي أن كشف في مقال له عن » استراتيجيات التحكّم والتوجيه العشر » التي تعتمدها دوائر النفوذ في العالم للتلاعب بجموع النّاس ، وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم تحت عنوان « الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة « .
و من المرتكزات التي تقوم عليها استراتيجية التحكم في الشعوب، أثارتني نقطة هامة وهي » استثارة العاطفة بدل الفكر ». وهي تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار و رغبات و مخاوف و نزعات أو سلوكيّات.
والملاحظ اليوم أن علماء الأمة ومفكروها يتعرضون لهجومات غير مسبوقة و حملات قصف إعلامي ممنهج بغرض ثنيهم عن الاجتهاد والتجديد وإنتاج الأفكار والرفع من مستوى الوعي لدى الناس. وفي أحسن الأحوال يكون مصيرهم الإقصاء والتهميش والتجاهل.
إرهاب وتهديد ومحاكمات هي ضريبة لا بد منها لكل من نذر نفسه للإسهام في نشر الوعي وإشاعة نفس الاعتزاز بالهوية الحضارية والانتماء للأمة الإسلامية واللغة العربية وساهم في تسفيه الرداءة والارتقاء بالذوق الفني والحس النقدي.
في هذا السياق، يجب أن نفهم الضجة الأخيرة حول نكتة قديمة ميكروسكوبية في ركام هائل من المحاضرات والندوات و زخم كبير من الكتابات العلمية للمفكر والداعية الدكتور المقرئ الإدريسي. نكتة تلقفها النافذون، فبدأت تتدحرج مثل كرة الثلج و تبعتها ضجة إعلامية ولغط لا منتهي، ألهت المغاربة عن أهم قضية راهنة وهي الانتقال الديمقراطي والمضي في الإصلاحات الكبرى.
لا شك أن هذه الحملات تندرج في مسلسل صراع حضاري تميز بوأد الطاقات الفكرية والعلمية في الوطن العربي، ومن تجلياته محليا التطاول على البخاري وأبي هريرة، ثم الهجوم على العلامة مصطفى بن حمزة والحملة المغرضة التي تعرض لها الداعية عبد الله نهاري الذي اتهمته القناة الثانية بالتطرف وبالتحريض على القتل، دون أن تكلف نفسها عناء الاتصال به وعرض وجهة نظره في قضية المطالبة بالحريات الجنسية وإلغاء الفصل الذي يجرم الزنا.
لكن الغريب في الأمر أن إعلامنا الرسمي هذه المرة التزم الصمت أمام تعرض المُقرئ للتهديد بالقتل من شخص متعصب يعرض مكافأة مالية مغرية… وكأن الغازيوي مغربي والمقرئ لا !
نفس الموقف المتخاذل نسجله في حق الجمعيات الحقوقية ونقابة الصحفيين التي ترعد وتزبد لما تهدد فنانة أو ممثلة أو شاذ جنسي، وتخرس لما يهدد مفكر كبير من حجم المقرئ.
تخيلوا معي لو أن الإعلام الرسمي فتح برامجه الحوارية في وجه أساتذة أمثال المقرئ و الريسوني والمنجرة … و فتح سهراته الفنية في وجه فنانين من طينة بزيز و مسرور …
وتخيلوا معي لو أن الجهات الرسمية تُكرم سنويا العلماء والمخترعين أمثال الكميائي الوجدي حموتي بلخير صاحب 8 اختراعات و500 مقالة علمية أو الشاب عبد الله شقرون صاحب المحرك الدوار الذي أبهر العالم… وتخيلوا معي لو أن مشاريع تربوية شبابية مثل « كن إيجابيا » أو « عفتي سعادتي » أو » يالاه نقراو » أو « صناع الحياة » أو « فاعل خير » عمت كل مؤسساتنا التعليمية والفضاءات الشبابية التي يهيمن عليها الآن تيار معين… لو كان كل ذلك وقاعا معيشا، أكانت الأصوات المتطرفة من جميع الاتجاهات تجد لها صدى في مجتمعنا؟
Aucun commentaire