Home»Débats»للمغاربة خصوصيتهم..حتى في المعارضة السياسية

للمغاربة خصوصيتهم..حتى في المعارضة السياسية

1
Shares
PinterestGoogle+


       في أشكال المعارضة السياسية :

   حينما نتحدث عن المعارضة السياسية فلا بد أولا من  التمييز بين أشكال ومظاهر تحققها. فهي رسمية مؤسساتية تمارس بواسطة الأحزاب في المجالس التشريعية، أداتها هي الهيئات المنتخبة المخول لها الإنابة عن الشعب . أو شعبية يمكن قراءة تمظهراتها في الأضرابات الناتجة عن أداء سياسي مرتبك وذي حصيلة اجتماعية مكلفة . كما يمكن قراءتها في الإحتجاجات التي يمارسها الشارع سواء أكانت هذه الإحتجاجات عفوية ناتجة عن بلوغ طنجرة الضغط الشعبي مداها في الإحتقان مثلما حدث في الربيع العربي، أو بتأطير من الهيئات المدنية والحقوقية فتكون ممارسة مستمرة في الزمان ومحايثة للأداء الحكومي الرسمي .

   والمعارضة السياسية قد تكون معارضة للحكم أو معارضة لنظام الحكم ، أي معارضة الأسس الدستورية التي يتم بمقتضاها تنظيم الحكم وممارسته. ففي معارضة الحكم تنشط آليات الإنتقاد لأساليب التدبيرالحكومي، إذ كلما استشعرت هذه المعارضة اختلالا أو ضعفا في الأداء ،لجأت إلى تجييش أجهزتها وأذرعها النقابية لوضع الحكومة أمام مسؤولياتها . أما معارضة نظام الحكم فتنتصب في أعلى مراتب الفعل المعارضاتي على الإطلاق ، وقد يكون الإستغراق في معارضة الحكم وانتظام وثيرته سببا آخر في معارضة نظام الحكم ذاته. ذلك أن المعارضة السياسية للحكم ، خاصة إذا كانت متجذرة وذات مصدافية ،من شأنها أن تشحذ وجدان الجماهير وتؤلبهم على نظام الحكم الذي ترى فيه هو الحاضن والحامي للفساد الذي يتهددها. وحيث أن نظام الحكم هذا،وفي جميع الأحوال، لا بد وأن يكون مسيجا بمتاريس من البنود القانونية والمساطر الدستورية المفصلة على المقاس ، فإنه من غير اليسير أن تجد نافذة توجه عبرها النقد لهذا النظام وبالأحرى الجهر بمعارضته      

      الخصوصية المغربية في المعارضة السياسية :

     إن تاريخ المعارضة في المغرب يتميز بطابع انتظامي رغم ما يروج على أنه إجماع وفبول طوعي بشروط اللعبة السياسية . فلم يثبت قط ، منذ بداية القرن العشرين على الأقل، أن عرف الحكم في المغرب توافقا طوعيا خالصا ومستمرا في الزمان. ولا أدل على ذلك من تواتر حالات العصيان و المغامرات الإنقلابية التي شكلت نتوءات دامية في تاريخ المعارضة السياسية بالمغرب،إذ كان بعضها موجعا بسبب جنوحه الدراماتيكي إلى العنف ولعب  » الكل للكل » ، وبعضها الآخر كان حافزا للجماهير الشعبية لتصمد وتنظم نفسها لتكون أداة هذه الجماهير ورأس حربتها لمصلحة التغيير، انطلاقا من قولة:  » الضربة التي لاتقتلك تقويك ».

   وحيث أنه لا يمكن رصد حقيقة المعارضة السياسية في المغرب في حجمها وقوتها إلا باستحضار سياقها التاريخي والمجتمعي، فقد بات من الضروري التمييز بين ما شكل منها حدثا مشهودا وتاريخا فاصلا، ويبن ما كان من قبيل الأداء الموازي لسيرورة النسق السياسي القائم . فلكل شكل في المعارضة دوافعه وخصائصه والجهات التي تحضنه وتدبره. فالمعارضة التي قادها كل من أبي حمارة والريسوني في شمال المغرب كانت بغرض الإنشقاق عن الحكم السلطاني أو الحلول محله ، ولم يكن لها سندا شعبيا كاسحا ، فغاية ما كانت تعول عليه هو ثلة من المنتفعين المحيطين بالزعيم المنشق ، الخائفين من بطشه والضامنين لولاء القبائل وطاعتهم العمياء . لكن لهذا الوضع ما يبرره ، فالقبائل آنذاك كانت تعيش واقع العزلة وضعف التنسيق ، ولم تكن هنالك حراكا مجتمعيا ضاغطا بالشكل الذي نشهده اليوم . لكن في فترة الإستعمار وما تلاها ،تنامى الحس الوطني لدى مختلف الفئات الشعبية بسبب الإحساس المشترك بوطأة الإحتلال وتبعاته السياسية والإقتصادية . فكانت الحركة الوطنية رأس الحربة في معارضة الإستعمار، قبل أن تتحول إلى معارضة النظام ذاته، بعد أن نصب هذا النظام نفسه وريثا للحكم بلا منازع وشرع في فرض الأمر الواقع بتنصيب حكومة نيواستعمارية . لم تخب هذه المعارضة ولم تستكن ،واصلت نضالها على أساس أنها هي الجديرة بتدبير دفة الحكم وبالتعبير عن آمال الشعب ، لولا أن النظام مسنودا بالطبقة المخملية المحيطة به كان سباقا إلى التقاط الإشارة فور نيل الإستقلال « الصوري » فحصن نفسه من أي اختراق أوطمع في استعادة السلطة من بين يديه .

  بقيت إذن هذه المعارضة تصارع الدولة أو مايسمى بالمخزن، الذى هو ملمح آخر للخصوصية المغربية ، من أجل تأسيس تقليد إيجابي يتمثل في التناوب على السلطة بشكل سلس وسلمي . لكن الأدوات التي وظفتها في هذا الصراع هي أدوات غير فعالة وغير متكافئة مع الطرف الآخر . فالطبقة المتوسطة المعول عليها في قيادة التغيير لم يكن لها وجود آنذاك ، والغالبية الساحقة من المجتمع تعيش واقع الفقر والتجهيل ، وهي أميل لقبول أوضاعها كما هي من أن تخوض مغامرة غير مضمونة النتائج من أجل تغيير شروط عيشها. أما الجيش فبالرغم من أنه  من الشعب ويمول من طرف دافعي الضرائب- أي الشعب- ويعود أمر تأسيسه إلى حماية هذا الشعب ، فإنه حسم أمره منذ البداية وارتبط عضويا بالنظام . وبالتلي فلم مجال للحديث عن تغيير موقعه إلا بالشكل الدراماتيكي الذي يحيل على الإنقلاب وتهديد الإستقرار.

   وكأي صراع مفتوح وممتد في الزمان، لا يمكن أن نأمل كثيرا في ضربة حظ أو في ظرف استثنائي تحدث فيه المعجزة، بالضربة القاضية التي تنتصر للجدارة في تحمل المسؤولية  وتقطع مع أساليب احتكارها ، لذا فلا نستغرب إذا رأينا كيف انتهى الأمر بهذه المعارضة من معارضة نظام الحكم إلى معارضة الحكم والتفاوض على آليات تدبيره، وأصبح رموزها يرضون حتى بمناصب وزارية لا يملكون من أمرتدبيرها إلا الواجهة .

    انتهى إذن الصراع المرير بهذه المعارضة إلى كيان منهوك ومنزوع الأسنان،لا يقوى على التأثير وفاقد للمصداقية في معظمه . لقد عمد المخزن بشكل احترافي وماكر إلى تلغيم مسارها بتمكينها من إدارة دفة الحكم في وقت كان فيه البلد على حافة السكتة القلبية.    

      كيف يمكن أن تكون معارضا في مغرب اليوم ؟

     لكي تكون معارضا معترفا بك في مغرب اليوم فمن الضروري أن تستجيب لشروط ثلاثة لا بد من توافرها:

       1_ أن ترضى عنك السلطة رضى لا يمكن أن تشعر معه أنه في يوم من الأيام سيصبح بإمكانك أن تربي الريش وأن تشب عن الطوق، وتنازعها أو تعاكس طموحاتها الأصلية والثابتة في استمرار قبضتها على مقدرات الأمة. وهذا معناه أنه من الجائز لك أن تعارض وأن تنتقد مورفولوجيا السلطة وبعض أشكال إدارتها. أما نواتها الصلبة وجوهر وجودها فمحظور استدراجه إلى حلبة المساءلة والمحاججة.

       2_ أن تكون موضوعا للمساومة، في تفسير مغرض لمبدإ أن السياسة هي فن تدبير الممكن .لذلك فلا ضير أن تستبدل قناعاتك متى كان ذلك مطلوبا لخدمة أحندة ما ، ولن تجد حرجا في تبرير ذلك.

       3_أن تكون ذا جبهة عريضة مع أنه يكتب عليك أن تمارس دورك في المعارضة على جبهة ضيقة وفي نطاق محدود الصلاحيات والتأثير. ومن كانت جبهته عريضة فبإمكانه أن يلبس الحق بالباطل ويموه على المطالب الحقيقية بادعاء نضال مغشوش  وترويج خطاب ديماغوجي . وأن تستجيب لشرط الوجاهة الإجتماعية في مجتمع تطغى فيه الأمية بشقيها الألفبائية والسياسية. وأخيرا لا بأس من إتقان فن الخطابة لإتاحة البروز الإعلامي الذي يعطي الإنطباع بجدارة المخاطب .

    ذلك هو بروفايل المعارض السياسي في بلدنا المغرب . هو معارض لا يعارض مصالحه الشخصية، ويعارض من أجل أن تكون هنالك معارضة، ولا يعترض على أي تقليص من صلاحياته في ممارسة المعارضة الحقيقية، كما هو متعارف عليها في الدول التي تحنرم اختيارات شعوبها.

 

                                                                        محمد اقباش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *